مرة أخرى يتحدى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الإرادة الدولية في موقفه الضبابي حيال قرار مجلس الأمن 2014 الذي دعاه إلى توقيع المبادرة الخليجية من دون تأخير، لكنه قد يكون محقاً هذه المرة استناداً إلى ما حمله القرار من بنود حمالة للمعاني، رأى بعض الخبراء أنها لم تكن ضرورية كونها وضعت القرار تحت طائلة التفسيرات المتباينة التي ستكون بلا شك موضع تجاذبات بين الأفرقاء السياسيين في الحكم والمعارضة خلال الفترة المقبلة. ذلك ما فسر الترحيب الذي أعلنه الرئيس صالح بقرار مجلس الأمن الذي أشار فيه إلى ما تضمنه القرار الدولي من إشارة للمرسوم الرئاسي الذي أصدره صالح في وقت سابق وفّوض فيه إلى نائبه . التوافق مع المعارضة على آلية لتنفيذ المبادرة والتوقيع عليها بما يؤدي إلى توافق يقود إلى حل سياسي يعتمد تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وليس تنفيذاً فورياً للمبادرة الخليجية التي رفض التوقيع عليها طيلة الشهور الماضية . على الرغم من الانتقادات التي وجهت للمبادرة الخليجية من ناحية ضعف في الصياغة وتعارضها في بعض الأحيان كرر بيان مجلس الأمن الدولي نفس الأخطاء خصوصاً وهو حاول أن يلم برؤى سائر الأطراف في محاولة لوضع صيغة توافقية تلبي شروط الجميع لكنها بالمقابل زجت بسائر الأطراف في خندق تأويل النص، وهو ما فسر موقف نظام الرئيس صالح من قرار مجلس الأمن الذي بدا هذه المرة مشابهاً تماماً لموقفه من المبادرة الخليجية عندما أعلنت الرئاسة اليمنية استعداد صنعاء التعامل بايجابية مع قرار مجلس الأمن . هذا الموقف أعاد إلى الأذهان أسلوبها في التعامل مع المبادرة الخليجية فيما عدا أن صالح تخندق هذه المرة في نفق التأويل لبنود القرار الأممي، إذ جدد في آخر تصريحاته التأكيد على استعداد حزبه المؤتمر الحاكم الاتفاق مع المعارضة على آلية مزمنة لتنفيذ المبادرة الخليجية فوراً شريطة أن يقود التوافق إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة متجاهلاً كلياً البنود الأولى من القرار الدولي التي دعته إلى توقيع المبادرة وتسليم السلطة دون تأخير . وعلى الرغم من الأهمية التي اكتسبتها المبادرة الخليجية التي استند إليها قرار مجلس الأمن بشأن اليمن إلا أن كثيراً من المعطيات تؤكد أن الرئيس اليمني لا يزال متمترساً خلف موقفه من المبادرة الخليجية حتى بعدما حولها القرار الأممي من مبادرة خليجية إلى دولية ملزمة التنفيذ بموجب هذا القرار الذي حدد للأمين العام للأمم المتحدة فترة 30 يوماً لمتابعة التنفيذ . القاعدة السحرية في تعاطيها مع القرار الأممي لم تتخل صنعاء عن قاعدتها السحرية في “الترحيب السريع” بالقرار ثم إصدار البيانات التفصيلية التي تقود إلى قاعدة “التعامل الإيجابي” التي تشيع للوهلة الأولى الموافقة الكاملة والاستجابة الفورية فيما تأتي البيانات التالية بشروط وربما عراقيل تجعل من التكهن بإمكان الوصول إلى حلول أمراً صعباً للغاية . بدا ذلك واضحاً في الموقف الرسمي الذي حمله بيان صدر عن رئاسة الجمهورية بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن قراره رقم 2014 بشأن اليمن والذي كان مغايراً كلياً لتصريحات الناطق الرسمي للحكومة نائب وزير الإعلام الذي كان أكد ترحيب صنعاء بالقرار كونه يتماشى مع توجهات السلطات في حل الأزمة القائمة على أساس المبادرة الخليجية . لكن البيان الرئاسي نص صراحة على استعداد صنعاء التعامل بإيجابية مع القرار الذي قال إنه جاء متسقاً مع جهود الحكومة اليمنية لوضع حل للأزمة السياسية وفق المبادرة الخليجية إلى