المجتمع الذي تنشأ فيه ظاهرة الثأر مجتمع خاوٍ من الوعي والثقافة جماعة الحوثي لا تعي ولا تهتم إلا لأطماعها الطائفية خلال مسيرة المجتمع اليمني نحو التقدم لا شك أنه واجه العديد من الصعاب والاختلالات بفعل ضغوط الأوضاع الاقتصادية وغياب التنمية الاجتماعية والصراعات السياسية وحصلت أخطاء من جميع الأطراف لكنها اليوم تشتد بفعل الحرب الانقلابية التي شنتها مليشيات الحوثي وقوات المخلوع، ولا شك أيضا أن اليمنيين جميعاً يريدون الوطن للجميع وليس لفئة أو حزب أو قبيلة واحدة، لكن الأحداث المتسارعة التي تعيشها اليمن منذ الانقلاب على الشرعية وحتى اللحظة لم تسعف الشعب لالتقاط أنفاسه؛ إذ باغتته ظواهر وسلوكيات جاهلية تفشت في المدن التي تتعرض للقتل والتدمير الممنهج، تمارسها مليشيات تنتمي إلى ما قبل الإسلام بأفعالها، لثقافة الثأر والعصبية واتهام وقتل الناس لمجرد الشبهات.
لقد لمسنا حالة من الغضب سيطرت على بعض الأشخاص تختلط بوعي المنهزم جراء موت قريب له أو تدمير منزله، وفقد الثقة بكل ما حوله، وفي سبيل فهم وتوضيح هذه الظواهر التي طفت على سطح المجتمع اليمني سعينا إلى لقاء الأستاذ عصام الديني إمام وخطيب مسجد الدعوة وأستاذ الدراسات الإسلامية وأجرينا معه حوارا يلقي بظلاله على الأحداث الحاضرة اليوم ويتفاءل من خلاله بالقادم، فإلى نص الحوار.
الثأر عادة ينتشر كردود فعل للعنف الممارس يرى كثير من المراقبين أن الظواهر التي تفشت في المجتمع اليمني خطيرة للغاية بعد الحرب التي شنتها المليشيات الحوثية على المحافظاتاليمنية وأصبح القتل أسهل من السابق فهل تؤيدون ذلك؟ الحمد لله الذي أنعم علينا بدين الإسلام وجاءنا فيه بأعدل الأحكام ونهانا عن العصبية والانتقام وأشهد أن سيدنا محمدا رسوله خير من صلى وصام وأرسى قواعد الإسلام ونشر السلام وقضى على الثأر والانتقام فقال: "إن أول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث"، بالفعل أصبحنا اليوم نسمع عن قتيل هنا أو جريح هناك تارة بالرصاص وتارة بالطعن وتارة بالربط واللعب على جسد الضحية وتوزيع ضربات الرصاص من المسدس بالجسم وكل هذا في سبيل الانتقام والثأر وقتل النفس التي حرم الله.
العنف يولد العنف هل بالفعل أن الثأر ظاهرة متجذرة في المجتمع اليمني أو أن الحرب التي شنتها المليشيات الحوثية وقوات المخلوع هي سبب انتشاره؟ الثأر والعصبية توأم لكن بدأ الثأر يتلاشى ويضمحل نوعا ما في اليمن والحمد لله كنا قد تخلصنا من كثير قضايا في هذا الجانب واندثر في أذهان كثير من الناس، ولكن للأسف الشديد أخذت هذه العادة حصتها بالكامل بل أخذت حصة الأسد بعد خروج الحوثة على الدولة والقانون والسلم الاجتماعي، وسابقا كان أصحاب الأطراف (الأرياف) يحتضنون هذه العادة وينمونها في نفوسهم ونفوس أجيالهم والغريب اليوم أن هذه العادة (الثأر) خيمت على أنفس أهل اليمن وأهل المناطق التي تعرضت لجرائم الحرب الحوثية رغم أن أهل عدن وتعز ولحج معروفون بالطيبة والسماحة والعفو عند المقدرة، لكنها اليوم (أي عادة الثأر) أخذت عند بعض الناس تنتشر كردود فعل للعنف الذي مورس عليهم من المليشيات وأنت تعرف أن ممارسة العنف بأقوى الأسلحة على الأبرياء سيولد لديهم عنفا مقابلا للذي يتعرضون له.
