الجزء الأول من المشهد الثاني الغرفة التي يسودها الصمت، هي غرفة نوم سيف، الذي يُشاهد عند فتح الستارة نائماً وحيداً..ضوء الشمس، كأنه أزاح الصمت، لم يشله، عندما أعلن صوت باب الغرفة عن دخول امرأة في العشرينات من عمرها..تتجه بخطوات مسرعة، تقف لحظة أن لكزت سيف . المقة : استيقظ يا سيف، أطلت النوم، هناك من ينتظرك في العرش، كرسي العرش ينتظرك.. سيف : (يفرك عينه..ينظر يميناً وشمالاً وإلى السقف، ثم ينظر إلى زوجته..يطيل النظر) المقه : كأنك غير مصدق، وأنا أقول كرسي العرش ينتظرك..صدق يا مليكي صدق، هو الكرسي، فمن أجله تسفك الدماء.. سيف : (مقاطعاً) م..م..م المقه : (فزعة) ما خطبك يا سيف .. سيف : (يضم يده ويضعه على فمه) المقه : تريد ماء ؟ سيف : (يحرك رأسه بإشارة نعم) ... المقه : (تهرع إلى نهاية الغرفة، تعود بالماء..تجلس على حافة السرير ..ترفع رأسه، وتسقيه) سيف : (يتنهد) كأنه الماء، حل عقدة لساني، أو جرف غصة من حلقي (ينتصب فجأة واقفاً على الأرض ينظر حوله، كأنه يبحث عن شيء ما) أين هم ؟ المقه : (دهشة)..هم، من هم ؟ سيف : (يتحرك في الغرفة مثل الثور الهائج)..كانوا معي : يزيد، ديمانوس، وأبرهة . المقه : (أكثر دهشة)..كانوا معك أين؟..أولئك قد ماتوا وانتهوا(تصمت للحظات، وعينها عليه..ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة..تتجه نحوه حيث يقف في وسط الغرفة) . المقة : (مبتسمة) كانوا معك في الحلم . سيف : (حائراً)..كأنهم كانوا كذلك..آه يا المقه، كانوا وكأنهم معي . المقه : هو الحلم يا سيف، وكأنهم معنا، حتى إذا استيقظنا من نومنا، كيفما كان الحلم،كيفما كانوا، كان حالنا لحظة أن نستيقظ، وما أظنه إلا مثل حالك يا أبو أولادي، وزوجي، وحبيبي ومليكي، وملك اليمن . سيف : وكيف حالي؟ المقه : حال ليس حالك، حال يذكرني بحالك وأنت تستيقظ من نومك فزعاً والأحباش جاثمون فوق صدورنا، لكن حال اليوم يختلف، فأنا اليوم من أيقظك، فاستيقظت والعقدة تشل لسانك، والغصة تسد حلقك، وأنت بالأمس من يستيقظ فزعاً، وأنت تصرخ: اللعنة للأحباش المحتلين لأرضنا..لابد من طردهم . سيف : لا يليق الصراخ بالملوك . المقه : وهل تليق العقدة..الغصة بالملوك ؟ سيف : حسناً، الملك إنسان، له أن يصرخ إذا ضاق به الحلم، أو العلم، ومثله العقدة والغصة . المقة : فما هو الفرق بين الحلمين ؟ سيف : الحلم كابوس جاثم على صدرك، والحلم ناقوس جاثم على إذنك، مدوياً، كأنه النذير ليخرس اللسان، فليس لك إلا أن تسد إذنك، عندها تكون العقدة..عندها تكون الغصة . المقه : وهل يخبرني مليكي، أي حلم كان ليلة البارحة ؟ سيف : سؤال المقه، أنتِ تعرفين الإجابة عليه . المقه : (ممتن الحائر) تقسم باسمي، أم باسم إله القمر . سيف : من أنت، ومن إله القمر، أنتما الاثنان في واحد . المقه : (محتارة) الاثنان في واحد . سيف : (يتنهد) نعم، الاثنان في واحد، إلهي وإله القمر . المقه : (مبهورة) أنا!! سيف :واحدة في جمالك، لابد أن تكون إله البشر وإله القمر . المقه : (مازالت مبهورة) لم أسمع منك مثل هذا الكلام من قبل..