اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    صحيفة إسرائيلية: "أنصار الله" استخدمت صاروخ متطور لاستهداف مطار بن غوريون يتفادى الرادار ويتجاوز سرعة الصوت    بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    ودافة يا بن بريك    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى رحيله السابعة والثلاثين تقرير عن «حال الأمة» إلى روح جمال عبد الناصر
نشر في الوحدوي يوم 28 - 09 - 2007

في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر السابعة والثلاثين، لا يملك العربي الذي عاصره، أن يتجرد من مشاعره الحميمة، فيخشع القلب، وتهرع الذاكرة بحثاً عن صدى صوته. ويستعيد الفلاحون والعمال والفقراء والمقاومون والمقاتلون أيام العزة والشموخ، والغضب لكرامة الأمة، والانتفاض ضد الاحتلال والمهانة، في زمن لم يعد يغضب فيه أو ينتفض إلا قليل من الحكام والحكومات!
القاتل والمقتول.. تصالحا مع العدو
رحلت في 28 أيلول 1970. كنت قد دعوت لمؤتمر قمة عربي طارئ لوقف نزيف الدم الفلسطيني في الأردن. فقد أفزعك أن العربي يقتل عربياً، وأن حكماً عربياً يدير مجزرة ضد الفلسطينيين الذين يقاتلون لتحرير وطنهم واستعادة حقوقهم.. كنت مريضاً، لكنك لم تقعد عن المهمة، ونهضت لوقف حمام الدم الفلسطيني وللمصالحة بين ملك ورئيس منظمة. وحين فرغت كنت قد أرهقت، فقتلتْ. توقف قلبك عن الخفقان، قتلوك، وعادوا ليسيروا في جنازتك؟!
مت قهراً، وأنت تدافع عن حرمة الدم العربي أردنياً كان أم فلسطينياً، ولكن وجه المفارقة أن المتقاتلين: القاتل والمقتول كليهما ذهبا إلى العدو، وتصالحا معه، فكانت وادي عربة وسبقتها أوسلو؟!
وفي المكان الذي ذبح فيه فلسطينيون، وقتل أردنيون، تقوم سفارة لعدونا وعدوك الإسرائيلي! في حين يقوم الرسمي الفلسطيني بالتنسيق والتفاوض مع هذا العدو وتحت مظلة احتلاله. ولعلنا نذكر أن بعضاً ممن تسببوا بموتك عام 1970 كانوا قد سددوا طعنة إلى قلبك في 28 أيلول 1961، حين دعموا جريمة الانفصال، لفصل سورية عن مصر. فمهدوا للانقلابيين ودعموهم، ومدوهم بأموال الآخرين، كي يجهزوا على حلم العرب في الوحدة. إنها مفارقة قدر أليمة، أن تجتمع كارثة رحيلك عام 1970، مع ذكرى طعنك في القلب عام 1961، ومفارقة تثير الشجن والغضب أن تكون اليد السوداء نفسها وراء الفعلين!
(الفلسطيني) قوض الثورة
حماية للثورة الفلسطينية أسمعت الصديق والعدو، والمتضامن والمتآمر، أن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى. لكن الثورة قوضت من داخلها، فعقد من يقفون على رأس منظمة التحرير صفقة سرية في أوسلو، ثم وقعوها في البيت الأبيض، وارتموا في أحضان واشنطن. واليوم فإن الفلسطينيين هم الذين يقتلون بعضهم، ولا يقتلهم سواهم إلا العدو الإسرائيلي.
إن الفلسطيني مفجر الثورة، أصبح الآن يشيد سجوناً، ويبني أجهزة أمنية، كي تعتقل المقاومين، وتصادر أسلحتهم تحت رايات الاحتلال!
