من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمات مُعقَّدة وخطيرة لم تكن وليدةَ اللحظةِ السياسيةِ، بقدر ما هي تراكماتٌ لإخفاقات مستمرة.. لم تصدق النوايا - حينها - فكانت
حرب ال «67» يوماً..!!
نشر في الجمهورية يوم 22 - 05 - 2013

الوحدة أبرمت في صمت بالغ، وظروف خفية، وغرف مغلقة، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم وضوح «الرأي والرؤية» بالنظر إلى الإنجاز الذي تحقق كاتفاقية أبرمها السياسيون دون إعطاء العمق الشعبي الأكثر اهتماماً أية قيمة أو اعتبار.. فيما يجزم بعض مُجيدي قراءة التاريخ، أن ذلك الإنجاز شكل مخرجاً لقيادة شمالية طموحة تبحث عن «برنامج» يجمع الشعب حولها، ويضيّق من حجم الخلاف الذي سيدور حول الثروة المخزونة في خطوط التماس.. في المقابل كان بعض قادة الحزب الاشتراكي يرى في الوحدة مخرجاً من مأزق تضاؤل شعبيته وانحسار شعاراته وإنجازاته، مع تفكك المنظومة الشيوعية التي كانت تمده بالدعم، وهذا المأزق أكبر بكثير من المأزق الشمالي، لذا فقد كانت الهرولة في ركوب موجة «الوحدة» دون كوابح..
أساس غير متين
صحيح أن الوحدة منحت الوطن مساحةً جغرافيةً واسعةً، وثروةً إنسانيةً لا يُستهان بها، وتنوعاً معرفياً وثقافياً واجتماعياً.. ومكانةً مرموقةً بين الأمم، إلا أن الوحدة الاجتماعية لم تتم بالشكل المطلوب.. وهكذا كان «الأساس غير متين» والمولود غير مكتمل، فقد خرج مستعجلاً إلى دنيا ملغومة بمحاذير عديدة، بدليل أن الإخوة الأعداء دخلوا من الوهلة الأولى بوابة صراع غبي ليس ايديولوجياً ولا يوجد ضوابط أو قيم يحتكم إليها، أو مرجعية مقبولة تَفصِل فيه، وكاد أن يطفئ بارقة أمل وحلم جميل طالما انتظرناه..
يقول د. عبد الله عمر سلطان: لقد كان مؤلماً أن يتحول مشروع مثل مشروع وحدة شعب واحد بعد طول شتات إلى قنطرة تشكل مخرجاً لمأزق النظامين الشمالي والجنوبي، ويلقى بها طعماً شهياً تلتهمه شعوب طالما تمنت التوحد بعد الشتات، والالتقاء بعد الافتراق والتكتل بعد التشرذم، كما كان واضحاً منذ اليوم الأول أن ظمأ القابضين على مقاليد الأمور في الشطرين سابقاً، لا يطفئه إلا تقاسم النفوذ والسلطات في الدولة الجديدة، التي فصلت في صورتها الوحدوية لتناسب مقاس الفريقين الحاكمين..
فترة انتقامية
أريد من الوحدة أن تكون مدخلاً للتعددية السياسية والحزبية.. إلا أن النخب الحاكمة لم تستطع أن تستوعب المرحلة الجديدة فكان الحال أشبه ب «صراع الصبيان»، وزعت الأدوار بالتساوي، دون أن يحدث دمج لجيشي الشطرين.. أو بمعنى أصح إعادة هيكلتهما، بما يشبه الاستعداد المسبق لأي طارئ قد يزيح هذا الطرف أو ذاك، وفي هذا الصدد يقول نصر طه مصطفى: إن التوازن العسكري والتقاسم السياسي قد أفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها الحقيقي المتمثل في بناء الدولة ومؤسساتها، حيث لا ديموقراطية من دون دولة مؤسسات، ولا دولة مؤسسات بلا ديموقراطية.. وهكذا أصبحت الفترة الانتقالية فترة انتقامية جرى خلالها تصفية حسابات كثيرة بين مختلف الأطراف.
