الاحتقان السياسي والشعبي المتصاعد في محافظات الشمال ومحافظات الجنوب لوّن اليوم المشهد السياسي اليمني، ليبدو في مجمله "داكناً"، الأمر الذي يستدعي فتح هذا الملف (الاحتقاني) لقراءة أوراقه والتوقف عند بعض تفاصيله ومفرداته بموضوعية، لعلنا نجد ما يبرر هذه الغيوم التي تجمعت فجأة في سماء الوطن.. هذا الحوار مع النائب علي حسين عشال، عضو مجلس النواب (كتلة التجمع اليمني للإصلاح) هو محاولة أولية لفك طلاسم المشهد الراهن.. لنتابع. *المشهد السياسي العام في البلاد هو العنوان العريض أو المحور العام لهذا الحوار.. ولكي لا نحتار في اختيار المدخل، دعنا نبدأ من آخر رأي لك في إحدى المقابلات حول الإصلاحات السياسية، حيث قلت بأن تأخر السلطة في إصلاحات سياسية حقيقية سيمد الاحتقانات بأسباب البقاء.. فهل ما تقوم به السلطة حالياً من معالجات يعد إصلاحاً حقيقياً؟! ** في اعتقادي أن ما يجري من معالجات هي اجتهادات ناقصة، ويشوبها الكثير من القصور، على اعتبار أنها لم تشخص المرض بشكل دقيق، فموضوع الاحتقانات الموجودة هي أعراض لمرض كامن، وهو في اعتقادي ينصب بشكل أساسي في خلل في منظومة العمل السياسي التي أعتقد أنها أشبه بخط عام ينبغي أن يكون المسار الديمقراطي سالكاً فيه وواضحاً لا تعتريه منغصات ولا تقف في طريقه معوقات، هذا المسلك العام مصاب بحواجز وانسداد في هذا المسار، وهذا المسلك للأسف الشديد يكمن في حالة الاستقواء الحاصلة من قبل الحزب الحاكم وعدم اعترافه بأهمية تمهيد الحياة السياسية وتسوية الملعب أمام القوى السياسية حتى تجد فرصها الحقيقية في الحصول أو الوصول إلى ما تسعى إليه من خلال برامجها ومشاركتها الفاعلة في العملية الديمقراطية. نرى اليوم من يحاول أن يجد مسالك فرعية أخرى يستطيع من خلالها الوصول إلى مبتغاه وما ينشد تارة من خلال استخدام القبيلة، وتارة أخرى نسمع من يستخدم المذهب للوصول إلى هذه الأغراض، وتارة أخرى من يطرح ورقة الجنوب كما نلاحظ من بعض المظاهر الحاصلة. *هذا الاختلال في المنظومة هل يشمل (السلطة والمعارضة)؟! ** نعم، سلطة ومعارضة، إضافة إلى الخلل الموجود في بنية النظام أو البناء السياسي وطبيعة الحكم القائم التي يوجد لكثير من الناس تحفظات عليه. من الذين تلطخت أيديهم؟ *أشرت إلى (لفظ) الاستقواء الحاصل من قبل السلطة، لكن من يلاحظ الآن واقع السلطة سيجد أنها بلا "حلفاء" الأمس، القبيلة التي كانت تقف إلى جانبها والحزب الإسلامي ذو الحضور الجماهيري "الإصلاح".. لذلك يتواجد الرئيس حالياً في (عدن) ويقدم تنازلات عديدة، آخرها مبادرة ال 30 من نوفمبر بدعوته قادة الحزب الاشتراكي الموجودين في الخارج للعودة (باستثناء الذين تلطخت أيديهم بالدماء) مع تأكيدات أن البيض والعطاس ضمن من يُرحب بعودتهم، والإفراج عن كل المعتقلين.. ناهيك عن البقاء (الملفت) للرئيس في عدن.. فألا يدل أو تدل كل هذه المؤشرات على غياب (الاستقواء)؟! أم أن لك قراءة أخرى لهذه المبادرات؟! **بقاء الرئيس في عدن هو استشعار منه بأن الأمور تسير في منحى قد يجر البلاد إلى مستقبل