تراجعت القضية الفلسطينية، وبدأت حقوق شعب فلسطين في وطنه تتآكل، بعد أن أمسك بمفاتيحها خلية نائمة، استيقظت مع المد الأميركي، لتحوّل القضية إلى مسألة علاقات عامة، وليصبح الوطن أو ما تبقى منه، أجزاء مقطعة، ولتغرق القدس في الاستيطان، ولتصبح قضية اللاجئين مجرد مسألة إنسانية مؤجلة، يسهل حلها والتفريط فيها.
اختطاف النصر من صانعيه
كأنك ترحل اليوم. فقد كان مأساوياً أن ترحل، بعد أن أعددت جيش مصر وتعمّد بنار حرب الاستنزاف، وأصبح جاهزاً لمعركة التحرير. فجاء خليفتك ليخطف النصر، ويحوله إلى هزيمة، وليخطف مصر من العرب، ويهدي غزة وحقوق الفلسطينيين إلى الانتظار، أو الحكم الذاتي، ثم يؤسس لمرحلة الانكفاء الإقليمي في معظم بلدان العرب.
أصبح في القاهرة سفارة لإسرائيل على بعد كيلو مترات من ضريحك، وصارت سيناء مجردة من السلاح ومحكومة برقابة قوات متعددة الجنسية؟! وأسس خروج مصر من معركة العرب القومية، لأخطر تحول سلبي في حياة الأمة في تاريخها الحديث، فجاءت الكوارث متلاحقة في أكثر من مكان في الأرض العربية.
الدور القومي خارج الحدود
عندما أرسلت جيشك إلى (اليمن) عام 1962 لامك كثيرون، وانتقدك كثيرون في الداخل والخارج، لكن نصرتك لثورة هذا البلد العربي، نقلته من زمن العصور الوسطى إلى الزمن الحاضر، وجعلت جيشك العربي يقف في مواجهة عن قرب مع قوات الاحتلال البريطاني بجنوب اليمن آنذاك، ما شد من عضد الثوار هناك، وعجل في اندحار بريطانيا العظمى وخروجها من عدن. وأصبح مدخل البحر الأحمر في قبضة العرب من جهتيه جنوباً، ونقل المد القومي العربي إلى قلب الجزيرة العربية التي كانت كل أطرافها محتلة ومستعمرة. ولذا قاتلك الأعداء والمتخلفون، أعلنوا الحرب عليك، وعلى أمتك، وشاركوا بحقد في الحصار الاقتصادي المفروض على مصر. أرادوا النيل من الشعب الذي يقف معك من خلال تجويعه، وفرض الحصار عليه، فكانوا في جهة واحدة مع الأعداء والطامعين بمصر والعرب، والأكثر غرابة واستهجاناً، أنه بعد أن توحد شطرا اليمن في دولة واحدة، رأينا من يدعم انفصال الجنوب عن الشمال. وبعد قيام مجلس التعاون الخليجي الذي يضم دول الجزيرة العربية، رأينا أنه بدلاً من أن تفتح أبواب العمل في دول هذا المجلس أمام العمالة اليمنية، فإن هذه الأبواب تغلق في وجهها، ليعمل في جزيرة العرب (17) مليون آسيوي، في حين اليمن يعاني من البطالة، إضافة إلى (25) مليون عربي عاطلين عن العمل؟. ويبرر العرب الخليجيون هذه المفارقة بالسبب الاقتصادي(!) . أما خزائن العرب اليوم فعامرة، وتعاني من تخمة وطفرة مالية، فيشترون السلاح بالمليارات، ويتدربون عليه حتى يصدأ، فيستبدلونه، وبما تبقى فإننا نستثمر الموانئ في الغرب، ونشتري العقارات، والشركات المتعثرة، والمصارف الشهيرة. أما عشرات الملايين من فقراء العرب، فيتركونهم للبركة، ونيل الحسنات وإلا لمن يقدمون زكاة أموالهم؟
العراق والكويت
عندما أعلن عبد الكريم قاسم عزمه على ضم الكويت، استعد البريطانيون للعودة إليها، لكنك بادرت إلى إرسال قوات مصرية لترابط على الحدود بين البلدين، وأعلنت موقفاً قومياً صريحاً، فلم يجرؤ قاسم على تنفيذ تهديده، وما وجدت بريطانيا سبباً لعودة قواتها، فحميت العراق والكويت معاً.
