توالت إصدارات مؤسسة الملاحم التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ مطلع العام الجاري 2010، بالتوازي مع الزخم الإعلامي الدولي الكبير الذي يحظى به التنظيم، وتزداد وتيرته إثر كل عملية يتبناها التنظيم، إن على الصعيد المحلي، أو الإقليمي والدولي، غير أنه بدا لافتاً خلال شهر مايو/ أيار المنصرم ازدياد النشاط الإعلامي للتنظيم، حيث أصدرت مؤسسة الملاحم التابعة للقاعدة عدداً من الإصدارات، تنوعت بين المرئي والمكتوب والمسموع، في حين أنشأ التنظيم قسما جديداً ضمن جهازه الإعلامي يسميه " قِسْمُ التَّفْرِيغِ وَالنَّشْرِ"، ويتولى مهمة تفريغ البيانات والإصدارات المرئية والمسموعة إلى كتابات مقروءة. وفي غضون أربعة أسابيع أصدرت مؤسسة الملاحم أكثر من خمسة إصدارات متوالية، من بينها البيان الذي يتبنى محاولة اغتيال السفير البريطاني في صنعاء بهجوم انتحاري الشهر الماضي، والإصدار الثالث عشر من مجلة "صدى الملاحم"، كما أصدر الجهاز الإعلامي للتنظيم تسجيلين صوتيين، أحدهما لأمير التنظيم ناصر الوحيشي "أبو بصير"، بعنوان "نصرةً للشيخ أنور العولقي"، يعلن فيه مسؤولية التنظيم حماية الداعية اليمني الأميركي أنور العولقي، بينما الثاني للمسؤول العسكري للتنظيم قاسم الريمي "أبو هريرة الصنعاني"، وهو بعنوان "فمنهم من قضى نحبه"، وينعى فيه مقتل اثنين من قيادات القاعدة في اليمن. غير أنه يمكن القول إن أهم إصدارات القاعدة خلال هذه الفترة هو تسجيلان مرئيان: الأول، عبارة عن حوار حصري لمؤسسة الملاحم مع الداعية الإسلامي "أنور العولقي" المطلوب للولايات المتحدة الأميركية بالاعتقال أو القتل، والثاني، بعنوان "أميركا والفخ الأخير"، ويمثل نقلة نوعية في الأداء الإعلامي للقاعدة، وتصل مدته إلى 60 دقيقة، وقد ظل تنظيم "القاعدة" يبشر به على مدى أسابيع، وهو يتناول مسألة "التدخل الأميركي" في اليمن ونتائج العمليات الاستباقية الأخيرة ضد عناصر "القاعدة" في أبينوشبوة وأرحب ومأرب، وبرغم أن الإصدار حظي باهتمام مختلف وسائل الإعلام الدولية، غير أن معظم التركيز انصبّ على مسألة المقاطع التي تظهر صور النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب المتهم بمحاولة تفجير الطائرة الأميركية عشية عيد الميلاد فوق مطار ديترويت، حيث يبدو في الفيلم وهو يتدرب في أحد معسكرات "القاعدة" في اليمن. ويكشف الإصدار القاعدي الأخير "أميركا والفخ الأخير"، عن تطورات لافتة يشهدها التنظيم من الناحيتين الإعلامية والعسكرية، فمن الناحية الإعلامية يكشف الفيلم عن قدرات فنية إعلامية متطورة سواء من حيث الأرشفة أو المونتاج وحشد الصور والمقاطع المعبرة وتوظيفها بما يخدم الفكرة أو الرسالة التي يهدف إلى إيصالها للمشاهد، فضلاً عن مقاطع الفيديو التي يوثقها لنشاطاته الدعوية وتدريباته العسكرية. أما من الناحية العسكرية والتنظيمية فقد كشف التنظيم لأول مرة عن قيادي جديد في التنظيم، هو السعودي العائد من "جوانتانامو" عثمان أحمد الغامدي والمدرج ضمن قائمة 85 المطلوبين للسعودية، حيث يظهر متحدثاً في فيلم "أميركا والفخ الأخير"، في ما يبدو على أنه قد حلّ محل السعودي العائد من "جوانتانامو" محمد عتيق العوفي، كنائب للمسؤول العسكري، والأخير كان تخلى عن "القاعدة" مطلع العام الماضي وسلم نفسه للسلطات اليمنية التي سلمته بدورها إلى السعودية. كما رفعت إصدارات "القاعدة" الأخيرة حالة الالتباس لدى البعض بشأن الفكر الذي يعتنقه الداعية اليمني أنور العولقي، حين تبنى أمير التنظيم حمايته وسارعت مؤسسة الملاحم إلى تقديمه كأحد مرجعياتها الفكرية كما أجرت معه حواراً حصرياً، دعا من خلاله الداعية العولقي صراحة إلى استهداف الولاياتالمتحدة الأميركية، وبارك عمليتي الرائد نضال حسن وعمر الفاروق. بالنسبة لفيلم "أميركا والفخ الأخير"، لم يكن جديداً اعتراف التنظيم بمقتل عدد من قياداته، لكن التنظيم بدا حريصاً من خلال هذا الفيلم، وكالعادة، إلى إبراز الأدوار "الجهادية" التي لعبها ثلاثة