شكلت عودة الإمام المخلوع محمد البدر بن أحمد حميد الدين، وهو آخر أئمة المملكة المتوكلية في اليمن وأفراد من أسرته وأركان نظام حكمه السابق الذين كانوا قد فروا معه خارج البلاد أو خارج العاصمة صنعاء بعد قيام ثورة 26سبتمبر ، ولم يكن قد مر على غيابهم أو اختفائهم خمس سنوات وهو عمر الثورة ، حينما استقبلتهم الحشود القبلية الموالية لهم في شمال الشمال وبقايا " عكفتهم " العسكريين والمرتزقه ،التي حشدت الامكانات الضخمة والتجهيزات العسكرية للانقضاض على الثورة والجمهورية في تلك اللحظة التي واكبت خروج القوات المصرية من اليمن ضمن المتغير الذي أقدمت عليه حركة 5 نوفمبر 1967م. تشير التقديرات أنه لم يكن هناك معلومات استخباراتية مؤكدة على أن هناك محاولة يجري الإعداد لها لحصار العاصمة صنعاء تمهيدا لإسقاط النظام الجمهوري والثورة، في حين أن الأمر لم يستغرق سوى بضعة أيام وتحديدا منذ إنقلاب 5 نوفمبر بقيادة حركة الضباط داخل المؤسسة العسكرية والمواقف المتباينة داخل الصف الجمهوري وموقفهم من بقاء القوات المصرية حينها ،والتجاذبات والاتهامات المصرية للسعودية بإستمرار دعم النظام الملكي والتحالفات القبلية ضد ثورة 26 سبتمبر ليتفاجأ الجميع بالتحشيدات القبلية والعسكرية المدعومة بإمكانات هائلة من الاسلحة والمعتدات المتطورة بمختلف أنواعها " صواريخ ، ومدافع ، وأسلحة فردية ، وخبرات عسكرية - أمريكية وفرنسية - إلى جانب القوى البشرية الكبيرة ، بما يزيد على 85 الف مسلح " (1) تحاصر العاصمة صنعاء ومن كل اتجاهاتها . ففي 28نوفمبر 1967م بدأت جحافل حصار السبعين يوما بالتحشيد في مداخل العاصمة صنعاء، متزامن مع الدعم السياسي والعسكري المقدم من المملكة السعودية ،وهو ما يعني أن السعودية قد انقلبت على الاتفاق الثنائي الذي أبرمته الحكومة المصرية معها ، على انسحاب القوات المصرية مقابل عدم دعم الملكيين من قبلها ، وهو ما لم تلتزم به السعودية معتقدة بأن الوقت موات جدا ، وأن النظام الجمهوري لن يصمد هذه المرة ، وأن الوضع المنفلت في العاصمة صنعاء مرشح للتدهور أكثر - نظرا لدور أتباعهم في تهيئة الوضع في الداخل - مع مؤشرات ومعطيات تقديرية مؤكدة ضعف وانقسام الصف الجمهوري المتصاعد وتيرته منذ العام 1966م ، وصولا إلى ذروته في منتصف 1967م ، وهو ما عزز القناعات لدى القوى المتآمرة في " معطيات عدم التوازن بين القوى "(2) وتحديدا العسكرية والسياسية في حتمية الانتصار في المعركة وسقوط صنعاء والنظام الجمهوري بأكمله . ما يمكن أن نشير إليه في هذا السياق هو أن حركة 5 نوفمبر لم تكن أحد العوامل التي ساهمت في إضعاف وانقسام الصف الجمهورية كما يحلو للبعض وضعها ضمن العوامل التي إتاحة للقوى الملكية الاقدام على حصار صنعاء بقدر ما كانت حركة "ضرورية وحتمية لإنقاذ الثورة والنظام الجمهوري من الانهيار "(3) وحالة الارتباك التي سببتها انسحاب القوات المصرية عقب نكسة يونيو ، في الوقت الذي ما تزال المؤسسة العسكرية لم تكمل بنائها بالشكل الذي تكون فيه على استعداد كامل للقيام بمهامها القتالية ضد القوى الرجعية من الاماميين والمرتزقة. الدلالات