لكن ما حدث بعد رحيلك أن دخول العراق إلى الكويت تسبب في حربين كبيرتين، دمرتا العراق والكويت معاً، والعراق المحتل اليوم تحول إلى طوائف وعشائر، ويريدونه فيدراليات أيضاً، ويسقط العشرات والمئات من أبنائه كل يوم. في حين قوات الاحتلال تمعن فيه قتلاً واعتقالاً وتمزيقاً، والعرب صامتون متفرجون! وكأنه بعد أن أُخرجت مصر من معركة الأمة، كان مطلوباً أن يسقط العراق تحت الاحتلال، كي تبقى سورية وحيدة تقاوم وتمانع، ومعظم العرب الرسميين صامتون متفرجون! إن لم يكن بعضهم منحازاً وبشكل سافر إلى الجهة المعادية الغازية.. والأكثر غرابة- أيها الراحل العزيز- أن كل حاملات الطائرات والبوارج والغواصات، التي دمرت العراق وأهله، مرت علانية من قناة السويس. وأن البحر الأحمر الذي حرصت على حمايته وحرمان الأعداء من مياهه، صار بحيرة أميركية إسرائيلية ترهب العرب وتوجه قذائفها إليهم في أي وقت تشاء وبعض حكامنا كأنهم ليسوا هنا! ويتحدثون اليوم في العراق عن فرق الموت من المرتزقة الإسرائيليين، وعن الموساد الإسرائيلي الذي يعيث فساداً وقتلاً في العراق، مستهدفاً العلماء وأساتذة الجامعات، ومؤججاً للفتنة الطائفية. كما أن الشركات الإسرائيلية تؤسس لمشاريعها منذ بعض الوقت في الشمال العراقي، وفي أماكن أخرى من هذا البلد العربي المحتل والمقاوم في آن.
لبنان وشمعون وزنادقة الحاضر
في أواخر خمسينيات القرن الماضي، انحاز كميل شمعون رئيس جمهورية لبنان آنذاك، إلى حلف بغداد، ومبدأ أيزنهاور ضد العرب والعروبة. وجلب قوات المارينز إلى بيروت، فهب أهل بيروت وطرابلس والبقاع والجبل والجنوب إلى الثورة. وكنت معهم، قدمت لهم النصرة والدعم، فانكفأ المارينز والمشروع الأميركي. وجاء اللواء فؤاد شهاب رئيساً، والتقيت به على الحدود بين سورية ولبنان، لتوطد هوية لبنان العربي.
وقبل أكثر من عام من الآن جرت معركة مجيدة، تصدت فيها المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله لمحاولة غزو واقتحام إسرائيلية فأحبطتها. وجرت مبارزة قل نظيرها بالإرادة والصواريخ. فقصف المقاومون مستوطنات العدو ومواقعه العسكرية والمدن المحتلة. وشهدت الأراضي اللبنانية المتقدمة مجزرة للدبابات الإسرائيلية التي مزقتها صواريخ المقاومين الأبطال. فأسقط في يد العدو، وفقد توازنه، ولحقت به الهزيمة، في زمن الاحتلال الأميركي للعراق، لكن المفاجأة أن بعض حكامنا تحفظوا على هذا النصر المبين، ورأوا فيه مغامرة، وكأنه ليس من حقنا أن ننتصر، أو لكأنه ممنوع علينا الانتصار، في وقت كانت فيه جماهير الأمة تنتشي بهذا النصر العظيم.
