من السهولة على أي قارئ أو متصفح لملف الأحداث الجارية في هذا البلد ومنذُ أكثر من خمسين عاماً أن يهتدي إلى الأسباب والمعوقات التي حالت دون تقدم هذا البلد ودون ازدهاره ودون وقوفه على قدميه دون ترنح. وقوع هذا البلد على تماس جغرافي مع نظام يعتقد متوارثوه وفقاً لوصية مؤسس مملكتهم أن خيرهم وشرهم مصدره اليمن هو من أحبط حال أبناء هذا البلد ومن حال بينهم وبين الحياة الحرة والكريمة ومن أوقعهم في أكثر من شرك مؤامرة خبيثة وأكثر من معضلة ما إن يتطلعون إلى الخروج من إحداها حتى يقعون في شرك وفي مصيدة معضلة أخرى!. مشكلتنا إذا ما أخضعناها للتشخيص الواقعي والدقيق سنجد أنها تكمن في تهربنا حين يتطلب الامر منا الإفصاح عن أمراضنا وعن آلامنا وأوجاعنا، إذ عادة ما نشير إلى مواضع في أجسادنا لا علاقة لها بما نشعر به من آلام ومن أوجاع، الأمر الذي أسهم في تعقيد حالاتنا المرضية وفي مضاعفة آلامها لدرجة بات الاستعصاء في معالجتها هو الامر المسلم به. لاشك أن الجوار نحج في المهمة التي أُوصي بتنفيذها بدليل ما نحن عليه اليوم من فقر ومن بطالة ومن مجاعات مهددين بها ومن سوء تغذية يعاني منها نصف عدد أطفالنا ومن فساد مبرمج وممنهج طال كل مفاصل حياتنا ومن فوضى غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد... لقد نجح الجوار في شدّنا وشد هذا البلد إلى قرون ما قبل التحرر وما قبل التحضر هي أبعد ما تكون عن القرن الأول من الألفية الثالثة؛ بدليل ما نشهده اليوم من انتكاسات ومن تراجع مخيف في شتى المجالات. لقد نجح الجوار في سياساته الخاطئة التي مارسها علينا على امتداد عقود من الزمن بدليل ما افرزته هذه السياسات من أوضاع سياسية واجتماعية مقلقة وغير مستقرة.... لقد نجح في تحقيق كثير من رغباته، غير انه فشل في الاخير في إبقاء كل خيوط اللعبة في هذا البلد في يديه إلى ما لا نهاية، فها هو شمال الشمال الذي تحالف معه وتخندق معه في ستينيات القرن الماضي وعلى امتداد ثمان سنوات في مواجهة قوى الثورة والجمهورية يقف اليوم في خندق آخر وفي عرين آخر هو عرين الوطن، وها هي قبائل حاشد التي ظلت لعقود من الزمن أسيرة التحالف المشيخي مع هذا الجوار تقف اليوم في فضاء رحب لا سقف له؛ طالما تنشد الحرية والانعتاق من أية قيود أو تبعية مشيخية. لقد تغيرت أوراق اللعبة وأرقام المعادلة السياسية والاجتماعية في هذا البلد مما يستدعي عنده هذا الجوار وفي ضوء هذا التحول في المعادلة الداخلية تغيير سياساته وتغيير قواعد لعبته إذا ما اراد أن يشارك في لعبة الدول الإقليمية والدولية في ملعب هذا البلد المفتوحة أبوابه على مصراعيها، إذ أهم ما يجب على هذا الجوار فهمه وإدراكه أنه لم يعد اللاعب الوحيد في الساحة التي كان يمسك بخيوط اللعبة فيها، كما وأن قواعد وقوانين هذه اللعبة قد تغيرت بالكامل. في ضوء المشهد الراهن الذي اختلطت فيه كثير من الألوان وكثير من الأوراق الأقليمية والدولية بما في ذلك الورقة الإيرانية التي بات لها حضور واضح وملفت في ملعب الأحداث على الساحة اليمنية بفضل التقدم الذي أحرزته جماعة أنصار الله على أرض الواقع، سؤالنا في ضوء هذه التطورات وفي ضوء هذه الأحداث التي تتصدرها قبائل شمال الشمال كشاهد حال على اقتراب أفول مشروع الهيمنة والوصاية الذي دشنه الجوار في هذا البلد عام 1970م يوم أن اعترف بالنظام الجمهوري مقابل فرض شروطه على هذا النظام، سؤالنا هو: أما آن للجوار أن يغير من سياساته