ارتباك لا تغفل معه إصرار على مناهضة كل أشكال الظلم وعودة الحقوق بإخلاص شديد ، بل ويمثلون العدد الأكبر من ضحايا هذا الاستبداد ، إلا أنك تلحظ أسئلة أخرى دفينه ربما يخشى البعض من طرحها لقناعته بعدم توفر الإجابة عليها. هو سؤال من السهل إطلاقه على العقل اليوم ليكشف قدرته على التفكير بواقعية وأن حركته وطريقة تفكيره ليست رد فعل الإنهزامية أو العجز: ماذا لو استيقظنا في الصباح ووجدنا أن النظام الحالي قد أسقط في يديه وأعلن في بيان له أنه يتنحى عن إدارة شئون البلاد ؟ أو ماذا لو قامت جماعة بالانقلاب على الانقلاب رافعة راية دولة الإسلام وسيطرت على البلاد وأجبرت العباد على الولاء لها ؟ هو سؤال يبدو مستحيلاً إلا أنه يكشف الواقع بوضوح ، يكشف الفجوة بين الشعارات والخطابات الرنانة وبين محاولات الإجابة الواقعية . لا أتحدث عن رؤوس ورموز الحالة الإسلامية والذين ساهموا بشكل كبير في تشكيل وعي حالم عن التمكين والنصر ، ولكن أتحدث عن المتأثرين بخطاب التيارات الإسلامية على تنوعه لعقود طويلة جيل يمثل قاعدة ليست بالهينة اكتشف أنه اليوم أمام صدمات معرفية وانفصام عن الواقع وصدمة من عدم الإمكان في تحقيق الغايات الكبرى . ولم يخلو تاريخ المسلمين من فتن واختلافات وصراعات كانت في بعضها أكثر دموية مما يحدث الآن ، وإلا لماذا قتل خليفة المسلمين ” عثمان بن عفان ” في عصر قريب من عصر النبوة وفي عهد صحابة وتابعين ، ولماذا قامت حرب بين المسلمين حينها وهم الأكثر احتكاماً للشرع منا اليوم إلا بسبب الصراعات السياسية والطائفية رغم حلول الدين في حياتهم العامة والخاصة. حتى استدعاء صورة الخلافة الإسلامية التي بكى عليها المسلمين عندما سقطت بسبب الضعف الذي طالها قبل أن تُسقط لم تكن بدايتها حكم رشيد ولكن ملك عضود بالوراثة أسسه معاوية وبنو أمية . وأغفل تفسير تلك الأحداث بنظرة شمولية تشمل الواقع الاجتماعي المتغير ، كما فسرها مثلاً شيخ الإسلام "ابن تيمية" ولم يحاول مثلاً إنكار أسباب مثل شخصية الخليفة" عثمان رضى الله عنه "غير الحازمة وأسباب أخرى كلها بعيدة كل البعد عن الحكم على ورعه وأمانته "رضي الله عنه وأرضاه". وعلى الرغم من الحراك الحربي إلا أن الحالة المدنية كانت في تطور؛ لأن الحرب لم تك أساس في المهمة وإنما وسيلة مطروحة من الخيارات المفروضة حينا والحالة التي تقتضيها الوقائع حينا تجنبا للتهديد واستباقه. إن الغاية إحباط الرغبة عند المقابل لشن اعتداء، وهنا لابد من التفريق بين الإرهاب والإرعاب حيث درجت تسمية الإرعاب بالإرهاب في عصرنا التي قد يكون السبب فيها قصور في الترجمة؛ لأن الإرهاب فعل إيجابي لمنع سلبية، أي وضع الرهبة عند العدو كي لا يقوم بفعل عدواني كما الحرب الباردة. أما الإرعاب فهو القيام بفعل سلبي لتراكمات سلبية، حدث أو فعل أو مشاعر، وهو اعتداء على الأبرياء غالبا وتعبير عنفي لما يمكن أن يكون سلميا. هذه الدعوة نمت لتشكل نظام حكم يحق فيه للناس اختيار حكامها وعزلهم، وهو قد يشبه الديمقراطية اليوم، إلا أنه يختلف عنها بالمصدر والمصداقية. لكن العصبيات إن اختفت فهي قابلة للظهور عندما تثار الغرائز وتضعف القيم في رسوخها. لا ينبغي أن تشغلنا عن مهامنا نحن، وإذا بنا نخرج من الدنيا ولم نحصد إلا مساوئ ظنون وإرهاصات ورواسب التاريخ. علينا أن نهجر منظومة تنمية التخلف المعشعشة فينا إلى رحاب منظومة النهضة التي تسكن القلوب المستنيرة بنور القرآن حذرين كل الحذر من خداع ووسوسة شياطين الأنس الذين يجعلون من دين النور معلما للأحقاد وتفاهة الفكرة وسطحية النظرة. إن رياح التغيير لا يمكن أن تنبعث من جمود ولا يصلح هذه الأمة فاسدون، سواء باسم الحداثة أو برداء المصلحين ، وما أيسر إقناع النفس بعدم الحيرة والارتباك ، وخاصة في حال وضوح الغايات العامة والأمنيات بتحقيق العدل والحرية والحكم الرشيد ، إلا أن خلف هذه الإجابة العامة قدر كبير من الارتباك والحيرة عند الولوج في التفاصيل . لقد كانوا دؤوبين في ابتداع وسائل يحار بها العاقل الحليم وهم يشوهون الإسلام، لكن الإسلام سيبزغ فجره على أناس لا تغمض أعينها حبا للظلام أو المنام، وسيغتسل العاقل من شوائب التزوير كما يغتسل المسلم لطهارة الجمعة أو انتظارا صباح العيد