الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور الظاهري : مبادرات السلطة والمعارضة أحلام يقظة وظاهرة هروبية عاجزة عن الإصلاح
نشر في التغيير يوم 20 - 09 - 2009

اليمن تعاني من أزمة سياسية ومجتمعية شاملة ومركبة على مستوى النظام الحزبي والنظام السياسي، بل وعلى مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع،والحياة السياسية اليمنية تعرف ديمقراطية اللغة واستبدادية الممارسة .. حضور النص الديمقراطي وغياب السلوك الرشيد .. حضور مفاهيم الديمقراطية وغياب إرادة الفعل السياسي.
ومشروع رؤية الإنقاذ بدأ واقعياً في تشخيصه للأزمات وانتهى مثالياً في تجريد الحاكم السياسي من كثير من سلطاته ، وخاصةً في واقع يمني ما يزال عصياً على تقٌبل الأفكار النخبوية والراديكالية معاً ! لاسيما في ظل زهد المعارضة وعدم تهيؤها نفسياً لدفع ضريبة التغيير وثمن مواجهة نخبة حاكمة مستبدة .
والمبادرات الرسمية بمثابة " منجزات لفظية " لا ترى النور غالباً، لأن الحاكم يعض على الحكم بالنواجذ والبنادق!!
وأخشى أن هذه المبادرات والرؤى قد تحولت إلى" أحلام يقظة " تهرب إليها القوى السياسية لعجزها عن إصلاح الحياة السياسية ، وانتشال اليمن من الأزمات والحروب، يبدو أنها مبادرات ورؤى لا تلد إصلاحات ، بل إنها بمثابة ظاهرة هروبية أخشى أن تشكل تعويضاً نفسياً لدى أصحابها تعوضهم عن الحركة والفعل وعن إحداث تطور وتغير اليمن مجتمعاً ودولة.
وإن استقراء تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر يدفع إلى الاستنتاج بأن اليمن مرشح لمرحلة قادمة من عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي ؛ بسب العلاقة غير السوية بين سلطة مستبدة ومعارضة مستضعفة
هذا ما أكده ل"الناس" الدكتور/ محمد محسن الظاهري - أستاذ العلوم السياسية وأمين عام نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء- الذي عودنا دائماً أن يأتي بالجديد في حديثه الذي ينطق عن منهجية علمية وأكاديمية صادقة،تخلو من تأثيرات العلاقات الشخصية، ومؤثرات ردود الفعل المضاد.
فهو يتعاطف مع المعارضة لكنه لا يتردد في رميها بسهام النقد البناء، ويتلقى ضربات موجعة من السلطة غير أن ذلك لا يحول دون أن يمنحها الاستحقاق الكافي من الإنصاف، ورغم أنه ينتمي إلى أشرس محافظة جنوبية "الضالع" بيد أنه يتصدر لمجابهة شطط بعض الحراك الجنوبي، ومع أنه سليل أسرة مشيخية عريقة إلا أنه يغذ الخطى باتجاه الدعوة لبناء دولة مدنية حديثة..
- بداية ما قراءتك لمشروع رؤية الإنقاذ الوطني الذي أعلنته اللجنة التحضيرية للحوار الوطني؟
* إن المتتبع لمبادرات ورؤى الإصلاح السياسي في اليمن يكاد يستنتج أن الجمهورية اليمنية قد عرفت منذ إعلانها في22/5/1990م ما يمكن تسميته بظاهرة إصدار مبادرات الإصلاح السياسي، سواء جاءت على صيغة تعديلات دستورية 1994م و2001م أو ما عُرف بوثيقة العهد والاتفاق في فبراير 1994م.
ثم مبادرة الإصلاح السياسي والوطني الشامل المقدم في نوفمبر من عام 2005م من قبل المعارضة اليمنية ( اللقاء المشترك )، وكذا ما عُرف بمبادرة الأخ الرئيس للتعديلات الدستورية بهدف تطوير النظام السياسي المُعلنة في أواخر عام 2007م.
والآن ما عُرف بمشروع رؤية الإنقاذ الوطني الصادرة عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في سبتمبر الحالي 2009م.
- لكن لماذا لا تأتي هذه المبادرات والرؤى السياسية أُكلها وثمارها ؟
*لأسباب عديدة منها : إن اليمن تعاني من أزمة سياسية ومجتمعية شاملة ومركبة على مستوى النظام الحزبي والنظام السياسي، بل وعلى مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع ؛ فالإشكالية أكثر تعقيداً حيث يلاحظ أن الحياة السياسية اليمنية تعرف ديمقراطية اللغة واستبدادية الممارسة ، حضور النص الديمقراطي وغياب السلوك الرشيد ، حضور مفاهيم الديمقراطية وغياب إرادة الفعل السياسي ، إضافة إلى الاكتفاء بنحت النصوص وتحويلها إلى غاية دون السعي لتطبيقها . والأدهى والأمر عدم الاعتراف الرسمي بالفشل ، حيث يفلت المقصر من العقاب ويزداد الوضع سوءاً .
- ما أبرز الدلالات الإيجابية التي تضمنها مشروع رؤية الإنقاذ الوطني برأيك؟
* بالتأكيد هناك مواطن قوة لمشروع الرؤية أهمها انتقال المعارضة من المعارضة الحزبية إلى المعارضة المجتمعية ، والانتقال من " التشاور الحزبي " إلى " التشاور الوطني أو المجتمعي ، واعتماد الحوار ورفض العنف والتمسك بالعمل والنضال السلمي.
