بداية أترحم مجدداً على أبينا ومُلهمنا فقيد الوطن الأستاذ القدير/ فتح الأسودي، سائلا المولى عز وجل أن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة! نقرء كثيراً في الحكايات والأساطير عن مجموعة القيم والمُثل و روادها عبر التاريخ، من الأنبياء والصالحين والمصلحين الإجتماعيين، ولكن قلما نراهم في حياتنا العملية. أقولها أمانةً أمام الله رب العالمين، أني رأيت هذه القيم والفضيلة في وقت لا يتجاوز النصف ساعة بمعرفتي القريبة بهذا الرجل، منذ أربع عشر عاماً ولا زال ذلك الموقف في عقلي و وجداني أتزود به في درب القيم والفضيلة، كلما أهتزت هذه المثُل أمام عيني! ذهبت في يوم إلى البنك الإسلامي اليمني المملوك لرجال الأعمال اليمني البارز/ عبدالكريم الأسودي (رحمه الله)، وهو عمليا أبن أخت فقيدنا الراحل/ فتح الأسودي. ذهبت في عملية تفاوض مع البنك بدأت قبلها بايأم لأتمام عملية مرابحة إسلامية لشراء منزل لي في صنعاء. وكانت عملية التفاوض تجري بشكل غير سهل إلى حد ما في البداية، كون الضمانات التي قدمتها غير كافية من وجهة نظر البنك. دخلت مكتب المدير المسؤول عن العملية والذي هو أيضا من نفس العائلة، فسلمت عليه، وعلى رجل وقور يجلس أمامه بكل أدب وتواضع وكأنه طالب مدرسة يجلس أمام إستاذه، وبيده ورقة ملفوفة (بالعامية بصيرة أو وثيقة تملك عقارية). سلما عليّ بكل تراحب، وكان مفاجأة المدير المسؤول كيف انني لم أستطع معرفة الشخص الذي يجلس أمامي، فأدرك أننا لا نعرف بعضنا، فبادرني بالقول "تصور عمي فتح جاي ببصيرة بيته، حتى يضمنك!!" صعقت من قوله، فقلت "العم فتح! آنا آسف جدا أنني لم أتعرف عليك!" حيث كانت معرفتي به من خلال خطوبة أخي منذ عدة سنوات، ولم أره حينها لأكثر من خمس دقائق! أبتسم لي وقال "لا عليك. لا مشكلة في ذلك". أصرّ على قريبه المدير المختص أن يقدم وثيقة منزله كضمان لي أقوم بموجبه بأخذ المبلغ المطلوب، لكن المدير رد قائلاً " مجيئك بنفسك ضمان كافي لنا!"، حاولت أن أشكر العم فتح على هذه الموقف الرائع لكنه قاطعني قائلاً "الناس لبعضها يا أبني"ثم استأذن بهدوء ومضى! مضى، لكن موقفه هذا لم يمض من عقلي و وجداني! قابلت أخي (زوج إحدى بنات العم فتح) في نفس اليوم، وقلت له مبتسماً" شكراً لك في مساعدتي في الحصول على التمويل بالتحدث مع عمك وحل المشكلة"، فكانت الدهشة على وجه أخي " قائلاً لم أتحدث معه في هذا الموضوع، ولكن كنت أتحدث مع عمتى (زوجة العم فتح) عن خطتك لشراء المنزل وأين وصلت في الإجراءات، وكان العم فتح يجلس في زاوية بعيداً عنا يطالع صحيفة في يده، ولم يكن مركزاً معنا في النقاش أصلاً! قلت له" هل يمكن أن تكون عمتك قد أقنعته بفعل ذلك؟" قال "مستحيل أن تشير عمتي عليه بمثل هذه الفكرة أن يرهن بيته الذي يسكن فيه لأيٍ كانت الأسباب!" وأكتشفنا بعدها أن العم فتح لم يستشر ولم يخبر أحد عن هذا الموضوع، وأنه صدفة سمع جزءً من الحديث الدائر بين أخي وحماته دون أن يشاركهم النقاش! ذهب العم فتح، وأرتقت روحه الطاهرة إلى بارئها ولكن موقفه هذا تأصل بداخلي كقمم الجبال الراسخة! و أستمريت بالتسائل بعدها كثيراً: - أي إنسانٍ هذا العم فتح في تواضعه وأخلاقه وأدبه الجم، ومحبته وثقته اللا محدودة بالناس دون أن يعرفهم؟! - كان باستطاعة العم فتح، أن يتصل هاتفيا بأبن أخته مالك البنك أو بقريبه الآخر المدير المختص بالتمويل، ويقدم له توصية بالإهتمام بموضوعي، دون أن يُعرّض نفسه وأهل بيته للخطر بمحاولة ضمان شخص لا يعرفه، ولو كان أخ زوج ابنته!! أردكت حينها أن حياة المثل والقيم والأخلاق ليست فقط في كتب التاريخ وسير العظماء، ولكنها موجودة بيننا بإناس عظماء كالعم فتح! أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل روحك الطاهرة في عليين مع الأنبياء والشهداء والصديقيين! (من صفحته في الفيس بوك)