تأكيده التزام الحكومة اليمنية بكافة مواثيق حقوق الإنسان في أشارة البنود التي حملها القرار الأممي حيال قمع السلطات بالقوة المسلحة لقمع التظاهرات السلمية بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين . على أن البيان الحكومي كان كافياً إلى هنا للتعرف إلى الموقف الرسمي من القرار إلا أنه حمل في طياته عقبات إذ دعا هذه المرة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي إلى المشاركة في تحقيق توافق بين الأطراف اليمنية والعودة إلى طاولة الحوار من أجل وضع آلية زمنية لتنفيذ المبادرة الخليجية ناهيك عن دعوته هذه الدول إلى ضمان الالتزام بتنفيذها في موقف تساوق كثيراً مع دعوة الرئيس صالح الأخيرة التي طالب فيها ضمانات أمريكية وأوروبية وخليجية لتنفيذ المبادرة . وأكثر من ذلك تأكيدات البيان الرئاسي الذي تحدث بلغة مبهمة عن شروط صنعاء القبول بالتسوية السياسية للأزمة حيث أكد أهمية أن تحفظ لليمن وحدته وأمنه واستقراره وتحقق انتقالاً دستورياً وديمقراطياً وسلمياً للسلطة وفقاً للمادة الرابعة من القرار وفي إطار زمني متتابع يلتزم بقرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية . وبلغة أكثر وضوحاً فقد أعاد نظام صالح الجميع إلى المربع الأول بحديثه عن شروط لتنفيذ المبادرة الخليجية بعد أن كان أكد في مناسبات كثيرة أنها غير قابلة للتنفيذ ما لم يتم التوافق على آلية تنفيذيه تتوافق مع النص الدستوري الذي يرفض أي تسويات في عملية انتقال السلطة سوى طريق الانتخابات . معركة الوقت على مدى شهور من الجهود الخليجية التي بذلت من أجل الوصول إلى تسوية سياسية لأزمة نقل السلطة في اليمن التي تزامنت مع ثورة احتجاجات شعبية مناهضة للنظام نجح صالح كثيراً في معركة كسب الوقت إذ كان صالح يكتفي بالترحيب والتعاطي الايجابي مع مبادرات التسوية والاستعداد لتوقيعها من دون أن يعدم الوسيلة في ابتكار صيغ جديدة تعطل إجراءات التوقيع حتى وصل به الحال إلى الإعلان على موافقته التوقيع على رؤية تتعارض كلياً مع جوهر المبادرة الخليجية . وأفاد صالح من الضعف الذي اكتنف بنود المبادرة الخليجية سواء من النواحي الإجرائية أم القانونية ما أتاح له المطالبة بآلية تفسيرية تحدد بوضوح بنود المبادرة وآليات تنفيذها كمنظومة متكاملة، كما أتاح له هامش مناورة قاد في النهاية إلى رؤية لتعديل المبادرة حاولت صنعاء إقناع المحيط الخليجي باعتمادها ورفضت من سائر الأطراف . ولم تكن معركة كسب الوقت الرهان الوحيد لدى صالح الذي راهن كذلك على إرهاق خصومة وعلى أن تقود المبادرة الخليجية إلى خلافات في صفوف مناهضيه من أحزاب المعارضة وشبان الثورة لكن هذا الرهان سقط كلياً بعدما أبدى سائر معارضيه مواقف متناسقة كلها كانت تدعو إلى تنحيه سلمياً وبصورة فورية دون الاكتراث بالتفاصيل . الحال لم يختلف كثيراً في تعاطي صالح مع القرار الأممي الذي كان قبل صدوره كابوساً مرعباً بالنسبة إلى صنعاء ولا سيما في ظل التقارير التي كانت تتحدث عن إمكان أن يصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية . لكن الكابوس المرعب تلاشى كلياً بعدما صدر القرار بعيداً عن الفصل السابع في صياغة مشتتة وضعيفة لبنوده التي قرأها كل طرف بطريقته فيما وجدت فيها صنعاء ذريعة للتلاعب من جديد على وتر التفسير . هذا الجانب عبّر عنه بيان الرئيس صالح الذي أعلن ترحيبه بقرار مجلس الأمن استناداً إلى ما تضمنه من بنود أشارت إلى المرسوم الرئاسي الذي أصدره صالح بتفويضه إلى نائبه الحوار مع المعارضة والتوصل إلى توافق حول آلية تنفيذية للمبادرة الخليجية