كما أن مشروع الرؤية ركّز على سطوة حكم الفرد المستبد وتركز السلطات بيده وشكلية المؤسسات، وكنت أتمنى لو تم تحديد الأهمية والوزن النسبي وليس جعل الفرد هو ذو أهمية مطلقه وفقاً لمشروع الرؤية التي أشارت إلى "حكم فردي مشخصن ومركز سياسي عصبوي ".
أيضاً يحسب لهذا المشروع بأنه قدّم تشخيصاً دقيقاً للواقع السياسي بأزماته ورصد أبعاد هذه الأزمات ، إلى جانب تقديم مبررات لرفض هذا الواقع اليمني المأزوم ، وتقديم شواهد وأدلة ومؤشرات لذلك ،كما يلاحظ انتقال مشروع الرؤية من التلميح إلى التصريح سواء حديثها عن الفردية والاستبداد واختزال الدولة اليمنية والنظام السياسي في شخص الرئيس أو حديثها عن المسكوت عنه والمتمثل في التوريث وخطورته على الثوابت الوطنية والنظام الجمهوري إضافة إلى تضمن الرؤية حضر توريث الأقارب . كما أنها أشارت صراحة عن القضية الجنوبية وحرب صعده . والأهم من هذا أن مشروع الرؤية قد نجح في تقديم البديل لهذا الواقع المراد تغييره .
- ما هو هذا البديل؟
* يتمثل البديل في الحلول والمعالجات المتضمنة في مشروع الرؤية ؛ بدءاً من التركيز على أسس بناء الدولة اليمنية الحديثة وتطوير شكلها على قاعدة اللامركزية ، وتعزيز حكم القانون والفصل بين السلطات وترسيخ الحكم المؤسسي بدلا عن حكم الفرد وشخصا نية السلطة .
- وما مواطن الضعف في مشروع رؤية الإنقاذ الوطني؟
* على الرغم من نجاح مشروع الرؤية في تشخيص الواقع السياسي اليمني وسرد مؤشرات وشواهد أزمات هذا الواقع، إلا أن من الملاحظ أن مشروع الرؤية وقع في مثلبة اختزال أسباب الأزمات المتعددة وجذورها في سبب واحد والمتمثل في " حكم فردي مشخصن ومركز سياسي عصبوي".
- كيف؟
* مثلاً في التحليل السياسي يتعين التنبه إلى أهمية تعددية عوامل وأسباب حدوث الظواهر والأزمات ، فإلى جانب العامل السياسي للأزمة الراهنة المتمثل في الحكم الفردي المشخصن، ثمة عوامل أخرى اقتصادية وثقافية واجتماعية و ربما جغرافية تساهم في حدوث الظواهر والأزمات، وكان ينبغي على المشروع الإشارة إليها، ومن حقه أن يعطي أهمية نسبية عالية لحكم الفرد دون إغفال بقية العوامل الأخرى .
- لكن مشروع الرؤية تطرق للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية؟
* صحيح تم التطرق إليها لكنه أرجعها كلها إلى العامل السياسي "الحكم الفردي " ومن هنا يلاحظ أن مشروع الرؤية قد اختزل مفهوم الدولة والنظام السياسي في الحاكم السياسي، بينما النظام السياسي يتضمن إلى جانب الحاكم أو رئيس الدولة قوى ومؤسسات سياسية واجتماعية أخرى، سواء كانت أحزاب معارضة أو جماعات تسعى لتحقيق مصالحها، أو نخب مضادة تتفاعل مع مكونات النظام السياسي في إطار ثقافة سياسية سائدة وإطار مجتمعي عام.
- نفهم من كلامك أن العامل السياسي للأزمة لا علاقة له بالعوامل الأخرى؟
* لا.. هذا لا ينفي معاناة اليمن من إشكالية الاختزال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في السياسي، وركون السياسي إلى العسكري وتدخل العسكري في السياسي !
ولكن في هذا السياق، كُنت أتمنى لو حاول مشروع الرؤية الإجابة على بعض الأسئلة الجوهرية في العامل السياسي.
- مثل ماذا؟
* مثلاً : لماذا تحول الحكم في اليمن إلى حكم فردي مشخصن ؟ ولماذا حُولت الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق ؟ رغم التغني بالثوابت الوطنية ؟ ولماذا تحولت الدولة إلى " الحكم الفردي وعصبوية الدولة المشخصنة "؟ وغياب الدولة الوطنية والحكم الرشيد؟
- ولو أعدنا عليك طرح هذه الأسئلة، ما إجابتك أنت عليها؟
* ثمة أسباب عديدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية . فسياسياً وحزبياً ثمة ضعف مؤسسي وكراهية الممارسين السياسيين للمؤسسية حيث يركنون للشخصانية في صنع القرار وإدارة شؤون المجتمع والدولة،كما أن اختزال مفهوم الحزبية في البقاء في الحكم بالنسبة لحزب الحاكم والعض عليه بالنواجذ وأحياناً بالبنادق ، كما أن كثيرا من أحزاب المعارضة قد اختزلت وظائفها في الوظيفة السياسية وتناست بقية الوظائف المجتمعية الأخرى . واجتماعيا يلاحظ افتقار اليمن للحراك الاجتماعي فثمة تخلخل اجتماعي أظهر أسوأ ما في المؤسسات والقوى الاجتماعية سواء كانت تقليدية كالقبيلة أو حديثة كالحزب .
