في يوم واحد هو يوم الاربعاء الماضي كنا امام حادثين دمويين: الحادث الاول في العاصمة صنعاء امام بوابة نادي ضباط الشرطة وراح ضحيته 37 شهيد و اكثر من 66 جريح من شباب الوطن الابرياء الذين قدموا من مناطق مختلفة في هذا الوطن للتسجيل بكلية الشرطة وهدفهم المستقبلي ان يكونوا حماه لأمن هذا الوطن وابنائه . والحادث الاخر كان فى العاصمة الفرنسية باريس وراح ضحيته 12 فرد من العاملين فى احدى الصحف الفرنسية . ورغم ادانتنا كمسلمين لكل احداث القتل والتفجيرات التي تستهدف افراد ابرياء لا ذنب لهم فى أي صراعات سياسية او مذهبية , إلا ان ما لفت نظري ونظر الكثير ممن تابع اخبار الحادثين على وسائل الاعلام العربية وخصوصا القنوات الاخبارية المتخصصة , هو حجم ومساحة تعاطي هذه الوسائل مع الحادثين , حيث تصدر حادث باريس نشرات الاخبار والتحليلات السياسية في معظم هذه القنوات العربية والاسلامية - للأسف الشديد - على مدار اليوم , وتوالت الادانات الشديدة على هذه القنوات من مختلف القيادات السياسية والحكومات والمنظمات العربية والاسلامية وفى مقدمتها الازهر الشريف بالطبع !! بينما لم ينال الحادث الارهابي الشنيع فى العاصمة صنعاء حظه المناسب من حيث مساحة العرض والتحليل والادانة على مختلف هذه الوسائل الاعلامية رغم كونه اشد بشاعة واكثر دموية من حادث باريس , وكأن ما حدث ويحدث فى صنعاء وبقية المحافظات اليمنية من حوادث ارهابية دموية بشعة يذهب ضحيتها عشرات بل مئات القتلى والجرحى من المواطنين الابرياء اصبحت - للأسف الشديد- مجرد احداث عادية وروتينية متكرر فى قاموس الاعلام العربي والاسلامي , ولم تعد هذه الاحداث ذات اهمية ودلاله كبيرة مقارنة بما حدث في باريس او يحدث فى عواصم ومدن اجنبية من حوادث ارهابية. فسبحان الله كيف اصبح دم ابناء هذا الوطن هينا ورخيصا الى هذه الدرجة لدى هذه الوسائل وفى نظر القائمين عليها والداعمين لها والمستفيدين منها !!! والحقيقة فإني لا الوم وسائل الاعلام العربية في تعاطيها للحوادث الارهابية الدموية في بلادنا الحبيبة - في الوقت الراهن - لان معظم هذه الوسائل قد فقدت مصداقيتها اليوم في تناولها وتحليلها وعرضها للكثير من الاحداث والموضوعات , بعد ان اصبحت رهينة من يمولها ويوجهها كيفما يشاء وفي اي اتجاه يشاء . وأصبح المال السياسي والإعلام يشكلان السلاح الاكثر فاعليه وتأثير في كسب المعارك السياسية وتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم مصالح وأهداف من يمتلك هذا السلاح في العصر الحديث . لكني اوجه اللوم الشديد لوسائلنا الاعلامية المحلية وخصوصا التابعة لأطراف وقوي حزبية او سياسية وخاصة , حيث اصبحت هذه الحوادث الارهابية والدموية تشكل لها فرصا لمزيد من المكايدات السياسية وتبادل التهم فيما بينها , وتوظيف هذه الحوادث لأغراض سياسية وحزبية من خلال مختلف هذه الوسائل الاعلامية اليمنية – للأسف الشديد - بدلا من ان تخصص هذه الوسائل برامجها ومضمونها لإدانة مثل هذه الحوادث ومن يقوم بها أيا كان انتماؤه السياسي او المذهبي , والتوعية بحرمة دماء اليمنيين , هذه الدماء التي ما كنا نتوقع ان تراق في بلد الايمان والحكمة , البلد الطيب والعريق بتأريخه وحضارته , وبحكمة ابنائه ورجاحة عقولهم ورقة قلوبهم ولين افئدتهم وعمق ايمانهم بالله ورسله على مر العصور. وختاما اقول: ما احوجنا اليوم الى اعلام عربي واسلامي يراعي مالكوه ومموليه حرمة دم المسلم أيا كان موطنه وموقفه وموقعه !! واعلام وطني يتسم بالموضوعية والشفافية والمصداقية والتوازن وترسيخ القيم وتعزيز الهوية الوطنية ، ويحرص على دماء ابناء وطنه من ان تراق لأي سبب ومن أي طرف , اعلام يدعوا الى التسامح ونبذ الخلاف ورأب الصدع بين مختلف الاطراف والمكونات السياسية , والعمل بروح الفريق الواحد لما فيه مصلحة الوطن وابنائه ووحدته وامنه واستقراره . واقول لكل من يدير مختلف وسائل الاعلام العربية والمحلية ويمولها ويعمل بها اتقوا الله فيما تنقلون وتعرضون من اخبار ومعلومات وأحداث ومشاهد , واعلموا انكم مسئولون امام الله اولا عن كل قطرة دم تراق من اي شخص عربي او يمني قتل او جرح نتيجة فتنة وأحداث وأزمات, كان لكم ولوسائلكم الاعلامية دور فى اذكائها وإشعالها وتعميقها , وحسبنا الله ونعم الوكيل .. ======= *أستاذ التسويق المشارك / جامعة تعز [email protected]