المقه : أنت من ستقول إذا أردت. سيف : قلت بأنك المقه: إلهي وإله القمر، فهل تستشرفين القريب..استشرفتي القريب يوم كنت خارج اليمن المحتل، فلماذا لا تفعلي وأنا داخل اليمن الحر المحرر..بل والملك ؟. المقه : ها أنت قلت، والملك..فهل أفعل وأنت الملك؟.. لميس : صدقت المقه . سيف : لو عرفت أين كنت ليلة أمس يا لميس، لو عرفت ماذا قال يزيد لعذرت .. لميس : (دهشة) يزيد . سيف : نعم، وديمانوس، وأبرهة. لميس : (متعجبة) وديمانوس وأبرهة . سيف : ليلة، كانوا فيها الثلاثة، وأنا بينهم..العامل والعميل..العميل للفرس، والعامل على طرد الأحباش من اليمن..العامل في نظر أبرهة، والعميل في نظر يزيد الثائر، وديمانوس المستبد ..إذا كان أبرهة، كان له أن يقول ما يريد، وإذا كان يزيد وديمانوس فإنهم والمقه، قد ظلموا وجرحوا صدري وعقلي وأنا من أنتقم ليزيد ممن قمعوه، ولديمانوس ممن نحروه. لميس : (دهشة)..نحروه . سيف : لم يدهشك مما قلت، إلا نحروه . لميس : لأنهم قالوا أنتحر وحصانه في البحر . سيف : نحروه أم أنتحر..سيان، الكارثة بأن استبداده وطغيانه قد جاء بالأحباش وارياط . لميس : (مازالت)..قالوا أنتحر وحصانه . سيف : كأنك ما زلتِ..حسناً أنتحر..اختلفت مع يزيد لحظة أن قلت أنتحر، كانت واحدة بواحدة، وديمانوس يختلف مع يزيد..سحب ديمانوس عني العمالة لفارس لحظة أن قلت أنتحر..إن قلت انتحر فقد ذهب وولى، وإن سحب فما زلت باق على وجه الأرض ..فهل سحب يا ألمقه ؟ المقه : إن سحب فهو المستبد، وإن لم فهو المستبد . سيف : والمستبد كان ملك اليمن..فهل سحب يا المقه؟ المقه : سحب يا مولاي، سحب..ألم تقل بأنه، هيا أرتدي ملابسك، فملوك اليمن وأبناؤهم ينتظرون. سيف : تقولين على مضض..سحب . المقه : تباً..ليزيد الحاسد، ولديمانوس المستبد، ولأبرهة المحتل..لا أحسب إلا وفي نفس كل واحد منهم، ما نضح..فهل تنسى يا مليكي؟. سيف : لكن ديمانوس قد سحب..أليس كذلك ؟ المقه : (مسرورة)..نعم يامليكي..نعم . سيف : كأنك والمقه قد سررت مما سمعت..سرورا لا يسرني، وأنت تستشرفين القريب..حسناً يا المقه..خانتك خطوط وجهك، وهي تلمع بالسرور، أردتِ به أن يسرني..حسناً يكفيني في لحظتي هذه، أن أكون مسروراً بحضور لميس . لميس : وأنا يا أخي كم أنا مسرورة بمشاهدتك، فمتى سأضع التاج على رأسك؟ سيف : ستضعينه إذا أذنت لك المقه . المقه : وأنا من سيذهب ليحضره، لتضعه على رأسك لميس (تخرج المقه).. سيف : ومن رافقك إلى هنا . لميس : زوجي . سيف : نعم زوجك، ومن غيره سيرافقك..أين هو ؟ لميس : ينتظر مع ملوك اليمن . سيف : وهل هو من ملوك اليمن ؟ لميس : قلت مع ملوك اليمن . سيف : صدقت..لا أذكر بأنه كان من ملوك . لميس : ولماذا لا تقول من أقيال اليمن . سيف : لابد أن يكون كذلك، وإلا فكيف كان له أن يتزوج ببنت ذي يزن..لن تخونني الذاكرة إن قلت بأن أسمه عامر . لميس : هو كذلك . سيف : فهل تقولي اسم أبيه ؟ لميس : كان أسمه النعمان . سيف : نعم..نعم..الآن ذكرت (يحدق بوجهها للحظات)..يواصل (مستغرباً)..تقولين كان اسمه..؟ لميس : نعم قلت . سيف : كان اسمه، فهل كان اسم ثان؟ لميس : قلت كان النعمان . سيف : (منفعلاً)..حسناً..حسناً، والآن . لميس : (مطرقة)... سيف : أي سر تخفيه يا لميس .. لميس : (مطرقة) .. سيف : أي مصير ينتظرك يا سيف..كلما أردت أن أنسى العقدة التي وصمني بها يزيد بن كبشة عادت، كأنها أنا، أو كأني هي..أعادتها غصة المقه، وأعادها سر لميس . لميس : (مطرقة) ... سيف : وللعقدة سر، فإذا عرفنا سرها عرفنا حلها، عرفنا سر العقدة التي وصمني بها يزيد، وسر لميس، أخشى أن يكون وراء السر عقدة، ووراء العقدة سر..