أما ثقافياً فيلاحظ تشبع الحكومات المتعاقبة بثقافة إزاحة المسؤولية عنها وتحميلها الآخر سواء كان هذا الآخر المعارض السياسي أو مؤامرات الخارج إضافة إلى انتشار ثقافة تبرير السيئ بالأسوأ ، وتملك النخبة الحاكمة بثقافة الاصطفاء السياسي والعصمة السياسية.
أما السبب الاقتصادي فيتمثل في ضعف الاقتصاد اليمني وتعانقه مع الفساد ومن ثم ازدياد الفقراء وارتفاع معدل البطالة والارتفاع المستمر للأسعار بحيث غدا الحرمان الاقتصادي من أهم سمات حياة كثير من اليمنيين .
- أنت كباحث سياسي وأكاديمي ، أي شكل من أشكال الدولة تراه ملائما لواقعنا، هل الفيدرالية أم اللا مركزية أم الحكم المحلي كامل الصلاحية، أم ماذا؟
* أنا مع اللامركزية الفاعلة الذي يتم فيها نقل الصلاحيات وتوزيع الموارد بشكل عادل على كافة مناطق الدولة وعلى جميع مواطنيها، أياً كانت المسميات، سمها مخاليف أو محافظات، المهم إشراك المواطن في السلطة والثروة وعدم احتكارها بيد فرد أو حفنة قليلة موجودة في المركز .
الإشكالية ليست في المسميات بل في غياب المؤسسية . أنا مع الحكم المحلي مالك الصلاحيات الفعلية بحث يتم نقلها من المركز إلى الوحدات المحلية وأرى أن الفيدرالية في الوضع الراهن ليست ملائمة للمرحلة التي تمر بها اليمن .فالعيب ليس في الفيدرالية ذاتها كمفهوم بل العيب في طبيعة الدولة اليمنية المختزلة في الحاكم الفرد وقلة من أتباعه ومريديه !أعطني مؤسسات حديثة وفاعلة ودولة الحق والعدل والقانون ولتكن فيدرالياً إن شئت أو تبنى الحكم المحلي واسع الصلاحيات أو كامل الصلاحيات .
أنا أرى أن هذا يثير إشكالية كيفية دراسة النظام السياسي اليمني .
إذ يتعين التركيز على دراسة النظام السياسي اليمني في إطار أوسع هو إطار علاقة المجتمع بالدولة ( أي العلاقة بين مؤسسات الدولة والنظام السياسي من ناحية وبين القوى الاجتماعية المختلفة وتفاعلاتها من ناحية أخرى ).
فالإشكالية أعقد من التركيز على شكل نظام الحكم كونه " رئاسياً " أم " برلمانياً " .
في التحليل السياسي، لابد من الخروج من دائرة التركيز على دور الرئيس فقط رغم أهميته، بل يتعين التركيز على بيئة النظام السياسي وتأثير الثقافة السياسية على النظام السياسي.
- لكن الرئيس أو النظام هو الذي صنع هذه البيئة؟
* ليس بالضرورة أن يصنعها هو، فكل نظام سياسي بحاجة إلى ثقافة سياسية معينة تغذيه وتحافظ عليه ؛ فالحاكم الفردي ( المستبد ) توائمه وتعينه ثقافة سياسية مستبدة وموجودة أصلاً.
- ما ملامح هذه الثقافة السياسية المستبدة من وجهة نظرك؟
*من سمات هذه الثقافة : الخوف من الحاكم ،وعدم الإيمان بكرامة الإنسان ،وعدم الميل للمشاركة ،وعدم السماح للمعارضة بذلك .
- وهل هذه السمات موجودة في الثقافة السياسية اليمنية؟
* للأسف نعم مع وجود بعض الاستثناءات . كما أن من أهم مثالب الثقافة اليمنية السائدة أنها ثقافة هروبية ، تنفي الآخر وغير متسامحة، إضافة إلى أنها ثقافة استحواذية ، وهي أقرب إلى ثقافة التخفي السياسي بسبب غياب الثقة السياسية وحضور الشك السياسي بين القوى السياسية حاكمة ومعارضة . إضافة إلى أنها ثقافة غير متشوفة وغير استشرافية ، وما الحال الذي وصلنا إليه إلا دليل على هذا الاستنتاج ! فلا ديمقراطية تحققت بل حضرت بدلاً منها الحروب اليمانية ، كما أن وحدة الوطن اليمني في خطر حقيقي .
- وماذا عن سمات الثقافة السياسية للنظام الديمقراطي؟
* النظام الديمقراطي توائمه ثقافة سياسية من سماتها: الإيمان بكرامة الإنسان وذاتيته ،والتحرر من ثقافة الخوف ،ووجود ثقة بين الفاعلين السياسيين،والشعور بالاقتدار على إتيان الفعل السياسي .
