الجزء الثاني من المشهد الثالث سيف : دعه وشأنه، فقد أذن له ضيفنا، حتى لا تكون عقدة بصدورنا كما قال (ابن اختنا)..يتمتم..ها هي العقدة تطاردني إلى ديوان المٌلك. المطلب : (دهشاً) ماذا يقول مولانا ملك اليمن، ورأس العرب الذي به تغضب. عامر : (مبادراً) وعندما (سار سيف إلى الشام، إلى الغساسنة، أبناء قحطان، أعتذروا عن مساعدته..اكتفوا بمنحه مشاعرهم المتعاطفة..اعتذروا لعدم قدرتهم على التمرد والخروج عن روما المتعاطفة مع الأحباش، ونصحه منهم التوجه إلى فارس، وعمل بالنصيحة دون أن يدري عندما قدم الحيرة،فقاده عامل كسرى إلى كسرى ملك الفرس) الحارث : ( ساخرا)تقول كلاما نعرفه، كم أنت ممل؟ عامر : ( متجاهلا)..انقسم العرب: الغساسنة الخاضعون لهيمنة روما، والمناذرة الخاضعون لهيمنة فارس، وإذا لم ترد فارس، وروما المواجهة أمروهما بالقتال نيابة عنهما، يستمتعان، وكل واحد منهما يجرب سلاحه، وذكائه..لا يهمهما، ليست دمائهما، ولا يهتم العرب بدمائهم التي تسيل، يجترون الماضي المشحون بالحقد والثأر..يتفق العرب على ما يضرهم، ويفرق شملهم، ولا يتفقون على ما يجمعهم..نجحت فارس وروما بالتفريق بينهم، لأن العرب لم ينجحوا في دفن الماضي..ثأر القبيلة، وحقد الجمل العربي، حقد العربي على العربي. المطلب : صدقت يا ابن خالنا، نحن هكذا نقول، وسمعت ملك الغساسنة، وملك المناذرة، وهما يقولان مثلك، ورب الكعبة بأنك قد أصبت القول. عامر : إذا كان سيف رأس العرب الذي به تغضب، فلماذا لم تغضب، وهو يستنجد بهم. المطلب : أنا أم هم؟ عامر : أنت وهم. المطلب : أما أنا، فأنا رب إبلي، أما هم..أما هم.. عامر : أما هما، ففارس، وروما ربهما. المطلب : هذا حالي، وحالهما، وفارس، والروم الدولتان الأعظم . عامر : قلت بأنكم تقولون مثل ما قلت، فلماذا لا تحولون أقوالكم إلى أفعال وتتحدوا. المطلب : (دهشاً) ومن يحكم؟ عامر : يحكم سيف، أو ليس رأس العرب الذي به تغضب؟ المطلب : وهل يرضى ملك الغساسنة، وملك المناذرة؟ عامر : وهل ترضى أنت؟ المطلب : أنا، من أنا؟ ما أنا إلا رب أبلي عامر : وربهما، فارس، والروم، تقولون، وكل واحد منكم يريد أن يكون الملك، ترضى أن تكون ربا لأبلك، وأن يكون ربهما فارس والروم، ولا ترضون أن تتحدوا، تحت أمرة واحد هو الأصلح منكم، فقدتم إرادة المقاومة، إرادة التحرر من هيمنة الفرس، وروما يوم أن طمع كل واحد في الملك لنفسه. الحارث : حتى إذا أرادوا، فلن تريد روما وفارس، فمن يستطيع أن يقاوم روما وفارس، لم يخب ظني فيك يا هذا. المطلب : حسناً..حسناً، وهل يرضون بي ملكاً عليهم؟ عامر : (ساخراً) أو لم تقل بأن سيف رأس العرب الذي به تغضب. المطلب : صدق ظنك يا حارث، وخاب ظني..كنت أريد أن يستريح صدره، فإذا هو صدر ركبه داء لا ينفع معه علاج..أستأذن ملك اليمن في الرحيل، والعودة إلى بلادي . سيف : هل أغضبك عامر..أنت من أذن له ؟ المطلب : بل نادم لأني أذنت له..يقوم الملك سيف بمرافقتهم حتى يخرجون من ديوان الملك، يسود الصمت حتى يعود، يجلس الملك على العرش . سيف : أغضبت ضيفي يا عامر . عامر : لم يغضب، ولكنه ندم . سيف : الندم أشد وقعاً أحياناً على النفس من الغضب. عامر : وهل ندمت ؟ سيف : ندمت من ندمه، وغضبت عليك، فأنت لم ترح صدرك، ولم تحل عقدة، فما قلت إلا ثرثرة يقولها العرب نحن نعرفها . عامر : فهل تثرثر ؟ سيف : وأنت تثرثر، وإلا فما تسمي ما صدعت به رؤوسنا . عامر : (ساخراً) تساوي بيني وبينك إذن، ثرثرتي، ثرثرة فاقد الشيء، فلا تحسب عليه ثرثرة حتى يملك، أما أنت، يا من تحسب نفسك ملكاً، فإذا قلت، ولم تفعل فهي ثرثرة مثل غيرك من الملوك..ما زلت جديداً على الملك، فلا تستطيع أن تقول بأنك تثرثر أم لا . سيف : (منفعلاً) ما هكذا تخاطب الملوك ؟ عامر : أي ملك..أنا أحق بالملك..أنا ابن الثائر . سيف : أنت منهم، ولمَ لا تكون مثلهم، هم العرب..تكون لهم الصدارة، أم القبر. عامر : ولمَ العرب فقط، وهم الفرس، والروم . سيف : لكنك قلت قولاً تقول الآن نقيضه، وأنت تقول بأنك أحق بالملك . عامر : وكيف تكون ملكاً، وقد رتبه لك الفرس، أنا ابن الثائر الذي كان له أن يكون ملكاً لو نجحت ثورته . سيف : ولكنها لم تنجح . عامر : ولو لم تنجح، فهو الثائر وأنا ابنه . سيف : هو الثائر نعم، نفعل ما يحفظ حقه، حق يفرضه الوفاء والعرفان، ولك الاهتمام والرعاية . عامر : لا اهتمام ولا رعاية بدون الملك . سيف : صدق (ابن أختنا) فكذلك صدرك . الحارث : فهل يأذن لي مولاي بإيداعه السجن؟ سيف : دعه ما أشبه الليلة بالبارحة..ظله يطاردني إلى مجلس حكمي..ماذا تقولون فيما قاله عامر..عامر الذي شاء له القدر أن يكون زوجاً لأختي ؟ أصوات : ملكنا، ومحرر بلادنا . عامر : بل ملك توَّجَه الفرس وعميل لهم . الحارث : فهل يأمرني مولاي ؟ سيف : دعه..متى كنت عميلاً، ومن خطط (لإخراج الأحباش كان أنا وآخرين هم من اليمنيين، وعندما تحركت ومن معي إلى فارس لم يكن هدفها العمالة لفارس، أو الخيانة لأماني الشعب، بل تحقيقها، وأنا من رفض وسيرفض رغباتهم وأوامرهم) يتبع