وفي المقابل ثمة من يعتقد أن التعارض بين مقومات الوحدة والدوافع التي قامت على أساسها، وكذا اختيار النموذج الاندماجي دون التدرج في الوحدة الاقتصادية والسياسية والشعبية عاملان ساهما في جعل المشروع الطموح يتحول إلى أزمة عاصفة، حيث عجزت الدولة الوليدة عن دمج المؤسسات القائمة وإقامة مؤسسات وحدوية فاعلة.. وهنا يرى المفكر السياسي لطفي الخولي: أن الوحدة بتلك الصيغة شكلية.. لأن الحركة الشعبية في البلدين لم تكن قد استكملت بناء قواها ومؤسساتها السياسية الوحدوية بعد.. وذهب أبعد من ذلك واصفاً الوحدة بأنها لم تكن فعلاً بل رد فعل، وظلت أيضاً فوقية معزولة عن الواقع، وعندما حانت لحظة بلورة الوحدة ودولتها في حضن الجماهير، تصادمت مصالح الشخصيات والعصب الحاكمة.. ويعزز ذاك التحليل ما ذهب إليه وزير خارجية اليمن الأسبق عبد الله الأصنج الذي قال حينها: كنت وما زلت أعتقد أن التدرج في الوحدة من المنطلق الفيدرالي أو الكونفيدرالي على طريق الوحدة الاندماجية الكاملة هو الأفضل، حيث تكون قد اجتازت مرحلة التغلب على التناقضات الاجتماعية والاقتصادية، التي سادت المجتمع اليمني في الشطرين.
جندي مُطيع
كانت رؤية «عودة الفرع للأصل» لاتزال مسيطرة على كثير من الزعامات القبلية التي كانت تلعب دور المصلح التقليدي، وهو الدور الذي غاب وغيب لحظتها، مما جعل القيادات الجنوبية تشعر أن دورها قد أصبح ثانوياً، وأن عملية صنع القرار تحتكرها مجموعة صغيرة في صنعاء، مما حدا بعلي سالم البيض أن يختزل مطالبه ب «الوحدة والديموقراطية والحياة، لا الوحدة والموت» وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما سمي بسياسة «الاعتكاف».. وبلغ الصراع أشده بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية ودخول منظومة الحكم مرحلة ائتلاف ثلاثي لم تدم طويلاً، فقد أحس أحد شركاء «الإنجاز» بهزيمة شبه مدوية أمام خيار الديمقراطية الذي كان محل رضا الجميع، وهنا طغت الايديولوجيا على المصلحة؛ بعد أن برز طرف ثالث «تقليدي» لم ينضج بعد، والذي بدا وكأنه صنيعة سلطوية بدليل ذلك الإيعاز الذى اكتنف لحظات تأسيسه الأولى من الرئيس السابق «صالح» إلى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، بلم شتات الإسلاميين في «تجمع يمني للإصلاح» كمناهض متمرس وبارز للفكر الشيوعي.
ويحسب ل «صالح» إجادته اللعب بالأوراق، وحسن دراسته كمستبد فائق الذكاء لنفسيات خصومه، وبالتالي «كلفتة الجميع..»، استغل الرجل سذاجة هؤلاء.. المعروفة في مهادنة الطغاة، فكانوا بالفعل سنده البارز في حسم المعركة عسكرياً، صحيح أنهم كانوا يدركون خطورة منطلقات «سيادة الرئيس السابق» وسلبياته الكثيرة الكلام هنا لأحدهم إلا أنهم وقعوا في كماشة المثل الدارج «أعور ولا أعمى»، أو بالأصح «جني تعرفة خير من إنسي ما تعرفوش».. وصحيح أيضاً أنهم سلكوا في البداية طريق الإصلاح ومحاولة إخماد مواضع الانفجار، مع ميل خفي نحو صالح، ولكن الميل ازداد وضوحاً فيما بعد يوماً بعد يوم، وتحولوا إلى جندي مطيع لهذا الأخير، ووصل الوضوح أشده بتحميل «ابن الأحمر» و «الآنسي» الحزب الاشتراكي وحده مسؤولية ابتداء الأزمة، ولأنهم يؤمنون بالأمثال أكثر من الأفعال وجب تذكيرهم هنا بحكاية «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».
كابوس السلطة
وصلت الأزمة إلى التصعيد والعمق الذي يصعب معه التعايش بين طرفيها، نظراً لانعدام الثقة وشعور كل طرف باستعداد الطرف الآخر وتأهبه للانقضاض عليه، أما بالنسبة لمصالح الشعب الواردة دوماً في خطابات الطرفين فهي ليست أكثر من مزايدة ودغدغة عواطف..
وصارت الاتهامات المدوّية بين الفريقين حديث الناس والمجالس، ومحور اهتمام الأصدقاء قبل الأعداء، وإذا بهتافي الأمس وراقصي البارحة يندبون حظ اليمن التعيس، ومأزق الوحدة المتفجّر، ويتناقلون الحديث عن التصفيات الجسدية المتبادلة، والتشطير القادم لا محالة، وكأنه نتيجة مقطوعة عن أسبابها، ومولود غير شرعي لفراش الوحدة البائس.