- وهل هذه الثقافة موجودة لدى المعارضة اليمنية برأيك؟
* بعضاً منها موجود لدى المعارضة وما خوض أحزاب اللقاء المشترك للمنافسة على أخطر منصب في الدولة (رئاسة الجمهورية) في انتخابات 2006م إلا دليل على هذا الاستنتاج وفي هذا السياق ، لكن يلاحظ أحياناً أن المعارضة وأقصد هنا ( اللقاء المشترك) وضعها محيّر .
- كيف؟
* تارة تظهر كمعارضة قوية تجاه استئساد الحاكم ، وتارة أخرى تدفعك إلى الاستنتاج بأنها غير مهيأة لدفع ضريبة التغيير ، وخاصة في بيئة يمانية مشبعة بثقافة الاستبداد .
- إذاً ما دور الأحزاب اليمنية في نشر ثقافة سياسة موائمة للنظام الديمقراطي ؟
* أعتقد أنه دور ضعيف وهامشي !
- ما ذا عن النظام الانتخابي الذي دعا إليه مشروع الرؤية؟
* مشروع الرؤية تحدث عن الأخذ بنظام القائمة النسبية ، وهذا النظام له إيجابياته وسلبياته ، فهو يساهم في تعزيز الأحزاب البرامجية ويحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين خاصة للأحزاب الصغيرة . وفي هذا الصدد أرى أن القضية أعمق من طبيعة النظام الانتخابي رغم أهميته . حيث يتعين توفر بعض المتغيرات مثل طبيعة الثقافة السياسية السائدة ودرجة التطور السياسي للمجتمع . لكن ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع قد يحول دون تطبيق هذا النظام ( القائمة النسبية) ، ويبدو أن الأخذ مرحلياً بنظام خليط من النظام النسبي ونظام القائمة الفردية قد يكون أكثر ملائمة ، والإشكالية(كما قلت) تكمن في طبيعة الثقافة السياسية اليمنية السائدة .
- هل من مآخذ أخرى على مشروع الرؤية الإنقاذية؟
* نعم ، فمشروع رؤية الإنقاذ أكد على عبارة " تبعية القوات المسلحة وجميع الأجهزة الأمنية وخضوعها للحكومة التي هي السلطة التنفيذية –وفقاً لمشروع الرؤية- حيث تخضع لها الأجهزة المدنية والعسكرية ".
و الملاحظة في هذا السياق ، تستدعي المقولة التفسيرية لابن خلدون : " إعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره ... فتحتاج الدولة إلى الاستظهار بأرباب السيوف وتقوى الحاجة إليهم ... ويكون أرباب السيوف حينئذ أوسع جاهاً وأكثر نعمة ".
حيث ما تزال الثقافة اليمنية السائدة تنطبق عليها المقولة السابقة واللاحقة التي تؤكد على أن كثيراً من اليمنيين "...جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم " فالإشكالية أن " ثقافة الفيد " سواء كان فيداً اقتصادياً أم فيداً سياسياً ما تزال تصبغ الثقافة اليمنية المعاصرة .
ومعروف أن " أهل السيف " أو المؤسسة العسكرية ما تزال هي الركن الركين للحاكم السياسي، ولن يقبل بسلبها ونزعها عنه !
- وهل الإشكالية هنا في الحاكم السياسي أم في مشروع الرؤية؟
* الإشكالية هنا من وجهة نظري تكمن في أن المبادرة فعلاً " بدأت واقعية وانتهت مثالية " !
- كيف؟
* مثلاً بدأت المبادرة واقعية ( في تشخيصها للأزمات ) وانتهت مثالية في المناداة بتجريد الحاكم السياسي من كثير من سلطاته ومحاولة إبعاده عن أهل السيف ( المؤسسة العسكرية ) .
وخاصةً في واقع يمني ما يزال عصياً على تقٌبل الأفكار النخبوية والراديكالية معاً ! لاسيما في ظل زهد المعارضة وعدم تهيؤها نفسياً لدفع ضريبة التغيير وثمن مواجهة نخبة حاكمة مستبدة .
- يعني بعد هذه الرؤية الإنقاذية ما زالت المعارضة زاهدة؟
* الإشكالية ليست في نحت الرؤى والنصوص بل في القدرة على محاسبة الفاسدين واللصوص، والواقع اليمني يشهد على أن المبادرات وحدها دون تحويلها إلى فعل وسلوك يدفعنا إلى وسم أصحابها بالزهد لا سيما في ظل هذا الواقع الاجتماعي غير المشجع.
- بالنسبة لهذا الواقع الاجتماعي فإن مشروع الرؤية تطرق لما أسماها بالطبقة الوسطى التي أكد على الاضطلاع بدورها في التنمية السياسية -الاقتصادية-الاجتماعية" ؟
*الإشكالية في هذا التوصيف، أنه لا يوجد فرز طبقي واضح في اليمن، وثمة تلاعب وعبث في الجسد الاجتماعي اليمني.
- من قبل من ؟
* من قبل النخبة الحاكمة ؛ إذ تُستقطب مكونات المجتمع اليمني في "ثنائيات مُسيّسة " متنازعة ومتصارعة فيما بينها !
فلا يوجد في المجتمع اليمني تحول وحراك اجتماعي بل يوجد " استقطاب اجتماعي " تنازعي .
- لماذا؟
* لأسباب عديدة من ضمنها، غياب الدولة العادلة بمؤسساتها الحديثة ، وفشل القوى المجتمعية الحديثة وعجزها عن القيام بوظائفها، وضعف آليات التغيير المجتمعي، وهشاشة أدوات التنشئة الاجتماعية والسياسية سواء كانت أحزاباً أو حركات اجتماعية و سياسية أو قادة رأي ومثقفين . للأسف الكل في اليمن يشكو من الكل !
