بعد نجاح ليبيا في جلب رئيس وزراء القذافي البغدادي المحمودي من تونس أواخر حزيران / يونيو الماضي، متجاوزة عوائق حقوقية وقضائية وضعتها أطراف تونسية ، سلمت موريتانيا مدير الاستخبارات الليبي السابق عبد الله السنوسي، للسلطات الليبية، وسط ترقب لمصير "الصندوق الأسود" لأسرار الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، نظراً إلى اطلاعه على أسرار أبرز الملفات الداخلية والخارجية للعهد السابق. وإعلان موريتانيا المقتضب عن تسليم السنوسي وعدم إيراد أي إيضاحات بشأن تسليم الرجل المطلوب لأكثر من جهة عربية ودولية، جاء ليناقض ما سبق أن أكده الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، أكثر من مرة أن بلاده لن تسلّم السنوسي، لأنه يخضع للقضاء الموريتاني ولم يحاكم بعد. كذلك سبق لولد عبد العزيز أن أكد أنه عندما ينتهي القضاء الموريتاني من محاكمة السنوسي سينظر في قرار تسليمه، مشدداً على أن هذه الخطوة لن تحصل من دون ضمانات. صفقة المليار دولار وأبدى مراقبون في نواكشوط مخاوفهم من أن تكون الحكومة الموريتانية قد عقدت "صفقة بيع" للسنوسي، وخصوصاً أن طبيعة الوفد الليبي الذي تسلم السنوسي تطرح أكثر من سؤال ، إذ كان في عداد الوفد وزير المالية حسن مختار حميده بن زقلان، وهو ما عزز من صحة التسريبات التي كانت قد تحدثت عن طلب موريتانيا مليار دولار لتسليم السنوسي لليبيا. وتحدثت مصادر عدلية في نواكشوط عن احترام "كل الإجراءات القانونية المتعلقة بتسليمه وكل الضمانات المطلوبة أعطيت من الحكومة الليبية". وقال مصدر أمني إن الجانب الموريتاني أوكل المهمة إلى وزير العدل عابدين ولد الخير، ووزير الاقتصاد والتنمية سيدي ولد التاه، بعد مفاوضات بين الطرفين الموريتاني والليبي دامت طوال الأشهر الخمسة الماضية، وتخللتها زيارات رسمية رفيعة المستوى لعد من المسئولين الليبيين من بينهم رئيس الحكومة الليبية السابق عبد الرحيم الكيب، وقبله نائبه مصطفﯽ أبو شاغور. وشهدت نواكشوط خلال الفترة السابقة، سباقاً شرساً للفوز بالسنوسي المعروف أنه "الصندوق الأسود" للقذافي، نظراً إلى الكمّ الهائل من الأسرار التي يحوزها السنوسي بشأن فترة حكم القذافي إلى جانب تورطه في عدد من الجرائم، أهمها مجزرة سجن بوسليم التي ارتكبت بحق أكثر من 1200 سجين سياسي في عام 1996. وذكر مصدر مطلع أن الصفقة لم تتكشف تفاصيلها بعد، إلا أن المراقبين يرون أن دخول لبنان على الخط لمحاولة تتبع مصير موسى الصدر ربما يكون هو الذي حمل الليبيين على التسريع بالاستجابة للشروط التي كان اشترطها الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز مقابل تسليم السنوسي، وخصوصا أن الوفد الليبي الخاص جاء على عجل، بعد مغادرة وزير الخارجية اللبنانيلنواكشوط، الذي حاول أن يلتقي السنوسي لبحث ملف الزعيم الشيعي المختفي الإمام موسى الصدر. تفاصيل التسليم وتم نقل السنوسي على متن طائرة إسعاف عمودية من مطار طرابلس إلى مطار معيتقة، حيث جرى نقله على الفور إلى محبسه الأخير في شاحنة سوداء اعتلى مؤخرتها رجال أمن بزيهم الرسمي، فيما كان البعض ممن تجمعوا حول الطائرة، وأغلبهم من الثوار وضباط الأمن، يهتفون: "دم الشهداء ما يمشيش (لا يضيع) هباء"، في إشارة إلى المطالبة بالقصاص من السنوسي الذي تتهمه السلطات الليبية الجديدة بالضلوع في محاولة إجهاض الثورة الشعبية ضد نظام القذافي، بالإضافة إلى المسؤولية عن مذبحة سجن أبو سليم . وأظهرت صور فوتوغرافية ولقطات مصورة السنوسي بلحية كثيفة مرتديا زيا ليبيا تقليديا حاول خلاله إخفاء وضع القيود الحديدية في يديه خلال عملية نقله. وعكست ملامح السنوسي الصدمة التي عاشها لحظة خروجه من الطائرة، بينما كان أحدهم في هستريا واضحة يردد "الله أكبر.. لعنة الله عليك". وقبل هبوطه من الطائرة، قال السنوسي لمرافقيه من أعضاء الوفد الليبي بأنه "لولا حلف شمال الأطلنطي (الناتو) لما حدث ما حدث"، وفقا لما رواه عبد المجيد سعد، مندوب النائب العام الذي كان موجودا مع الوفد خلال عملية نقل السنوسي. وقال طه بعرة، المتحدث باسم النائب العام الليبي، إن مكتب النائب العام تسلم السنوسي، وإنه سيخضع لفحوص طبية، وسيتم قريبا التحقيق معه بشأن قضايا وجهت إليه اتهامات فيها. ويخضع السنوسي حاليا لحراسة أمنية مشددة بأحد سجون طرابلس التي يشرف عليها الحرس الوطني، حيث يقبع إلى جوار بعض المسئولين الكبار سابقا في نظام القذافي، من بينهم الدكتور البغدادي المحمودي، رئيس آخر حكومة للقذافي قبل سقوط نظامه ومقتله في شهر أكتوبر / تشرين الأول الماضي. السنوسي واستعادة الاموال ويمكن للسنوسي أن يكون مفيدا في استعادة أموال ليبية كثيرة هربها القذافي وحاشيته إلى وجهات وحسابات مجهولة. وحتما ستساعد معلومات السنوسي في فك الكثير من أسرار فترة حكم القذافي على نطاق محلي وأيضا إقليمي ودولي. كذلك يعد تسلم السنوسي نجاحا كبيرا للسلطات الليبية، حيث كان الرجل محل سباق دولي عليه. محاكمة عادلة من جانبها طلبت الولاياتالمتحدة من ليبيا تنظيم محاكمة عادلة لرئيس المخابرات في النظام الليبي السابق عبد الله السنوسي المسجون حاليا في طرابلس. وقال باتريك فانتريل مساعد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية :"إن السنوسي متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومن الواضح للأسرة الدولية أنه مسئول عن أعماله". ولكن فانتريل أكد أن طرابلس يجب عليها أن "تعتقل السنوسي وفق شروط أمنية جيدة، وأن تعامله بإنسانية، وأن تؤمن له محاكمة عادلة في إطار الاحترام التام للمعايير الدولية من قبل ليبيا". وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق السنوسي في 27 يونيو/ حزيران 2011 بتهمة ارتكاب "جرائم وعمليات اضطهاد مدنيين تعتبر جرائم ضد الإنسانية". وكان نائب رئيس رابطة أسر شهداء ثورة 17 فبراير أعلن مؤخرا أن السنوسي سيحاكم أمام الشعب الليبي محاكمة عادلة على ما اقترفه من جرائم بحق هذا الشعب، معتبرا أن ما ارتكبه "هذا المجرم" بأبناء مدينة بنغازي في الأيام الأولى للثورة على جسر جليانه وأمام "الكتيبة" ومديرية الأمن وبشوارعها وميادينها - لن يمحى من الذاكرة حتى ينال هذا المجرم جزاءه العادل أمام القضاء الليبي. عودة المطلوبين ويبدي المسئولون الليبيون اهتماماً باسترداد جميع المسئولين السابقين في عهد القذافي من الذين نجحوا في مغادرة البلاد على أمل أن تمهد هذه الخطوات لإطلاق عملية المصالحة الوطنية في البلاد. وكان رئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب، قد قام في الفترة الماضية بجولة وصفها البعض بأنها مكوكية، في محاولة منه للضغط على دول الجوار لتسليم بعض المطلوبين. ولم تكن الإغراءات المالية بعيدة عن جولاته، وخصوصاً أن نفوذ رجال القذافي في الخارج ورؤوس أموالهم بدت أنها أقوى من القنوات الدبلوماسية. فرغم علم ليبيا بأماكن وجود رجال القذافي في الخارج، ونشر عدة وسائل إعلام قوائم بأسماء بعض شخصيات العهد السابق الموجودة في مصر، إلا أن السلطات الليبية فشلت في تسلم أي منهم. ولأن الكيب يعلم أن من أولويات حكومته، التي أصبحت معدودة الساعات، استرجاع رجال القذافي والاتفاق على المصالحة الوطنية، تحدث خلال جلسة استجوابه في البرلمان عن وعود مصرية بتسليم بعض رجال القذافي. وأشار أيضاً إلى أن المغرب وعد أيضاً بعدم إيوائهم، مغفلاً في الوقت نفسه التطرق إلى الجزائر والنيجر. وجرى تداول أنباء في الآونة الأخيرة عن إغراءات قدمها الكيب لمصر والمغرب لتسليم المسئولين السابقين الموجودين لدى البلدين. ووفقاً للمعلومات، فإن في مقدمة هذه الإغراءات منح المصريين والمغاربة الأولوية في فرص العمل داخل ليبيا، ما من شأنه توفير أكثر من مليوني وظيفة لمواطني الدولتين.