الخاطئة تجاه هذا البلد بعد أثبتت هذه السياسات فشلها على امتداد أكثر من أربعة عقود من الزمن؟. لقد جرّب هذا الجوار كل الوسائل التي أبقت على هذا البلد في ذيل قائمة الدول المتخلفة وفي خانة الدول المعرضة للفشل وفي نفق الشعوب التي تعاني من الفقر ومن الجهل ومن الأمراض ومن المجاعات ومن الفوضى غير المسبوقة في تاريخ هذا البلد... لقد نجح هذا الجوار في كل ذلك في حين غاب عنه أن كل هذه التصرفات اللا أخلاقية هي مدعاة للحقد وللنقمة عليه ولإفساح المجال أمام قوى متطرفة كالقاعدة مثلا في أن تجد لها تربة خصبة تنمو فيها وبيئة حاضنة تحتضن مشاريعها التي تشكل خطراً على هذا الجوار في المدى المنظور بل وثورة قد تمتد إلى هذا الجوار في المدى غير المنظور. لقد غاب عن هذا الجوار أن هنالك دول إقليمية صاعدة في القوة تبحث عن موطئ قدم لها في هذه الجغرافية وفي هذا الموقع الجغرافي الهام... من السهولة تحقيق رغبتها في هذا التواجد في ظل شعب يبحث عن بصيص ضوء وعن بصيص أمل وعن طوق نجاة يرمي به إليه بحيث يشعره بآدميته وحقه في الحياة وفي الوجود. لقد خسر الجوار الكثير مما كان يتمتع به من نفوذ ومن أوراق بعد أن نجحت إيران ومن خلال أنصارا لله في الولوج إلى ملعب هذا الوطن، هذه الخسارة التي تتطلب من النظام السعودي المجاور سرعة إصلاح ما أفسده في هذا البلد على امتداد عشرات السنين من خلال تغييره لأوراق لعبته وتغيير آليات تواصله مع الداخل اليمني، بحيث ينحصر تواصله مع السلطة الشرعية لا مع العملاء والمأجورين. ما يجدر بنظام المملكة المجاور هو سرعة مد جسور جديدة وصلبة في اتجاه النظام الحالي في صنعاء، وفي اتجاه مد جسور ثقة مع المواطن اليمني من خلال إقامة أكثر من مشروع تنموي في طول مساحة هذا الوطن وعرضه، وفي إعادة النظر في وضعية المغترب اليمني، كل هذا كعربون علاقة جديدة مبنية على الندية وعلى التآخي وحسن الجوار، إذ لا مجال للحد من النفوذ الإيراني في الخاصرة الجنوبية لهذا الجوار غير مسارعته نحو التنمية في هذا البلد ونحن التخفيف من ظاهرتي الفقر والبطالة في مقابل وقف صرف الاموال للعملاء في الداخل الذين لم ينتج عن عمالتهم غير التوازنات السياسية الجديدة وغير المشهد الراهن والماثل لكل العيان. على الجوار السعودي أن يعيد حساباته ألف مرة ومرة لحظة قراءته للمشهد اليمني الراهن، إذ لا سبيل أمامه غير تغيير سياساته تجاه هذا البلد وإلا عليه أن يقبل بالنتائج الكارثية في المستقبل القريب وغير المنظور إذا ما ظل على غيّة وعلى اعتقاده أن الوسيلة المثلى لإحكام القبضة على هذا البلد وعلى أبناءه لا تتأتى إلا من خلال العمل بسياساته السابقة. على هذا الجوار أن يمعن النظر في الخارطة اليمنية الحالية بحيث يرى وبوضوح أن شمال الشمال بات اليوم في قبضة القوى المناصرة للخط السياسي الإيراني في حين يتهيأ الجنوب للحاق بهذا الخط والذي إذا ما تحقق ستصبح الحدود الجنوبية للمملكة بالكامل على تماس مع الوجود الإيراني الذي لا يتطلب للحد من نفوذه إشعال الفتن في طول الوطن وعرضه وإنما الوقوف الجاد مع الرئيس هادي مع ضرورة ترجمة هذا الموقف إلى فعل ملموس من خلال ضخ الأموال السعودية لخزينة الدولة اليمنية بحيث يمكن للرئيس حل كثير من إشكالات هذا البلد ومنها حل إشكالات المملكة في ضوء المستجدات على حدوده الجنوبية في شمال الشمال ولربما ما سيطرأ على حدوده الجنوبية أيضا على تماس جنوب الوطن. [email protected]