يقول د. عبد الله عمر سلطان: الوحدة اليمنية حلم جميل في طريق توحد الأمة، لكنه ووجه بكابوس السلطة التي لا تعترف بالأحلام ولا تراعي المشاعر، بل قد تتاجر بها.. لافتاً أن داء الوحدة اليمنية وغدها القلق يكمن هنا، مضيفاً: لم يكن من المستغرب أن تصل الأحداث إلى ذلك المأزق وتلك الزاوية الحادة، باعتبارها إفراز طبيعي، ونتاج متوقع «للطبخة السياسية» التي أخرجت مشروع الوحدة بسرعة ودون إنضاج كافٍ.
ورقة خفية
وقع الجميع في الأردن على بنود «وثيقة العهد والاتفاق» بعد تلكؤٍ شديد من حزب الرئيس صالح، وإصرار كبير من الحزب الاشتراكي الذي اعتبر تلك الوثيقة بمثابة انتصار له كونه استطاع أن يتجاوز البرلمان الذي لا وجود مؤثر له فيه، كما استطاع أن يضع كافة شروطه ومطالبه التي تضمن له النفوذ والبقاء في السلطة، سواء أكان ذلك عن طريق تجريد الرئيس من كثير من مهامه وإعطائها لرئيس الوزراء، أو عن طريق فرض «نظام اللامركزية»، وتجريد الطرف الآخر من أبرز وسائل قوته بإخراج وحدات الجيش من المدن، وإلغاء وزارة الإعلام، وتقليص صلاحيات البرلمان بإنشاء مجلس للشورى يختار أعضاؤه من أبناء المحافظات بالتساوي، ومنع حيازة السلاح، والعمل على إنهاء الوجود المسلح غير الرسمي في إشارة إلى أسلحة القبائل.. كما استطاع الحزب إبراز بعض القضايا التي تخدمه في صراعه كالجانب الأمني وما يسمى بمحاربة التطرف والإرهاب كبند أول من بنود تلك الوثيقة.
«يا فرحة ما تمت..» توصيف دارج يتفق وما أتت به الأيام من انتكاسات.. والرياح دوماً تأتي بما لا تشتهي السفن.. لم تكد أحبار أقلام من وقعوا تلك الوثيقة تجف، حتى بدأت المدافع في محافظة أبين تتبادل القصف بين قوات لواء «العمالقة» المحسوب على صالح وقوات لواء «مدرم» المحسوب على البيض، وهو الأمر الذي دفع الحزب الاشتراكي لتعزيز وجوده العسكري هناك بإرسال ثلاثة ألوية أخرى.. وقد أثبتت تلك الأحداث وما تلاها من مواجهات أن ضمانة استمرار الوحدة «أمريكية أوروبية»، ويظهر ذلك من خلال التصريحات الرسمية لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين بضرورة إنهاء الأزمة سلمياً، ومن خلال التحرك الواضح للسفير الأمريكي في صنعاء ومشاركة الملحقين الأمريكي والفرنسي «الأخير ممثل للمفوضية الأوروبية» في اللجنة المكلفة بمنع استمرار التداعيات العسكرية.. ومبادئه هذا الطرف أو ذاك سواء في «أبين أو عمران أو يريم أو حرف سفيان» أمر لا يمكننا الجزم أو الخوض فيه، كونه «ورقة خفية» من مهازل التآمر السياسي المحفور بعناية في تاريخنا وواقعنا المأزوم، ومن حقنا أن نتساءل: هل الحزب الاشتراكي المنتصر لحظتها من خلال تلك الوثيقة ليجازف بنسفها من أول وهلة، أم المستفيد طرف آخر يعيش بين ظهرانينا ونعرفه جيداً.
أزمات ليست وليدة اللحظة
أزمات مُعقَّدة وخطيرة لم تكن وليدةَ اللحظةِ السياسيةِ، بقدر ماهي تراكماتٌ لإخفاقات مستمرة.. لم تصدق النوايا - حينها- فكانت حرب ال «67» يوماً في صيف 94م.. وبمجرد انتهائها برز على السطح من يتصيدون في أخطاء الوحدة ومصاعب ولادتها لاقتناص ذرائع للانقضاض عليها، على اعتبار أن «المعركة حسمت عسكرياً ولم تحسم سياسياً»..
