عشر سنوات من العش والغرام واليوم فجأة ورقة طلاق    إصلاح الكهرباء: الاقتصاد لا يبنى في الظلام    هل هما شخص واحد.. الشبه الكبير بين البغدادي والشيباني    حكايتي مع الرئاسة التلالية الأولى (2-2)    دراسة صادمة: "تشات جي بي تي" يوجه المراهقين إلى سلوكيات خطيرة وانتحارية    إيطاليا تعطي الضوء الأخضر لمشروع ب5،15 مليار دولار لبناء أطول جسر معلّق في العالم    يوليو 2025 يدخل قائمة الأشهر الأشد حرًا عالميًا    جهد إعلامي متكامل.. "ثمانية" تنقل بطولات الكرة السعودية حتى 2031    لهايات للبالغين تنتشر في الصين لتخفيف التوتر والإقلاع عن التدخين    "أكسيوس": اجتماع أوكراني أمريكي أوروبي يسبق قمة بوتين ترامب    وزارة الثقافة والسياحة تنعي الشاعر والباحث والناقد كريم الحنكي    مركزي عدن المحتلة يغرق السوق بعملة جديدة وسط اقترابه من الإفلاس    إذا أقيل الشاعري فعلى كل جنوبي ان يستعد لحلاقة رأسه    حان الوقت للفصل بين الهويات اليمنية والجنوبية    بيت هائل.."نحن الدولة ونحن نقود البلد وهم يتبعونا!!"    لا قوات التحالف و وزارة الدفاع تستطيع الدخول إلى وادي حضرموت    وزراء خارجية 5 دول يرفضون خطة إسرائيل احتلال غزة    تير شتيجن يستعيد شارة القيادة    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    الترب يعزّي في وفاة الشاعر والأديب كريم الحنكي    إيران.. ونجاح صفقة S-500 ودورها في تغيير موازين القوى (2)    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    المدينة التي لن تركع (2): مأرب.. من جبهة مقاومة إلى نموذج دولة    هل يحذو محافظو محافظات الجنوب حذو المحافظ لملس في دعم المعلمين؟    العديني:تحويل مسار الخطاب الإعلامي بعيدًا عن مواجهة الانقلاب يصب في مصلحة المليشيا    رسميا: بوتافوغو البرازيلي يضم الحارس المخضرم نيتو    السهام يكتسح النور بخماسية في بطولة بيسان    وديا ... تشيلسي يتخطى ليفركوزن    السعودية ومصر ترفضان احتلال غزة وتطالبان بوقف الإبادة في القطاع    مأرب تحتضن العرس الجماعي الأول ل 260 عريساً وعروس من أبناء البيضاء    وفاة ستة مواطنين بينهم نائب رئيس جامعة لحج في حادث مروّع بطور الباحة    السامعي يوجه رسالة شكر وتقدير وعرفان لكل المتضامنين معه ويؤكد استمراره في أداء واجبه الوطني    مقتل ضابطين برصاص جنود في محافظتي أبين وشبوة    مستشفى الثورة… حين يتحوّل صرح العلاج إلى أنقاض    وزير التجارة يكشف أسباب تعافي الريال ويؤكد أن الأسعار في طريقها للاستقرار(حوار)    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى رحيله السابعة والثلاثين تقرير عن «حال الأمة» إلى روح جمال عبد الناصر
نشر في الوحدوي يوم 28 - 09 - 2007

في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر السابعة والثلاثين، لا يملك العربي الذي عاصره، أن يتجرد من مشاعره الحميمة، فيخشع القلب، وتهرع الذاكرة بحثاً عن صدى صوته. ويستعيد الفلاحون والعمال والفقراء والمقاومون والمقاتلون أيام العزة والشموخ، والغضب لكرامة الأمة، والانتفاض ضد الاحتلال والمهانة، في زمن لم يعد يغضب فيه أو ينتفض إلا قليل من الحكام والحكومات!
القاتل والمقتول.. تصالحا مع العدو
رحلت في 28 أيلول 1970. كنت قد دعوت لمؤتمر قمة عربي طارئ لوقف نزيف الدم الفلسطيني في الأردن. فقد أفزعك أن العربي يقتل عربياً، وأن حكماً عربياً يدير مجزرة ضد الفلسطينيين الذين يقاتلون لتحرير وطنهم واستعادة حقوقهم.. كنت مريضاً، لكنك لم تقعد عن المهمة، ونهضت لوقف حمام الدم الفلسطيني وللمصالحة بين ملك ورئيس منظمة. وحين فرغت كنت قد أرهقت، فقتلتْ. توقف قلبك عن الخفقان، قتلوك، وعادوا ليسيروا في جنازتك؟!