لا تكن إمعة كان يجب أن تنقرض تلك السلوكيات بعد دحر المليشيات وتحرير المحافظات وتولي المقاومة والجيش الوطني زمام الأمور إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، ما تفسيرك لذلك؟ نتيجة انهيار الدولة والأمن والمحاكم وأقسام الشرطة أصبحت عادة الثأر في اليمن مستشرية وأصبحت مسألة التصفيات مستمرة وربما لأتفه الأسباب هذا عندما يغيب أولا الوازع الديني وثانيا لا يقل أهمية غياب القانون والجميع يعرف الخلل الذي نتج عن اجتياح الحوثة وعفاش فقد تفككت و تدمرت أجهزة الأمن مع فترة الحرب وبعد الحرب وجدت عوائق أمام إعادة جاهزيتها للعمل.
في سياق إجابتك ذكرت مصطلح الانهزام النفسي أو الهزيمة النفسية نريد معرفة العلاقة التي تربطها بالأوضاع الحالية؟ الهزيمة النفسية تصيب أصحاب النفوس الضعيفة فالناس اليوم ينظرون للزمان والمكان نظرة ضيقة فيصيبهم اليأس والقنوط من كثرة الأحداث والفتن فتتسلط عليهم الهزيمة النفسية، وتتردد على اللسان فيحصل انتباه يتبعه تفكير، هذا التفكير يظهر على جنبات الوجه فتراه قاتم اللون ذابل الصورة فإذا تمكنت الهزيمة النفسية من الإنسان وتعمقت في أعماقة عملت شللا في كل أعضاء الجسم فيصبح الإنسان عبارة عن كتلة متحركة مهزوما نفسيا.
الثأر يهدد أمن المجتمع وهل للهزيمة النفسية علاقة تربطها بمعارك التحرير من الانقلاب الحوثي وأيضا بانتشار الثأر واخذ الناس بالشبهات، وكيف يتم ذلك؟ ليس هذا فقط ستجد من يقول لك ضاع الدين هلك الناس هزمت الأمة والإسلام يتعرض لأشد الهجمات من الداخل والخارج، سيقولون لا فائدة من حربكم مع الحوثة سلموا لهمم البلاد خلاص الكل باع لا قبل لكم للحوثة و.و.و... من هذا الكلام الانهزامي إلى آخر الضعف، ونحن لا بد أن نتفاءل بأن الغد أجمل.
لقد تركت الحرب جراحا غائرة في النفوس كما دللتم وبات آلاف اليمنيين يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي في الوقت الذي لم يسجل حتى هذه اللحظة أي نشاط من قبل المنظمات الدولية أو المحلية في سبيل تفادي حالات الثأر والعصبية والانفلات فكيف سيؤثر ذلك في المجتمع؟ كان الوضع مزريا للغاية كئيبا، خلف وراءه دمارا رهيبا في البنية التحتية والأرواح، لقد كان وضع ممزوجا بالوحشية والكراهية والحقد الدفين، وهذا كله بالإضافة إلى صحوة الثأر والعصبية سيكون له أضرار كثيرة فهو يهدد الأمن ويروع الأبرياء وينشر الخوف وبسببه ينتشر القتل، فالثأر شر مستطير ووباء خطير يشتت المجتمعات ويكدر الحياة ويمزق القلوب وليعلم كل إنسان أن المجتمع الذي تنشأ فيه ظاهرة الثأر هو مجتمع خاوٍ من الوعي والثقافة خاوٍ من الإيمان والأخلاق، مجتمع لا يمكن أن يبني حضارة.