التاريخية التي تجعلنا نتوقف عند عاملين ساهما في كسر حصار السبعين يوم الذي تعرضت له العاصمة اليمنيةصنعاء فقد مثل إنخراط الشباب القادمين من مناطق عديده في اليمن ضمن صفوف المقاومة الشعبية التي بدأ نشاطها في أواخر نوفمبر67م عامل رئيس في رفد وتعزيز صفوف الوحدات العسكرية المسانده للنظام الجمهوري في داخل العاصمة صنعاء ، وتخفيف الضغط من خلال القيام بعمليات نوعية ضد قوات الملكيين المتمركزة في الجبال والمناطق المحيطة بصنعاء من الخارج ، والعامل الثاني تمثل في تحقيق استقلال جنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967م مشكلا بذلك إنتصارا معنويا للشركاء الوطنيين في الحركة الوطنية المواجهة للهجمة الغادرة والشرسة على الثورة والنظام الجمهوري في شمال الوطن ، كما مثل أيضا تعزيزا لقوة وجاهزية المقاومة الشعبية لفك الحصار عن العاصمة صنعاء ، وكان لهذين العامل وعوامل أخرى كثيرة وصولا إلى فك الحصار ودحر القوى الإمامية والظلامية المسنودة بدعم من القوى القبلية والجهوية ، وتآمرات إقليمية ودولية ، والإنقسام داخل المؤسسة العسكرية نتيجة تباينات الرؤى داخل الصف العسكري وخاصة فيما يتعلق بالموقف تجاه إنقلاب 5 نوفمبر 67م ، وهو ما سهل للطموحات القوى الرجعية الإماميه للانقضاض على الجمهورية والثورة والعودة الى النظام الملكي . يبدُ أننا أمام مشهد تراجيدي يعيد تكرار نفسه من الناحية التاريخية ، لكنه يختلف عنه في أهدافه وطموحاته من الناحية الموضوعية . وإن كانت العاصمة صنعاء والنظام الجمهوري حينها قد خرج منتصرا على الأقل بإعتبار أن الملكيين لم ينجحوا في الوصول إلى هدفهم وهو إسقاط صنعاء والنظام الجمهوري في 67م وبعد أقل من خمس سنوات – من الناحية التاريخية - من عمر الثورة .. فإن صنعاء اليوم قد سقطت فعلا وبأيدي نفس القبائل وعلى إثر ثورة شبابية شعبية لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات ولم يتحقق من مضامين ثورتهم السلمية غير هذا الإنقلاب المسلح عليها وعلى أحلامها . وأما من زاويتها الموضوعية فما تزال التكهنات لم تأخذ سياقا مكتملا لأهداف وطموحات هذه الميليشيا المسلحة التي اسقطت العاصمة صنعاء وبقوة سلاحها ومخزونها البشري الذي كونته داخل مناطق وجغرافية لم تعترف يوما بخضوعها للدولة المركزية والانظمة الجمهورية السابقة وهو يجعلنا نشك في نوايا واهداف هذه الجماعة ،وعدم وضوح مشروعها الذي يبد ضمن حالة إستقطابية تشهدها المنطقة العربية ، كما أنه لا يتوانى من إظهار بعض من نقاط صدقية هذا التوجه . في حين أن ورقة مطالبه وقدرته الاستقطابية– وان كان داخل جغرافيته – للمخزون البشري بشكل ملفت ، ما أكسبه مشروعية شعبيه إرادوية في طابعه الإنتفاضي في بداية انطلاقها ، وهو ما يعني نجاحه في توظيف أحد حوامل وشروط قيام الثورة بصورتها انتهازية اللحظة . المصادر: 1- اللواء عبدالله دارس (الأعمال القتالية في المحور الشمالي) ورقة مقدمة لندوة أبطال السبعين 2- على لطف الثور (الخلفية والأبعاد السياسية والاجتماعية لحصار السبعين) ورقة مقدمة لندوة أبطال السبعين 3- المصدر رقم (1)