الحكمة، العقل، الوطن المستقبل، الانتماء، الولاء الوطني، الوحدة، الأمن، الاستقرار، السلام الاجتماعي، السيادة، الحرية، الديمقراطية، كل هذه المفردات حاضرة في الخطاب الإعلامي السياسي، بقوة، ولكنها غائبة في الممارسة السياسية الحزبية، لأنها جميعاً مستهلكة في الخطاب، وبكر في الممارسة والتعامل، فالحكمة مع البندقية لا يمكن أن تكون حاضرة، والعقل مع الإيغال في التهور والإصرار على الرأي والموقف لا يمكن أن يكون حاضراً، والوطن مع التمزق في المواقف والتناقض في الاتجاهات بزعم الوطن، والمعارضة والتفلت الأمني محتدم في شماله، وحراك يسعى إلى الانفصال في جنوبه، لا يمكن أن يكون حاضراً في وعي وممارسة كل الأطراف. وهكذا يمكن للقارئ الكريم أن يسير في المقارنة لكل لفظة ومفردة ومصطلح مع ما يجري على الأرض ويمارس في الواقع، والتي ستكون مخيبة للآمال، قاتلة للتفاؤل، داعية للثورة، ومبررة للتغيير بكل معانيه وأبعاده، والأمر المؤسف حقاً، بل المحزن والمدمي للقلب والعقل والذاكرة أن تظل الأطراف في خنادقها، وكل يدعي وصلاً بالوطن، والوطن لا يقر لهم بوصل بأي درجة أو مستوى. أن الخطوة الحقيقية التي ينبغي اتخاذها، هي الإعلان عن المدى المرعب الذي وصلت إليه الوقائع على الأرض، والإقرار أن البلد على كف عفريت الدم والانفصال، وعلى هاوية الوقوع كلياً في براثن الاحتلال واستلاب السيادة بدعوى مساعدة البلاد على مكافحة الإرهاب والانتصار عليه، ومن ثم الإقرار بالحاجة الماسة إلى حوار حقيقي يجتمع فيه وحول مائدته الأطراف المتخاصمة والمفترقة، ويجلسون على كلمة سواء هي المصلحة العليا، مصلحة الوطن، لأن دعوات الحوار التي تستقطب الآراء المتوافقة والمتفقة وتستبعد الرأي الآخر وترفضه هي دعوات حقيقية لتوسيع الفجوة، والسير في طريق الافتراق من جهة، والمواجهة المسلحة من جهة أخرى. إن أهمية المصالحة الوطنية تؤكدها كل المؤشرات المشهودة من الوقائع على الأرض، ومن المواقف الدولية التي تراهن على الضعف لتقوى شوكتها وتتمكن أكثر من تشديد قبضتها على المجريات وتوجيهها لخدمة مصالحها، كما يؤكدها التفلت الواضح لجغرافية الوطن السياسية والسكانية وبروز ظواهر مخيفة ومرعبة في اتجاه مستنقع الطائفية والمذهبية وهو من أبشع المستنقعات الذي لن تجففه مصادر وإجراءات أخرى غير المصالحة الوطنية، فهي وحدها الحل، اللهم إني بلغت اللهم فأشهد. والله من وراء القصد