طفتْ - عقب الأحداث الأخيرة- الكثير من المشاعر المؤجلة، والمواقف المُرَحّلة والمتّكأة على أيديولوجيات مختلفة - مناهضة وصديقة-كنتاج طبيعي يعكس حالة التشظي والعداء التي وصلتْ إليها البلد. ربما أفرزتْ هذه الأحداث ما يمكن أن نصفه بالإنتقال المُريح والسهل لعناصر وأطراف المعادلة المُؤرّقة( العسكر- القبيلة) ، بما في ذلك تحالفاتهما المشبوهة، إلى الجهة الأكثر نهَمَاً وعنْفاً، وبقدرة وكفاءةٍ-ربما- تفوق ما كانت عليه سابقاً، غير أن ما يؤسف له حقاً، أن هذا الإنتقال لم يتبعه أو يواكبه إنتقال الخطاب الناقد لهذا التحالف، ليمارس ماكان منه إزاء هذه الحالة المؤرقة، قبيل الإنتقال المدعوم بمنطق القوة والعنف والغَلَبة ، والتي تعتبر أهم الأسس التي يقوم عليها تكوين هذه الجهة ،وحاضنها الجديد. بين عمرانوصنعاء تتسع الهوة، وينصبُ التغيّر في الطقس السياسي شِرَاكه في المواقف والضمائر ، لتبدوَ كسلعة قابلة للبيع والمزايدة ، وتكاد الأحداث الأخيرة أن تمنحنا طريقةً ومقياساً جديدين، تمكّننا من سحب الضمائر وطرْقها، كلما دعتْ الحاجة لذلك. يسلك البعض - كمهرج سيرك- سلوكاً عدائياً ، دفعهم إلى تبني واقتراف جملةٍ من التناقضات ، والذي يفصح- عنه وبشكل أعم - السلوك الكتابي الموجه عند بعض الكتاب والمثقفين إزاء الحالة الراهنة ، و تحميل طرف ما جريرة ما يحدث اليوم ، وإلصاق كل مساوئ العالم به، متناسياً- بقصد أو غير قصد- الواقع الموبوء الذي نتحرك فيه جميعاً. لن نتنصلَ عن مواقفنا وكتاباتنا السابقة ، ولم نصل بعدُ لنفعل ذلك، وسنكون أكثر تمسكاً بهذه المواقف، ونحن نرى دائرة الإنتقام تتسع، وألسنة الفتك تتصاعد، وسنكون مبتسمين وبما يكفي لأن نُفْقِدَ المنتصرَ- كما يظن-لذته بالنصر. يكشف الحوثي - وقد وضعت الحرب أوزارها- عن الوجه القبيح وشرْع قطاع الطرق واللصوص في تعامله الفضّ مع قلب اليمن ( صنعاء) ومعارضيه السياسيين، والذين منحوه- كما يبدو- فضاءً مغايراً - لما ألفه- لعرض سوءاته التي بدأها بإنتهاك حرمات المنازل ومداهمتها وخنق الحريات وأصوات المعارضين له، وانتهاءاً بنهب آليات الجيش ومعداته العسكرية، ماقد يترك إنطباعاً أن الأحداث الأخيرة منحتْ الحوثي وصف لصٍ إضافة على كونه مجرماً وقاتلاً . لا يكاد الحوثي يختلف في 2014م عن المشترك وحماة الثورة في 2011م ، مع فارقٍ واضحٍ في سلوك كلّ منهما ، ليكون لصاً وبالطريقة التي يجيدها. لقد برع المشترك في مصادرة فرص الآخرين وأحلامهم، وسعى للإستحواذ على مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة في خطوة بدتْ قذرة ومستهجنة ، فيما الحوثي ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمل غباءه في مؤسسات الدولة العسكرية والسيادية نهباً وسلباً ، ما يوحي بأن ثمة دورة عنف قادمة ، لن يكون الحوثيون فيها سوى الطرف المواجه لعداوات كثيرة إكتسبوها أثناء ولوجهم الظافر صنعاء. لقد نجحت الجغرافيا -كما يبدو- في تقديم الصورة الحقيقية للحوثيين، والتي كانت مخبأة بصورة جيدة طيلة تواجدهم في جغرافيا صعدة، ويكاد توسع الحوثيين في الجغرافيا - التي يحكمون سيطرتهم عليها- يكشف سوءاتهم وعجزهم الحقيقي في إظهار النموذج الذي يعكس الحالة المثالية لشعاراتهم التي ملأت سماء صنعاء في ثورة يسميها الحوثي ثورة الجياع....... الجياع الذين تحولوا إلى لجان شعبية ، لا يخجل عبدالملك الحوثي أن يطلب من الجيش التعاون معها ، لإرساء الأمن والإستقرار في العاصمة التي وقعت غيلةً في قبضة مليشيا مسلحة ، لن تكون بديلاً لمؤسسات الدولة وأجهزتها- وإن كانت بالغة السوء- في يومٍ من الأيام. أخيراً لن نطلبَ من الحوثي أن يقدم نموذجاً ما مثالياً ، لأني - وبحسب رأيي الشخصي- لم أعوّل عليه في أن يقدم ذلك النموذج ، وحتى يفرغ الحوثيون من استكمال هضم صنعاء،سيكونون قد تركوا نموذجاً سيئاً في الذهنية العامة ، وستمدنا الأحداث بما يعزز كتاباتنا ومواقفنا من الحوثيين كميليشيا مسلحة، فقدت بوصلتها ، أثناء محاولتها الأخيرة لتكون جماعة ثورية بمظلومية شعب.