عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    عبدالملك الحوثي يكلف هذا القيادي بملاحقة قيادات حزب المؤتمر بصنعاء ومداهمة مقراتهم وما فعله الأخير كان صادما!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    محمد علي الحوثي: "غادري يا ميسون فهو الأفضل لش".. بمن يتغزل "الطبل"؟    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الإعلام الحديث ( الفضائيات والإنترنت )في تحرير الإعلام المحلي
نشر في التغيير يوم 27 - 08 - 2007

( ورقة لندوة : تحرير الإعلام في اليمنصنعاء 26 أغسطس 2007م – نظمها ملتقى المرأة وموقع التغيير )
التغيير صنعاء:
ياسر أبو هلالة
بداية أشكر لكم دعوتكم الكريمة لزيارة اليمن وإتاحة فرصة للتواصل والحوار ، فنحن العاملون في الصحافة ندخل بيوت الناس بلا استئذان ، وهم
لا يدخلون بيوتنا ، شح فرضته طبيعة المهنة لا طبائع الأشخاص . هنا أحب أن أستمع أكثر مما أتكلم وأستقبل أكثر مما أرسل .
مداخلتي ليست بحثا علميا ، بقدر ما هي مقالة مطولة تعبر عن تجربتي وخبرتي في مجال الإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني .
أولا : الفضائيات
عندما دخلت القوات العراقية الكويت في 2 أغسطس 1990 شاهد المواطن السعودي بعينه المجردة آثار الغزو من خلال المهجرين الكويتيين . لكنه لم يشاهد الغزو على شاشة التلفزيون السعودي إلا بعد ذلك بأيام . مقارنة حرب الخليج الثانية بحرب الخليج الثالثة تكشف كم فعل الإعلام الحديث ممثلا بالفضائيات والإنترنت بالإعلام المحلي . فمهما كان من فارق بينه وبين الفضائي إلا أنه لم يعد قادرا على مواصلة دوره السابق بنفس المستوى من الانغلاق والتخلف . فالإعلام المحلي السعودي اضطر لمجاراة القفزة التي سببتها التقنية ابتداء .
لم يعد ممكنا تكرار ما حدث عام 90 ، وعندما أرادت الحكومة السعودية بسط سلطانها على الفضاء عام 1995 جاءت النتائج معاكسة . فشبكة أوربت ذات التمويل السعودي تعاقدت مع البي بي سي لتبث على قنواتها نسخة عربية من تلفزيونها . ووفق تقاليد البي بي سي كان طبيعيا استضافة المعارض السعودي أحمد المسعري ، وهو ما لا يقبل به الممول الذي قرر وقف بث المقابلة على الهواء ، فأوقفت البي بي سي قناتها التلفزيونية العربية .
بقية القصة معروفة ف" الجزيرة " كانت المستفيد الأول من القرار السعودي، إذ انتقلت إليها معظم كفاءات القناة الموءودة. واضطر السعوديون من بعد لتأسيس العربية والإخبارية ، بعد أن استحوذت الجزيرة على المشاهد العربي بعامة والسعودي بخاصة .
المشاهد العربي لم تكن حاله مختلفة عن المشهد السعودي ، ولولا الفضائيات لظل مضطرا لمشاهدة حفلات الاستقبال والوداع في المطارات وقصور الحاكمين التطور في حرية الإعلام جاء من فوق من الفضاء ، وهو الحيز الذي لم تستطع التشريعات والممارسات التحكم فيه . مما اضطرها إلى مجاراته .
ليس في السعودية فقط ، فالأردن الذي قطع شوطا متقدما في الحريات الإعلامية قياسا بغيره في العالم العربي ، وخلال مرض ووفاة الملك الراحل الحسين بن طلال, تتهكم مؤلفة كتاب " مقليات إعلامية " سائدة كيلاني، الإعلامية والباحثة الأردنية, بأنه" في حين كان العالم يتابع لحظة بلحظة تطورات مرض الملك, كان التلفزيون الأردني يبث برامج وثائقية عن ألوان الطبيعة ومعناها وتأثيراتها!"