مجهول، فوجود الرئيس في عدن أمر طبيعي ومستساغ.. أما المبادرة الأخيرة التي تعد في اعتقادي توجهاً طيباً إلا أنها لم تأت بجديد، على اعتبار أن الكثير من الشخصيات التي فضلت البقاء في الخارج لا تحفظ لدى السلطة في عودتهم، وسبق أن حاولت إقناعهم بالعودة، وكانت تحفظاتهم نابعة من رؤيتهم هم فقط.. الجديد في الموضوع أنني لم أفهم ما هي (الإشارة) إلى من تلطخت أيديهم بالدماء!!.. وإلى من ينصرف مثل هذا المفهوم؟!.. لذلك هذا المفهوم أو هذه الإشارة غامضة بالنسبة لي شخصياً ولا أستطيع أن أصرفه في اتجاه شخصيات معينة. *إذا افترضنا أو حتى سلّمنا بأن البيض والعطاس ضمن من شملتهم الدعوة ولا توجد تحفظات على عودتهم.. فمن الذي هناك تحفظات عليهم؟ ** أنا لا أتصور أن هناك أحداً من المعارضين سيتبقى بعد ذلك، فإذا كان معظم قائمة ال 16 قد عادوا وصدرت ضدهم أحكام قضائية، وبعضهم يتبوءون اليوم مناصب قيادية في المؤتمر الشعبي العام فلا جديد في المبادرة بالنسبة لي، غير أنها تأكيد لمبادرة سابقة، وهذا شيء طيب. *هل تشعر بجديتها هذه المرة؟ ** سياسة الأخ الرئيس في الفترات الماضية هي سياسية تدل على الاحتواء للآخرين في كثير من المراحل السياسية و(الرجل) لديه نفس واسع في التعامل مع الآخرين، وهذا المسلك ليس جديداً معه، كما أن حكمته اليوم تقوده إلى أن يكونوا بجواره خيراً من أن يكونوا بعيدين عنه. التوجه إلى قوى الداخل هو الخيار "الآمن" *هل تعتقد بأن النظام –وفي ضوء المعطيات- يخطط لبناء تحالف جديد بديل لتحالفات الأمس؟! ** لا أعتقد ذلك، بل يبدو لي أن اتجاه الأمور لدى السلطة يقود إلى خيارين لا ثالث لهما: الخيار الأول هو التوجه نحو القوى السياسية الموجودة والفاعلة في الساحة، والتي لها ثقلها في الحياة السياسية ورصيدها الوطني مشهود له، الاتجاه إلى قوى الداخل الممثلة بالأحزاب الفاعلة هو توجه أو خيار يفترض أن يكون قائماً وواضحاً لدى المؤتمر الشعبي العام، وأعتقد أن أي تسوية خارج إطار هذه الأحزاب والبحث عن البديل الخارجي من خلال عودة بعض الشخصيات بضغوط أو توجه إقليمي معين، فإن ذلك سينطوي على مخاطر إن كانوا بديلاً لقوى الداخل، بمعنى إذا كان الأمر سيرسو على عودة طائرة رئاسية محملة ببعض الشخصيات إلى مطار صنعاء، فإن ذلك في اعتقادي خيار غير موفق إذا ما تم في إطار صفقة سياسية أو تسوية، لأن قوى الداخل هي البديل الحقيقي والواقعي، والوضع القائم في البلاد وصل إلى مستوى لم يعد حله أو التعاطي معه مرهوناً بعودة أشخاص بعينهم، وإنما مرهون بعودة نظام سياسي إلى كينونته وطبيعته التي يفترض أن يتوافق عليها اليمانيون، هذا بدرجة أساسية، وبالتالي أرى أن خيار التوجه إلى قوى الداخل يظل الخيار الآمن والمفضي إلى إيجاد إصلاحات حقيقية في البلاد، والذي سيحمل في طياته نظرة أو بعداً استراتيجياً لما يفترض أن تكون عليه دولة اليمن الجديد التي ينشدونها. السلطة تواصل استقواءها، وتقلب ظهر "المجن" للقوى السياسية *لكن النظرة الحالية من قبل السلطة لأحزاب "المشترك" التي تمثل قوى الداخل نظرة سلبية تعتقد أن هذه الأحزاب متذبذبة وسلبية في مواقفها، خاصة تجاه بعض الأحداث التي تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي.. ما واقعية أو منطلقات هذه النظرة أو الاعتقاد؟ ** موقف أحزاب "اللقاء المشترك" واضح إزاء الكثير من القضايا، بما في ذلك موقفهم من حرب صعدة، وكثير مما كان يطرح كرؤى أو نصائح أثبتت الأيام صحتها لأنها كانت تصب في خانة المصلحة الوطنية، والتي تمثلت في ضرورة التأكيد على الحوار وحقن الدماء، وهو ما شكل الخيار الأخير الذي اقتنع به مؤخراً صنّاع القرار، وكذلك بالنسبة للمسألة الجنوبية أعتقد بأن موقف "المشترك" منها واضح، حيث يعتبرون مثل هذا الأصوات التي ارتفعت بخصوص مظالم معينة لا يستطيع أي وطني يحمل قدراً من النزاهة أن لا ينحاز إلى بعض المظالم الموجودة، وأن لا يشخص بعض السلبيات الحاصلة، وبالتالي إذا كانت السلطة تنظر إلى هذه الأحزاب أو تنتظر منها بأن تأنس وتطرب لكل ما تقدم عليه من اجتهادات حتى وإن كانت من وجهة نظر هذه الأحزاب اجتهادات غير موفقة، وأن تسير في ركبها، أعتقد أن مثل هذا الأمر غير وارد، فالأحزاب السياسية فاتحة ذراعها للحوار الجاد، لكن للأسف الشديد ورغم تأكيدات الرئيس عليه إلا أنه يعطل من قبل القيادات التي تجري الحوار باسم المؤتمر بنسف مقومات هذا الحوار، من خلال الجداول الزمنية التي حددت لمثل هذا الحوارات، لذلك أعتقد من وجهة نظري التي أتمنى ألا أكون فيها منحازاً أن أحزاب "اللقاء المشترك" لا زالت إلى اليوم تعبر وتعتقد بأن خيار الحوار هو الخيار الأمثل، لكن ماذا تظن بعد أن جاءنا في مجلس النواب قانون من قبل الحكومة، رغم أن قانون الانتخابات وقضية اللجنة العليا للانتخابات من القضايا المطروحة اليوم بجدية على أجندة الحوار، ومع ذلك تُفاجئ باستمرار هذا الاستقواء الذي أشرت إليه والضغط على هذه القوى السياسية، فالمؤتمر الشعبي العام يقلب ظهر "المجن" لهذه القوى السياسية ولا يعترف بآلية الحوار التي وردت في الجدول المتفق عليه. حجم التنازلات للخارج ستكون أقل فداحة للسلطة *ما مغزى تفضيل قوى الخارج أو حتى "التلويح" بها في الوقت الرهن؟! **صناع القرار يفضلون ذلك، ربما لاعتقادهم بأن حجم التنازلات التي ستقدم لقوى الخارج أقل فداحة بالنسبة لها، وقد يكون الأمر أيضاً متعلقاً بتدخلات إقليمية ودولية هنا أو هناك، تحاول أن تمرر مشاريعها من خلال بعض الشخصيات، لكن لا أعتقد جازماً أن مثل هكذا تسوية ستقود إلى تهدئة الأوضاع بشكل أو بآخر، فبوادر هذه الأزمة أو الاحتقانات الحاصلة هي بوادر لأزمة وخلل في الحياة السياسية، وهذا يحتم على أهل الرأي والمشورة في البلد أن يتفقوا على كلمة سواء، فاليوم يعترف الكثير من السياسيين حتى من داخل المؤتمر الشعبي العام في جلساتهم الخاصة وبما لا يدع مجالاً للشك أن البلاد تمر بمنعطف هو من أخطر المنعطفات التي تمر بها في تاريخها الحديث، لكنهم لا يقوون على رفع أصواتهم بالنصح والمجاهرة كي يبرؤون ذمتهم أمام شعبهم أولاً وأمام قيادتهم السياسية التي يدينون بالولاء لها. *لماذا تعتقد بأن قوى