مت قهراً، وأنت تدافع عن حرمة الدم العربي أردنياً كان أم فلسطينياً، ولكن وجه المفارقة أن المتقاتلين: القاتل والمقتول كليهما ذهبا إلى العدو، وتصالحا معه، فكانت وادي عربة وسبقتها أوسلو؟!
وفي المكان الذي ذبح فيه فلسطينيون، وقتل أردنيون، تقوم سفارة لعدونا وعدوك الإسرائيلي! في حين يقوم الرسمي الفلسطيني بالتنسيق والتفاوض مع هذا العدو وتحت مظلة احتلاله. ولعلنا نذكر أن بعضاً ممن تسببوا بموتك عام 1970 كانوا قد سددوا طعنة إلى قلبك في 28 أيلول 1961، حين دعموا جريمة الانفصال، لفصل سورية عن مصر. فمهدوا للانقلابيين ودعموهم، ومدوهم بأموال الآخرين، كي يجهزوا على حلم العرب في الوحدة. إنها مفارقة قدر أليمة، أن تجتمع كارثة رحيلك عام 1970، مع ذكرى طعنك في القلب عام 1961، ومفارقة تثير الشجن والغضب أن تكون اليد السوداء نفسها وراء الفعلين!
(الفلسطيني) قوض الثورة
حماية للثورة الفلسطينية أسمعت الصديق والعدو، والمتضامن والمتآمر، أن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى. لكن الثورة قوضت من داخلها، فعقد من يقفون على رأس منظمة التحرير صفقة سرية في أوسلو، ثم وقعوها في البيت الأبيض، وارتموا في أحضان واشنطن. واليوم فإن الفلسطينيين هم الذين يقتلون بعضهم، ولا يقتلهم سواهم إلا العدو الإسرائيلي.
إن الفلسطيني مفجر الثورة، أصبح الآن يشيد سجوناً، ويبني أجهزة أمنية، كي تعتقل المقاومين، وتصادر أسلحتهم تحت رايات الاحتلال!
تراجعت القضية الفلسطينية، وبدأت حقوق شعب فلسطين في وطنه تتآكل، بعد أن أمسك بمفاتيحها خلية نائمة، استيقظت مع المد الأميركي، لتحوّل القضية إلى مسألة علاقات عامة، وليصبح الوطن أو ما تبقى منه، أجزاء مقطعة، ولتغرق القدس في الاستيطان، ولتصبح قضية اللاجئين مجرد مسألة إنسانية مؤجلة، يسهل حلها والتفريط فيها.
اختطاف النصر من صانعيه
كأنك ترحل اليوم. فقد كان مأساوياً أن ترحل، بعد أن أعددت جيش مصر وتعمّد بنار حرب الاستنزاف، وأصبح جاهزاً لمعركة التحرير. فجاء خليفتك ليخطف النصر، ويحوله إلى هزيمة، وليخطف مصر من العرب، ويهدي غزة وحقوق الفلسطينيين إلى الانتظار، أو الحكم الذاتي، ثم يؤسس لمرحلة الانكفاء الإقليمي في معظم بلدان العرب.
أصبح في القاهرة سفارة لإسرائيل على بعد كيلو مترات من ضريحك، وصارت سيناء مجردة من السلاح ومحكومة برقابة قوات متعددة الجنسية؟! وأسس خروج مصر من معركة العرب القومية، لأخطر تحول سلبي في حياة الأمة في تاريخها الحديث، فجاءت الكوارث متلاحقة في أكثر من مكان في الأرض العربية.