في كل بلد عربي لا يزال المشاهد يذكر أمثلة مشابه، وهو ما جعل فضائية مثل الجزيرة تحظى بصدقية حتى في الخبر المحلي يفوق وسائل الإعلام المحلية . على سبيل المثال في الاستطلاع السنوي الذي يجريه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وهي نتائج تتوافق مع استطلاعات جرت على مستوى إقليمي .
ذلك كله أحرج وسائل الإعلام المحلية التي تستطيع السلطات بتشريعاتها وإجراءاها التضييق عليها . وهو ما أسهم في رفع سقفها خشية أن تواجه خطر الانقراض . وليس صعبا أن تقارن بين حال الإعلام العربي عام 1996 وحاله اليوم ، وما كان للحرية الإعلامية أن تتطور لولا ما فرضته التطورات التقنية . فالتحرر النسبي عم وسائل الإعلام على اختلافها ، إلى درجة أننا صرنا نشاهد تلفزيونات خاصة ، لا أقصد هنا أنها تعمل وفق الآليات الغربية ، فثمة صلات لا تخفي بين التلفزيونات الخاصة والسلطات لكنها لا تقارن بواقع التلفزيونات الرسمية . في السودان ستة محطات فضائية خاصة ، في سورية محطتان قيد التأسيس , في العراق لا يوجد فصيل - باستثناء دولة العراق الإسلامية - لا توجد له فضائية . في مصر تتواصل الاستعدادات لإطلاق ثالث فضائية خاصة ، السعودية رائدة تخاصية الإعلام في الأم بي سي والأوربت وغيرهما ، نظريا لا يوجد بلد عربي ربما باستثناء جيبوتي تحتكر فيه الدولة وسائل البث . وليس أمام المواطنين المبدعين سوى المنافسة في تقديم الفضل للمشاهد الذواق الذي يختار الأنسب في منافسة مفتوحة وعادلة ؟
في الواقع لم يتغير شيء على المشاهد العربي ، ولا تزال الدولة بالأصالة أو الوكالة تهيمن على وسائل الإعلام وفق نظرية " من يدفع للزمَار " . حتى فضائية الجزيرة لولا تمويل الدولة القطرية ما كانت لتظهر أو لتستمر . ولكن الصيغة الجديدة في الفضائيات الخاصة تمكن الدولة من التحلل من التزاماتها المالية والسياسية أمام مواطنيها .
هنا نتذكر تجربة قناة الشام في سورية ، فهي استثمار خاص لم يكن ليعمل بدون موافقة السلطات ورعايتها ، لكن تلك الرعاية المزاجية لم تسمح للتلفزيون بالانطلاق في اللحظات الأخيرة ، وهو ما بدد استثمارا خاصا لصالح قناة " خاصة " أخرى . الأمر تكرر ولو بصورة مختلفة نسبيا في الأردن . فقناة A T V منعت من البث في يوم انطلاقها وبعد سنوات من التحضير . وإلى اليوم لا يعلم أحد كيف انقلبت السلطة على القناة التي كانت تصنع على عينها . ومنع مستثمرون من تأسيس تلفزيونات دعما لها .
لا أتحدث عن القنوات المحلية الخاصة باعتبارها ذات دور رسالي تنويري ، ولكنها تظل تطورا قياسا على السابق .
لنعود إلى البدايات عقب حرب الخليج الثانية أدرك الحكام العرب أن ثمة " رأيا عاما عربيا " تجلى في المشاعر المتعاطفة مع العراق والمعادية للولايات المتحدة الأميركية . صحيح أن السعودية التلفزيون السعودي لم يبث خبر الاحتلال العراقي للكويت إلا بعد أيام ، مع ذلك برزت الحركة الإصلاحية السعودية بقوة ، وللمرة الأولى بدا أن ثمة رأيا عاما سعوديا ينشط علانية في اتجاه معارض للخط الرسمي للدولة المسنود بالمؤسسة الدينية الرسمية . لم يكن ثمة إنترنت ولا فضائيات لكن أشرطة شيوخ الصحوة سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهما كانت تؤطر رأيا عاما غير منقاد للسياسة الرسمية .