أدى التدهور الفظيع الذي أصاب النخب الحاكمة السابقة للجنوب، والذي امتد ليشمل صفوفاً ثانية وثالثة.. أدى إلى الشعور بالغبن.. و كره الوحدة، كما أن الأجواء السياسية بفعل الانتكاسات الاقتصادية المتوالية كانت مهيأة ومواتية لاندلاع مظاهرات الحراك السياسي، احتجاجاً في البداية على إخفاق الحكومة في معالجة أوضاع أولئك المتضررين من متقاعدين ومنقطعين عن الخدمة في القطاعين العسكري والأمني، وماتبعها من تصاعد للمظاهرات الداعية لإزالة عوامل التهميش والنظرة الفوقية، وانفراد بالسلطة والثروة، والأسوأ حسب توصيف أحدهم: أن الوحدة بعد 94م حولت شخصاً طارئاً لا يعرف من الجنوب إلا اسمه إلى متنفذ يسطو على عشرات الكيلومترات المربعة، يقيم عليها المشاريع العملاقة أو يبيعها على أبناء المحافظات الجنوبية بالمليارات، في حين لا يستطيع ابن عدن أو أبين أو حضرموت الحصول على عشرة في عشرة أمتار لبناء منزل له ولأولاده في أرض آبائه وأجداده، وأحيانا يضطر إلى شراء هذه الأمتار المجاورة لمنزله من أحد المنتصرين في (7/7) ممن لا تربطهم أية صلة بما تحت نقطة الشريجة وغالباً ما تحت نقيل يسلح.
تحولت «القضية الجنوبية» بفعل التحركات الميدانية إلى مشروع مُسيطر.. يمسك بزمامه أكثر من طرف «أصلي وتقليد»، واتجه «الحراك» بشكل مطَّرد بفعل سياسات النظام حينذاك الخاطئة نحو التجذّر والاستقواء بالداخل والخارج، ووصل إلى أقصى درجات الخطورة بتجاوزه ذلك التأطير المطلبي إلى رفع شعارات ذات بعد مناطقي مقيت، واستهداف مباشر ومقصود لممتلكات مواطنين في المحافظات الشمالية، وهكذا صار البعد الانفصالي جلياً واضحاً في الدعوة الصريحة تحت مسمى «فك الارتباط»..
دعم أممي
كما ظهر مقابل تلك النزعة المتطرفة من يرى أن «القضية الجنوبية» حقيقية غير مفتعلة.. وأن حلها الجذري والسريع ذو أهمية لما له من حيوية وطنية تخدم قضية الوحدة برمتها، بما تحتاجه من حلول سياسية شاملة تؤدي إلى إصلاح مسار الوحدة وإزالة آثار حرب 94م، وتقود إلى «الاندماج الوطني» في سياق «المصالحة والتسامح.. بآفاق وطنية شاملة» وفي إطار «مشروع للإصلاح السياسي والوطني الشامل».
والأهم أن دول العالم الأساسية اجتمعت هذه المرة ومن النادر أن تجتمع حول دعم هذا التوجه وهو نفسه الإجماع الذي أيد وحدة اليمن عام 1990، وأيد استمرارها خلال عامي 1993 و1994 لاعتبارات جمة أهمها أن أمر الوحدة معقود على المصالح العالمية ولا يمكن التفريط فيها، ولأن اليمن يقع على طريق الثروات.. فضلاً عن كونه يتمتع بقدر من الثروة النفطية والغازية، وبالتالي فإن استقراره عنصر حيوي للغاية.. ولقد جاء القرار الدولي «2014» الصادر عن مجلس الأمن نابعاً من تلك التوجسات، بدليل تبنيه المباشر للمبادرة الخليجية.. وتأكيد حرصه على إنجاز التغيير والقيام بالإصلاحات الدستورية، وحل القضية الجنوبية ومشكلة صعدة، واستمرار حرب الإرهاب في ظل الدولة اليمنية الواحدة.
«خالف تُعرف»
لعل اختيار الجماهير اليمنية ل «عبد ربه منصور هادي»، رئيساً لليمن الموحد، ودعمه إقليمياً، ليس بالأمر الهين، وله أبعاده وانعكاساته الإيجابية على القضية الجنوبية بشكل خاص، وكل قضايا الوطن المتراكمة.. التي ورثها «الرجل» مجبراً ك «تركة ثقيلة» ومعقدة، بعد أن أجاد سلفه اللعب بها وترحيلها كنموذج مُجرب في إدارة الدولة بالأزمات، بدليل رفضه المستمر لكل الحلول التي وضعت بين يديه منذ العام 2007م، وعدم تبنيه لأية معالجات للاختلالات الاقتصادية الكبيرة، وعدم تقاربه مع قوى المعارضة أو إقامة شراكة حقيقية معها لإنقاذ البلاد، حتى فوجئ بالثورة الشبابية الشعبية السلمية التي لم يكن يتوقع أن تصمد في وجهه، وتنتهي بطي صفحته في الحكم وإلى الأبد.. والأسوأ من كل ذلك محاولته المستميتة «اليوم» في تأكيد وإثبات رؤيته التي أعلن عنها منتصف العام الماضي، أن نظامه إذا ذهب فإن اليمن سيتمزق إلى عدة أجزاء.
