التغيير – صنعاء : يحمل خبراء المالية والاقتصاد في اليمن الإفراط المبالغ في عرض النقود حاليا جانب كبير من المسؤولية عن الموجات التضخمية العارمة، التي تضغط بقوة على الاقتصاد المحلي المتدهور وتلقي بتبعاتها الكارثية على المجتمع وعدم قدرة أكثر من نصف السكان المصنفين كفقراء الحصول على حاجياتهم من المواد الغذائية الأساسية، مع موجة الغلاء الكاسح التي تجتاح الأسواق اليمنية منذ مطلع العام الجاري. ووفقا لبيانات البنك المركزي اليمني فقد وصل مقدار ارتفاع العرض النقدي خلال شهري يوليو وأغسطس من العام الجاري إلى 43.8 مليار ريال يمني وبنسبة 2.0 %، حيث زاد العرض النقدي من 2207.9 مليار ريال يمني في نهاية يوليو 2011 إلى 2251.7 مليار ريال يمني في الشهر الذي يليه، وهو ما يعد بحسب خبراء محليين تجاوزا غير مسبوق ينعكس بشكل كبير في معدلات التضخم والارتفاع القياسي في الرقم العام لأسعار المستهلك، ما يضع الأسر اليمنية أمام خيارات صعبة بتقليص قائمة مائدتها من الغذاء والسلع الضرورية. ويعزو البنك المركزي اليمني في تقرير – حصلت عليه (الشرق) - التغير في العرض النقدي إلى تغير العوامل المؤثرة عليه ومن أهمها صافي الأصول الخارجية للجهاز المصرفي، وصافي المطالبات على الحكومة والمطالبات على القطاع غير الحكومي. ويوضح التقرير أن صافي الأصول الخارجية بلغ في نهاية أغسطس الماضي 1409.4 مليار ريال يمني مقارنة ب 1428.4 مليار ريال في نهاية يوليو 2011 بانخفاض قدره 19.0 مليار ريال يمني ونسبته 1.3 % وكانت هذه الأصول في نهاية أغسطس من العام2010م، 1671.0 مليار ريال يمني. وأظهر التقرير ارتفاع صافي المطالبات على الحكومة خلال نفس الفترة رصيدا مديناً ب 1007.0 مليار ريال يمني مقارنة مع رصيد مدين ب 986.7 مليار ريال، بعد أن كان الموقف في أغسطس 2010 رصيداً مدينا بمبلغ 662.1 مليار ريال يمني فقط. في حين ارتفعت المطالبات على القطاع غير الحكومي من 545.9 مليار ريال في نهاية يوليو 2011 إلى 572.4 مليار ريال في نهاية أغسطس 2011 بارتفاع قدره 26.5 مليار ريال وبنسبة 4.9% نتيجة ارتفاع المطالبات على المؤسسات العامة بنسبة 14.0 %. ويؤكد الخبراء أن دخول النقود كلاعب رئيسي في ممارسة الضغوط التضخمية ودفع الأسعار إلى أعلى يرجع إلى أن الاقتصاد اليمني اقتصاد نقدي وليس اقتصادا يقوم على المقايضة، حيث ترتفع كمية النقود الاسمية بمعدلات تفوق كثيرا الأرصدة النقدية الحقيقية. وترافق هذا الارتفاع في العرض النقدي مع استمرار تدهور قيمة العملة المحلية (الريال) أمام العملات الأجنبية ليصل سعر الدولار الواحد مؤخرا إلى 245 ريالا يمنيا. ويرجع الخبير الاقتصادي اليمني الدكتور طه الفسيل أسباب هذا التدهور أيضا إلى زيادة تفاقم الوضع السياسي في البلد ما جعل الناس يقومون بشراء العملات الصعبة والمضاربة في السوق خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالأزمة الراهنة في اليمن والمستمرة منذ فبراير الماضي بعد اندلاع احتجاجات شعبية ضد نظام الرئيس علي صالح وما أفرزته من تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي والإنساني. واعتبر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن الارتفاعات السعرية في المواد الغذائية تجسد ترجمة حقيقية لمعنى الوضع الكارثي الذي بات نحو 24 مليون ريال يمني يعيشونه. وبحسب دراسة اقتصادية رصدت اتجاهات التضخم ومعدلاته في اليمن خلال الفترة 1990- 2006م، فإن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك ارتفع بنحو 1900% تقريبا خلال هذه الفترة، واعتبرت أن الخط المتصاعد لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية على هذا النحو من شأنه خفض القوة الشرائية لجمهور المستهلكين والقيم النقدية للأصول الثابتة التي يملكها هذا الجمهور.