البحسني ينعي 5 شهداء من جنود قوات النخبة الحضرمية    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    المجلس الإسلامي العلوي: سلطة الأمر الواقع كشفت حقيقتها القمعية    البرلمان يطالب المجتمع الدولي بمواقف حازمة ضد تصرفات الكيان    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    اليمن بين ثبات النهج ومنزلق الارتهان: قراءة في ميزان السيادة والهوية    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    مصرع شخصين جراء عواصف شديدة تضرب دول شمال أوروبا    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هؤلاء هم أبطال حضرموت قيادات صنعت المجد وقهرت الإرهاب    يتباكون على ثروات الجنوب.. فضائح نهب النفط والمعادن في حضرموت نموذجًا    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    الأحزاب تثمن استجابة التحالف لطلب القيادة اليمنية وترحب برسالة وزير الدفاع السعودي    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بني جرموز .. قرية يمنية تعيش شبه حياة
نشر في التغيير يوم 17 - 05 - 2012

الكثير من الأسئلة حملتها أحداقنا ونحن نتوجه إلى قرى بني جرموز في مهمة رصد وتوثيق، تلك الأسئلة لم تخرج عن إطار ما تتناقله الكثير من وسائل الإعلام، توقعنا أن نجد تلك النظرات الغاضبة في أعين القبائل، وتوقعنا أن نلتقي بإرهابيين، وتوقعنا أننا لن نتجاوز أول قرية بسبب الأوضاع الأمنية.
الخوف يتبدى من أحداقنا ونحن نسلك طرقاً وعرة للوصول إلى تلك المناطق، وذلك حتى نتجنب الاصطدام بنقاط التفتيش التابعة للحرس الخاص، والتي لا زالت فعلياً تتبع النظام السابق، وعندما وصلنا لتلك القرى استقبلتنا خيمة تقف في صدر الطريق، وإلى جوارها نقطة تفتيش تابعة للثوار، وهي عبارة عن برميل من الحديد وقد ألصقت عليه العديد من الشعارات، كان أبرزها على الإطلاق عبارة(الثورة صمام أمان من أجل مستقبل أولادنا) ونظراً لأن المرافق لنا هو أحد أبناء تلك القبائل دخلنا بسرعة.
تفاجأنا بحجم الترحيب الذي أبدته تلك القبائل ،خصوصاً وأننا أول لجنة رصد وتقصي تزور المنطقة، لم نلتقي بأعين غاضبة أو ملامح جافة، الجميع يحمل السمرة اليمنية والكثير من الغبار يعلوا أجسادهم المنهكة ، ومع ذلك حيونا بابتسامة يمنية أصيلة، والرشاشات التي تعلوا ظهورهم أيضاً حيتنا بصمت لندرك أن كل ما سمعناه سابقاً لا يخرج عن كونه إشاعة.
منظر القرى المبعثرة شيء مألوف في القرى اليمنية، لكن منظر القرى المهجورة أشبه بحكاية تاريخية مؤلمة، الكثير من الدمار مرتسم في جنبات تلك المنازل، ومن خلال تلك الثقوب الكبيرة تستطيع أن تعرف نوع الأسلحة المستخدمة ضد قرى بسيطة كقرى بني جرموز، فبني جرموز الواقعة بين قرى أرحب ونهم كان لها النصيب الأوفر من الضرب، خصوصاً وأن المعسكرات تحيط بها من ثلاث جهات، وأقربها معسكر بيت دهرة، وهذا الأخير هو من تفنن في رسم الرعب في وجوه سكان تلك القرى وأجبرهم على تركها.
بعض التقارير والمقالات الصحفية كتبت عن هذه المآسي، ولكن ليس من سمع كمن شاهد، وبمرورنا من بين تلك الملامح البالية استطعنا أن نقرأ الكثير من المعاناة، تلك المعاناة لم تبدأ منذ قررت القبائل الانضمام للثورة ، وإنما بدأت منذ فترة سابقة، فالاحتياجات الأساسية لأي قرية غير متوفرة في هذه القرى، فلا مدارس أو مستشفيات، أو حتى مشاريع مياه صالحة للشرب، وأثناء نزولنا وجدنا سوراً ضخماً ولكن ثقوب الرصاص ملأته ،عرفنا فيم بعد من سكان القرية أنه مشروع مدرسة لم يكتمل بعد، حتى جوانب الطريق المليئة بالصخور الكبيرة كانت تحتوي على فتحات كبيرة تعود لبعض القذائف التي أخطأت هدفها أثناء الغارات الليلية.