بدا أن ثمة من اكتشف أن الجهاز الإعلامي السعودي غير قادر على صناعة رأي عام أو التأثير فيه لا في السعودية ولا في خارجها . بعدها ظهرت إم بي سي وأوربت في محاولة لتجاوز الإعلام الرسمي غير القابل للتطور ، بسبب المجتمع المحافظ أو التخلف البيروقراطي . في الرياض لا يمكن لمذيعة متبرجة أن تقدم نشرة أخبار شيقة ولا برنامج ترفيهي يخالف الضوابط الشرعية التي قامت عليها الدولة السعودية . في لندن سبق للسعوديين أن نجحوا في تقديم صحافة مكتوبة نافست الصحافة الممولة عراقيا وليبيا .
وقع السعوديون في خطأ قاتل إعلاميا عندما أوقفوا بث البي بي سي العربي . كانت تلك المحطة لو استمرت الذراع الإعلامية الضاربة لهم . كانت المحطة تبث عن طريق أوربت وفق ضوابط تحرير البي بي سي وتمويل السعودية ، عندما قابلت البي بي سي المعارض السعودي أحمد المسعري كان بإمكان السعوديين أن يمرروا المقابلة ، ويحافظوا على المحطة ، لكنهم اختاروا أنهاء العقد مع البي بي سي ، وغدا موظفو القناة عاطلين عن العمل ، لولا أن بدا في الأفق قناة مجهولة آنذاك هي " الجزيرة " التي شكلت البداية الحقيقية للصحافة التلفزيونية في العالم العربي .
ليست شركات تعمل وفق منطق السوق ، أنها دول تتصارع على " الرأي العام " ، وهو صراع كان السبب في ظهور إذاعات ناطقة بالعربية مثل البي بي سي وصوت أميركا من قبل . ومن علامات الصحة أن تكتشف الدولة في العالم العربي أن ثمة رأيا عاما لابد من احترامه والاستماع إليه والتأثير فيه ، بموازاة رأي عام محلي يتفاعل معه.
في ظل عقلية لا تؤمن بالتعددية والشراكة في السلطة وتداولها ، لم تشرع الأبواب لمنافسة مفتوحة تنهي احتكار الدولة لوسائل البث ،وإنما تم التذاكي على الناس من خلال قطاع خاص ليس أكثر من واجهة للمؤسسات الرسمية . وحتى اليوم لا يوجد بلد عربي توجد فيه تعددية بث حقيقية . نشرة الأخبار لا تزال محكومة بعقلية البيان رقم واحد . وكل ما يريده الحاكم أن يظل الإعلام أداة سيطرة بيده لا بيد خصومه .
حتى قبل الفضائيات لم تكن صحافة المهجر تعبر عن أشواق الحرية المضرمة في قلوب المثقفين بقدر ما كانت انعكاسا للانقسام العربي على خلفية الحرب الباردة . وكل ما حصل عقب ظهور الفضائيات أن الانقسام أخذ أشكالا مختلفة . فبدلا من الصحافة الممولة ليبيا وعراقيا بمواجهة الصحافة السعودية والخليجية ، صار الانقسام قطري سعودي . ولولا التمويل الحكومي للجزيرة والعربية لما تمكنتا من الظهور والاستمرار .
ليس عيبا أن تمول الحكومات الإعلام ، فالإعلام الغربي الممول حكوميا مثل البي بي سي في بريطانيا والبي بي أس في أميركا ، أفضل مهنيا من الإعلام المنفق عليه من أموال القطاع الخاص مثل السي أن أن وسكاي ، في العالم العربي لم يتمكن حتى اليوم القطاع الخاص من تقديم إعلام إخباري مستقل . وما قدمه أكثره غثاء من الترفيه الساقط الذي يفتقر لأي قيمة إبداعية .