وما ينبغي تأكيده هنا أن اختيار «عبد ربه..» والموقف الأممي الداعم له .. قوّض من فرضيات دعاة الانفصال، ولم يتبق لهم اليوم من ساند سوى إيران.. حيث العمائم السوداء حجبت عن سياسييها حسن الإدارة والتصرف، وما التناغم الحاصل بين «الانفصاليين والحوثيين» إلا دليل واضح لعمق تلك البلادة، ويشبه إلى حد ما ذاك التحالف بين «بعض قادة حزب الحق وبعض الانفصاليين» من قبل.. وكأن سلوك «خالف تُعرف» ديدن هؤلاء وإن تعددت أسماؤهم.. بالأمس غير البعيد ارتمى «الحق» في أحضان النظام الفاسد بعد فعلته تلك، واليوم هرول هؤلاء إلى أحضان «صالح» البائد..؟!!، وكل هؤلاء على استعداد أن يتحالفوا مع الشيطان نفسه لأن «التقية الدينية والسياسية» تبيح لهم ذلك، والأكثر أهمية أن يبقى ذكرهم وصيتهم محط اهتمام الجميع.
فلسفة العقلاء
«الشرفاء» فقط يدركون المخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل وطنهم، يلتقون ويتحاورون من أجل «الإنقاذ».. ف «الحوار» لغة العصر وفلسفة العقلاء، به تتحد الرؤى، وله تنحني «حكمتنا» اليمانية.. وما هو مؤكد أننا اليمانيون نختلف كثيراً.. ولكننا في النهاية نجيد فن التنازلات الشجاعة.. وتطويق الأزمات.. «بالحوار» طبعاً، جميل أن تتوحد الآراء وتتقارب وجهات النظر في سبيل خدمة الوطن، فالظروف الآنية لا تتحمل كثيراً من التعقيد، ونحن بحاجة إلى تعدد الحلول التي تراعي المصلحة الوطنية بعيداً عن أسلوب المناكفات والاصطدامات.. والانتصار للحوار انتصار للوطن، وينبغي أن يحضر الجميع بقلب وعقل منفتح لا بنية تسجيل الحضور والمواقف، وتحقيق بعض المكاسب السياسية العاجلة، أو تحميل طرف المسئولية عما حدث من أزمات، وأن يتم النظر إلى الموضوعات بنظرة وطنية عقلانية وشمولية، بعيداً عن الروح المناطقية والانفعالية أو المكاسب الآنية الشخصية والحزبية الضيقة.. وفي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا حقيقة «أن ما لليمن إلا أهله».. وحين يحتكم الجميع للحوار، ويتخلوا عن أسباب المصالح الذاتية الضيقة، وتصبح مصلحة الوطن وسلامته ووحدته واستقراره هي المصلحة العليا حتماً ستكون الصورة أكثر إشراقاً وسيكون المستقبل مبشراً بكل خير.
والشيء المطمئن أمام هذا التوجه الجاد وجود عناصر قوية وفاعلة «يمنية وإقليمية» تجمع على بقاء اليمن موحداً، دون تجاوز حل كافة المشاكل العالقة، والعمل على إخراج الوحدة من السجال المطلبي الداخلي والعمل تحت سقفها، وإبقاء سقف المطالب العادلة مفتوحاً، حتى يصل كل ذي حق إلى حقه.. ويا حبذا أن تذلل كافة الصعاب أمام الحوار الوطني الشامل والمرتقب من خلال خطوات استباقية تتمثل بمحاسبة ناهبي الأراضي العامة والخاصة، وإعادتها إلى أصحابها، وإتمام عملية هيكلة الجيش وإعادة تأهيله وطنياً ليكون ولاؤه لله والوطن والوحدة، بدلاً من الولاءات الفردية الضيقة، وإزالة أسباب التوترات والقضاء على بؤر الفتنة أياً كانت، ووضع حلول جذرية لقضية الصراع مع الحوثيين في صعدة، وتحقيق العدالة الاجتماعية بمواطنة متساوية، كما نتمنى أن يرتكز الحوار على «الوحدة» التي ليس لديها خيار سوى الاستمرار أياً كانت الصيغة التي ستحافظ عليها، لأنها صمام أمان لاستقرار اليمن ومحيطها الإقليمي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.