فهل هو الحلم ؟ سيف : لم يكن هناك مكان للغزل،والأحباش جاثمون على صدورنا..كم عانيت وأنا أكتمه في صدري، وأنت تمرين أمامي، ووقع خطواتك كأنها قطرات المطر تفرح بها الأرض العاطشة، ما كانت الأرض لولا البشر، وأنا البشر ووقع خطواتك صدى يسكب في إذني، فيفرح قلبي، فلا يصدح لساني والأحباش جاثمون..وأنت جواري، جمال ممهور بحبي، وأنت على صدري وقد لف ذراعي إلهي وإله القمر، فلا يصدح لساني والأحباش جاثمون..الآن أصدح (يهمس بإذنها) وأصرخ بإلهي وإله القمر..من سماك المقه إله القمر..من سماك بمن لم يستطع أن يمحه من صدور اليمنيين- ديمانوس اليمني اليهودي، وأبرهة الحبشي النصراني الذي بنى الكنائس في طول اليمن وعرضها-لم يخطئ . المقه : (تكاد أن تطفح من الفرح والحيرة) تضعني في مكان واحد مع إله القمر . سيف : هو الجمال، وأنتِ هو، فكيف لا يكون إلهي ؟ المقه : (تعود مبهورة) لعله الناقوس قد أعادني إليك، أم خيال سيف الذي قاده إلى الفرس، أم أنا ؟ سيف : بل أنت، فلماذا الناقوس؟..الناقوس الذي أردت أن أهرب منه إليك..فمن غيرك أهرب إليه..كنت أهرب إليك يوم كان الأحباش باكياً، وأردت أن أهرب إليك- متغزلا-من ليلة كان فيه الجرس، وها أنت تعيديني إلى ليلة كان فيه الجرس، وو.. المقه : (حزينة..جاثية على ركبتها) لم أقصد والمقه. سيف : ما أحلا أن يقسم المرء بالإله، وهو أسمه كأنه يقسم بالاثنين، فكيف وأنت اثنان؟ المقه : (كما هي)..قلت لم أقصد..زلة لسان أرجو أن تغفرها لي. سيف : (يمسكها من كتفها، وينهض بها)..أعرف بأنك لم تقصدي، وعندما حاولت أن أهرب ثانية، أعدتينني وأنت لم تقصدي..الناقوس..يزيد بن كبشة، ديمانوس، وأبرهة. المقه : (تحاول أن تربط جأشها)..حدثني عنهم، لعل حديثك يخفف عما بك..ألم تعان من الكبت، والأحباش جاثمون على صدورنا، فلماذا الآن؟..هيا حدثني. سيف : (مسلماً بما قالت)..كنت مع الثلاثة في جدل طويل، ربما أخذ منامي كله. المقه : وبعد يا سيف، وبعد. سيف : كنت داخل القفص، قبل أن يأتي يزيد ويحررني..ترى ماذا يعني القفص، يا إلهي، وإله القمر؟ المقه : إذن كان يزيد أول من رأيته في الحلم. سيف : قلت ماذا يعني القفص؟ المقه : لا يهم ما يعني، المهم ما دار بينك وبين يزيد..أحسبه حديث اثنين من أقيال اليمن أرادا تحرير اليمن، فلم يفلح الأول وأفلح الثاني. سيف : (منفعلاً)، وكيف فلحت؟..هذا ما عاتبني عليه يزيد. المقه : لا تنفعل، ولا تحزن يا سيف بل يا مليكي، فهو كيفما كان عتاب الحاسد. سيف : بل عتاب الثائرين. المقه : أعرف بأنه ثائر، وأعرف بأن الحسد بين الثائرين، أشد وأنكأ، وأحدهما قد جلس على الكرسي. سيف : لم ينقص لكي تكوني، إلهي وإله القمر، إلا ما سمعته منك، فكيف عرفت؟ المقه : لا يهم كيف عرفت، المهم أن تواصل حديثك، سيف : لن أواصل حتى تجيبي على سؤالي. المقه : سوف أواصل، حتى تواصل..أريدك أن تواصل، فإني والإله، أحسب حلم الكابوس أخف، فهو المقدور عليه، وأما حلم الناقوس وقد عقد لسانك، فكيف الخلاص منها؟ سيف : (متجاهلاً) تخلصنا منها بالماء. يتبع