بالمجمل كان الإعلام العربي الفضائي الذي يعمل ولو شكلا وفق آليات القطاع الخاص أفضل من الإعلام الرسمي ، فالتلفزيون السعودي يكاد يكون كاميرا مراقبة في المطارات والقصور ، فالقادمون والمغادرون يظهرون جميعا بلا استثناء على الشاشة مع ألقابهم كاملة ، وبالإمكان تمييز نوع المقبلات على موائد العشاء الرسمية ، ذلك لا تشاهده في الفضائيات الممولة سعوديا ، الفارق يبدو أكثر اتساعا في المسألة الاجتماعية في التلفزيون الرسمي يقتصر ظهور المرأة على كونداليزا رايس والنساء المرافقات للمسؤولين الغربيين ولا تقع عينك على فتاة غير محجبة . في المقابل تحمل وسائل الإعلام الممولة سعوديا مسؤولية الكليبات المتهتكة التي تتاجر بجسد المرأة .
لتنشئ الحكومات العربية فضائيات لكن لتتحمل مسؤوليتها مهنيا وأخلاقيا ، أما القول بأننا انتهينا من مرحلة احتكار البث فذلك أمل لم يتحقق بعد ، لكنه يظل وعدا قابل للتحقق .
ثانيا : الإنترنت
بموازاة الفضائيات كانت على الأرض تقنية الإنترنت تتسرب إلى أصابع المستخدمين العرب . وإن بوتيرة أقل من الفضائيات لاعتبارات كثيرة أبرزها الاقتصاد . فالقدرة على امتلاك الحاسوب والربط على شبكة الإنترنت ظلت في البداية محدودة لكنها في السنة الأخيرة شهدت تطورا كبيرا . فمعدل أن استخدام النت في الوطن العربي أعلى بكثير منه في أفريقيا. حيث أن المعدل الأفريقي في منتصف عام 2007 كان 3.6% (ثلاثة فاصلة ستة بالمئة) بينما المعدل العربي هو 8.55% (ثمانية ونصف بالمئة). ولكن المعدل العربي يبقى أقل من المعدل الآسيوي وهو 11.8% (حوالي اثني عشر بالمئة). وكلها معدلات تقل عن المعدل العالمي البالغ 17.8% (حوالي ثمانية عشر بالمئة). وبحسب الباحث إبراهيم علوش " ثمة ثورة تنتشر ببطء وهدوء في الوطن العربي في مجال الفضاء الافتراضي. فعلى الرغم من أن معدلات استخدام الإنترنت في الوطن العربي تبقى أقل من المعدل العالمي. وعلى الرغم من انخفاض نسبة مستخدمي النت العرب من مجموع مستخدمي النت في العالم. كما يحب أن يذكرنا تقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. فإن الجانب الآخر من القصة هو تزايد استخدام الإنترنت في الوطن العربي عدة أضعاف. وفي بعض الدول العربية عشرات الأضعاف بين عامي 2000 و2007 كما تدل إحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات."
ويخلص علوش إلى أن "الفجوة في معدلات استخدام الإنترنت بين سكان الوطن العربي وسكان العالم في تقلص. لا ازدياد. وبالتالي. على عكس ما يصر عليه المتمسكون بعناد بأفكارهم المسبقة عن هامشية الإنترنت في حياتنا العربية المعاصرة. سواء كانوا من كتاب تقرير التنمية البشرية العربي أو من الذين يقبعون في الماضي. وكلاهما سواء هنا. فإن الإنترنت يتحول بشكل متزايد وانفجاري في الوطن العربي من فضاء نخبوي إلى فضاء شعبي. بكل ما يعنيه ذلك في السلب والإيجاب."
