الجزء الثاني من المشهد الثاني. سيف : (متجاهلاً) تخلصنا منها بالماء. المقه : لسان غير لسانك. سيف : أي لسان هذا، أم أنك كنت معنا؟. المقه : ليتني كنت معكم، كنت أعنتك عليهم. سيف : كأنك تهربين من الإجابة على السؤال، فكيف عرفت.؟ المقه : إجابة، أحسبك تعرفها، فلماذا تريد أن أجيب عليها.؟ سيف : أريد أن أسمعها منك، إرادة من يرجو من خبير في الحياة، أن يسمع منه ما يشفيه من إجابته الحائرة. المقه : العفو يا مليكي، فما أنا أخبر منك، وقد عبرت الفيافي من أجل الوصول إلى فارس، وجالست الملوك والحكماء..العفو يا مليكي العفو. سيف : وما سمعته اليوم، كأنك إلهي وأله القمر، يا من علمك اسمك..أتوسل إليك أجيبي. المقه : (دهشة) تتوسل يا مليكي. سيف : (منفعلاً) نعم أتوسل..هيا أجيبي. سيف : أمر مولاي: حدثنا التاريخ كيف يقتل الأخ أخاه، والصديق صديقه من أجل الكرسي، والمستقبل زاخر بأشد مما سمعنا. سيف : تتحدثين عن المستقبل، كأنك تستشرفين المستقبل يا ألهي وآله القمر. المقه : هي الحياة، لا أحسبها، إلا تزداد فتنا وحروب، هو الإنسان وعقله يجره إلى فعل يكون أشد قتلاً وتدميراً..أو لم يفعل الإنسان السيف الذي كان غائباً. سيف : ولماذا تقولين غير هذا يا إلهي وآله البشر. المقه : أي غير، وأي هذا.؟ سيف : غير يخصني بالمستقبل. المقه : يخصك أنت فقط، وأنا (تصمت فقد عبر الباب صوت طفلين قبل أن يعبرا الباب..يقفان إلى جوارهما..) سيف :(مسروراً) مرحباً بولديّ، أسعد ولميس، أي ريح طيبة حملتكما، كأنها حملت لنا المستقبل..أسعد ولميس، شغلني عنكما هم الأحباش، وبعدهم هم المُلك مِن أن أكون معكما وأنتما تكبران، حتى عمركما لا أعرفه..كيف لم أسأل عن عمركما إلا الآن؟، فهل تعرف عمرك يا أسعد؟ أسعد : قالت أمي بأن عمري عشر سنوات. سيف : ومتى قالت؟ أسعد : بالأمس. سيف : وأنت يا بلقيس ؟ بلقيس : سألت أمي بالأمس بعد أن سألها أخي، لكنها لم تجبني سيف : (مبادراً..ضاحكاً) ما أفصح لسانك..يا حفيدة بلقيس..والمقه، كأن المقه قد استشرفت المستقبل وسمتك بلقيس . بلقيس : (حائرة) ما معنى استشرفت ؟ أسعد : (مبادراً) معناها نظرت . سيف : (مسروراً..وهاهو أسعد الكامل يرد فما أسعدني بكما، والمقه إنها المقه، فهي من اختارت أسعد أسما لك . أسعد : (وبلقيس..بصوت واحد)..وأنت من اخترت المقه أما لنا، فأنت من سميت يوم أن اخترت المقه. سيف : هي الأرض، فكيفما كانت، كانت، وكان . المقه : (ممتنة) بل هي البذرة . بلقيس : كنت نسيت البذرة، لحظة أن قال أبي استشرفت، عرفت معناها، وعرفت ماذا كانت تعني أمي ؟ سيف : (مبتسما..دهشا) وماذا عرفت؟. بلقيس : كانت أمي تصعد بي وأسعد إلى سقف المنزل عند ظهور القمر، وأنت غائب يا أبي..تشير إلى القمر وتقول: لا تنظرا إلى القمر فقط، أنظرا إلى ما وراء القمر، فما وراء القمر..المستقبل..أنا المستقبل . سيف : هيا أكملي، عين بلقيس تخبرني بأن بلقيس لا يزال في عينها خبر . بلقيس : كانت أمي تقول: استشرف المستقبل، والمستقبل يقول: سوف يعود سيف شاهراً سيفه ليحرر اليمن من الأحباش . سيف : (ضاحكاً) ولماذا لم تسل أمك حينها ؟ بلقيس :سألت وأجابت: تسألي يوم يعود . سيف : ولماذا لم تجبها يا أسعد ؟ أسعد : هي الإجابة إن آجلاً أم عاجلاً، وقد أجبتها آجلاً بلقيس : وما هي البذرة يا أسعد ؟ أسعد : أما هذه فلا أعرفها ؟ بلقيس : فما هي يا أمي ؟ المقه : (محتارة) قبل أن تكوني يا بلقيس . بلقيس : (متعجبة) قبل أن أكون !! المقه : بنيتي بلقيس..لكل سؤال أوانه، وأوانه لم يحن بعد، أنت في الثامنة ليس إلا..(تشعر بغصة قبل أن تواصل)..سوف أجيب على سؤالك في أوانه. سيف : (بانفعال مكتوم)..هيا..اذهبا الآن . سيف : والمقه.. (صامتان حتى غادرا الغرفة) ... المقه : (دهشة) عجباً يا سيف، تستقبلهم بفرح وتودعهم بشعور لا أدري كيف أصفه: أهو الغضب، أهو الحزن، أهو الندم، أم أنها كلها مجتمعة..ما خطبك يا سيف ؟ سيف : والمقه أنك تعرفين، كنت أشك، إلا أن بلقيس أزالت الشك، فكان اليقين . المقه : وهل تصدق بلقيس، بل وهل تصدقني، ما هي إلا ثرثرة امرأة مغلوب على أمرها أرادت أن تفرح ولديهما بعودة أبيهما . سيف : والغصة التي لم تستطع عينك أن تخفيها . المقه : (مبتسمة) أو لم تعرف ؟ سيف : وكيف أعرف ؟ المقه : هي غصة السؤال المحير، فإذا الإجابة عليه غصة في الحلق والعقل . سيف : (محتاراً) ليتني أصدقك، لكنك من رميت الغصة، يوم قلت لبلقيس: رمى والدك البذرة، كأنها كانت بذرة الغصة . المقه : كانت وانتهت . سيف : (سارحاً) رمى البذرة يوم بزغت البذرة، فإذا كانت الأولى تعنيك وبلقيس، فإني أكاد أجزم بأن الثانية تعنيني . المقه : وتعنيني وتعني بلادنا كلها: أرضاً وإنساناً . سيف : فهي بذرت، طرد الأحباش، بزغت يوم رميت البذرة..بذرة جاءت بالفرس لطرد الأحباش، وبذرة جاءت ببلقيس .. المقه : ألم أقل لك بأن الثانية لا تعنيك لوحدك . سيف : فإذا كانت غصة، كانت لليمن: أرضاً وإنساناً . المقه : أي غصة يا مليكي، كانت غصة يوم كان الأحباش . سيف :الغصة التي حبست لسانك، هي العقدة التي حبست لساني، فهل تصبح كما قال يزيد؟ المقه : وماذا قال يزيد ؟ سيف : لا أحسبك إلا تعرفين الإجابة، فأنت من قلت: لسان غير لساني، أم نسيت . المقه : لسانك الذي عدت به من فارس، فأسمعني أحسن الكلام، كأنك قد نهلت من أدبهم ومجدهم . سيف : كلما أردت أن أقبض على طرف الحبل، شددته مني، كأنك لا تريدين أن تفضي ما بداخلك، أو كأنك يا من تستشرفين المستقبل لا تريدين أن تستشرفيه لي..يا يزيد بن كبشه يا من قلت ما لا أريده، ويا المقه يا من لا تريدين أن تقولين، كأنك سوف تقولين ما لا أريده . المقه : استشرفت المستقبل، ليلة أن نظرت إلى ما وراء القمر، عائداً شاهراً سيفك، فكيف استشرف وقد عدت شاهراً سيفك..ليس لي الآن إلا أن أكون الأمة لزوجي ومليكي وملك اليمن، فهل تستشرف الأمة؟!. سيف : (منفعلاً) بل إلهي وإله القمر . المقه : لو كنت إلهك لاستشرفت لك مستقبلاً زاخراً بالمجد والسؤدد..يوم استشرفت كنت الضعيفة التي ترجو، أما اليوم فأنا القوية بك، أنت الملك، من يفعل لا من يرجو . يتبع