- ما تقييمك لموقف المؤتمر الشعبي العام الرافض لمشروع رؤية الإنقاذ الوطني ؟
* من المفارقات في هذا السياق ، أن هذا الرفض كان عبر وسائل إعلامية رسمية ( كالتلفزيون والصحف) وهذه وسائل رسمية وليست حزبية ، في الوقت الذي يتحدث المسؤولون الرسميون وبعض قادة حزب الحاكم عن الدستور والقانون .
للأسف لقد تحدثوا عن المشروعية الدستورية كثيراً ولكنهم عبروا عن ذلك عبر آليات غير دستورية وبل لقد انتهكوا مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص حيث هاجموا مشروع رؤية الإنقاذ الوطني عبر وسائل إعلامية عامة ، هي ملك لكل اليمنيين، وبالتالي لا يحق لأي حزب ولو كان "حزباً حاكماً" انتهاك الدستور. فأين المساواة ، وأين تكافؤ الفرص حيث تسخر أموال الدولة والشعب لصالح فريق سياسي " المؤتمر الشعبي العام" وحجبها عن أحزاب المعارضة!
- وكأنك تريد من الحزب الحاكم أن يلزم الصمت حيال مبادرة تسعى لإنقاذ الوطن منه؟
* للأسف كان رد المؤتمر الشعبي العام على مشروع الرؤية متشنجاً، بل ومجرماً للخصم السياسي ، حيث تم اتهام أصحاب مشروع الرؤية (ملتقى التشاور الوطني واللقاء المشترك ) بأنهم ثأريين ، وأصحاب سوابق ، ومأزومين ...الخ .-
فالحزب الحاكم يستمرئ إتباع سياسة تجريم المعارضة السياسية وتخوينها.
- وما الخطورة في ذلك؟
* الخشية في هذا السياق، فقدان المعارضة السلمية (متمثلة بأحزاب المشترك) للأمل السياسي بالتغيير عبر الطرق السلمية ، فيغدو احتمال انتقال المعارضة السلمية (عبر المبادرات والرؤى) من المطالبة بالتغيير عبر الانتخابات والإصلاحات السلمية إلى اللجوء ل "المعارضة المسلحة والعنيفة " وهنا سيغدو لسان حالنا مقولة "تفرقت أيادي سبأ"!
- وهل المعارضة اليمنية مؤهلة لهذا التحول؟

نعم المعارضة مهيئة لهذا التحول خاصة إذا استمر الحاكم في غروره السياسي وعدم استشعاره خطورة الأوضاع في اليمن. والمتأمل في طبيعة المعارضة اليمنية وأبعادها يستنتج وجود ثلاثة أنواع للمعارضة تتمثل في :
1- معارضة عنيفة ، مسلحة (أحداث صعده ) جماعة الحوثيين.
2- معارضة شبه سلمية (سلمية باتجاه العنف الاحتجاجات في محافظاتنا الجنوبية ).
3- معارضة سلمية قد تفقد الأمل في التغيير السلمي فتتحول إلى معارضة عنيفة (أحزاب اللقاء المشترك ) .
- لكن الحزب الحاكم لم يعتمد على اتهام المعارضة فحسب ، بل أعد رؤية وطنية بديلة،انطلاقاً من شعوره بالمسؤولية، وقد يكون هو الأقدر على تنفيذها بعكس الرؤى الأخرى، ما قولك في ذلك؟
* على الرغم من كثرة المبادرات التي تشهدها الحياة السياسية اليمنية، إلا أن ثمة إشكالية في وجود فجوة وفصام نكد بين المبادرات كنصوص والعجز عن تطبيقها . فثمة فجوة بين المعلن ( المبادرات والرؤى ) وبين الممارس في اليمن . فالمبادرات الرسمية بمثابة " منجزات لفظية " لا ترى النور غالباً.
- لماذا؟
* لأنها صادرة إما عن نخبة حاكمة ليست متهيئة بعد لتقاسم الثروة والسلطة أو تداولها مع المعارضة بسبب انتشار ثقافة الاستحواذ والتملك السياسي، ولأن السلطة أو المنصب ما يزال مصدراً للثروة. . والخشية في هذا الصدد أن هذه المبادرات والرؤى قد تحولت إلى" أحلام يقظة " تهرب إليها القوى السياسية لعجزها عن إصلاح الحياة السياسية ، وانتشال اليمن من الأزمات والحروب للأسف، يبدو أنها مبادرات ورؤى لا تلد إصلاحات ، بل إنها بمثابة ظاهرة هروبية أخشى أن تشكل تعويضاً نفسياً لدى أصحابها تعوضهم عن الحركة والفعل وعن إحداث تطور وتغير اليمن مجتمعاً ودولة .
- البعض يرى أن مثل هذه الرؤى الداعية للحوار الوطني قد تعوض القوى السياسية عن الحوار السياسي الذي أثبت فشله ؟
* للأسف، رغم أن اليمنيين طيبون لكنهم لا يتحاورون فيما بينهم ؛ لأن ثقافتهم غير حوارية، كما أنه لا يثق بعضهم ببعض، فهم متسامحون مع الآخر الخارجي غير اليمني، عنيفون فيما بينهم .
