عمدت السلطة إلى تكرار ذات الأخطاء في مواجهاتها مع الحوثيين بجعل الحرب غير نظامية أي لا تخوضها قوات حكومية فقط حيث اشتركت معها في ذلك القبائل وهو ما يفتح باباً لصراعات ثأرية مستقبلية لا تنتهي بالقضاء على التمرد. منتصف الأسبوع الجاري أعلنت الدولة عبر موقع وزارة الدفاع الإخباري عن "بدء جموع حاشدة في التوافد إلى محافظة صعدة تباعا بأسلحتهم وعتادهم للمشاركة مع قوات الجيش في قتال الحوثيين". وأبدت السلطة تفاؤلها بذلك، حيث وصفت التوافد القبلي ب"الهبة الشعبية اليمانية الأبية" مشيرة إلى أنها "جاءت التزاما وإيمانا بواجب الدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره والحفاظ على مكتسبات الثورة بعد أن استفزتهم خطابات الحوثي وادعاؤه في الحق الإلهي للحكم". وكالعادة عند اشتعال الحرب في صعدة تفتح منافذ للتدخلات وتصفيات الحسابات الخارجية، غير أن هذه التدخلات تبدو هذه المرة واضحة للعيان على عكس الحروب السابقة التي كانت تقتصر على التلويحات والاتهامات. وفيما شنت السلطة هجوما على وسائل الإعلام الإيرانية لتبنيها وجهة نظر الحوثيين، فقد اعتبرت السعودية أن إيران باتت على حدود معها عبر صعدة. وقالت صحيفة الوطن السعودية في مقال بعنوان "إيران على الحدود السعودية" وتوقع علي سعد الموسى: إن إيران انتقلت بسياستها نحو بؤرة إيرانية جديدة في خاصرة العالم العربي بعد حماس وحزب الله" موضحة أن الحركة الحوثية كانت بحاجة إلى ذراع إعلامي فتبرعت قناة العالم الإيرانية للعب الدور". وحملت ذات الصحيفة السعودية في افتتاحيتها ليوم السبت الفائت انتقادات وإملاءات لليمن وذلك من باب إن "استقرار اليمن أمر حيوي للأمن الإقليمي في البحر الأحمر والجزيرة العربية والقرن الإفريقي". وقالت "يجب التأكيد على السلطة الحاكمة أن تستمع للطرف الآخر في جانب المعارضة وأخذ آرائه على محمل الجد لأن من شأن ذلك أن يحدث قدرا مهما من التوازن المطلوب الذي تفتقده العلاقة بين المركز والهامش حاليا". وأضافت "محاولات الاستهداف التي تعرض ويتعرض لها اليمن تستدعي وقفة تأمل لسبر أغوارها ومن ثم إيجاد حلول جذرية وطويلة الامد لها، إذ أن الحلول الجزئية والإسعافات المستعجلة لم تؤد إلا إلى تراكم المشكلات واستفحالها حتى وصلت مرحلة الانفجار التي نراها ماثلة الآن في المشهد الكلي للأحداث التي تعصف بالبلاد". من جهته شن إعلام السلطة وحزبها الحاكم هجوما على طهران وإعلامها المساند للحوثيين ودعت صحيفة الميثاق إلى مواجهة "المؤامرة الخارجية التي تستهدف بلادنا وخاصة ما يقوم به إعلام "المجوسيين" في الدفاع عن الإرهابيين في صعدة" وأضافت "من لم يكن معنا فهو عدونا ولا بد أن نواجهه". وانتقد موقع الحزب الحاكم "المؤتمر نت" ما أسماه ب"أبواق النظام الفارسي الإعلامية التي سعرت حملتها على اليمن منذ بدء عمليات الجيش ضد عناصر التخريب في صعدة، معتبرا ذلك تجاوزا للأخلاق المهنية والسياسية التي تقتضي عدم التدخل في شئون الدول الداخلية". ودعا الحزب الحاكم لمواجهة "آلة التضليل الإيرانية المساندة لعناصر التخريب في صعدة وقال "إن الإعلام الإيراني أجمع على الوقوف في صف أعداء السلام والأمن في اليمن في تنصل سافر ومرفوض يجب أن يواجه بكل الوسائل المتعارف عليها سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا من قبل كل من ينتمي إلى تراب اليمن". وذكر المؤتمر الشعبي العام إيران بأزمتها الداخلية التي لا زالت مستعرة وبوقوف إعلام اليمن محايدا تجاهها. وجدد الحاكم اتهامه لإيران بدعم الحوثيين بقوله "استنطاق قناة العالم الإيرانية لأبواق التخريب وتسويق أكاذيبهم جدد التأكيد على أن مخالب التخريب تحظى بمباركة من قبل من يتبنون خطابها الإعلامي ويتسترون على جرائمها ضد