هروب هادي إلى السعودية وإفلاته من قبضة الحوافش لا يستطع أحد من المتابعين للتطورات الدراماتيكية في اليمن في الداخل والخارج إغفال أو نكران تأثيره الكبير في خلط الأوراق وتعقد السيناريوهات لكثير من القوى المتصارعة إن جاز التعبير في الساحة اليمنية سواء تلك التي تقف ضد انقلاب الحوافش أو تلك المتحالفة معه من اللحظات الأولى لإعلان وصول هادي للسعودية انبرت وسائل إعلام الحوثي وحليفه المؤتمر ووسائل إعلام القوى السياسية الرافضة للانقلاب في التحليل والرفض والقبول والترحيب والاستنكار كل ينطلق من موقفه من الطرف الآخر ومن مكاسبه أو خسارته ومن تداعيات ذلك أتى إفلات هادي من قبضة الحوافش على الجهد الذي بذل في التخطيط والترتيب لسيناريوهات معدة سلفا ليعيدها إلى الصفر إن لم يكن نسفها القوى السياسية التي لها حضور شعبي وسياسي قوي ولها موقف رافض وبصلابة لانقلاب الحوافش كان نبأ خروج هادي بالنسبة لها القشة التي قصمت ظهر البعير والورقة الرابحة التي ظلت تبحث عنها لتخلصها من مطرقة قوة الحوثي يؤازره في ذلك جمال بن عمر لشرعنة اغتصاب السلطة عبر الخروج باتفاق سياسي جديد يقر ويعترف بسلطة الحوثي ويمنحه قيادة ما يمكن تسميته المرحلة الانتقالية الثانية مما يلغي المبادرة الخليجية ومخرجاتها المتمثلة بمخرجات الحوار ومسودة الدستور الجديد ولتخلصها من سندان غضب الشعب اليمني عليها ومن فقدان رصيدها الجماهيري إذ أن استمرار المليشيات الحوثية في تقويض مؤسسات الدولة والاستيلاء على مقدراتها وفتح السجون والمعتقلات للمناوئين والاختطاف والتعذيب حتى الموت للمخالفين في الرأي وملاحقة الصحفيين ومداهمة المؤسسات الصحفية كمؤسسة الشموع ونهبها فضلا عن نهب وتدمير كثير من بيوت المقاومين للمليشيات الحوثية وفي ظل استمرار قعود الأحزاب السياسية مع المليشيات على طاولة حوار واحدة بما يعطيها على طبق من ذهب براءة من جرائمها ويهبها بعدا وطنيا وسياسيا مصحوبا بمكتسبات حصلت عليها بطرق غير مشروعة يجعلها تخسر كثيرا من تاريخها الوطني ئقد كانت الأحزاب السياسية في نظر كثير من اليمنيين إما ضعيفة أو متواطئة وفي كلتا الحالتين لا تستحق أن تفاوض أو تحاور باسم الشعب فكان خروج هادي هو أيضا خروج للأحزاب السياسية من المأزق الذي حشرت فيه حيث أوجد لها متنفسا لتعيد ترتيب أوراقها وتلملم مواقفها لتسحب البساط من يد المليشيات وتلتف حول هادي كممثل للشرعية الانتخابية وتتخلص من الضغوطات التي كان يفرضها الحوثيون بقوة مليشياته كان الحوثيون قبل خروج هادي يفرضون شروطهم على المكونات السياسية أما وقد خرج هادي للرياض وجاء تدخل التحالف فإنها هي التي ستضع شروطا أمام الحوثيين للعودة للحوار ولن يقبل إلا بتنفيذها على أرض الواقع قبل الجلوس وجها لوجه على طاولة مستديرة لقد تغيرت قواعد اللعبة وتنفست المكونات السياسية الصعداء لتستعد لترميم سياستها المفروضة عليها بحكم الأمر الواقع وتستعيد ما فقدته من كفاحها النضالي بلا شك أن خروج