- ما هو السبب؟
* بسبب إشكالية غياب ثقة اليمني باليمني، في مقابل ثقة اليمني شبه المطلقة بالأخر الخارجي !
- برأيك ما مصير اتفاق فبراير بعد إعلان رؤية الإنقاذ؟
* صحيح أننا كنا قد تفاءلنا باتفاق فبراير بين الحزب الحاكم والمعارضة على تأجيل الانتخابات النيابية وتمديدها باعتبار أن هذا الاتفاق قد يكون بداية اعتراف رسمي وحكومي بوجود أزمة لكن الخشية عدم تطبيق اتفاق فبراير وأن يكون مشروع الرؤية الإنقاذية بمثابة مبرر لحزب الحاكم للتنصل وهروبه من تنفيذ الاتفاق الموقع في فبراير وعدم تفعيل مشروع الرؤية، إذاً الخشية هروب النخبة الحاكمة من الحوار حول الرؤية إلى التأجيل والتمديد والحفاظ على الوضع الراهن رغم سوئه .
- و ما مدى إمكانية تنفيذ رؤية الإنقاذ الوطني في حال أقرها مؤتمر الحوار الوطني القادم؟
* إمكانية التنفيذ مرتبطة بمدى توفر متطلبات سابقة، منها إصرار المعارضة على ضرورة تنفيذ هذه الرؤية، وتهيؤ قادة المعارضة والقوى المجتمعية الأخرى لدفع ثمن وضريبة نقل مشروع الرؤية من نصوص إلى سلوك . وبالمقابل مدى تخلي النخبة الحاكمة عن صممها وغرورها وتبلدها السياسي واقترابها من العقلانية والرشد السياسي ! وكذا انتقال المحكومين من مرحلة القابلية لإنتهاك الحقوق والحريات إلى مرحلة الذود عن حقوقهم وانتزاع حرياتهم .
- كيف تقرأ مستقبل العلاقة بين السلطة والمعارضة على ضوء هذه الرؤى ؟
* ثمة تفاؤل محدود لديّ ؛ بسبب تحول المعارضة في اليمن من معارضة حزبية إلى معارضة مجتمعية . رغم أن استقراء تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر يدفع إلى الاستنتاج بأن اليمن مرشح لمرحلة قادمة من عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي ؛ بسب العلاقة غير السوية بين سلطة مستبدة ومعارضة مستضعفة .
- ننتقل إلى قضية صعده، كيف تنظر إلى الحرب السادسة القائمة حالياً؟
* ابتداءً أود التوضيح إلى أنه إذا أردنا فهم ما يحدث في محافظة صعده اليمنية علينا ألا نلهث وراء الوقائع الجزئية من قبيل سماع عبارات " قتلى وجرحى في تجدد المواجهات في اليمن بين الحكومة والحوثيين " أو " هدنة عسكرية بين الطرفين ..." أو " تجدد الاشتباكات " هذه أعراض ونتاج لأزمة عميقة تعاني منها اليمن.
في الحقيقة : إن الحديث عن ما يجري من اقتتال بين اليمنيين في محافظة صعدة هو في جوهره حديث عن طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة في اليمن . حيث تعاني اليمن من أزمات متكاثرةٍ فثمة خلل ٌ في بناء الدولة اليمنية .
- ما مظاهر هذا الخلل؟
* أهمها شخصانية السلطة وكراهية المؤسسية، وتدني القدرة التوزيعية والاستجابة للنظام السياسي ، فهذه الحرب السادسة الآن في صعده ، مؤشر على تدني كفاءة أداء النظام السياسي اليمني ، وتدني أداء الحكومة اليمنية تحديدا ً .
- هل تقصد تدني الأداء العسكري؟
*نعم ،وأخشى أن أتحدث عن ما يمكن تسميته ب "ورطة الزج بالمؤسسة العسكرية" في صراع مسيّس ، وحرب أهلية .
صحيح أنه لايجوز لأي جماعة أن تمتلك السلاح واستخدامه ، ماعدا الدولة التي هي وحدها التي لها حق امتلاك القوة واحتكارها واستخدامها في إطار الدستور والقانون .
لكن سمعة المؤسسة العسكرية اليمنية قد أضيرت في الصراع مع الحوثيين ، ونحن كيمنيين نعتز بمؤسستنا العسكرية ووطنيتها .
والإشكالية هنا . أن ثمة توريط للجيش في صراع سياسي ومذهبي ، ومحاربة جماعة تتبع أسلوب حرب العصابات وتحتمي بتضاريس وعرة، وجبال مرتفعة .
- توريط من قبل من؟
* من قبل من يسعون إلى تسييس العسكرة وعسكرة السياسة ، حيث إن تاريخنا السياسي اليمني يحدثنا بأن الحكام كثيراً ما استقووا بالمؤسسة العسكرية . فالآلية الحربية من أهم آليات تولي السلطة وإسنادها في النظام السياسي اليمني ، حيث يركن إليها غالبية الحكام اليمنيين، ويكفي أن نشير هنا إلى أن البنادق والمدافع اليمنية قد أدمنت التوجه نحو صدور اليمنيين، كما أن المؤسسة العسكرية اليمنية قريبة أكثر مما ينبغي في الصراعات اليمنيةاليمنية ومن شواهد هذا الاستنتاج أنه منذ الحرب اليمنية–السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين كانت أخر الحروب الخارجية بينما يلاحظ أن المؤسسة العسكرية متورطة في الصراعات اليمنيةاليمنية وأخرها الحرب " السادسة " في صعده .