الدور القومي خارج الحدود
عندما أرسلت جيشك إلى (اليمن) عام 1962 لامك كثيرون، وانتقدك كثيرون في الداخل والخارج، لكن نصرتك لثورة هذا البلد العربي، نقلته من زمن العصور الوسطى إلى الزمن الحاضر، وجعلت جيشك العربي يقف في مواجهة عن قرب مع قوات الاحتلال البريطاني بجنوب اليمن آنذاك، ما شد من عضد الثوار هناك، وعجل في اندحار بريطانيا العظمى وخروجها من عدن. وأصبح مدخل البحر الأحمر في قبضة العرب من جهتيه جنوباً، ونقل المد القومي العربي إلى قلب الجزيرة العربية التي كانت كل أطرافها محتلة ومستعمرة. ولذا قاتلك الأعداء والمتخلفون، أعلنوا الحرب عليك، وعلى أمتك، وشاركوا بحقد في الحصار الاقتصادي المفروض على مصر. أرادوا النيل من الشعب الذي يقف معك من خلال تجويعه، وفرض الحصار عليه، فكانوا في جهة واحدة مع الأعداء والطامعين بمصر والعرب، والأكثر غرابة واستهجاناً، أنه بعد أن توحد شطرا اليمن في دولة واحدة، رأينا من يدعم انفصال الجنوب عن الشمال. وبعد قيام مجلس التعاون الخليجي الذي يضم دول الجزيرة العربية، رأينا أنه بدلاً من أن تفتح أبواب العمل في دول هذا المجلس أمام العمالة اليمنية، فإن هذه الأبواب تغلق في وجهها، ليعمل في جزيرة العرب (17) مليون آسيوي، في حين اليمن يعاني من البطالة، إضافة إلى (25) مليون عربي عاطلين عن العمل؟. ويبرر العرب الخليجيون هذه المفارقة بالسبب الاقتصادي(!) . أما خزائن العرب اليوم فعامرة، وتعاني من تخمة وطفرة مالية، فيشترون السلاح بالمليارات، ويتدربون عليه حتى يصدأ، فيستبدلونه، وبما تبقى فإننا نستثمر الموانئ في الغرب، ونشتري العقارات، والشركات المتعثرة، والمصارف الشهيرة. أما عشرات الملايين من فقراء العرب، فيتركونهم للبركة، ونيل الحسنات وإلا لمن يقدمون زكاة أموالهم؟
العراق والكويت
عندما أعلن عبد الكريم قاسم عزمه على ضم الكويت، استعد البريطانيون للعودة إليها، لكنك بادرت إلى إرسال قوات مصرية لترابط على الحدود بين البلدين، وأعلنت موقفاً قومياً صريحاً، فلم يجرؤ قاسم على تنفيذ تهديده، وما وجدت بريطانيا سبباً لعودة قواتها، فحميت العراق والكويت معاً.
لكن ما حدث بعد رحيلك أن دخول العراق إلى الكويت تسبب في حربين كبيرتين، دمرتا العراق والكويت معاً، والعراق المحتل اليوم تحول إلى طوائف وعشائر، ويريدونه فيدراليات أيضاً، ويسقط العشرات والمئات من أبنائه كل يوم. في حين قوات الاحتلال تمعن فيه قتلاً واعتقالاً وتمزيقاً، والعرب صامتون متفرجون! وكأنه بعد أن أُخرجت مصر من معركة الأمة، كان مطلوباً أن يسقط العراق تحت الاحتلال، كي تبقى سورية وحيدة تقاوم وتمانع، ومعظم العرب الرسميين صامتون متفرجون! إن لم يكن بعضهم منحازاً وبشكل سافر إلى الجهة المعادية الغازية.. والأكثر غرابة- أيها الراحل العزيز- أن كل حاملات الطائرات والبوارج والغواصات، التي دمرت العراق وأهله، مرت علانية من قناة السويس. وأن البحر الأحمر الذي حرصت على حمايته وحرمان الأعداء من مياهه، صار بحيرة أميركية إسرائيلية ترهب العرب وتوجه قذائفها إليهم في أي وقت تشاء وبعض حكامنا كأنهم ليسوا هنا! ويتحدثون اليوم في العراق عن فرق الموت من المرتزقة الإسرائيليين، وعن الموساد الإسرائيلي الذي يعيث فساداً وقتلاً في العراق، مستهدفاً العلماء وأساتذة الجامعات، ومؤججاً للفتنة الطائفية. كما أن الشركات الإسرائيلية تؤسس لمشاريعها منذ بعض الوقت في الشمال العراقي، وفي أماكن أخرى من هذا البلد العربي المحتل والمقاوم في آن.
