أصبح السفر من مكان إقامتك إلى منطقة أخرى يحتاج إلى قرار جريء تتغلب فيه على عادة العزلة والتخلص من وهم مشقة السفر والخوف من الاضطرابات الأمنية وحوادث السير في الطرقات , وثانياً من ثقل تكلفة السفر على الدخل المحدود . ومع ذلك كل هذه الحواجز تتلاشى عندما تشاهد عشرات المسافرين أيام الأعياد والعطل الطويلة الذين يقررون التوجه إلى قراهم أو إلى مناطق الاستجمام في المدن الساحلية أو إلى المحافظات المعروفة بالخضرة والطبيعة الخلابة , مثل إبوتعز والمحويت وريمة وغيرها . هذا العام قررت أن أقضي إجازة عيد الأضحى في محافظة إب . قد يبدو للبعض أن الحديث عن رحلة داخلية لا تستحق كل هذا السرد التفصيلي عن أمور ربما يعرفها الكثيرون , لكن الهدف بالنسبة لي هو التذكير بمزايا طبيعية تتفرد بها بلادنا ولكنها كانت ولاتزال مهملة وغير مستغلة , لابد من الاستفادة منها إذا كنا فعلاً بصدد الرفع من مستوى موارد البلاد وتحسين دخول الناس في تلك المناطق . وثانياً: لفت الانتباه إلى مستوى الضرر والتشوهات التي طالت تلك المناطق نتيجة سوء التخطيط وتقاعس الجهات الرسمية عن القيام بواجباتها , وتدني مستوى الوعي لدى المواطنين من خلال تصرفاتهم التدميرية . وهذا ما يجعلنا نقول: إن محافظة إب تمتلك مزايا سياحية طبيعية فريدة ولكن (وما بعد لكن سوف نعرضه في الموضوع القادم). كانت معرفتي السابقة لمدينة إب لا تعدو ما أشاهده على جوانب الطريق الذي نمر به باتجاه تعز , ومن خلال النظر من نافذة السيارة كنت أعجب كثيراً بالمفاتن الجمالية للبيئة الطبيعية لهذه المحافظة من جبل يريم , وحتى تعز . كنت موفقاً لاختياري مدينة إب لأقضى إجازة العيد فيها , فقد أتيح لي الإطلاع على الكثير من معالم المدينة , وأسعدني المنظر الطبيعي المحيط بها , الذي يكتسي باللون الأخضر الجميل والرائع , وأكرمها الله سبحانه وتعالى بنعمة المطر , الذي يغسل القلب , وينشط العقل , فتلالها وجبالها غاية في الجمال وعلى صحبة دائمة مع الضباب والغيوم وكأنها تخرج كل صباح من أحضان تلك الأماكن . ومن حسن حظي إنني وجدت هناك من الأصدقاء الذين كان لهم الفضل بان يصحبوني إلى مناطق أكثر إثارة وروعة طبيعية خارج مدينة إب . (فإب) بطبيعتها الخضراء , أنبتت في ضلوع أبنائها قلوب طيبة وودودة , وأصحاب عشرة نقية , فبمجرد اتصالي بالدكتور أمين جزيلان مدير مكتب السياحة بالمحافظة , لم يغفلني عن باله , وقدمني لعدد من الإخوة الذين رافقتهم في رحلة خاصة نظمت في إطار مهرجان السياحة الجبلية , التي أشرف عليها الدكتور محمد الدعيس, في إطار نشاط منظمة حماية التنوع الحيوي , شارك فيها عدد من طلاب جامعتي إبوتعز , ومدير مكتب هيئة حماية البيئة الدكتور ناجي النهمي , ومدير إذاعة إب الأخ صلاح القادري , والزميل نجيب القطيبي, وآخرون , وكانت جولة رائعة باتجاه العديد من المناطق والجبال ( سوف نتطرق إليها في موضوع قادم لأنها تستحق ذلك). هناك من سيقول لك: إن مدينة إب تكون كئيبة مساءً, لأنك لن تجد مكاناً تذهب إليه , وبالنسبة لي لم يكن الأمر كذلك فقد وجدتها فرصة للاسترخاء في جو مشبع بالأوكسجين والاستمتاع بسماع قطرات المطر التي تتساقط على الشجرة القريبة من نافذة غرفتي , والنظر إلى تلك التلال المتناثرة , التي غرست في أحضانها المنازل والمرافق , فرغم انطفاء الكهرباء , إلا أن ما كان يبدو من أضواء خافتة تجعلك تعشق الليل , فهناك مدن في اليمن تجعلك مشدوداً للنظر إليها بحكم طبيعتها الجغرافية مثل إب , وتعز , وعدن , والمحويت , والمكلا . فهذه المدن تجبرك أن تظل نوافذ مكانك مفتوحة ليلاً نهاراً فمتعة المشاهدة تجدها في كل الأوقات. وهي ميزة يندر توفرها إلا في بعض المدن بالعالم . في ضواحي مدينة إب العديد من المعالم السياحية البيئية , مثل الشلال , ومنتزه مشورة , وجبل ربي , وجبل وراف , وحصن التعكر , ومدينة جبلة التاريخي والأثرية , ناهيك عن المناطق الواقعة في إطار المحافظة , مثل الوديان , والتلال , والجبال , والمروج الخضراء , وكلها مناطق سياحية لا يمل منها أبداً, بالإضافة إلى ذلك فإن هناك تداخلاً في المعالم السياحية بين محافظتي إبوتعز , ففيها من الصفات والملامح البيئية الطبيعية , وبذلك فإن التركيز على السياحة البيئية في تلك المنطقة سوف يسهم بانتعاش اقتصادي كبير لسكانها , ولكن بعد التغلب على العوائق التي يصنعها الإنسان بالدرجة الأولى (وهذا سيكون محور الموضوع القادم) . "الثورة"