- وما مصلحة الحاكم من هذا التوريط للمؤسسة العسرية؟
* للأسف الشديد، الخشية في هذا السياق أن من ضمن أسباب عدم حسم الصراع في صعده وجود صراع بين القوى في إطار النخبة الحاكمة المسيطرة وسعي الحاكم إلى جدع أنوف بعض عصبيته .
- يعني إذا قامت الدولة بواجبها في حفظ الأمن تتهمونها بالعنف وتوريط الجيش، وعندما تتعامل بنوع من ضبط النفس تتهمونها بالفشل وضعف الأداء؟
* الدولة اليمنية ، ليست وحدها التي تحتكر حق استخدام القوة المادية ( القهرية ) ، بل إن ثمة جماعات تمتلك هذه القوة ، وما تمتلكه جماعة الحوثي من أسلحة إلا دليل على هذا الاستنتاج .
ثمة ظاهرة غير سوية تتمثل في انتشار السلاح، وعدم سيطرة الحكومة عليه، بل إن ثمة أسواق تباع فيها السلاح في اليمن. وبمعرفة الحكومة اليمنية.
وفي هذا السياق، يمكن التذكير بأن الديانات والمذاهب الدينية قد سعت إلى استيطان اليمن ؛ حيث وجدت فيه بلداً آمناً تأوي إليه ومكاناً حصيناً تقيم فيه ، وشعباً قبلياً عصبياً تستند إليه .
- لكن السلاح الآن يأتي إلى اليمن من خارجها كما تتهم السلطة بعض الجهات الخارجية في دعم الحوثي؟
* أرى أن بعض أسلحة الحوثيين مصدرها داخلي . والإشكالية الخطيرة في هذا السياق، أن اليمنيين كثيراً ما يولون وجوههم وعقولهم نحو الخارج، بل ويسعون إلى تحكيم الآخر الخارجي، سواء كان هذا الآخر أشخاصاً أو أفكاراً وأيدلوجيا.
إذ تتسم الثقافة اليمنية في بعض أبعادها بأنها ثقافة تحكيمية ، تثق بالخارجي والبعيد، في مقابل الشك بالأخ والقريب!.
بل إن من أخطر مكونات الثقافة اليمنية تحكيم الخصم ، وتحكيم الخارجي في قضية يمنية يمنية( داخلية) !
فما يحدث في صعده هو في مضمونه حديثٌ عن تدويل القضايا المحلية وأقلمتها (أي توظيفها في إطار إقليمي ).
و للأسف وأنا هنا أتحدث بحزنٍ ، أقول إن اليمن ، بل الوطن العربي ، يعاني من انكشاف باتجاه الخارج ، والانفعال به دون التحول إلى أن يغدو فاعلاً!.
فنحن نحتاج إلى تسييج أوطاننا بتحقيق العدالة ومكافحة الفساد ، وتفعيل المؤسسات الحديثة.
- يعني لست مع من يقول بوجود التدخل الخارجي في قضية صعده؟
* ما يحدث في صعده هو صراع يمني- يمني بل هي ( صناعة يمانية رديئة ) وعنيفة وفاشلة ، قد يكون المتغير الخارجي أحد مدخلات هذه الصناعة المدمرة بنسبة 20% بينما النسبة الكبرى 80% مكونات يمانية ،وبالتالي يتعين على اليمنيين التحول في هذه المرحلة من الصناعة(صناعة العنف) إلى الزراعة فهي أجدى وأنفع لليمنيين !
- إلى أين تتجه الأمور في صعده وما نتائجها من وجهة نظرك؟
*إن ما يحدث الآن في صعده هو بمثابة انتصار للعنف والحرب وعدم الاستقرار في اليمن مجتمعا ودولة، وظهور ما يمكن تسميته بالنعي الثلاثي ف :
1- الحكومة تنعي وفاة اتفاقية الدوحة التي عُقدت بينها والحوثيين!
2- نعي اتفاق التهدئة الشفهية بين الحوثيين وبين الحكومة!
3- كما أنني بدوري أنعي، بحزن شديد، وفاة التعددية السياسية والحزبية في اليمن!
- ما العلاقة بين النعي الحكومي والنعي الحوثي والنعي الظاهري؟
* من أهم مبررات وجود تعددية سياسية وحزبية في اليمن هو:حل الصراعات والخلافات بالطرق السلمية، وضمان التغيير السلمي في المجتمع ،والتعاقب المنتظم للحكام ،والاعتراف بالآخر.
وهذا لم يحدث في اليمن فلدينا " تعددية حربية قتالية لا سياسية " !
- إذاً ما رسالتك للطرفين(السلطة والحوثي) خصوصاً مع أيام عيد الفطر المبارك؟
* أولاً:أحذر الحوثيين وأنبههم أنهم يخوضون صراعا بدون أفق سياسي ، وحذاري من محاولة جرح سمعة المؤسسة العسكرية .
