المفاوضات خلف الغرف المغلقة لا يبدو فعلا كافيا لمعالجة واحتواء الازمة والاحتراب البيني في اليمن مقولة تجعلنا ننتهج التفضيل بين كل الوسائل المتاحة والقادرة فعلا على احتواء ما يعتمل في الميدان من مواجهات شرسة ودامية ولا متناهية. ومع ان الاممالمتحدة احتاطت لعدم كفاية المفاوضات الماراثونية خلف الغرف المغلقة بفريق من المراقبين على وقف اطلاق النار في الحديدة الا ان هذا وفق عوائد اولية لا يبدو كافيا لوضع حد لما يدور في ميدان الاقتتال. غياب رادع لعلعة الرصاص منذ ما يربو على الخمسة الاعوام والمشهد اليمني في حالة احتقان جراء حرب ضروس تدور رحاها في مناطق ومحافظات شتى داخل اليمن ورغم ان الاممالمتحدة بذلت جهوداً كبيرة لايقاف الوجع اليمني الا ان اللقاءات التي عقدت برعايتها لم تثمر عن اي نتائج على ارض ميدان مشتعل يوازي نظرية الارض المحروقة. السبب الذي يبدد ضباب العجب يكمن في غياب الرادع القادر على وضع حد للعلعة الرصاص ودوي المدافع والصواريخ وهي نقطة حتى وان كانت محط اهتمام اممي الا انها لم تحظى من الجانب الاممي بمعالجات تذكر سوى الحصول على وعود الطرفين بايقاف المعارك ووضع حد لاطلاق النار المتبادل بين طرفي النزاع. ورقة مجلس الامن وقهر الارادة استخدام ورقة مجلس الامن لقهر ارادة الاقتتال الدائر فعل لم يحدث حتى لحظتنا الراهنة حيث تبدو الاممالمتحدة في موقف تدليل للطرفين ومراضاه وهو ما فاقم من الوضع الميداني وسيادة لغة الرصاص على ما عداها. بالنسبة لحرب دامت حتى وقتنا الراهن خمسة اعوام يبدو منطق المراضاة والتدليل غير مجديا البتة وهو يستوجب الاستناد الى لغة الضغط والفرض وقهر الارادة لارغام الطرفين على القبول بحل الحوار كمرجعية ووسيلة لحل الخلافات الجارية بين الطرفين. حصر جبهات القتال ونشر قوات دولية شخصيا توقعت من الاممالمتحدة حصر عدد الجبهات في الميدان ومن ثم الاقتراح على مجلس الامن الدولي باستصدار قرار يقضي بنشر قوات اممية للفصل بين طرفي الاقتتال مع وضع هذا الحل كمحور رئيسي للحوارات البينية بين طرفي الصراع حين نتساءل عن تعليلات عدم اللجوء الى حل كهذا نجد وبصراحة وجود رغبة اممية غير ظاهرة وكامنة في تشجيع احد الطرفين واعني به هنا جناح الرئيس هادي والتحالف العربي على حسم المعركة عسكريا وهي رغبة تقف وبشموخ ضد اي محاولات لانتهاج لغة الفرض وقهر الارادة لمعالجة الازمة اليمنية. على ان تعذر مثل هذا الحسم العسكري يجعل من هذه الرغبة نهجا غير ذي طائل اذ لم يفلح التحالف العربي بكل امكانياته ومالديه من قدرات في حسم جزء من المعركة فكيف بكل المعركة واقع كالذي بعاليه يحتم على الاممالمتحدة التخلي عن رغبتها الكامنة والقيام بخطوات غير تقليدية للتعامل مع الواقع الميداني في اليمن. فريق المراقبين بوصفه حلا جزئيا