لبنان وشمعون وزنادقة الحاضر
في أواخر خمسينيات القرن الماضي، انحاز كميل شمعون رئيس جمهورية لبنان آنذاك، إلى حلف بغداد، ومبدأ أيزنهاور ضد العرب والعروبة. وجلب قوات المارينز إلى بيروت، فهب أهل بيروت وطرابلس والبقاع والجبل والجنوب إلى الثورة. وكنت معهم، قدمت لهم النصرة والدعم، فانكفأ المارينز والمشروع الأميركي. وجاء اللواء فؤاد شهاب رئيساً، والتقيت به على الحدود بين سورية ولبنان، لتوطد هوية لبنان العربي.
وقبل أكثر من عام من الآن جرت معركة مجيدة، تصدت فيها المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله لمحاولة غزو واقتحام إسرائيلية فأحبطتها. وجرت مبارزة قل نظيرها بالإرادة والصواريخ. فقصف المقاومون مستوطنات العدو ومواقعه العسكرية والمدن المحتلة. وشهدت الأراضي اللبنانية المتقدمة مجزرة للدبابات الإسرائيلية التي مزقتها صواريخ المقاومين الأبطال. فأسقط في يد العدو، وفقد توازنه، ولحقت به الهزيمة، في زمن الاحتلال الأميركي للعراق، لكن المفاجأة أن بعض حكامنا تحفظوا على هذا النصر المبين، ورأوا فيه مغامرة، وكأنه ليس من حقنا أن ننتصر، أو لكأنه ممنوع علينا الانتصار، في وقت كانت فيه جماهير الأمة تنتشي بهذا النصر العظيم.
وبعد النصر المؤزر وقبله، نزل المال السياسي والعقاري والنفطي إلى أسواق لبنان وحاراته، لتزوير الإرادة، وتغيير الهوية، وخرج إلى السطح زناديق (الحرب الأهلية) ومجرمو الانعزالية، وقاطعو الطرق، حتى أوشك لبنان يتحول إلى مستعمرة أو قاعدة أميركية، يتحكم في شؤونه مندوب سام أميركي برتبة سفير.
إنهم يريدون لبنان منصة لصواريخ تطلق نحو سورية، ويريدون نزع أسلحة المقاومة لضمان أمن إسرائيل واحتلالها. لكن قوى المقاومة الوطنية والعربية لا تزال صامدة وتقاوم، ولن تسمح لأحد أن يغرق لبنان في المستنقع الأميركي الإسرائيلي.
إفريقيا عرباً وأفارقة
لن أتحدث عن نصرتك لثورة الجزائر، ومدها بالسلاح والمال ودعمها سياسياً ولوجستياً، فقد كنت تعتبر ذلك واجباً قومياً. وقد دفعت ودفع معك شعبك ثمن هذا الدعم، حين شاركت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولن أفيض في الحديث عن نصرتك لاستقلال المغرب ومناصرة ملكها الأسبق محمد الخامس. ولا عن دعمك لاستقلال تونس وموقفك في بنزرت في مواجهة القوات الفرنسية. وبعد انتصار ثورة الجزائر يذكر لك التاريخ أنك أرسلت قوات ومدرعات مصرية لترابط على حدودها مع المغرب لمنع الاشتباك بين البلدين. كذلك لن أغفل نصرتك لثورة ليبيا واحتضانها، وتحرير الأرض الليبية من القواعد الأجنبية.
ولكن أين إفريقيا العربية اليوم؟. إن الدول (المغاربية) تتحرك في فضاء غير عربي، منكفئة إقليمياً، تبحث عن مصالحها الاقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة، ولا تبدو مهتمة كثيراً بالشأن العربي القومي. بل إن الحدود المغربية الجزائرية لا تزال مغلقة منذ سنين طويلة!.
أما الحدود السياسية مع إسرائيل فمفتوحة!. إذ هناك مكاتب تمثيل إسرائيلية وصلات مع إسرائيل في بلدين (مغاربيين) على الأقل؟ أما موريتانيا (أرض الرباط) وبلد المليون شاعر، فقد أقامت علاقات دبلوماسية مباشرة مع إسرائيل، وأصبح للأخيرة سفارة في نواكشوط، تقابلها سفارة (موريتانية) في تل أبيب؟! أما ليبيا فقد أعادت تلوين رقعتها على الخارطة الإفريقية، واتجهت إفريقياً. أما السودان العمق والمدى الاستراتيجي لمصر، فقد كان منيعاً وآمناً وعصياً على التآمر. ولم يكن مهدداً بأي خطر حقيقي وشيك، أما اليوم فإن السودان يقف في عين العاصفة، وليست مشكلة انفصال الجنوب عنه هي ما تهدده وحسب. بل لقد افتعلوا له مشكلة دارفور، وغذوا العصبيات القبلية والإثنية، ودعموا المتمردين وسلحوهم لأنهم يريدون تمزيق البلد، وسلب خيراته الدفينة. ومعظم العرب صامتون يتفرجون! وكأن السودان لا يمكنه أن يكون سلة الغذاء العربي كله، ولا يشكل القلب العربي في جسد إفريقيا.
