إنجازات حكومية هائلة دهست المواطني ن بعجلة الفساد التي دوخت الملايين بدوران الغلاء وسوء الأوضاع المعيشية وانفلات الوضع الأمني. وبتباهٍ مضخم، قدم رئيس الوزراء، السبت الماضي، مصفوفة إنجازات الحكومة خلال العام الفائت، الى مجلس الوزراء، دون خجل من ملايين الفقراء والمغبونين الذين أنهكتهم سياسات حكومات المؤتمر الشعبي العام المتعاقبة. تلك الإنجازات لم تشبع غرور السلطة المهووسة بتعذيب مواطنيها، وتريد أن تضيف إلى إنجازاتها تكميم أفواه الجوعى والمظلومين وضحايا فساد ساكني القصور، ومقاولي القطاعات النفطية. لتحصد إنجازاً جديداً يتمثل بالقضاء على أنات المعدمين والمغبونين، وإنابتهم في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم، لتجمع في ذلك بين عسرين: الجوع والتعسف في آن واحد، مخالفة بذلك القاعدة الشهيرة في هذه المسألة. ومن يتحدى خطوط النظام الحالي، ويتجرأ على كشف زيف تلك الإنجازات، وينبري للدفاع عن الحقوق والحريات، سيجد نفسه فجأة مداناً بالإرهاب، وماثلاً أمام محكمة أمن الدولة لشؤون الإرهاب، التي تحاكم العشرات من الصحافيين والسياسيين من قادة الحراك السلمي. ستجد نفسك فجأة مكبلاً بتهم لم ينزل الله بها من سلطان، كما حدث مع الزميل عبدالكريم الخيواني والفنان فهد القرني وقادة الحراك السلمي في الجنوب. هؤلاء الإرهابيون تسلحوا بالقلم والكلمة والنضال السلمي من مسيرات واعتصامات ومهرجانات، لم يكن بحوزتهم أسلحة ثقيلة أو مخططات انقلابية، ولكنهم جميعاً تهمتهم الرئيسية أنهم جهروا بأوجاعهم وأوجاع الوطن، وقالوا «آح»، ليخرجوا بذلك عن الدستور والقانون السلطوي، وليس قانون الجمهورية اليمنية الذي يكفل حق التعبير والدفاع عن الحريات والحقوق. هؤلاء جميعاً وغيرهم كثر، لم يسرقوا صلاحيات مؤسسات الدولة، ولم يعطلوا مواداً في الدستور وينتهكوها، ولم يهدروا موارد البلد لصالحهم الشخصي. أبداً لم يختزلوا البلد في ذواتهم، وإنما يدعون دائماً إلى إعلاء اليمن فوق كل المصالح والنزوات الشخصية، ولذلك صنفتهم السلطة كخطيرين على أمن البلد ومستقبله. سلطة كهذه نهبت كل موارد الشعب، وسحقت سياسات بطشها ملايين الناس، تدرك أنها لاتستحق البقاء، وأن تنوير الشعب وإتاحة مساحة من الحرية والتعبير سيسقطها لا محالة، فلجأت لسياسة القمع والتعسف. الثلاثاء الفائت، كان الدكتور محمد المخلافي رئيس المرصد اليمني لحقوق الإنسان، يسرد الانتهاك الذي طال حق المحامين والصحافيين أمام محكمة أمن الدولة التي سميت بالمحكمة الجزائية المتخصصة لشؤون الإرهاب. المخلافي في مؤتمر صحافي أعلن عن انسحاب هيئة الدفاع عن قادة الحراك في المحافظات الجنوبية، لعدم توفر ضمانات حق الدفاع أمام محكمة أمن الدولة. وقال إن المحامين كانوا يعتقدون أن الترافع أمام محكمة استثنائية لن يجعل إجراءاتها كذلك استثنائية، لكن ما حدث أكثر استثنائية إجراءات المحكمة التي تمنع المحامي من ممارسة مهنته وحقه في الترافع والدفاع عن المتهم. لم يقف الأمر عند ذلك، بل وصل حد الاعتداء والتهجم على المحامين داخل المحاكم، وإهانتهم حسب المحامي باسم الشرجبي مسؤول الحقوق في نقابة المحامين. الشرجبي قال: المحامون تلقوا ألفاظاً قمعية من القضاة تسرق حقهم في الدفاع والترافع، مثل: أسكت، حضرتم لأغراض في نفوسكم، أنت أكيد أرسلتك الجهة الفلانية، أخرج من القاعة... الخ. وتساءل الشرجبي: هل هذا.. قضاء..؟ وهل يمكن أن يكون عادلاً...؟ بكل تأكيد لا. وهذه الأساليب يهدف من خلالها النظام إسكات المواطنين وقمع الحقوق والحريات، وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين تحت عباءة القضاء. نتفق مع الشرجبي أن من يدير محاكم أمن الدولة هي الجهات الأمنية، وليس الجهات القضائية، وأن ما يحدث عبارة عن محاكمات أمنية برداء قضائي. بعيداً عن آلاف المعتقلين على خلفية حرب صعدة، تحدث رئيس المرصد اليمني لحقوق الإنسان عن معتقلي الحراك في المحافظات الجنوبية، كاشفاً عن 870 معتقلاً منذ نهاية مارس الفائت وحتى الأربعاء الماضي، منها 486 حالة اعتقال تمت في الفترة من نهاية مارس حتى نهاية يونيو، و319 حالة تمت في يوم 7/7، منهم 306 معتقلين في مدينة عدن فقط. قال المخلافي: إنهم يعتقلون في المحافظات الجنوبية، ويؤتى بهم الى العاصمة صنعاء، فلماذا يسيئون لعاصمة الوحدة بإشعار الناس أن كل الأمور مرتبطة بالحاكمين في صنعاء..؟ ولماذا لايحاكمون كل في محافظته؟ من بين العدد الهائل للمعتقلين 95 شخصية سياسية وإعلامية وفكرية، قدموا للمحاكمة بتهم المساس بالوحدة الوطنية، والمشاركة في مسيرات غير مرخصة، وإقلاق السكينة العامة، وترديد هتافات تبث الكراهية، وتوزيع منشورات تكدر السلم العام، وإتلاف الأموال العامة، وتعطيل أحكام الدستور. كل هذه التهم الجسام ألصقت بأناس شاركوا في مسيرات ومهرجانات احتجاجية على سلب الحقوق، لم يستطيعوا كتم أوجاعهم وغبنهم، فصرخوا رافضين الوضع الرديء الذي تعيشه اليمن، فتحولوا الى عملاء ومتآمرين ومخربين، لا لشيء سوى رفضهم ظلم الطغاة وشافطي الثروة، وسارقي مضمون الحلم اليمني الجميل «الوحدة اليمنية». ندرك أن اليمن ليست السلطة الحاكمة أو النظام الجاثم على الرؤوس.. اليمن ليست المؤتمر الشعبي العام أو لجنته الدائمة، كما يعتقد النظام المخابراتي العسكري المتدثر بعباءة ديمقراطية. اليمن هي الأرض اليمنية من أدناها الى أقصاها، بكل أناسها وفئاتها وأحزابها ومذاهبها. وعندما تكون خيرات هذا البلد محصورة لنظام حاكم أو حزب في السلطة، فيما بقية أبناء الشعب في فقر مدقع ووضع معيشي رديء، فإن ذلك يعد سرقة للوطن وخيانة لاتغتفر. لاستعادة الوطن المسروق من قبل الفاسدين في البلد، لابد من إحلال العدل والمساواة بين أفراد الشعب، وفرض النظام والقانون على الجميع، والتوزيع العادل للثروة.