في الموضوع السابق تطرقنا إلى المزايا الطبيعية التي تتمتع بها محافظة إب, مما يجعلها في مقدمات المحافظات التي يمكن أن تتطور ويتحسن المستوى الاقتصادي للأفراد من خلال استنهاض مقومات السياحة البيئية في تلك المحافظة . وأثناء عودتي من قضاء أيام من إجازة عيد الأضحى المبارك هناك , كنت أفكر وأبحث عن الأسباب التي جعلت السلطة المحلية , والمكونات المختلفة , بما في ذلك القطاع الخاص تتغاضى عن الاهتمام بتنشيط السياحة الداخلية في هذه المحافظة, أما الآن فأعتقد أن موضوع الأمن والهدوء هو المطلب الأول لمحافظة إب على إثر الأحداث التي تشهدها هذه المحافظة وغيرها من المحافظات الأخرى , إذ لا يمكن أن تدب فيها الحياة , إلا في ظل الأمن والاستقرار . وإذا اعتبرنا أن محافظة إب, هي المحافظة السياحية , فهذا يعني أن واقعها لا ينسجم مع أي مظاهر أو مشاهد مسلحة , ناهيك عن العنف والصراع المسلح , لذلك لا يكون أي حديث عن إب إلا حديث الطبيعة , والنشاط السياحي, لأن السياحة هي الهدوء والتأمل والتفكر وتجديد النشاط, ولكي تكون إب بهذه الصورة فلابد أن تتجاوز كل المنغصات , وأن تتوفر لها الإمكانيات التي تمكن من استغلال البيئة السياحية التي تتفرد بها هذه المحافظة . والبداية من عاصمة المحافظة مدينة إب, فأنت إذا سافرت أي بلد فوجدت عاصمتها مرتبة ونظيفة ومزودة بمختلف المرافق والخدمات , فإن الانطباع الذي سيستقر في ذهنك أن هذه البلاد متطورة وجميلة , وستفكر بالعودة إليها مرة ثانية وثالثة , وكذلك إذا زرت عاصمة أي محافظة فإنك ستحكم على مستوى هذه المحافظة من خلال ما تشاهده وتلمسه من منظر ومظهر وسلوك وتصرفات الناس, ومستوى النظافة فيها . وبدون مجاملة فإن أبناء مدينة إب تغلب عليهم المدنية , والأخلاق الرفيعة, فستجد من يدعوك إلى منزله أو مكانه إذا شاهدك تسير تحت المطر, وقد يدلك إلى المكان الذي تقصده إذا كنت غريباً على المدينة, ومع ذلك تشعر بالحزن وأنت تشاهد ما ينغص الذوق العام, إذ لا يعقل أن تظهر شوارع المدينة بتلك الربكة والازدحام , وانتشار للقمامة في بعض أحيائها , وظهور من يتمنطق السلاح هنا أو هناك, ومع ذلك لا يعقل أن تتجه إلى أبرز معالم المدينة السياحية, مثل (الشلال) فتصل إليه بأشق الأنفس, طريق ضيقة, وغير مسفلتة لا تجد مكاناً تجلس عليه ,ليس هناك موقف للسيارات , ولا مرافق قريبة من الشلال , ولا وسائل حماية من المنزلقات , وستشاهد عدداً من الرجال والأطفال والنساء ممن يحبون السير , يخاطرون بأنفسهم , وفي مثل تلك الأماكن في العالم تجد مدرجات لهواة الصعود والهبوط في المنحدرات , مع أن موقع شلال أكثر روعة من بعض تلك الأماكن , وكذلك الحال في (منتزه شرورة ), فشيء جيد ورائع أن تشق طريقاً إسفلتية واسعة إليه , ولكن ما أن تصل لا تجد إلا حديقة خاصة بالأطفال , وذلك المبنى الذي - للأسف – لا يستخدم إلا لمتعاطي القات مقابل مئة ريال , والغريب في الأمر أن من يزورون ذلك المكان من خارج المحافظة يأتون ليخزنوا القات, ولا يستمتعون بالطبيعة, (وهذا يعكس في إب ثقافة السياحة الطبيعية) وتنتشر في المكان إلى المخلفات , ويفتقد للنظافة , إنه مكان لعادة مزعجة , في روضة من الجمال الطبيعي والهواء العليل . وفي منطقة السحول المشهورة بسهولها ومروجها الخضراء سوف يعكر مزاجك في مدخل مدينة إب الشمالي منظر القمامة التي تلتهم جزءاً من تلك المساحة , قيل إنه مقلب قمامة , لا تدري لماذا اختيرت تلك المنطقة لذلك؟ وستبرز أمامك سواء تخطيط المساحات التي كانت مخصصة كحدائق استحوذ عليها أو تم قضمها ولم يبق إلا القليل – الشوارع ضيقة ,وهناك تجاهل أن مدينة إب بل كل إب تتساقط عليها الأمطار معظم الشهور ولم تراع هذه الخاصية بشكل كاف. التخطيط العمراني يتوسع بشكل جنوني وهذا خطير , فإذا كانت هذه العشوائية هي التي تتحكم بالواقع وتلتهم المساحة الخضراء يوما بعد يوم , فإنه سوف يأتي يوم يقال كانت إب خضراء . إن مدينة إب على وجه الخصوص والمحافظة عموما بحاجة إلى جهد أكبر من قبل السلطة المحلية , والتعامل معها كمحافظة سياحية , يتطلب أن تكون مشروعات وخطط هذه المحافظة قائمة على هذا الأساس , وهنا لابد أن تبرز أدوار المكاتب التنفيذية المعنية , ويؤخذ في الاعتبار كل خططها وبرامجها الاستثمارية , مثل مكاتب السياحة, وهيئة حماية البيئة, والزراعة, والإعلام, والتخطيط الحضري, والإرشاد والأوقاف, وجامعة إب, ومنظمات المجتمع المدني, والقطاع الخاص . فكل هذه القطاعات أمامها مسؤوليات لا بد أن تقوم بها وعلى السلطة المحلية أن تنفذ, وتعمل على تعزيز التكامل والتنسيق بين هذه الجهات, وفي هذا الإطار فلابد أن يراعى في تنفيذ المشاريع تقييم الأثر البيئي, وان تكون منسجمة مع الخطط والبرامج السياحية, والرؤى والدراسات المقدمة من جامعة إب, ولاشك أن هناك دوراً تثقيفياً وتنويرياً وتقيمياً للإعلام, وقد لمست أن إذاعة إب المحلية, لها دور رائع في هذا المجال, نأمل أن تعود للخدمة في القريب العاجل, بعد القصف المدفعي الذي طالها مؤخرا, وكذلك الحال مع منظمات المجتمع المدني , فالتركيز على العمل الطوعي من قبل هذه المنظمات خاصة بالتشجير, والنظافة , والتوعية سوف تأتي بثمار رائعة, ومن خلال ذلك سوف يتم المضي باتجاه تحقيق الهدف الكبير, وهو منح إب اللقب المستحق (محافظة السياحة البيئية) "الثورة"