لا تزال الألغام التي تزرعها ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية في محافظة تعز، ثالثة كبرى المدن اليمنية، جنوب العاصمة صنعاء، تحصد أرواح المدنيين، ولا تفرق بين أطفال ونساء ورجل مُسن، في الوقت الذي لم تلتزم فيه هذه الميليشيات، أيضا، بمعاهدة حظر الألغام لعام 1997 التي انضم إليها اليمن في 1998. وتسببت الألغام الأرضية التي زرعتها الميليشيات الانقلابية في تعز كثيرا في سقوط قتلى من المدنيين والإصابات في صفوف المدنيين العُزل، إضافة إلى إعاقة عودة الأسر التي نزحت إلى خارج المدينة، قرى الحُجرية، أكبر قضاء في تعز، إلى منازلهم، بعدما عمدت الميليشيات الانقلابية إلى زراعة الألغام على الطرقات الرئيسية الرابطة بين المدينة وقرى وأرياف المحافظة، إضافة إلى زراعة الألغام في الأحياء السكنية، خاصة التي باتت قريبة من سيطرة قوات الشرعية عليها (الجيش الوطني والمقاومة الشعبية). وراح ضحية الألغام الأرضية العشرات من المدنيين جراء انفجار الألغام على مركباتهم في الطرق الرئيسية والطرق الفرعية والوعرة الرابطة بين مدينة تعز وقرى الحجرية، إضافة إلى انفجار لغم أرضي قبل أيام بسيارة إسعاف، وأصبحوا ضحايا بعدما كانوا مسعفين. وفي ال9 من أغسطس (آب) الماضي، قتل 11 مدنيا بينهم 7 أطفال، بألغام مضادة للمركبات في مديرية الوازعية، غرب تعز، ومن ضمنهم طفلان بعمر ال4 أعوام. وبينما لا تزال الأرقام الإجمالية لعدد ضحايا الألغام في محافظة تعز غير متوفرة، في الوقت الذي لم تستطع فيه «الشرق الأوسط» الوصول إلى رئيس الفريق الهندسي جراء عمله في الميدان، فقد ذكرت «المنظمة الوطنية لمكافحة الألغام»، شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أن الألغام الأرضية قتلت 18 شخصا على الأقل وأصابت أكثر من 39 في محافظة تعز بين مايو (أيار) 2015 وأبريل (نيسان) 2016، حيث إن كافة الوفيات ال18 الموثقة، باستثناء 1، ناتجة عن الألغام المضادة للمركبات، في حين أن 9 من 11 إصابة دائمة ناتجة عن الألغام المضادة للأفراد. كما وثقت المنظمة أن الألغام الأرضية في تعز قتلت 5 أطفال، وتسببت بإعاقات دائمة لأربعة، وأصابت 13 آخرين. وقال الناشط الحقوقي محمد سعيد الشرعي، من أبناء تعز، في تصريح ل«الشرق الأوسط» إن «ميليشيات الحوثي وصالح، تواصل زراعة الألغام في مناطق التماس مع المقاومة الشعبية في ضواحي مدينة تعزوجنوب وغرب المحافظة، وما زالت هذه الألغام تحصد أرواح المدنيين وأيضا قوات الشرعية». وأضاف أنه «قبل ثلاثة أيام، قتل شخصان وأصيب ثلاثة آخرون في انفجار لغم بسيارة إسعاف في قرية ماتع بمنطقة حذران غربي مدينة تعز، كما أودت الألغام الحوثية خلال الأسابيع الماضية بحياة مدنيين في ريف الصلو وحيفان ومقبنة والوازعية». بدوره، قال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة في «هيومن رايتس ووتش»، في تصريح صحافي سابق، إنه «باستخدام الألغام الأرضية، تُظهر قوات الحوثيين وحلفاؤها قسوة بالغة تجاه المدنيين»، داعيا «الأطراف المتحاربة في اليمن إلى التوقف فورا عن زرع الألغام، وتدمير أي ألغام بحوزتها، وضمان عمل فرق نزع الألغام دون عوائق حتى يتسنى للأسر العودة إلى بيوتها بسلام». ويأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية القصف المستمر على أحياء المدينة وقرى وأرياف المحافظة، مع الدفع بتعزيزات عسكرية إلى مواقعهم في محيط المدينة بما فيها «الألغام الأرضية»، لتواصل جرائمها في زراعة الألغام في المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرتها، ما يسبب مخاطر جمة على المواطنين العُزل، بينهم النساء والأطفال، ويعيق تقدم قوات الجيش والمقاومة الشعبية. واستهدفت الميليشيات الانقلابية بقذائفها قرى مديرية مقبنة، غرب تعز، وبشكل خاص منطقة البهلول في مدينة البرح، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى من المدنيين إضافة إلى الخسائر المادية، في محاولة منها من خلال التغطية النارية للتقدم إلى مواقع الجيش والمقاومة، الأمر الذي قوبل بتصدي هذه الأخيرة للميليشيات. كما أعلنت قوات الجيش والمقاومة تصديها لمحاولات الميليشيات الانقلابية في جميع جبهات القتال وتكبيدهم الخسائر البشرية والمادية بعد مواجهات عنيفة وأجبروهم على