ومع ان الاممالمتحدة لجأت الى فريق مراقبين في الحديدة وهو ما يعني بداية يقظة الا ان ذلك لا يبدو كافيا، الشارع اليمني يتطلع الى الكثير من جانب الاممالمتحدة لوقف نزيف الدماء ومن هذا الكثير على سبيل المثال القيام بحصر عدد جبهات القتال في الميدان اليمني واعداد خطة اممية لنشر قوات دولية على غرار اليونيفل على امتداد هذه الجبهات بحيث تتلخص مهمة هذه القوات في فض الاشتباك الدائر على هذه الجبهات. ورغم ان خطوة كهذه قد لا تحظى بالتأييد والمباركة نظراً لاتقاد الرغبة في منح التحالف برهه زمنية كافية لحسم المعارك الميدانية الا انها على ما يبدو خيار وحيد بوسعه معاضدة جهود السلام والحوار. قوات على غرار يونيفيل باعتبارها الحل في الحرب بين لبنان واسرائيل لعبت قوات السلام المتعددة الجنسيات (اليونيفل) ادوارا محورية في فضل الاقتتال ووقف اطلاق النار ومراقبة اي تحركات عسكرية. لقد قامت هذه القوات اليونيفلبادوار في تامين الحدود مع اسرائيل وايقاف المناوشات بين قوات حزب الله واسرائيل لتنجح بذلك مساعي السلام وتغادر اسرائيل الجنوب اللبناني ويلتزم الطرفان ليس في الغرف المغلقة ولكن في الميدان بوقف المواجهات وتطبيع الاوضاع العسكرية. في اليمن نبدو احوج ما نكون الى قرار من نوع نشر قوات على غرار يونيفيل في جبهات القتال حيث ان اقدام الاممالمتحدة ومجلس الامن تحديدا على استصدار قرار بنشر قوات دولية اتجاه من شانه وضع حد حقيقي للحرب الدائرة في اليمن. بوسع الاممالمتحدة الضغط على طرفي الاقتتال وجعل مسألة نشر القوات الدولية بكل جبهات القتال في طليعة الاجندة الاممية للحوار. اليونيفيل في لبنان قوات اليونيفيل ولمن لا يعلم انشئت بموجب قراري مجلس الامن رقم 425 و 426 اللذان صدرا في 19 اذار من العام 1978 وذلك بهدف تحقيق غاية انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان واستعادة فرص السلام والامن الدوليين ومساندة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها في اراضيها وقد نجحت قوات اليونيفيل في فض الاشتباك الحدودي وفرض السلام والاستقرار في المنطقة. وعقب النزاع الذي نشب بين لبنان واسرائيل في تموز 2006م عزز مجلس الامن عبر قراره رقم 1701 وجود قوات اليونيفيل مسندا اليها مهاما اضافية ويبلغ عدد قوات اليونيفيل 10500 جنديا ينتمون الى 42 بلدا على مستوى العالم بالاضافة الى نحو 1000 موظف مدني. تدخلات الاممالمتحدة العسكرية والامنية في قبرص جرى تاسيس قوة الاممالمتحدة لحفظ السلام والتي تدعى "يونفيسيب" عبر قرار من مجلس الامن عام 1964م لمنع المزيد من الحرب بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الاتراك وقد استمر وجود البعثة الاممية للاشراف على خطوط وقف اطلاق النار والحفاظ على منطقة عازلة. اما في باكستانوالهند فجرى نشر قوات عسكرية تحت مسمى "يونموغيب" عام 1949م للاشراف على وقف اطلاق النار بين الهندوباكستان في ولايتي جامو وكشمير. وفي هاييتي تشكلت قوة تابعة للامم المتحدة تحت مسمى "مينوستا" وتضم 980 جنديا و295 ضابط شرطة و351 موظفا مدنيا لدعم العدالة في هاييتي اثر قرار مجلس الامن الدولي رقم 2350 لعام 2017م. وفي الصحراء الغربية وتحت اكليشة "مينورسو" جرى نشر عناصر تابعين للامم المتحدة بهدف انهاء الخلاف ما بين المملكة المغربية الشقيقة وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وذلك بالاستناد الى قرار مجلس الامن الدولي رقم 690 لعام 1991م وتتشكل قوة الاممالمتحدة في الصحراء الغربية من 485 عنصرا. وتحت يافطة "مينوسكا" شكلت الاممالمتحدة قوة بهدف تحقيق الاستقرار في جمهورية افريقيا الوسطى وتتغيا هذه القوة ايضا تسريح الجيش ونزع السلاح وحماية المدنيين ودعم العملية الانتقالية ويبلغ عدد هذه القوة 15045 عنصرا. وبمسمى "مينوسما" جرى تاسيس قوة اممية لتحقيق غاية دعم الاستقرار في جمهورية مالي بموجب قرار مجلس الامن رقم 2100 حيث عهد اليها مهام من قبيل دعم السلطات الانتقالية والعمل على استقرار البلاد وضمان الامن والحماية للمواطنين ودعم مساعي الحوار السياسي والمصالحة والمساعدة على اعادة تاسيس سلطة الدولة واعادة بناء قطاع الامن وتضم القوة 16453 جنديا. وبعنوان "مونوسكو" تشكلت قوة اممية لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية قوامها 20486 عنصرا امميا. وفي الجولان انشات الاممالمتحدة قوة تحت مسمى "يوندوف" بهدف مراقبة فض الاشتباك بين سوريا واسرائيل عام 1974م وفقا لقرار مجلس الامن رقم 350 حيث بلغ عدد القوة 1094 عنصرا. وتحت مسمى "يونميك" نشرت الاممالمتحدة 351 عنصرا للاشراف على الادارة الانتقالية في كوسوفو وتوفير ادارة مؤقتة للبلاد وخول مجلس الامن لهذه البعثة سلطة على اقليم وشعب كوسوفو بما في ذلك جميع السلطات التشريعية والتنفيذية. الحديدة محطة اولى للتدخلات الاممية يتوقع البعض ان يكون التواجد الاممي في الحديدة محطة اولى لتواجد اممي مستقبلي في كل جبهات القتال وهو توجه بوسعه ان يضع حدا للحرب الدائرة في اليمن. وهنا يتطلع اليمنيون الى ان يتحول هذا التوقع الى حقيقة على الارض حيث ان اصرار الطرفين على موقفيهما يعني استدامة المعارك وهو ما يجعل الاممالمتحدة تلجا لحل نشر عناصرها في كل جبهات القتال. حل الازمة من جذورها عبر قوات شبيهة باليونيفيل نشر هذه القوات سيسهل على الاممالمتحدة استكمال مواضيع الحوار وفي مقدمتها تشكيل حكومة وحدة وطنية وتقاسم السلطة والثروة بين طرفي الاقتتال فهل نتوقع اتساع حالة اليقظة الاممية باتخاذ قرار دولي بنشر قوات اممية في جبهات القتال داخل الاراضي اليمنية والسعودية كاجراء يفضي لحل الازمة اليمنية من جذورها ام ان نهج المراضاة والرغبة الاممية الكامنة بمنح التحالف فرصة سيكونان هما النهج المتبع. سيظل ما يدور في الغرف المغلقة بين طرفي الاقتتال في اليمن رهين المحبسين مفضيا بذلك الى سيادة لغة الميدان على ما عداها ومهما استطالت المحادثات لن يكون في وسع التدخل الاممي انهاء الحرب دون اجراءات ميدانية من قبيل نشر قوات دولية. بهذا الاجراء سيسعنا القول ان الاممالمتحدة قد نجحت في مساعيها بانهاء الحرب عبر نشر هذه القوات، وعلى النقيض من ذلك فان نهج الحوار وحدة والغرف المغلقة سيؤدي الى اتجاه مساعيها نحو الاخفاق ليكون بذلك الطريق المسدود "الحوار وحدة دون نشر القوات" هو المآل الذي ينتظر الجهود الاممية وكفى [email protected]