الخارج ربما الأخف ضرراً في مسألة التنازلات بالنسبة للسلطة.. على ماذا اعتمدت؟! ** لأن السلطة قد تنظر بأن التسوية مع الأفراد لن تكون صفقة بحجم الوطن، فمثل هذه الصفقات دائماً ما تتقزم بحجم الأشخاص.. بينما عقد صفقات سياسية على مستوى أحزاب أعتقد أنها سترتقي إلى أن تكون بحجم المصالح المرجوة من عقد مثل هذه الصفقات.. هذا ما جعلني أذهب إلى أن الاتجاه نحو قوى الخارج سيكون أو سيحقق تسويات في إطار الأشخاص. *إذن هي الشخصنة؟! ** ربما.. لكن لا أعتقد أن الأزمات التي تمر بها البلاد اليوم يمكن شخصنتها بشكل أو بآخر، لأن الأزمة التي تمر بها بلادنا هي أزمة غياب دور المؤسسات، وأزمة تضييق الهامش الديمقراطي، وأزمة تردي في أوضاع الناس بسبب الأداء الاقتصادي، وما هو حاصل فيه من إخفاقات والكوارث التي تهدد وضعنا الاقتصادي بسبب تدني كميات النفط الناشئ عن خلل في عدم وجود الرشد في الإدارة العامة لموارد البلد بسبب وجود الفساد المستشري والملتهم اليوم للأخضر واليابس، والناشئ أيضاً عن غياب العدالة في كافة مستوياتها السياسية والاقتصادية، هذه هي المعضلة الكبرى والحقيقية. *كمحلل وخبير ومتابع، هل تعتقد بأن غياب رأس "القبيلة" ورأس "الإصلاح" الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شكل فراغاً أو بدت له آثار من نوع معين؟. ** الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شخصية لا يستطيع أن ينكر المرء أنها ستترك فراغاً، لكن أعتقد أن حجم الاختلالات الموجودة (يعني).. يتردد ثم يواصل.. أعتقد جازماً أن تنبئ الرجل في فترة ماضية (وهوجم بسببه) ومفاده أن البلاد وفي ضوء المعطيات التي ذكرها في خطابه الافتتاحي لمؤتمر الإصلاح ستدخل في نفق مظلم، أعتقد أنها تدل على نظرة استشرافية للمخاطر والمهددات الحقيقية التي تقتضي أو تستدعي جملة من الإصلاحات للخروج من هذا النفق الذي يقودهم إلى الهاوية، لذا فإن رجل بهذا الاستشراف والخبرة والحنكة السياسية سيمثل غيابه فراغاً في الحياة السياسية اليمنية، لكن من يريد أن يربط ويعتقد أن شخصاً بعينه يملك عصى سحرية لتجاوز هذه الأزمات وهذه الاحتقانات أعتقد أنه سيكون مجانباً للصواب. مقولة التحالف الاستراتيجي مع السلطة سقطت في أول اختبار بعد 94م *بالعودة إلى تحالفات الأمس والتي امتدت لعقود بين النظام والإسلاميين والقبيلة في مواجهة القوى الأخرى، وما أفضى إليه هذا التحالف من انفراط في أهم حلقاته المتمثلة في القبيلة التي يلوح أو يدعو جيلها الثاني إلى ثورة شعبية سلمية ضد النظام الحالي.. أليس هذا مبرراً يدفع النظام للبحث عن حلفاء جدد بغية الحفاظ على النظام السياسي القائم حتى وإن كانوا أعداء الأمس؟! ** التحالفات تحكمها طبيعة المراحل التي يمر بها أي وضع سياسي في أي بلد، والأحزاب السياسية تجتهد بحسب مقتضيات الحال ووفق ما يتوفر لديها من معطيات وتشخيص للواقع.. والإصلاح تحالف في الفترات الماضية مع السلطة لتجنيب اليمن فيما قبل الوحدة مغبات المد الإيديولوجي اليساري، وكان له ما يبرره، ومنطلق من قناعات حتى لو تمت