بينما نحن منشغلون بمشاكلنا الداخلية, يشهد العالم حراكا نحو إيجاد معالجات مصيرية للوضع المناخي المتغير الذي بذأت آثاره المقلقة تحظى باهتمام الكثير من المؤسسات العلمية المختصة, التي أصدرت العديد من التحذيرات, وأصبحت الكثير من شعوب العالم مدركة لذلك, إلا شعوبنا العربية الغارقة في الحروب, والفتن, والاختلافات الداخلية . ولعل أقرب حدث يعكس مدى الوعي بخطورة التغيير المناخي عند تلك الشعوب, هي المسيرات الكبيرة التي شهدتها الكثير من دول العالم يوم 21 سبتمبر من الشهر الماضي, التي دعت لها الأممالمتحدة بالتزامن مع عقد القمة العالمية بنيويورك ,وكانت هناك دعوات من منظمات عالمية وصلت عبر البريد الإلكترونيي للنشطاء والمهتمين بالبيئة لتنظيم هذه الفعالية في بلدانهم, بنفس اليوم, وأنا شخصيا وصلتني دعوة, وحدد شارع 14 أكتوبر بمدينة صنعاء مكانا لانطلاقة المسيرة, فتواصلت مع بعض المختصين فتبين أنه ليس هناك من رتب لذلك , كما أن الجو الأمني لم يكن مشجعا . عموما شعوب العالم في أكثر من 166 دولة ( من الأرجنتين إلى استراليا) ,ووجهت تلك المسيرات رسائل إلى القمة العالمية, تحث حكومات العالم على ضرورة خلق الظروف المواتية للتفاوض على اتفاق المناخ الذي سيوقع عليه في باريس العام 2015, كما عبرت عن انزعاجها من التغير المتسارع الذي طرأ على المناخ, وتفاعل مع ذلك الحدث النشطاء على مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي, مطالبين بالتوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة, فهم يعلمون أن المشكلة الحقيقية تكمن في زيادة انبعاث الغازات الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري في الأرض. وتؤكد الدراسات أن زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء بسبب الأنشطة الصناعية وحركات النقل أدى إلى التغير في مناخ الأرض، فأصبح سقوط الأمطار غير منتظم، ما أدى إلى الجفاف وإلى تدهور الأرض الزراعية وإنتاج الغذاء محدوداً، فظهر الفقر والمجاعة، وانقرض الكثير من النباتات والطيور والحيوانات , وتقلب في أجواء الفصول الاربعة . هذا ما يدركه العالم, لكن ماذا عن اهتمام اليمنيين بموضوع التغير المناخي ؟ أعتقد أن هذه القضية معزولة تماما عن اهتمامات الرأي العام في اليمن, وربما الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع منزوية في بعض أدراج المشاريع الممولة من منظمات عالمية وجهات دولية مانحة, فهذه المشاريع تنشأ وتنتهي فترة عملها دون أي نتائج معروفة أو ملموسة, رغم أن اليمن يعتبر من أكثر البلدان العربية تأثراً بالتغيرات المناخية، كما تشير الدراسات, ناهيك عما يواجهه من تحديات إنمائية هائلة. وهناك الكثير من الشواهد والدلائل القريبة والملموسة على حقيقة ذلك وهو ما يمكن استخلاصه من ظاهرة موجات السيول والجفاف, مما تسبب في بروز ندرة المياه في المناطق الحضرية والريف على حد سواء, وانعكس ذلك على صعوبات في توفير المياه للزراعة والاستخدامات الأخرى وخاصة مياه الشرب . إننا ننتظر هنا في اليمن أن تترجم كل الجهود التي بذلت في السابق والتي كرست لمتابعة الدراسات المتعلقة بتأثير التغير المناخي على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والزراعي ,تترجم بمشاريع ذات جدوى, حتى يكون هناك استفادة حقيقية من الدعم الدولي , وتفعيل دور الجهات الرسمية, ومنظمات المجتمع المدني في هذا الجانب, حتى تؤكد اليمن فعلا أن البيئة على سلم أولوياتها الوطنية, فمنبع الفقر والمشاكل الاقتصادية تعود أساسا إلى مشاكل بيئية, وخاصة ندرة المياه, وتدهور التربة الزراعية, وكل ذلك مرتبط بالتغيرات المناخية .. فماذا نحن فاعلون ؟ "الثورة"