يمكن رصد البركان الذي يقبع تحت لوحات المفاتيح من خلال تجربة " المدونات " والمنتديات . فالأمر وصل بالسلطات المصرية إلى اعتقل المدونين ومن يقرأ المدونات السعودية يعرف حقيقة المجتمع السعودي أكثر مما تتيحه الصحافة المكتوبة والفضائيات . وهو ما ينطبق على المنتديات أيضا .
ثالثا : فضائيات وإنترنت
لم نعد نتحدث تقنيا عن فضائيات منفصلة عن الإنترنت ، فالمستقبل القريب يجمع ثلاثة أجهزة وخدمات في جهاز واحد . أي سيكون التلفزيون والحاسوب والهاتف الجوال جهازا واحدا ،هذا التطور ليس بسبب رغبة السلطات العربية أو الإدراة الأميركية في الإصلاح ونشر الديموقراطية ، سببه سلطان الشركات التي تتنافس على فتوحات الأسواق والوصول للمستهلكين جنيا للأرباح . وفي هذا السباق تستفيد المجتمعات المحلية حتى الفقيرة والجاهلة منها .
أنه الإعلام الجديد التفاعلي الذي يترقبه العالم ، لن تكون مدونة طالبة في بلد فقير مجرد خواطر في سطور . سيكون متاحا لها عرض صور قصصها وعرضها على أوسع نطاق ممكن . والتفاعل سيكون بالصور أيضا . لنتخيل قصة عن أزمة المواصلات التي يعاني منها طلاب الجامعات ستصور طالبة مصرية مشهدا في القاهرة ويرد عليها طالب من اليمن بصور من هاتفه النقال في صنعاء وبإمكان طالب سعودي يمتلك سيارة فارهة أن يعرض عليهما حل المشكلة باستخدام سيارته .
الإعلام الجديد ليس حلما لا يمتلك إمكانات واقعية ، أننا نشاهد إرهاصاته يوميا ، هل كان في الماضي من الممكن بث صور تعذيب من داخل السجون العربية ؟ شاهدنا صورا بثت عن سجون في السعودية ومصر . هنا أذكر ما حصل مع مكتبنا في عمان يوم تمرد السجون قبل أكثر من عام . صور المساجين مقتل أحد السجناء بالهاتف النقال وأرسلوا الصورة لنا عبر الهاتف . وبثت الصورة في الوقت الذي كان الناطق باسم الأمن العام ينفي مقتل أحد في المواجهات .
يتيح الإعلام الجديد للأفراد والجماعات فرصة منافسة الدول والشركات الكبرى ، واليوم نجد مدونات شخصية تتنافس الشركات على الإعلان فيها ، ومدونات تؤثر في الرأي العام مثل الصحف الكبرى . الأرض لم تزلزل بعد زلزالها ، لا نزال في الإرهاصات .
رابعا : الفوضى
لا شك أن الإعلام الجديد سيحدث كما حصل مع الفضائيات والإنترنت حالا من الفوضى ، كأي جديد . سنجد تحريضا و تشهيرا وتجريحا وكذبا وافتراءا اعتمادا على إمكانات غير مسبوقة ، هذا الفوضى طبيعية وسيذهب زبدها جفاء ، ويبقى في الأرض ما ينفع الناس . ولنتذكر أن اكتشاف المطبعة تسبب بحروب أهلية في أوروبا ، فنسخ الكتاب المقدس المخطوطة كانت محدودة التداول بين رجال الدين، وبفعل المطبعة أتيحت للعامة مما تسبب في انقسامات طائفية على أساس القراءات المتضاربة للكتاب المقدس .
اليوم لم تعد المعلومة ، حتى الحساسة منها ، محدودة التداول لدي الخاصة ، غدت مشاعا . وهو ما يسبب فوضى غير مسبوقة . عبرة التاريخ أن التطور لا يكون سلسا وممتعا ، بل هو صعب ومؤلم . وعلينا شعوبا وسلطات أن نتهيأ لدفع كلفة التطور حتى نجنى ثماره .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.