الفرار، حيث شنت الميليشيات هجومها عنيفة على منطقة الشقب في صبر، شرق المدينة، في محاولة لتحقيق تقدم والوصول إلى مواقع المقاومة والجيش في حصن القبة ومزعل وأبطال دبة ووثيب والحبيل يرودن، وتم التصدي لهم ودحرهم، بحسب مصدر ميداني ل«الشرق الأوسط». وحول سير المواجهات في جميع جبهات القتال بتعز، قال اللواء الركن خالد فاضل، قائد محور تعز: «ما زالت المواجهات مستمرة في الكثير من الجبهات القتالية، وما زالت الميليشيات تصعد من هجماتها وقصفها للمدينة وللجبهات سواء أيام الهدنة التي لم تلتزم بها أو في أي وقت في صورة واضحة تجسد استمرارية معركتها الدموية والتدميرية للوطن والمواطن». وأضاف، بحسب ما نقل عنه «المركز الإعلامي لقيادة محور تعز»، أنه «رغم همجية الميليشيات الانقلابية وتعنتها فإن ذلك يعطينا حافزا للاستماتة في معركتنا، معركة استعادة الدولة واستعادة كرامة الشعب وحقوقه وحرياته واستعادة الشرعية الدستورية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ضد أولئك وضد انقلابهم وممارساتهم بحق المدنيين». وعلى الصعيد الداخلي للمدينة، أوضح قائد محور تعز أن «العمل قائم على قدم وساق للدفع بعجلة الاستقرار الأمني والمجتمعي إلى الأمام وسيواكبه تعزيز الدور بشكل تسلسلي عبر مراحل وخطوات ستشكل محطة انطلاق لتفعيل الأمن والمؤسسات الحكومية لتثبيت مفاهيم الدولة وترسيخ الأمن وسد الثغرات والعوائق التي تحول دون تثبيت ذلك». وعلى صعيد متصل، أكد مجلس تنسيق المقاومة الشعبية في محافظة تعز أن «المجلس سيمضي يؤدي دوره بكل جهد، حتى تتحرر المحافظة وتستقيم الأوضاع داعما للسلطة المحلية، وليس بديلا عنها، وكذلك سيمضي مساندا للجيش الوطني في كل مهامه الوطنية». وتابع: «لقد أدى مجلس تنسيق المقاومة دورا فعالا رغم المشاق والصعاب، ويكفي أن نعرف أن المقاومة في أول أمرها كانت محصورة في شارع جمال وبدائرة ضيقة حوله. ولكن بفضل الله، ثم بصمود الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ومساندة دول التحالف العربي مضت الانتصارات تتوالى، رغم شحة المال والعتاد، أمام ما هو مطلوب، حتى غدت مدينة تعز محررة اليوم إلا جزءا محدودا في أقصى شرق المدينة». ودعا أبناء تعز إلى «عدم الانجرار للمهاترات الإعلامية التي تنحرف بالبوصلة عن الهدف الحقيقي للمقاومة لصالح مشاريع ضيقة»، كما دعا الرئيس هادي والحكومة إلى «تبني قضايا الجرحى وأسر الشهداء وسرعة استكمال دمج المقاومة الشعبية في الجيش والأمن، وكذا سرعة ترتيب وضع مرتبات موظفي الدولة». وناقش المجلس التنسيقي، في اجتماعه الدوري برئاسة وكيل المحافظة، الشيخ عارف جامل، نائب رئيس المجلس، وحضور قائد عمليات المحور المقدم، عدنان رزيق، قضايا جرحى تعز والاختلالات الأمنية في المحافظة. وعلى الصعيد ذاته، أهابت للجنة الطبية العليا في تعز بجميع الجرحى في المحافظة، الذين لم يتقدموا للكشف عنهم خلال الأيام الماضية، أنه تقرر تمديد عمل اللجنة المكلفة بالكشف عن الجرحى المقر إرسالهم للعلاج في تركيا، ليومين إضافيين هما الخميس والسبت 26. 28 أكتوبر (تشرين الأول) من الشهر الحالي، وذلك في مقر عمل اللجنة، بهيئة مستشفى الثورة العام، مؤكدة أنه ينبغي على «الجرحى الراغبين في مقابلة اللجنة، إحضار تقاريرهم الطبية، وصورة من وثائقهم الشخصية، والتوجه شخصيا إلى مقر عمل اللجنة في الفترة المحددة». يأتي ذلك بعد انتهاء الهدنة الأممية في اليمن المقررة ب72 ساعة السبت في تمام الساعة 11:59 بتوقيت اليمن٬ خرقت فيها ميليشيات الانقلاب وقف إطلاق النار منذ الدقائق الأولى مع منعها فتح منافذ تعز أمام المنظمات الإنسانية والمساعدات لأهالي تعز٬ بما فيها منع وفد اليونيسيف الدخول إلى المدينة٬ وسط مساع أممية لتمديد الهدنة. وحققت قوات الشرعية خلال ال48 ساعة الماضية، تقدما كبيرا في جبهات القتال بعد مواجهات عنيفة مع ميليشيات الحوثي والموالين لها من قوات المخلوع صالح الانقلابية، وأعلنت تقدم جديد في جبهة الضباب في الربيعي٬ غرب مدينة تعز٬ وسيطرتها على تباب موكنة وقرية موكنة في أطراف منطقة الربيعي٬ الأمر الذي من شأنه سيساعد على تأمين غرب جبل هان الاستراتيجي التي تستميت الميليشيات الانقلابية في استعادته٬ وكذا شرق جبل المنعم والخلوة وتأمين تبة الصياحي.