هادي كان بمثابة صفعة قوية تلقاها الحوثيون أولا وحليفهم صالح وحزبه ثانيا إذ أن بقاء هادي تحت السيطرة الحوثية مع صياغة اتفاق مع الأحزاب السياسية لتكوين مجلس رئاسي أومجلس وطني هو نسف نهائي للعملية السياسية المرتكزة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ونكوص لثورة فبراير ومكتسباتها المتجسدة بمخرجات الحوار الوطني ومشروع مسودة الدستور الجديد ردة فعل الحوافش العنيفة من خروج هادي تنبئ بهول الصدمة التي تلقوها وحجم الكارثة التي حلت بهم وبمكاسبهم التي جنوها بفوهة البنادق لقد صعق الحوافش لأنهم يدركون أن بقاءالشرعية الشعبية ممثلة بالرئيس المنتخب هو إلغاء لشرعية يزعمونها محمولة على ظهر الدبابة وصوت القذيفة ويعلمون أن خروج الرئيس هو بداية لتكوين تحالف وطني وخليجي يعيدهم لمساقط رؤوسهم في كهوف مران ويقضي على آمالهم في قيام دولة إمامية على الطراز الإيراني ولأن الحوثيين لا يعرفون بلغة السياسة ويفتقرون لأبجديات الدبلوماسية في اتخاذ المواقف أو الرد على الآخرين كانت مواقفهم من خروج هادي ذات عنف لفظي وخروج عن الصواب فاصدروا بيانا سموه ثوريا اتهموا فيه هادي بالخيانة العظمى وسيقدموه للمحاكمة بل إنهم غالوا في ردة فعلهم اللاعقلانية بأنهم سيحاكمون كل من يتعامل مع هادي هذه المواقف الهيستيرية لا تشير إلا إلى إدراك الحوثيين لمدى الخسائر التي ستلحق بهم جراء إفلات هادي منهم ولأنهم لا يمتلكون مشروعية وطنية يحتمون بها أو برنامج سياسي يلوذون به أو كفاح وطني يحتجون بتاريخه فمن الطبيعي لهكذا حركات مسلحة أن تتهم وتحاكم غيابيا لتنصب المشانق وتملأ المعتقلات بالسلميين والسياسيين المقاومين لبرنامجها التسليحي الثوري كما تراه! !! تلكؤ المؤتمر في نقل جلسات الحوار ووقوفه مع الحوثيين في خندق الرفض لحوار خارج العاصمة استهلاكا للوقت وانتظارا لحدث آخر يستغله ليربك المشهد ويعقد الوضع عله ينال صفقة تضمن له إعادة ما خسره أو تعطيل أي تقدم يكبح من فرص عودة زعيمه أو نجله للحكم المواقف الخارجية متباينة بتباين المصالح فالدول الخليجية رحبت بخروج هادي ولها اليد الطولى في ذلك و تسعى تحت راية شرعيته لتكوين حلف وطني يقلع أنياب الحوافش ويقلم أظافرهم والدول الغربية من وجهة نظري ترى أن شرعية هادي بالنسبة لها من الأهمية بمكان ليس لأنها تقدس شرعية الشعوب الانتخابية بل لأنها ترى أن اليمنيين سيلتفون حولها هروبا من الاعتراف بالانقلاب فتريد دول الغرب استغلال هذا الالتفاف لتشرع بعقد حوار ينتهي بصفقة تعقد بين هادي والحوافش يحافظ على مكتسباتهم على الأرض ويبقي على شرعية هادي الرئاسية ولو كانت منقوصة غالبية الشعب اليمني يرى في خروج هادي فرصة كي يصلح ما أفسده وطاقمه وأن يحزم أمره ويسجل له موقفا تاريخيا في مهمة وطنية عظيمة لاسترداد الدولة المسلوبة وكرامة الشعب المهدورة وينتظر اليمنيون من هادي بفارغ الصبر وعلى أحر من جمر أن يثورهم لا أن يثوروه وقتئذ سيعرفون أنه تعلم من أخطائه.