مثلما بدأت الحرب في صعدة، انتهت، أو هكذا أعلن. وبالغموض ذاته الذي اندلعت فيه أول مواجهات مسلحة بين قوات الجيش وأتباع الحوثي، قبل ثلاث سنوات، وتجددها لأربع مرات متتالية، يكتنف ذات الغموض ملابسات إنهاء هذه المواجهات، مطلع الأسبوع الحالي. الحقيقة الوحيدة التي يعلمها الجميع أن حرباً شرسة دارت رحاها في محافظة صعدة، طيلة خمسة شهور مضت، مخلفة وراءها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى -جنوداً ومدنيين- الى جانب ما أحدثته من دمار ومآسٍ كلفت -فضلاً عن الخسائر البشرية- مليارات الريالات التي صرفت على هذه الحرب ومولتها من خزينة الدولة. خمسة أشهر وعجلة الموت تدور هناك في جبال مران، دون أن يعلم أحد -أحزاباً ومنظمات ومواطنين عاديين- سبباً معيناً لذلك، في ظل تكتيم إعلامي شديد، وفرض سياج منيع حوَّل محافظة الى ساحة مغلقة لمعركة مفتوحة. وفجأة، أعلن الطرفان المتصادمان إنهاء المواجهات على القاعدة المرورية الشعبية "كل واحد يصلح سيارته". وإن كانت دولة قطر هي التي أصلحت "سيارات" الطرفين وأوضاعهما أيضاً، بهدف حقن دماء اليمنيين التي لم يعرها طرفا النزاع أي اعتبار، ولأن الهدف من الحرب هو استثمارها -أو هكذا يبدو- فإن المغريات القطرية كانت كفيلة بإعلان الطرفين وقفهما الحرب دون أية اعتبارات أخرى. وببيان ركيك صادر عن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية، أعلنت الحكومة تعليق العمليات العسكرية، قابله الطرف الآخر ببيان مختصر رحب فيه الحوثي بإنهاء الحرب. هكذا، وبكل بساطة، تحاول السلطة طي ملف الحرب دون حسيب أو رقيب. فقط، كل ما على قادة الحوثيين التوجه، معززين مكرمين، الى الدوحة، ليهنأوا بطيب الإقامة، ويعود مقاتلوهم الى مناطقهم وقراهم التي سوف تعيد قطر إعمارها. وما على الجيش سوى سحب قواته والعودة الى المعسكرات، مقابل صندوق مالي توعدت قطر بدعمه. أي أن القتال كان سببه المال، والمال فقط. ونحن هنا بالطبع لانعترض على إنهاء المواجهات وإيقاف شلال الدم اليمني النازف، وهو مطلب كل وطني غيور. لكننا نتساءل، ومعنا أسر قتلى الجنود، وكذلك أهالي الضحايا من مواطني صعدة: لماذا قامت الحرب؟ وكيف تنتهي دون أن يعاقب مسببوها من أي طرف كانوا؟ من يتحمل وزر ضحايا المواجهات؟ ومن هم مجرموها؟ ما حصل في صعدة لم يكن حرب عصابات تندلع وتنتهي بناءً على صفقات وحسابات الربح والخسارة. وهي أيضاً ليست حرباً قبلية حتى تنتهي بصلح كهذا. إنها حرب بين دولة مركزية ومواطنين تدعي السلطة أنهم خرجوا عنها، ولابد أن يعرف الشعب من المتسبب الحقيقي في ما حصل، خاصة في ظل اتهامات رددت كثيراً عن تدخلات إقليمية ودولية في دعم طرفي الحرب. مثل هذه النهاية السعيدة فقط لطرفي الحرب، لاتعني شيئاً سوى الاستهانة، وسوى التفريط بأرواح أبناء القوات المسلحة والمواطنين معاً، والزج بهم في مواجهات دون سبب مبرر لذلك. كما أن نهاية كهذه تشجع على اندلاع مزيد من الحروب، سواءً في صعدة أو في محافظات أخرى. تجار الحروب ومثيروها يجب أن يقدموا للمحاكمة وفقاً لدستور البلد وقوانينه النافذة. إنهاء الحرب كان مطلباً ملحاً دعا إليه الجميع، ولكن ليس على قاعدة "الإسلام يجب ما قبله". إعلان قرارات العفو العام ليس من حق أحد، حتى وإن كان رئيس الجمهورية؛ كون القضاء هو الجهة المخولة بإصدار الأحكام بالبراءة أو الإدانة، وفق معطيات وأدلة قانونية واضحة، وليست ارتجالاً. أسلوب تعامل السلطة في صناعة الحروب وإنهائها، يجب أن يتغير؛ كونها سبباً رئيسياً وراء تجدد الحروب والنزاعات في البلد. وما انتهت إليه حرب صعدة الرابعة عامل مشجع بالنسبة لتجار الحروب في السلطة أو المواطنين المتمردين عليها، لخلق مواجهات مشابهة في مختلف مناطق الجمهورية. اسستثمار الحروب عمل غير وطني. والمتاجرة بدماء المواطنين، سواء من أبناء القوات المسلحة أو المدنيين، جريمة كبرى يجب أن يحاسب عليها مرتكبوها كي لايستمر الشعب بدفع فواتير حرب مصطنعة. [email protected]