وبعد النصر المؤزر وقبله، نزل المال السياسي والعقاري والنفطي إلى أسواق لبنان وحاراته، لتزوير الإرادة، وتغيير الهوية، وخرج إلى السطح زناديق (الحرب الأهلية) ومجرمو الانعزالية، وقاطعو الطرق، حتى أوشك لبنان يتحول إلى مستعمرة أو قاعدة أميركية، يتحكم في شؤونه مندوب سام أميركي برتبة سفير.
إنهم يريدون لبنان منصة لصواريخ تطلق نحو سورية، ويريدون نزع أسلحة المقاومة لضمان أمن إسرائيل واحتلالها. لكن قوى المقاومة الوطنية والعربية لا تزال صامدة وتقاوم، ولن تسمح لأحد أن يغرق لبنان في المستنقع الأميركي الإسرائيلي.
إفريقيا عرباً وأفارقة
لن أتحدث عن نصرتك لثورة الجزائر، ومدها بالسلاح والمال ودعمها سياسياً ولوجستياً، فقد كنت تعتبر ذلك واجباً قومياً. وقد دفعت ودفع معك شعبك ثمن هذا الدعم، حين شاركت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولن أفيض في الحديث عن نصرتك لاستقلال المغرب ومناصرة ملكها الأسبق محمد الخامس. ولا عن دعمك لاستقلال تونس وموقفك في بنزرت في مواجهة القوات الفرنسية. وبعد انتصار ثورة الجزائر يذكر لك التاريخ أنك أرسلت قوات ومدرعات مصرية لترابط على حدودها مع المغرب لمنع الاشتباك بين البلدين. كذلك لن أغفل نصرتك لثورة ليبيا واحتضانها، وتحرير الأرض الليبية من القواعد الأجنبية.
ولكن أين إفريقيا العربية اليوم؟. إن الدول (المغاربية) تتحرك في فضاء غير عربي، منكفئة إقليمياً، تبحث عن مصالحها الاقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة، ولا تبدو مهتمة كثيراً بالشأن العربي القومي. بل إن الحدود المغربية الجزائرية لا تزال مغلقة منذ سنين طويلة!.
أما الحدود السياسية مع إسرائيل فمفتوحة!. إذ هناك مكاتب تمثيل إسرائيلية وصلات مع إسرائيل في بلدين (مغاربيين) على الأقل؟ أما موريتانيا (أرض الرباط) وبلد المليون شاعر، فقد أقامت علاقات دبلوماسية مباشرة مع إسرائيل، وأصبح للأخيرة سفارة في نواكشوط، تقابلها سفارة (موريتانية) في تل أبيب؟! أما ليبيا فقد أعادت تلوين رقعتها على الخارطة الإفريقية، واتجهت إفريقياً. أما السودان العمق والمدى الاستراتيجي لمصر، فقد كان منيعاً وآمناً وعصياً على التآمر. ولم يكن مهدداً بأي خطر حقيقي وشيك، أما اليوم فإن السودان يقف في عين العاصفة، وليست مشكلة انفصال الجنوب عنه هي ما تهدده وحسب. بل لقد افتعلوا له مشكلة دارفور، وغذوا العصبيات القبلية والإثنية، ودعموا المتمردين وسلحوهم لأنهم يريدون تمزيق البلد، وسلب خيراته الدفينة. ومعظم العرب صامتون يتفرجون! وكأن السودان لا يمكنه أن يكون سلة الغذاء العربي كله، ولا يشكل القلب العربي في جسد إفريقيا.