ولعلنا نسأل بحسرة: أين الدور العربي الفاعل في حماية وصيانة استقلال السودان ومنع التدخل في شؤونه؟
وإذا كان الهم القومي العربي شاغلك وشاغل شعب مصر العربي في دعم أهلنا في إفريقيا العربية، فإنك لم تتردد في دعم تحرر الأفارقة من غير العرب، ومن منا ينسى سيكوتوري ونكروما ولومومبا؟ من منا لا يذكر كيف وقفت بعزم وتصميم في دعم نضال شعوب إفريقيا وثوراتها من أجل التحرر والاستقلال، والقضاء على الاستعمار القديم، والهيمنة الغربية على هذه القارة العظيمة. لقد دعمت بثبات كل ثوراتها، وناصرت النضال ضد الحكم العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا وزيمبابوي (روديسيا سابقاً). ولم تكن تقدم (هبات وحسنات) ولا (مال زكاة)؟ بل كنت تدعم حروباً ملتهبة من أجل الحرية والاستقلال. وعندما ناصرت الكونغو ودعمت رئيس وزرائها الوطني (لومومبا)، وأرسلت قوات من الصاعقة المصرية إلى هناك، لم يفهم البعض الرسالة، لكنها كانت واضحة في إشارتها إلى دور مصري عربي إقليمي مؤثر. صحيح أنهم انقلبوا على لومومبا، ليقتله البلجيكيون اغتيالاً. إلا أنه بقي في ذاكرة الجميع أن هناك قوة إقليمية مصرية عربية تحمي أماني إفريقيا في الحرية والاستقلال، وتأخذ بيدها إلى الحياة الحرة الكريمة.
هل نذكر أن دول إفريقيا مجتمعة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بعد عدوان حزيران عام 1967، وهل نسأل: ما مواقع إسرائيل في القارة السمراء الآن؟ وماذا تفعل في إثيوبيا؟ وأي دور فاعل بقي للعرب في القارة؟
الدول والدور
في تجربة ثورة 23 يوليو/ تموز القومية التي قدتها، قدمت النموذج والمثال للدور الإقليمي والدولي الذي تضطلع به الدولة (القومية). وقد أثبت أن الزعامة والدور، لا ينطلقان من كتلة مالية هائلة، ولا من انحياز للقوة الدولية المسيطرة، وإنما ينهضان من إيمان بالشعب وآماله وأحلامه والانحياز لها، والانطلاق منها إلى الأفق الإنساني. لقد كنت فقيراً، لكنك اغتنيت بالدور الوطني والإنساني، وقد كنت أغنى أغنياء زمنك بالعطاء والتضحية. ولقد أثبتت مصر في ظل ثورة يوليو/ تموز وقيادتك أن البترول والمال المتراكم، والصدقات والحسنات لا تصنع زعامة، ولا تؤسس لدور، وأن التخلف والعقل الماضوي لا يصنعان ريادة، بل يشدان الأمة إلى الخلف. ويدفعان بها إلى التبعية، والوقوع تحت هيمنة القطب العالمي المسيطر.. كما أثبتّ أن (الإقليمية) والتقوقع (القطري) لا يصنعان دوراً ولا زعامة. وإن أي قطر مهما بلغ غناه، لا يمكن أن يؤدي دوراً تاريخياً، ما لم ينخرط في مسيرة الأمة وأمانيها وآمالها. شرط أن يكون مستعداً للتضحية، كما ضحت مصر، وشرط ألا يكون خائفاً رعديداً مرتعد الفرائص!. لقد بلغ من ضعف بعض حكامنا أنهم يرون الكارثة تحل في بلد عربي آخر، فيعتبرون ذلك (شأناً داخلياً!) لا يتطلب تدخلاً أو دعماً أو مساندة، وعلى النقيض من ذلك، فإن بعض حكامنا جعلوا من رئيس حكومة العدو شريكاً نتشاور وننسق معه في أمور تخصّنا، فيقاسمنا الزاد والتخطيط لمستقبل المنطقة. ولم يعد ينقصنا إلا أن يقترحوا علينا قبول (إسرائيل) عضواً مراقباً أو مشاركاً أو استشارياً في جامعة الدول (العربية)!. إن كل ذلك يجري ومعظم بلدان العرب محتلة، باحتلال عسكري مباشر أو مستتر أو باحتلال سياسي، يجعل من الأهداف الأميركية في المنطقة أهدافاً محلية لحكومات الدول المحتلة سياسياً.
