عندما تتوقف حركة الاتصالات ساعة بسبب عمل تخريبي ،تخرج علينا الاتصالات بالتوضيح عن السبب والمسبب وتقدم النصائح وتطالب المواطنين بالتعاون والحفاظ على الكابلات وغيرها ، وعندما تتصدر المواقع اخبار ان الاتصالات تنتهك حرمات المواطنين وتتجسس على اتصالاتهم وبياناتهم ، لا نسمع منها ردا ولا توضيحا ، وكأن الامر لا يعنيها من قريب او بعيد ، وبالأمس تناقلت وسائل الاعلام المختلفة خبر اورده الاخ محمد هاشم المختص في الشبكات والبرمجة عن أن السلطات اليمنية قامت بتركيب نظام نت سويبر (Netsweeper) الخاص بمراقبة الإنترنت وهو ما يسمح لها بمراقبة و حجب المواقع و الرسائل الشخصية و تسجيلها. ورغم ان الخبر يسي بشكل كبير للاتصالات بل ويضربها في الصميم اخلاقيا من جهة كون الدستور والاعراف والقوانين تمنع التنصت والتجسس على جميع انواع الاتصالات واقتصاديا لان الناس ستنظر للاتصالات بعين الريبة وستتحول عنها وتقاطعها ، وسيمتد التأثير ليشمل قطاع الامن والجيش والاستخبارات والقطاع السياسي وستصبح الاتصالات الى اليمن مصنفة بانها غير امنه وسيؤثر ذلك على جميع التعاملات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة .. الخبر هذا اذا صح فانه يعتبر اعظم انتهاك لحرية المواطن سيحدث في عام 2014 ورغم ان الجميع يمرون عليه مرور الكرام غير مقدرين خطورته ان كان صحيحا ، لأن انتهاك حرية وسرية وسائل الاتصالات اشد خطرا وانتهاكا من دخول غرف النوم ، وكأنك الان تحمل رقيبك في جيبك يراقب كل صوت وكل حرف يصدر منك ، سيطلع على رسائلك لأصدقائك سيسجل ضحك زوجتك ويسجل طلبات ولدك سيلتقط كل ما في ذاكرة صفحتك على الفيس بوك والواتس اب ، سيتواصل مع اصدقائك باسمك ان اراد ذلك سيدخل على مراسلاتك الشخصية والقانونية والسياسية والاقتصادية , ان هذا الامر لو صح 50% منه فقط فأنها كارثة محققة على المواطن البسيط وعلى رجال الاعمال وعلى البنوك والشركات ، فلا مراسلات سرية ولا صفقات تجارية تتم عبر المراسلات ولا معاملات تجارية تتم بواسطة وسائل الاتصالات الحديثة هاتف انترنت . ان دول العالم تصرف مليارات الدولارات لتحمي وسائل الاتصالات من عمليات التنصت والتجسس وتقوم بهذه العمليات شركات الاتصالات وشركات صناعات الهواتف وتوظف لذلك الالاف من الخبراء والمبرمجين والعلماء وكل يوم نسمع ونقرا عن ابتكارات جديدة في وسائل حماية نقل المعلومات . وفي الجانب الاخر نجد ان هذه الدول ودول اخرى تصرف مليارات الدولارات ايضا لأجل اختراق نظم اتصالات الدول الاخرى وتحاول اختراق شبكات اجهزة الشركات العالمية وشبكات اجهزة المخابرات ، وتحاول بعض الجماعات والعصابات اختراق حواسيب البنوك وتحويل الارصدة وسرقة بيانات الاختراعات وتصاميم الأسلحة والسيارات والطائرات ، كما تحاول سرقة بيانات الأسلحة النووية والبيولوجية وسرقة اسرار السفن والطائرات وغيرها من الاعمال التي اصبحت الاتصالات هي وسيلة الحفظ والتخزين والتعاملات الاولى في العالم . ويتم توظيف الآلاف من الهاكرز والخبراء في مجال القرصنة ، وهناك حروب شرسة بين دول العالم ، ولكنها حروب سلاحها الفكر والعلم ووسيلتها الاتصالات ، ومن اشد هذه الحروب ضراوة الحرب الدائرة بين الاجهزة الاستخباراتية الاسرائيلية والايرانية , والحرب التقنية الرهيبة بين الصينوامريكا ، وبين امريكا وروسيا ، وبين امريكا واروبا وبين اروبا والصينواليابان ، ونحن نشهد هذه الايام بالذات بما قام به القراصنة الكوريين الشماليين ضد شركة سوني بكتشرز من اختراق لحواسيبها وكشف بعض اسرارها وتهديدها بكشف كل بياناتها والذي كلف شركة سوني خسارة بعشرات الملايين من الدولارات حتى الان والرقم في تصاعد ، وقد يتسبب ذلك في افلاس الشركة وهي من كبرى الشركات العالمية مما استدعى تدخل الادارة الامريكية بكل اجهزتها المخابراتية والمعلوماتية وتدخل الرئيس الامريكي اوباما مباشرة واعلن عن ذلك في وسائل الاعلام . هذه عجالة لا تفي الموضوع حقه ولكنها قد تلفت نظر القارئ الكريم لخطورة التجسس على وسائل الاتصالات في القرن الواحد والعشرين . والعجيب في الامر في بلادنا ان تتم تصريحات عن اعمال التنصت والتجسس على وسائل الاتصالات دون ان تنفي مؤسسة الاتصالات ذلك او تبرر عملها وماهيته واهميته الوطنية مثلا والقوانين التي استندت اليها في جريمتها تلك خاصة وكل القوانين والدستور تحرم وتجرم هذه الاعمال في بلادنا ، اضافة الى القوانين والاعراف الدولية التي تحرم التنصت ومراقبة وسائل الاتصالات الشخصية . وحتى الدول التي تمارس مثل هذه الاعمال تنفي ذلك بأشد العبارات والمبررات وامامنا كوريا الشمالية اليوم تنفي انها جعلت من شركة سوني هدفا لقراصنتها بسبب فلم سينمائي كوميدي ساخر عن الرئيس الكوري الشمالي الحالي ، ومع ذلك تنفي بشده وتطالب امريكا وشركة سوني بالاعتذار ودفع التعويض عن الاضرار التي لحقت بسمعتها الدولية . ونحن في بلادنا اليمن يأتي صحفي بمنشور على صفحته الشخصية ليقول لنا اطمأنوا فكل اتصالاتكم تحت المراقبة ، ومؤسسة الاتصالات لا تكلف نفسها بالرد او التوضيح مما يؤكد ان علينا الاطمئنان فعلا فكل اتصالاتنا تحت المراقبة ...