والتوقيع عليها بما يؤدي إلى اتفاق سياسي مقبول لدى كافة الأطراف وضمان نقل السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة إلى تأكيده في بنده الرابع على رأيه المتمثل في القيام في أسرع وقت ممكن بالتوقيع على اتفاق تسوية قائم على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وأن تنفيذ هذا الاتفاق أمر لابد منه لبدء عملية انتقال سياسي جامعة ومنظمة يقودها اليمن . وبدا واضحاً أن الترحيب الذي سارع المسؤولون اليمنيون إلى إعلانه قبل وبعد صدور القرار الأممي لم يكن سوى ترحيب بالبندين الرابع والثامن لا سيما أنها أقرت بوجود مجموعات مسلحة في مناطق التظاهرات السلمية إلى دعوتها الامتناع عن العنف والاستفزاز وتجنيد الأطفال وحضها سائر الأطراف عدم استهداف البنية التحتية وهو ما عدته صنعاء دليلاً على الطابع المسلح للتظاهرات ودليلاً على وجود أطراف تسعى لاستخدام السلاح والعنف لتحقيق أهداف سياسية . القراءة الرسمية جاء القرار 2014 الذي كلل أزمة يمنية تتفاعل منذ مطلع العام الجاري ليدعو الرئيس صالح بصورة مباشرة إلى توقيع المبادرة الخليجية طريقاً آمناً للخروج من أزمة نقل السلطة بل وطالبه الوفاء بالتزاماته في توقيع المبادرة وترجمة ذلك إلى أفعال تحقق انتقالاً سلمياً للسلطة، كما دعا سائر الأفرقاء إلى الالتزام بتنفيذ التسوية السياسية ودان استمرار انتهاكات حقوق الإنسان من السلطات بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين . لكن صنعاء اعتبرت القرار انتصاراً للشرعية الدستورية خصوصاً وهو لم يحمل أي إدانة مباشرة لنظام الرئيس صالح قدر ما دان الجميع وأكثر من ذلك أنه تساوق في بعض بنوده مع الشروط التي وضعتها صنعاء لتنفيذ المبادرة الخليجية وفق آلية متوافق عليها من سائر الأطراف، وأكثر من ذلك أنه حمل الجميع مسؤولية الأوضاع التي تعيشها اليمن حالياً . ويرى الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الحاكم الشيخ سلطان البركاني أن صيغة القرار التي نشرتها وسائل الإعلام كانت محرفة إذ جعلوا منه قراراً يدعو صالح فقط إلى التنحي في حين أنه كان يتحدث عن عملية سياسية يشارك فيها جميع اليمنيين . ويشير البركاني إلى أن مجلس الأمن تعامل مع الأزمة اليمنية بشكل موضوعي سواءً في حيثيات القرار أم بنوده التي أكدت رفض العنف سبيلاً للوصول إلى السلطة إلى دعوتها الجميع وفقاً للفقرة 4 القيام بأسرع وقت ممكن بالتوقيع على اتفاق تسوية قائمة على مبادرة مجلس التعاون وأن تنفيذ هذا الاتفاق أمر لابد منه لبدء عملية انتقال سياسي جامعة ومنظمة يقودها اليمن . ويلفت إلى أن المجلس أكد على تحقيق الانتقال السياسي السلمي للسلطة من دون إبطاء وعلى النحو الوارد في مبادرة مجلس التعاون والمرسوم الرئاسي الصادر في 12 سبتمبر/ أيلول فيما حضت الفقرة السابعة سائر مجموعات المعارضة على الالتزام بالتوصل إلى اتفاق التسوية كما طالبها بنبذ العنف والكف عن استخدام القوة وسيلة لبلوغ أهداف سياسية وألزم في الفقرة الثامنة بإزالة جميع الأسلحة من مناطق التظاهر السلمي الامتناع عن ارتكاب أعمال العنف والاستفزاز ومنع تجنيد الأطفال . ومن جانب آخر فقد شدد القرار على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وأكد أن المرسوم الرئاسي الضامن لاتفاق سياسي مقبول لدى كافة الأطراف ضماناً لنقل السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية من خلال إجراء انتخابات مبكرة، كما وضع النقاط على الحروف بتأكيده على تسوية يقوم بها اليمنيون وأن الحل يجب أن يكون يمنياً . ويلفت البركاني إلى