القاضي فيها الملك المتعال كل هذه المخاطر تزرعها الجماعات المسلحة خارج الدولة كجماعة الحوثي فهل تعي هذه الجماعات أنها بتصرفاتها تلك تصنع شرخا اجتماعيا لا يندثر على الأمد القريب؟ الناظر لممارسات جماعة الحوثي يدرك أنها لا تعي ولا تهتم إلا بأطماعها الطائفية فهم أكلوا الأخضر واليابس وتركوا الأرض محترقة وأتلفوا كل أخضر فيها وأرهبوا البيوت وساكنيها وصارت الأحياء السكنية موحشة تبتلعها الأشباح وهذا يعتبر في الشرع غير مباح ولا يجوز فعله ومرتكبه ينتظر محاكمة عادلة، القاضي فيها الملك المتعال الذي لا يظلم عنده أحد.
هل تعتقد أن أعضاء أو قيادات الجماعة الحوثية وقوات المخلوع لا تعي أن الله تعالى لن يغفر لكل من قتل الأبرياء وتسبب بصحوة الثأرات والنعرات الجاهلية العصبية؟ هم لو كانوا يملكون مخافة رب العباد لما قتلوا العباد وطغوا في الأرض وإلا فخبروني بربكم عن عاقل يعلم أنه مقتول إذا قتل ثم بعد ذلك يذهب ويقتل، فأي عقل مع هذا!؟ واني من هنا أقول نداء من أخ مشفق وأدعو كل ذي عقل لبيب أن نجمع أيدينا وكلمة واحدة على محاربة التشدد والعصبية التي يزرعها الحوثيون وعفاش.
لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم أخذ الناس بالشبهات ومحاسبتهم لمجرد الشك بهم أو قتلهم والثأر منهم لمجرد أنك تمتلك سلاحا وأجهزة الدولة غائبة ما هو الموقف الشرعي من هذه الظواهر؟ نقول للذين يرتكبون مثل هذه الجرائم البشعة الشنيعة ولم تدركهم التوبة إن مأواهم النار والله سبحانه وتعالى يقول: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما"، كما قد حرم الله تعالى برسالة الإسلام الحنيف أي تعدٍ على دماء الأبرياء قال رسول الله صلى الله علية وسلم "من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله" رواه ابن ماجه وروى الإمام الترمذي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم". و يضيف: الموقف الشرعي من الجرائم التي مارستها وتمارسها الآن جماعة الحوثي والمخلوع حرام قطعا وكلمة حرام تحمل في طياتها أن جماعة الحوثي جوزوا الحرام بدخولهم وهتكهم الأعراض والأبرياء وسلب الأموال وإزهاق النفوس بالإضافة للتخريب الذي خلفوه وراءهم.
الخطوة القادمة أين دور العلماء والدعاة وخطباء المساجد في التوعية بمخاطر تلك السلوكيات العصبية والانتقامية التي تعمل على تمزيق المجتمع اليمني؟ العلماء والخطباء هم الشريحة المؤثرة في المجتمع حتى ولو كان هناك مسافات ولكن سرعان ما تذوب بالمصداقية التي يحملها الخطباء والدعاة إلى الله وستكون بإذن الله الخطوة القادمة التوعية الفعالة أكانت بالشراكة مع الساسة أو الإعلاميين والإعلام المرئي والمقروء أو المسموع هذه الثورة ضد العادة السيئة القبيحة يجب أن تتكامل حولها الجهود كي تنتهي عند كثير من الناس.
في الأخير لابد لنا أن نترك لكم مساحة لقول ما يدور في النفس دون سؤال محدد لربما هناك شيء تريد قوله؟ إن شاء الله تكون خطوة التوعية قريبة فعالة ومنتجة ولها نظرة متفائلة للمستقبل فالشعب بعد هذه الحرب أدرك من عدوه الحقيقي، ونصيحتي للعلماء والدعاة أن يقولوا كلمة حق ولو على أنفسهم فكلمة حق أمام سلطان جائر جهاد في سبيل الله، وديننا الإسلامي جاء بقوانين تحكم ما قد يحصل نتيجة انتفاء الدولة.