كما أقول للحكومة اليمنية وللمعنيين ، إن اللجوء إلى إزاحة المسؤولية عن الذات وإتباع أسلوب المسكنات والمهدئات للمشاكل والأزمات لم يعد مجدياً ، بل غدا مكلفاً سياسياً واجتماعياً واقتصاديا وعسكرياً أيضا .
إن الحوار عبر الكلمة والرؤى والبرامج السياسية والانتخابية هو الأجدى، يتعين علينا الاعتراف بأزماتنا وألا نخجل منها، وعلينا ألا نولّي وجوهنا تجاه الخارج. فالخارج له أجندته ومصالحه، بل ومطامعه وهي بالضرورة لا تتفق ومصلحتنا كيمنيين.
- يلاحظ حينما تشتعل الحرب في صعده تهدأ الأحداث في الجنوب والعكس صحيح، كيف تنظر إلى مثل هذه العلاقة؟
* على الرغم من أن استقراء الأحداث السياسية في اليمن يدفع إلى القول بوجود ما يمكن تسميته ب "التوأمة" في الحياة السياسية اليمنية فقد عانى سابقاً شطرا اليمن الواحد ما عانى، وها هو الآن يعاني توأمة عبر الأزمة .
فثمة أحداث وحرب في صعده، وثمة مظاهرات و " حراك " في محافظاتنا الجنوبية، أي أن ثمة قضية جنوبية وأخرى شمالية أو صعديه معاً .
والتساؤل في هذا السياق، لماذا قامت " الحرب السادسة " في صعده، في مقابل وجود هدوء نسبي في محافظاتنا الجنوبية ؟
- لماذا؟
* للأسف، أقولها بحزن شديد أن ما يحدث في كل من جنوب الوطن اليمني وشماله يشي بتآكل الهوية اليمنية العامة في مقابل حضور هويات ما قبل وطنية ( هويات جغرافية " قضية جنوبية " ومذهبية " زيدية " و" شافعية " بل وأسرية " حوثية " تتدثر بعباءة مذهبية .
يبدو أن للجغرافيا، والمذهب، وتفاوت نسب التطور والتحديث، والمتغير الخارجي دوراً في ضعف " التوأمة " بين ما يحدث في محافظة صعده، والتربص أو الهدوء الحذر في المحافظات الجنوبية .
كما أن حضور الجغرافيا في الاحتجاجات الشعبية في محافظاتنا الجنوبية، في مقابل حضور مسمى غير جغرافي سلالي يتكئ على بعد مذهبي يشكل مفارقة ملفتة .
كما يبدو أن حضور ثقافة " الخروج على الحاكم" في صعده في مقابل حضور ثقافة المطالبة سلمياً بالحقوق والحريات في محافظات الجنوب قد يجيب على تساؤل: لماذا هدوء في جنوب الوطن وحروب في شماله (صعده)!
- كيف قرأت دعوة كلاً من الرئيس علي ناصر وحيدر العطاس للحراك الجنوبي بأن يقبلوا بالحوار مع السلطة تحت سقف الوحدة، ورفض قادة الحراك لهذه الدعوة؟
* للأسف يلاحظ أن عدم الاستجابة لهذه الدعوة قد عزز في نفسي وجود أزمة هوية، وأزمة تكامل وتوافق وطني، وأزمة قيادة، وأزمة معارضة ! ويبدو أن مقولة " تفرقت أيادي سبأ " ما تزال تمثل لسان حال كثير من اليمنيين واليمنيات وخاصةً حال بعض القوى السياسية والاجتماعية .
- ونحن نمر بالذكرى ال"47" للثورة سبتمبر، ما الذي يمكن أن تقوله بهذه المناسبة؟
* لا أقول غير أن من مفارقات الحياة السياسية اليمنية تواجد السداسيات وتزامنها معاً:
- أهداف الثورة اليمنية الستة ( غالبيتها لم ير النور حتى الآن ).
- الحروب اليمانية (الصعدية) الستة (الحرب السادسة الآن في صعده ) .
- الشروط الحكومية الستة لوقف إطلاق النار في صعده !
- أحزاب المعارضة الستة (أحزاب اللقاء المشترك).
وبالمقابل هناك إشكالية الانتقال إلى الأضداد حيث نشاهد الانتقال من :
تحول سياسي ← تحايل سياسي !
معارضة سياسية ← معاركة سياسية !
معارضة سياسية ← معارضة سيفيه !
توريث سياسي ← توريط سياسي !
مشاركة سياسية ← مشارسة سياسية !
- كلمة أخيرة تود قولها؟
* نحن كيمنيين علينا أن نحاكم أنفسنا ونسعى للإجابة على سؤال : لماذا ضيّعنا حكمتنا ، واستقرار وطننا اليمني!
التساؤل الإشكالي الملح في هذا الصدد ، يا تُرى متى سنتخلص كمحكومين من عقدة القابلية لانتهاك الحقوق والحريات!؟ ومتى ستعود الحكمة اليمانية الآفلة إلى الحاكم السياسي ونخبته وبطانته؟! ما يحيرني كباحث ، هذا الزهد لدى النخبة الحاكمة في دخول التاريخ ، ختاماً أقول إن التاريخ لا يرحم ، كما أن الجوعى والمظلومين قد لا يصبرون طويلاً خاصة في مناطق أخرى غير صعده ومحافظات الحراك. وحفظ الله اليمن من كل مكروه ولا نامت أعين المستبدين والفاسدين معاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.