إنهم يقتلونك كل يوم
الذين قاتلوك وحاصروك وتآمروا عليك ما زالوا يقتلونك كل يوم في زمانك كانوا يتخفون وينكفئون!. لكنهم بعد رحيلك خرجوا إلى الساحة، كأنهم بقية نسل مسيلمة الكذاب. فجعلوا الخيانة وجهة نظر، والتفريط بالأرض والعرض واقعية سياسية وحكمة قيادية. إنهم يجأرون بالباطل وكأنه حق. ويروّجون للاستسلام، وكأنه انتصار!.
لقد كانوا يخافونك فينزوون! ومازالوا حتى الآن يرونك في أحلامهم (كوابيس)، لذا فهم يصرون على قتلك كل يوم. حتى يتأكدوا من رحيلك، وكي يرتوي غل حقدهم الأسود.
إننا نشاهد فضائيات ونقرأ صحفاً ومجلات كثيرة، وجميعها لا هم لها إلا النيل منك، والثأر من ثورة شعب مصر العربي، أنهم يعيدون إنتاج التخلف والجهل، ويطلقونه في وجوهنا تزويراً وتضليلاً وترويجاً لثقافة الاستهلاك الأميركية. تمهيداً لاحتلال أميركي طويل الأمد في بلاد العرب، ومن سذاجتهم أن يعتقدوا أنهم يثأرون منك ومن ثورة يوليو/ تموز، وأنهم يقاتلوننا نحن فقراء العرب، ويدفعون بنا إلى الجدار، ذلك أنهم ساهون عن حقيقة أن المعركة لم تحسم بعد، وأن الأيام لا تزال بيننا.
قلب العروبة النابض
أنت أول عربي غير سوري، تقدم له سورية كرسي الرئاسة، لتعلَّم بقية العرب كيف تكون الوحدة، وكيف تكون التضحية من أجلها، فحصلت أنت على الامتياز السوري في العروبة، ودخلت سورية التاريخ من جديد، كصانعة للوحدة مع مصر.
ولم تكن مبالغاً حين قلت إن سورية هي قلب العروبة النابض، لأن هذا البلد لا يزال على عهد الأمة، صامداً يقاوم الهجمات، وشامخاً يرد على التحديات، والذين قاتلوك هم من يتربصون بالشام الآن، ومن حاصروك يحاولون فرض الحصار عليها، لكن دمشق هي التي تحاصرهم، لأن ساحة النضال القومي تمتد من دمشق إلى جنوب لبنان، ففلسطين والعراق، ويسري عنفوانها عميقاً في الوجدان العربي، ليستنفر كل جماهير الأمة، التي غيبت عن معركتها. ودمشق القلعة لا تزال عند دورها القومي الذي قصّر عنه الآخرون.
أما المعارك الدائرة حولها وعليها، فتوشك أن تحسم؟. إن الاحتلال الأميركي في العراق يحصد فشلاً إثر فشل، ورغم المكابرة، فإنهم يغرقون في المستنقع، ويغوصون في وحل الهزيمة. أما في لبنان، وعلى الرغم من حدة السجال والاستقطاب، فإن المعركة لا بد أن تحسم لمصلحة العروبة والهوية الوطنية المقاومة.
لم تمت
في ذكرى رحيلك أقول: إنك (لم تمت). ليس بوصفك الشخص أو الرئيس، بل بوصفك رمزاً لفقراء العرب، وقائداً للمقاومة، وتجسيداً للعزة والكرامة العربية. فقد كنت المقاوم أولاً وأخيراً، وصانع أحلام وآمال شعب مصر وأمته. وبرغم كل ما حدث ويحدث فإنه من المستحيل على أي قوة أن تطفئ نار الحلم العربي. لروحك السلام، ولقلبك الحب، ولهامتك التي لم تنحن كل المجد، فقد كنت شرف الفقراء وعزة المحاربين، وصانع الأمل والحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.