ولعلنا نسأل بحسرة: أين الدور العربي الفاعل في حماية وصيانة استقلال السودان ومنع التدخل في شؤونه؟
وإذا كان الهم القومي العربي شاغلك وشاغل شعب مصر العربي في دعم أهلنا في إفريقيا العربية، فإنك لم تتردد في دعم تحرر الأفارقة من غير العرب، ومن منا ينسى سيكوتوري ونكروما ولومومبا؟ من منا لا يذكر كيف وقفت بعزم وتصميم في دعم نضال شعوب إفريقيا وثوراتها من أجل التحرر والاستقلال، والقضاء على الاستعمار القديم، والهيمنة الغربية على هذه القارة العظيمة. لقد دعمت بثبات كل ثوراتها، وناصرت النضال ضد الحكم العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا وزيمبابوي (روديسيا سابقاً). ولم تكن تقدم (هبات وحسنات) ولا (مال زكاة)؟ بل كنت تدعم حروباً ملتهبة من أجل الحرية والاستقلال. وعندما ناصرت الكونغو ودعمت رئيس وزرائها الوطني (لومومبا)، وأرسلت قوات من الصاعقة المصرية إلى هناك، لم يفهم البعض الرسالة، لكنها كانت واضحة في إشارتها إلى دور مصري عربي إقليمي مؤثر. صحيح أنهم انقلبوا على لومومبا، ليقتله البلجيكيون اغتيالاً. إلا أنه بقي في ذاكرة الجميع أن هناك قوة إقليمية مصرية عربية تحمي أماني إفريقيا في الحرية والاستقلال، وتأخذ بيدها إلى الحياة الحرة الكريمة.
هل نذكر أن دول إفريقيا مجتمعة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بعد عدوان حزيران عام 1967، وهل نسأل: ما مواقع إسرائيل في القارة السمراء الآن؟ وماذا تفعل في إثيوبيا؟ وأي دور فاعل بقي للعرب في القارة؟
الدول والدور
في تجربة ثورة 23 يوليو/ تموز القومية التي قدتها، قدمت النموذج والمثال للدور الإقليمي والدولي الذي تضطلع به الدولة (القومية). وقد أثبت أن الزعامة والدور، لا ينطلقان من كتلة مالية هائلة، ولا من انحياز للقوة الدولية المسيطرة، وإنما ينهضان من إيمان بالشعب وآماله وأحلامه والانحياز لها، والانطلاق منها إلى الأفق الإنساني. لقد كنت فقيراً، لكنك اغتنيت بالدور الوطني والإنساني، وقد كنت أغنى أغنياء زمنك بالعطاء والتضحية. ولقد أثبتت مصر في ظل ثورة يوليو/ تموز وقيادتك أن البترول والمال المتراكم، والصدقات والحسنات لا تصنع زعامة، ولا تؤسس لدور، وأن التخلف والعقل الماضوي لا يصنعان ريادة، بل يشدان الأمة إلى الخلف. ويدفعان بها إلى التبعية، والوقوع تحت هيمنة القطب العالمي المسيطر.. كما أثبتّ أن (الإقليمية) والتقوقع (القطري) لا يصنعان دوراً ولا زعامة. وإن أي قطر مهما بلغ غناه، لا يمكن أن يؤدي دوراً تاريخياً، ما لم ينخرط في مسيرة الأمة وأمانيها وآمالها. شرط أن يكون مستعداً للتضحية، كما ضحت مصر، وشرط ألا يكون خائفاً رعديداً مرتعد الفرائص!. لقد بلغ من ضعف بعض حكامنا أنهم يرون الكارثة تحل في بلد عربي آخر، فيعتبرون ذلك (شأناً داخلياً!) لا يتطلب تدخلاً أو دعماً أو مساندة، وعلى النقيض من ذلك، فإن بعض حكامنا جعلوا من رئيس حكومة العدو شريكاً نتشاور وننسق معه في أمور تخصّنا، فيقاسمنا الزاد والتخطيط لمستقبل المنطقة. ولم يعد ينقصنا إلا أن يقترحوا علينا قبول (إسرائيل) عضواً مراقباً أو مشاركاً أو استشارياً في جامعة الدول (العربية)!. إن كل ذلك يجري ومعظم بلدان العرب محتلة، باحتلال عسكري مباشر أو مستتر أو باحتلال سياسي، يجعل من الأهداف الأميركية في المنطقة أهدافاً محلية لحكومات الدول المحتلة سياسياً.