من قياداته قتلوا في العمليات الأخيرة على "القاعدة" في اليمن، وهم: 1) عبد الله المحضار (الفقيه علي) زعيم القاعدة في ولاية شبوة، وتقول السلطات اليمنية إن اسمه الحقيقي "عبدالله أحمد عبدالله با ياسين"، ويكنى (أبو عبدالرحمن)، 2) محمد عمير الكلوي (أبو مصعب)، من أبناء العوالق من وادي ضرا في ولاية شبوة، كان يعد أمير القاعدة في ولاية أبين، 3) محمد صالح الكازمي (أبو صالح) من أبناء العوالق, من آل عنبور من قبيلة باكازم. وبرغم أن الجهاز الإعلامي لتنظيم "القاعدة" سبق وأعلن في فبراير الماضي عن إسقاط طائرة تجسس أميركية، إلا أنه في فيلمه الأخير قد أظهر مقطع فيديو لطائرة تجسس تحوم في سماء إحدى الصحاري اليمنية، على ما يبدو، وعلى الأرض يطلق مسلحو "القاعدة" نيران أسلحتهم الرشاشة باتجاه الطائرة في محاولة لإسقاطها، ولكن من غير أن تظهر صور أخرى للطائرة بعد تحطمها إن كانوا قد نجحوا فعلاً في إسقاطها. وفي حين خلا إصدار (أميركا والفخ الأخير) من الإشارة إلى مقتل قيادات أخرى مهمة في التنظيم، تطرق التسجيل الصوتي للمسؤول العسكري قاسم الريمي "فمنهم من قضى نحبه"، إلى مقتل كل من: جميل العنبري (أبو صابر الأبيني)، وأمين المقالح (أبو فواز الصنعاني)، في عمليات القصف الجوي. وفي التسجيل الصوتي يؤكد الريمي صحة معلومات كانت نشرتها "الغد" بخصوص القيادي جميل العنبري، مشيراً إلى سفره إلى العراق للقتال ضد الاحتلال الأجنبي، ويضيف بأنه أصيب في إحدى معارك الأنبار، وأرغمته إصابته على الرجوع للعلاج، ولكن واجهته صعوبات في العودة إلى العراق، غير أن "الطريق (كانت) قد تيسرت له إلى عدة جبهات، أفغانستان والشيشان والجزائر". كما يتطرق المسؤول العسكري للتنظيم إلى الأدوار التي قدمها السعودي نايف بن محمد القحطاني (أبو همام)، الذي قتل "في إحدى غزواته"، حسب الريمي، من دون تحديد مكان وزمان لمقتله، ويعد القحطاني ضمن قائمة المطلوبين ال85، ويعد المسؤول الإعلامي السابق لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب, كما أنه الذي أنشأ جهاز الإعلام للتنظيم وهو صاحب فكرة واسم مجلة "صدى الملاحم"، طبقاً للريمي، الذي قال إنه " سطّرها بيده وعمّدها بدمه". ويشير المسؤول العسكري إلى أن القحطاني قدِم إلى اليمن مع المطلوب السعودي رقم 40 عبدالله عسيري منفذ محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف في أغسطس الماضي، وشقيقه المطلوب رقم 1 في القائمة إبراهيم عسيري، وآخر يدعى أبو خالد العسيري، لافتاً إلى أن القحطاني تدرب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وتخصّص في علوم التكتيك ثم المتفجرات، وأنشأ معسكر "الخير"، كما شارك في مهمات استخباراتية داخل المدن. أما دورية "صدى الملاحم" في عددها الأخير فإنها تكشف في أحد مقالاتها بعنوان "قاعد بعشرة وجوه"، عن اتساع هوة الخلاف بين قيادات التنظيم الفعليين والمطلوبين أمنياً، وبعض قيادات الجيل الأول المتعاونين مع السلطات، حيث يشن كاتب المقال هجوما لاذعاً على من يسميهم "القاعدين"، الذين يتهمهم بالكذب والتزوير، و"قطع الطريق على المجاهدين، سواءً قطع الطريق على السيولة المالية، أو البشرية"، و"السعي بكل وسيلة لتشويه صورتهم"، و"ملاحقة المجاهدين للتفاوض معهم على ترك السلاح؛ مقابل كذا من المال، وغيرها من المتاع الزائل". ويضيف كاتب المقال عن أحد هؤلاء "القاعدين" عن الجهاد، "عندما يلتقي بالمجاهدين يقول لهم: أنتم أمرائي وأنا معكم، ولكن من زيادة فقهي وتصوري للواقع أرى أن بقائي بعيدا عنكم في الظل والماء البارد أفضل من وجودي معكم (...) ثم إذا عاد أخذ يتكلم عن أمرائه أنهم ليس لهم مشروع، وليس عندهم أدنى معرفة بالواقع!!". ومن دون الاستغراق في قراءة الرسائل التي تضمنتها مختلف إصدارات "القاعدة" خلال مايو الماضي، فإن ما يمكن ملاحظته من خلال هذه الإصدارات كماً ونوعاً السعي المتواصل للتنظيم لتطوير أدائه الإعلامي بالتوازي مع الاهتمام الدولي المتزايد للحرب عليه واستئصاله في اليمن.