المراجعة فيها لما استطاع أن ينتقص من مثل تلك الاجتهادات إذا أخذت في إطارها الزمني وفي مراحلها ومعطياتها، وبالتالي كان التحالف أيضاً من أجل الدفاع عن الوحدة عندما أعلن الانفصال، فكان ذلك خياراً وليس اعتباطاً، لكن عندما أدركت هذا القوى أن محاولة انفراد الحزب الحاكم بكل طرف سياسي والتخلص منهم الواحد تلو الآخر وبتكتيكات مرحلية، لم يكن فيها مراعاة لأي من المقولات التي كانت تقال عن تحالف استراتيجي إذ سقطت هذه المقولة في أول اختبار في ما بعد 94، لذلك أعتقد أن أكثر التحالفات القائمة اليوم جدية بالنسبة لقوى المعارضة، وهذا "اللقاء المشترك" يعتبر حالة تفرد وتميز استطاعت من خلالها القوى السياسية التي كانت في يوم من الأيام في متاريس وخنادق وفي اتجاهات متضادة، استطاعت أن تستوعب متغيرات الزمن وانحسار دور الإيديولوجيات كمحرك وباعث أساسي في تحريك القوى السياسية. *كيف سينظر "المشترك" وحلفاء الأمس.. أو كيف سيتعاطون في حال أبرمت السلطة تحالفاً جديداً يتبنى شعاراً جديداً؟! ** ما هو هذا الشعار؟! *الحفاظ على الوحدة لمواجهة فكرة الانفصال التي يروج لها الآن. ** أعتقد فكرة الانفصال مرفوعة كواجهة سياسية تطرحها قوة سياسية مؤمنة ومقتنعة بهذا الطرح؟!!.. (قالها بصيغة استغراب وتساؤل).. ثم يواصل: أنا إلى الآن أعتقد جازماً أن كل القوى السياسية الفاعلة في البلاد لا ترى في أي خيار غير خيار اليمن الكبير إلا خياراً مظلماً سوداوياً، لأن حالة الانفصال (لا قدر الله) لن تفضي في حد ذاتها إلى مخارج حقيقية وجادة وعادلة لكل القضايا التي تطرح اليوم، بل ستمثل تكريساً وانحطاطاً وسقوطاً إلى قعر الهاوية، وبالتالي القوى السياسية مدركة لهذا الأمر وموقف الكثير من قيادات الأحزاب بما فيها الإصلاح واضح في هذا الجانب. *يعني ألا تمثل الفكرة القائمة تهديداً للوحدة؟! ** البعض يرى أن هناك أسباباً لحالة التأزم القائمة، والبعض الآخر يرى أنها نوع من الاحتقان في بعض الرؤوس ونوع من الضجيج لدى بعض من فقدوا مصالحهم، ولا ينظر للمسالة بأكثر من هذا الطرح.. ويخطئ من يظن أن إنجازاً بحجم الوحدة يكفي أن يتحقق في لحظة تاريخية ما ويسكت عنه أو ينظر إليه كصنم أو رمز تحقق في حياة الشعوب، فالوحدة كائن اجتماعي يصيبه ما يصيب أي ظاهرة اجتماعية من حالات عنفوان وحالات ذبول، وبالتالي لا بد أن يتفق الجميع على أن هذه الغرسة التي غرست لا بد أن تترعرع وأن تعلو وتأتي ثمارها، فالكل اليوم يستشعر أن الوحدة اليمنية تحتاج إلى معالجات حقيقية وواقعية. معظم الأزمات كان باعثها أشخاصاً *إذا ما شملت الدعوة الأخيرة للأخ الرئيس "البيض والعطاس" فهل برأيك ستسهم عودتهم في معالجة الوضع الراهن؟ ** لا أعتقد أن مثل هذه العودة في حد ذاتها ستسهم إسهاماً حقيقياً في تجاوز الأوضاع القائمة في البلد اليوم، فعمر الأزمة ما كانت أزمة أشخاص كما أسلفت، حتى الأزمات والمحن التي مرت بها البلاد كما حدث في صيف 94 كان دافعها أو باعثها اجتهادات أشخاص وصلوا إلى تأزيم الأمور حتى أفضت إلى ما أفضت إليه.. لذلك لا أنظر إلى الأشخاص أو عودة (س) أو (ص) من الناس يمكن أن يعول عليها فقط في أن تكون علامة صحة وتوجه جاد.. التشطير والتصدير *حركتان متتاليتان.. الأولى في صعدة وصبغتها "مذهبية"، والثانية في الجنوب وصبغتها "مناطقية انفصالية".. ما تعليقك أو كيف تقرأ ذلك؟! ** لا ينبغي أن نضع الظاهرتين في قالب واحد، فتوصيف الحالة المذهبية الطارئة التي لم يشهد لها اليمن مثيلاً في تاريخه الحديث وما تقدم من أطروحات باسم المذهبية ومحاولة أحياء لأفكار هي دخيلة على طبيعة الشعب اليمني ودخيلة حتى على المذاهب التي عرفتها البلاد، وهو أمر ينبغي أن ينظر إليه في إطار ما يحصل من تصدير لبعض الحركات من أطراف إقليمية لا يخفى على أحد أن لها أهداف في الجزيرة العربية، وسبق لليمن أن تحدثت عن طبيعة مثل هذه الارتباطات المشبوهة.. هذا بالنسبة للأولى. .. أما بالنسبة للثانية فينبغي أن تأخذ في إطار آخر، على اعتبار أنها تدل على تأزم حاصل في الحياة السياسية وعدم استيعاب أن اليمن عندما كبرت لم تكبر معها بعض العقول، وأن ما تراكم من سلوك سياسي في زمن التشطير أطل بعنقه من جديد، وأصبحت الممارسات السياسية متجاهلة أو غضت الطرف عن أن الوحدة اليمنية تحققت ولم يمر عليها أقل من عقدين من الزمان، وبالتالي ينبغي أن يراعى أن هذه الوحدة التي نشأت من أول يوم رديفة لمعاني الديمقراطية، فلم تشهد الحياة السياسية في اليمن تعددية إلا عندما ولد مولودان في اليمن، مولد الوحدة اليمنية، ومولود الحياة السياسية التعددية، وقبل ذلك كان لديها نظامان، شمولي ونظام آخر يجرم التعددية السياسية، ويعتبرها ردة وخيانة، ولذا فإن التعددية هي أشبه بالحافظة لهذا المولود الذي ولد في ال 22 من مايو، فلا شك أن هذا المولود ينبغي أن يترعرع في هذه الحافظة وأن يُغذى من الحبل السري لمنظومة العمل الديمقراطي. مسالك غير شرعية *لماذا برأيك لم يُلتفت إلى "المشترك" كما اُلتفت إلى أحداث صعدة والجنوب؟ ** لأن هذه الأحزاب تقف على موروث وطني كبير ولا ينبغي أن يصيبها النزق في اعتمادها على أساليب غير رشيدة وغير حكيمة في التعاطي بالنسبة للشأن العام، ومع ذلك يظل تأثير "المشترك" واضحاً في الحياة السياسية، وقد يرى بعض المراقبين عكس ذلك نتيجة لما يصيب السلطة من ذعر عند كل حدث أو حركة تسعى للوصول إلى أهدافها بطرائق وأساليب ومسالك غير شرعية،.. وأنا أعتقد –وهذا من الأخطاء الحاصلة لدى القوى السياسية- أنها لم تحرك آليتها في العمل الجماهيري السلمي، وإنها في فترات ماضية كانت دائماً ما تعول على وجود الكواليس السياسية التي تستطيع من خلالها أن تفاوض للحصول على ما تيسر من مكاسب سياسية، هذه الحالة التي استمرئتها هذه الأحزاب السياسية للأسف الشديد عطلت "ماكنة" وآلية هامة، هي آلية تحريك الشارع. *ختاماً.. هل ترى في الدعوة الأخيرة التي وجهها الرئيس ثمة جديد؟ ** شخصياً بالنسبة لي.. الدعوة لا غضاضة فيها، وهي أمر طيب، وحدوث مصالحة أو أن يلتم الشمل قيمة أخلاقية لدي، وأنظر إليها من هذه الزاوية، لكن كحدث سياسي لا أعتقد أن فيه من الجديد الشيء الكثير..