أن هذا الأمر يتطلب من سائر الأطراف الإسراع في إنجاز التسوية كما هو مضمن في الفقرة الرابعة “ونحن في المؤتمر نرحب بالقرار وندعو الأطراف الأخرى إلى التعامل مع بنود ومضامين القرار ودعواته وتأكيداته بصورة متكاملة” . قراءة مغايرة في موازاة القراءة الرسمية كانت قراءة الطرف الآخر مغايرة كلياً إذ أكد هؤلاء أن القرار الدولي كان شاملاً هذه المرة لأنه وضع الأفرقاء أمام خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة الراهنة يتصدرها مطالبة الرئيس صالح توقيع المبادرة الخليجية والشروع بإجراءات نقل السلطة دون تأخير تماماً، كما تضمن إدانة واضحة لأعمال العنف والهجمات التي يتعرض لها المحتجون السلميون كما حمل نظام صالح مسؤولية أعمال العنف وأكثر من ذلك مسؤولية توفير الخدمات الأساسية والحد من معاناة المدنيين الاقتصادية والأمنية . ومن جانب آخر يرى هؤلاء أن القرار كان ايجابياً كونه خلا من أي إشارة للضمانات والحصانة للرئيس صالح وأركان نظامه التي يعتقد أنها كانت السبب في تعطيل تنفيذ المبادرة خلال الفترة الماضية ناهيك عن تأكيده على حق اليمنيين في ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية إلى تأكيده على أهمية وضع حد للهجمات ضد المدنيين . وأكثر من ذلك أنه أكد أن المجتمع الدولي صار يتحدث بصوت واحد بضرورة وجود عملية سياسية لنقل السلطة في اليمن في ظل إدانة جماعية لانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال العنف . وإلى ذلك فإن بنود القرار 11 - 12 - 13 حملت تفويضاً من مجلس الأمن إلى الأمين العام للأمم المتحدة بمواصلة جهود التسوية وتنفيذ القرار بوسائل عدة بما في ذلك الزيارات التي يقوم بها مستشاره الخاص جمال بن عمر ومواصلة حض الأطراف اليمنية المعنية على تنفيذ أحكام القرار وتشجيع كافة الدول والمنظمات الإقليمية على المساهمة في تحقيق هذا الهدف فضلاً عن طلبه من الأمين العام تقديم تقرير عن التنفيذ في غضون 30 يوماً من تاريخ اتخاذ القرار وكل 60 يوماً بعد ذلك، فيما أكد البند الثالث عشر على أبقاء هذه القضية قيد النظر الفعلي . بين التنفيذ والمناورة رغم الشروط والميزات التي أتاحها القرار الأممي بإكسابه مبادرة التسوية الخليجية طابعاً دولياً إلا أن التوقعات بشأن إمكان رضوخ الرئيس صالح لمطالب المجتمع الدولي بتوقيعها وتنفيذها تبدو ضعيفة للغاية . ويرى الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء أن القرار الأممي لم يكن حاسماً بالشكل المطلوب حيث أعطي الرئيس اليمني مهلة لمدة شهر يستطيع خلالها إعادة ترتيب الكثير من الأوراق وعسكرة العملية السياسية في حين أنه لن يسلم بسهولة ولن يتنحى بالكيفية التي طلبت منه خصوصاً وهو قد أعلن منذ ثلاثة أشهر موافقته على المبادرة الخليجية، لكنه لم ينفذها ولأنه رجل قبيلة فهو لن ينتحى بل سيحاول إدخال اليمن في أتون حرب الأهلية خصوصاً وهو لا يزال يحلم بتوريث ابنه الأكبر العميد أحمد علي عبدالله صالح قائد قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ويصعب عليه أن يرى هذا الحلم يضيع أمام عينية . ويلفت الصلاحي إلى أن توقيع صالح المبادرة الخليجية يواجه بعراقيل أبرزها أن رموز المعارضة العسكرية والقبلية هم من خصومه الذين لديه معهم ثأر قبلي وهو لا يرى في هؤلاء ممثلين للثورة بل منافسين له على السلطة والثروة، ولديه استعداد أن يقاتل حتى الموت من أجل البقاء في السلطة، وهذا ما أعلنه صراحة ما يعني أنه لن يسلم السلطة بسهولة وربما يكون أكثر عناداً من القذافي . ابوبكر عبدالله ( الخليج الاماراتية )