عقدة وسر..سر وعقدة يا ويلك يا سيف، وأي مصير ينتظرك . المقه : (تقف على عتبة باب الغرفة، تستمع وبيدها التاج..تدخل بعد أن انتهى سيف)..أي عقدة يا مليكي قد عرفت سرها، دعك من غصتي وسر لميس، إن كنت عرفت سر من قادك إلى غصتي وسر لميس، أصبح بيدك الحل، وإذا حليت العقدة هانت غصتي وسر لميس. سيف : أصبح بيدي، لكن كيف؟ المقه : استشرف، ربما، لكن أن أحل أو أعقد فقد تجاوزت قدري..الحل والعقد قدر الملوك. سيف : إذا كان لي أن أحل من عرفت سرها، فكيف لي أن أحل غصة كانت في صدرك، وسر في صدر لميس، وأخشى، بل، يا ويلي ووراء الغصة سر، ووراء السر عقدة..ووراء العقدة سر. المقه : هكذا تنسى سريعاً يا مولاي..أخبرتك عن سر الغصة..السؤال المحير..فهل نسيت؟..هيا اكشفي سرك يا لميس، حتى تنجلي الغمة عن صدر الملك، ويغم التاج رأس الملك. لميس : (تشعر بغصة بحلقها، فكانت على عينها).. سيف : مثلك يا المقه لحظات الغصة. المقه : وللسر غصة (تحدق بعين لميس للحظات).. سيف : أي سر هو، سر ورائه عقدة لا يكون حلها إلا بالسيف. لميس : (وجلة) لا..لا. سيف : الخوف يحل ويعقد، وها هو الآن يحل فهل تفصحي عن السر؟ لميس : هو سر لا يمس شرفك أو كرامتك، فأنا بنت ذي يزن، لكنه سر قد يغضبك، قد يمس مشاعرك، قد ينكث جرح أردته أن يندمل.! سيف : وهل هو غضب لا يؤذيك؟ لميس : لن يؤذيني. سيف : أذنت لك أن تقوليه. لميس : كنت أريد أن تأذن لي..إلا أن شجاعتي قد خانتني من أن أطلب الأذن . سيف : (منفعلاً) وقد أذنت. لميس : رحل أبوه يوم أن كان في الشهر الأول، في بطن أمه ينتظر الخروج إلى الحياة، ورحل أبوه ثانية وهو في الشهر الثاني، لكنه كان حيث كان..كان الأمل يوم أن ذهب في رحلته الأولى، وكان اليأس يوم أن ذهب في رحلته الثانية..اليأس الذي ركل الأمل، فقد كانت الرحلة التي لم يعد بعدها أبداً..أخفت أمه سر حملها، حتى إذا قيض الله لها رجل من أقيال(كدت)..أفصحت له سراً بالسر واشترطت عليه أن يحمل ابنها اسمه، فإذا رحل الأحباش يعود اسم أبيه . سيف : كلام لا أستطيع أن أصدقه. المقه : دعها تكمل يا سيف، فالسر لا يزال سراً! سيف : أي سر لا تريد أن تقوله بعد أن قالت . المقه : للسر سؤال: لماذا اخفت، ولماذا وافق؟ سيف : حسناً..هيا أجيبي على السؤال. لميس : اخفت:لأنها كانت تخاف عليه من بطش أبرهة، ووافق..ووافق.. سيف : ووافق..هيا اكملي. لميس : (تنظر إلى المقه..مستعينة..متوسلة).. المقه : كأنك يا لميس تطلبين مني المساعدة..بلغ منك العجز مبلغاً أفقدك النطق..متى كان أخوك مستبداً حتى تخافي فتعجزي، ومتى كنت لوحدك حتى تخافي فتعجزين؟..أنا إلى جوارك..هيا قولي. سيف : كأنك تعرفين الإجابة على السؤال. المقه : لا غرابة إذا عرفت، فأنا المقه، أم نسيت؟ سيف : وأنا الملك، أم نسيت؟ المقه : لم أنس يا مليكي، فأنت من قلت، وما أنا إلا أمتك المطيعة. سيف : فهل تجيبين بدلاً عن لميس؟ المقه : أريدها أن تجيب، حتى تتحرر من الخوف، وهي إن قالت، فهي لن تقول إلا قولاً يسر مولاي الملك. سيف : وأنا لا أريدها إلا أن تتحرر من الخوف، سرني أم لا يسرني، فهو الاستبداد الذي أكرهه، الاستبداد الذي من أجله استعنت بهم..هيا قولي يا لميس. لميس : وافق لأنه كان يعرف أن أباه، من أشرف الناس، وأكرمهم، فهو من ثار على أبرهة. سيف : فهل هو...؟ لميس :نعم هو.. سيف : تقصدين..! لميس : نعم هو.. سيف : فمن هو؟ لميس : عامر بن يزيد بن كبشه. انتهى المشهد الثاني..ويليه المشهد الثالث