الأبرياء من أبناء صعدة". وفي سياق الاهتمام الخارجي بقضية صعدة عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها من توقف المعارك فيها وقالت: "نأمل أن يلتزم الجانبان -السلطة والحوثيين- بمسئولية حماية السكان المدنيين" ودعا مسئول في الخارجية الأمريكية الحكومة اليمنية والحوثيين إلى العودة إلى اتفاقية 2007م التي توسطت فيها قطر". وعلى الصعيد الميداني لا تزال تشهد العديد من مناطق صعدة مواجهات شرسة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي. ورغم ما تخلفه هذه المواجهات في الجانب الإنساني من مآس بإهلاكها الحرث والنسل وتشريدها آلاف الأسر، فإنه لا أحد من الطرفين يأبه لذلك وما تحويه بياناتهم وتصريحاتهم الإعلامية بهذا الشأن فهي مجرد ادعاءات كاذبة". وفي المواجهات الشرسة الدائرة بين قوات الجيش والحوثيين منذ أكثر من أسبوعين وأسفرت عن مئات القتلى والجرحى، يتبادل الطرفان الاتهامات باستهداف المدنيين الأبرياء، وقال الحوثيون إن السلطة استهدفت المدنيين بالقصف الجوي عبر طائرات الميغ وإنها قصفت مخيما للنازحين في منطقة رعافة شمال مدينة ضحيان. وذكر مكتب الحوثي إن الطيران استهدف أيضا قرى في مناطق مران، حيدان، الثلوث، ضحيان، والمنزلة في منطقة الملاحيظ، وأن هذا القصف أوقع قتلى وجرحى في أوساط المدنيين. وأشاروا أيضا إلى أن المدفعية والصواريخ استهدفت مناطق آهلة بالسكان في مناطق العند، الخفجي، المهاذر، ومديرية حرف سفيان التي خلفت المواجهات فيها مطلع الأسبوع الحالي 33 قتيلا بينهم 7 جنود. وفيما اتهم الحوثيون قوات الجيش بقصف مناطق بالقنابل الفسفورية، نفت وزارة الدفاع ما أسمتها مزاعم الإرهابي المتمرد عبدالملك الحوثي" والمتعلقة باستهداف المدنيين ومخيمات النازحين وكذا استخدام القنابل الفسفورية". وقالت إن تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة "وإنما تستهدف في مواجهتها العسكرية مع المتمردين مواقع ونقاط التخريب والتقطع التي أقامها المتمردون في بعض مديريات المحافظة واستخدموها للاعتداء على المواطنين وترويعهم وتفجير وحرق منازلهم ونهب ممتلكاتهم والاعتداء على أفراد القوات المسلحةوالأمن ومهاجمة المنشآت والمصالح الحكومية والمشاريع الخدمية والمساجد والمدارس، منطلقين من تلك المواقع التي أصبحت مصدر خطر على أمن المواطنين واستقرار المحافظة" كما اتهمت السلطة الحوثيين باختطاف 15 من عمال الإغاثة التابعين للصليب الأحمر اليمني وهو ما نفاه الحوثيون. بالمقابل قال عبدالملك الحوثي إن خيار السلام ما زال مطروحا بالنسبة لهم زاعما أنهم حتى اللحظة لم يقوموا بأي رد فعل "تجاه جرائم السلطة البشعة بحق المدنيين والنازحين والأبرياء من الأطفال والنساء في مختلف المناطق". وهدد في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي بأن ردة فعله على العمليات العسكرية ستكون قوية وفوق المتوقع. وأنهم سوف يتعاملون مع ما وصفه "بعدوان السلطة" بنفس طويل. وبحسب مصادر محلية فإن مناطق مديرية الملاحيظ تشهد مواجهات ضارية وأن قوات الجيش شنت هجوما كاسحا على المعاقل والتجمعات التي يتواجد فيها الحوثيون محققة تقدما ملحوظا غير أن بيان المكتب الحوثي تطرق إلى تمكن أنصاره من التصدي لتقدم الجيش وإلحاق خسائر مادية وبشرية به. وأكد من جانبه وزير الدفاع تلقي عناصر الحوثي في صعدة الأحد الفائت ضربات موجعة وقال إن الحوثيين تبكدوا خسائر فادحة شلت حركتهم وأنه تم القبض على بعض العناصر دون الإيضاح عن مزيد من التفاصيل، غير أنه سيتم إحالتهم إلى المحاكمة وفيما تدور بعض الاشتباكات بالقرب من مخيمات النازحين" أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن عن قلقها إزاء تسبب المعارك في نزوح آلاف المدنيين.