القرى شبه مفرغة من سكانها، إذ أن المعظم نزحوا إلى قرى أخرى ، والبعض نزح إلى الجبال، والبعض يعيش في خيام متفرقة على جنبات الطرق أو في الجبال بعد أن أعلنوا انضمامهم للثورة، وعلى الرغم من وجود خيمة مراقبة للوضع مكلفة من قبل الحكومة الجديدة، إلا أن الخروقات لا زالت مستمرة من قبل تلك المعسكرات التابعة للنظام السابق، بل أننا سمعنا إطلاق الرصاص وقت النزول الميداني مما اضطرنا إلى الإكتفاء بعدد الحالات التي رصدناها وعدم التوغل في بقية القرى ،خوفاً من توتر الجو بشكل قد يعيقنا عن العودة، الجميع في حالة تأهب مستمر، وكأن تلك القرى بمعسكراتها قنبلة موقوتة تنتظر الإذن بالانفجار.
الوضع الإنساني حرج للغاية، فالمياه التي هي أساس الحياة لوثها البارود نتيجة القصف الذي استمر لفترة، والمستشفيات تبعد بمسافة كافية لموت شخص ما من النزيف، لذالك العديد من الحالات توفيت أثناء إسعافها، أما بالنسبة للغذاء فلا يوجد في القرية غير محل واحد لبيع الخضار وبعض الطعام، هذا المحل عبارة عن دراجة نارية في نهايتها غرفة من صفيح ،بها بعض المؤن، ونتيجة لسوء التغذية في تلك المناطق، الهزال يبدوا واضحاً على أجساد الأطفال وملامح النسوة، أما الرجال فالأغبرة والألم كفيلة بأن تدفن ملامحهم تماماً فلا تستطيع أن تقرأ المزيد من المعاناة وإنما المزيد من المكابرة في انتظار فرج قريب.
مساحات شاسعة يغطيها التراب والقحط بسبب الجفاف، في فترة قريبة كانت هذه الأراضي مخضرة، فسكان هذه القرى مشهورون بزراعة العنب ،إضافة إلى تكسير الأحجار وتجصيصها، حالياً القليل من مزارع العنب لا زالت قائمة ، وبقية الأراضي استخدمت لزرع الألغام لذلك لا يجروء الكثير من المزارعين على التقدم نحوها ،خصوصاً وأن بعض الحالات قد توفيت ،والبعض فقد قدمه أو جزاءاً من جسده نتيجة ذلك.
الكثير من القصص المؤلمة دوناها ، بعضها لأطفال أصيبوا بعاهات وإصابات نتيجة مرورهم في تلك الأماكن دون علم منهم بأنها صارت ملغمة، وبعضها لنسوة فقدن أخاً أو أباً أو زوجاً فجأة تحت قصف المدافع، وبعضها لطفولة بريئة صارت تعرف معنى الكاتيوشي والأر بي جي، والرشاش والمدفع، أطفال تبرز من أحداقهم نظرات الخوف في وضح النهار بعد أن شاهدوا أشلاء أقرانهم أو أبائهم، أطفالٌ عرفوا لون الدم في سن صغيرة، وأطفالٌ صار التبول اللاإرادي ديدنهم منذ صارت المدفعية جزءاً من أحلامهم الصغيرة، ومنذ صار أباؤهم مجرد غرباء لا يجرؤون على الإقتراب من تلك المنازل إلا سراً، والبعض لا يزور أهله إلا جثة هامدة بعد أن تخترقه رصاصة أثناء وقوفه في أحد تلك الخيام التي تتبع الثوار.
يوم السبت الموافق الثالث عشر من مايو كان يوماً استثنائياً بالنسبة لنا، إذ أننا اكتشفنا مدى زيف الإعلام، ومدى قصوره، وتعرفنا على وجه آخر للثورة اليمنية ، ولكنه وجه مليء بالندوب والجروح التي يرفض الكثير الالتفات لها ، تحت ذريعة الإرهاب، أو أن القبائل خارجة عن القانون، أو أن من يحمل السلاح يستحق كل ما يحدث له، متناسيين أن من حمل السلاح حفنة من الرجال وليس الأطفال أو النساء، إذاً لماذا تقصف حتى ثغور الجبال التي تختبئ النسوة فيها بأطفالهن!، ولماذا تضرب المزارع!، ولماذا تُلغم الأرض!، ولماذا تُقطع الطرقات؟ ولماذا يستمر الصمت تجاه ما يحدث في تلك القرى؟!!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.