إنهم يقتلونك كل يوم
الذين قاتلوك وحاصروك وتآمروا عليك ما زالوا يقتلونك كل يوم في زمانك كانوا يتخفون وينكفئون!. لكنهم بعد رحيلك خرجوا إلى الساحة، كأنهم بقية نسل مسيلمة الكذاب. فجعلوا الخيانة وجهة نظر، والتفريط بالأرض والعرض واقعية سياسية وحكمة قيادية. إنهم يجأرون بالباطل وكأنه حق. ويروّجون للاستسلام، وكأنه انتصار!.
لقد كانوا يخافونك فينزوون! ومازالوا حتى الآن يرونك في أحلامهم (كوابيس)، لذا فهم يصرون على قتلك كل يوم. حتى يتأكدوا من رحيلك، وكي يرتوي غل حقدهم الأسود.
إننا نشاهد فضائيات ونقرأ صحفاً ومجلات كثيرة، وجميعها لا هم لها إلا النيل منك، والثأر من ثورة شعب مصر العربي، أنهم يعيدون إنتاج التخلف والجهل، ويطلقونه في وجوهنا تزويراً وتضليلاً وترويجاً لثقافة الاستهلاك الأميركية. تمهيداً لاحتلال أميركي طويل الأمد في بلاد العرب، ومن سذاجتهم أن يعتقدوا أنهم يثأرون منك ومن ثورة يوليو/ تموز، وأنهم يقاتلوننا نحن فقراء العرب، ويدفعون بنا إلى الجدار، ذلك أنهم ساهون عن حقيقة أن المعركة لم تحسم بعد، وأن الأيام لا تزال بيننا.
قلب العروبة النابض
أنت أول عربي غير سوري، تقدم له سورية كرسي الرئاسة، لتعلَّم بقية العرب كيف تكون الوحدة، وكيف تكون التضحية من أجلها، فحصلت أنت على الامتياز السوري في العروبة، ودخلت سورية التاريخ من جديد، كصانعة للوحدة مع مصر.
ولم تكن مبالغاً حين قلت إن سورية هي قلب العروبة النابض، لأن هذا البلد لا يزال على عهد الأمة، صامداً يقاوم الهجمات، وشامخاً يرد على التحديات، والذين قاتلوك هم من يتربصون بالشام الآن، ومن حاصروك يحاولون فرض الحصار عليها، لكن دمشق هي التي تحاصرهم، لأن ساحة النضال القومي تمتد من دمشق إلى جنوب لبنان، ففلسطين والعراق، ويسري عنفوانها عميقاً في الوجدان العربي، ليستنفر كل جماهير الأمة، التي غيبت عن معركتها. ودمشق القلعة لا تزال عند دورها القومي الذي قصّر عنه الآخرون.
أما المعارك الدائرة حولها وعليها، فتوشك أن تحسم؟. إن الاحتلال الأميركي في العراق يحصد فشلاً إثر فشل، ورغم المكابرة، فإنهم يغرقون في المستنقع، ويغوصون في وحل الهزيمة. أما في لبنان، وعلى الرغم من حدة السجال والاستقطاب، فإن المعركة لا بد أن تحسم لمصلحة العروبة والهوية الوطنية المقاومة.
لم تمت
في ذكرى رحيلك أقول: إنك (لم تمت). ليس بوصفك الشخص أو الرئيس، بل بوصفك رمزاً لفقراء العرب، وقائداً للمقاومة، وتجسيداً للعزة والكرامة العربية. فقد كنت المقاوم أولاً وأخيراً، وصانع أحلام وآمال شعب مصر وأمته. وبرغم كل ما حدث ويحدث فإنه من المستحيل على أي قوة أن تطفئ نار الحلم العربي. لروحك السلام، ولقلبك الحب، ولهامتك التي لم تنحن كل المجد، فقد كنت شرف الفقراء وعزة المحاربين، وصانع الأمل والحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.