أثارت عمليتا السلطة ضد القاعدة في المحفد في أبين وأرحب في محافظة صنعاء جدلا واسعا وردود أفعال متباينة ما بين مؤيدة ومستنكرة للطريقة التي تم بها تنفيذ العمليتين اللتين أسفرتا عن قتل أكثر من خمسين شخصا بينهم أطفال ونساء. لقد باغت سلاح الطيران الجوي فجر الخميس الماضي منطقة المعجلة بمديرية المحفد محافظة أبين مستهدفا ما قيل إنه وكر كان يستخدم كمركز لتدريب عناصر القاعدة، غير أن الغارة الجوية على ما يبدو امتدت لتشمل مواطني المنطقة في منازلهم وهو ما جعلها تترك أجواء مشحونة بالتوتر في المحافظة، حيث طالب نواب ينتمون إلى محافظة أبين بتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، فيما طالب مشائخ قبائل أبين وشبوة المسئولين في الدولة ممن ينتمون إلى الجنوب بتحديد مواقفهم مما جرى، كما سيرت مظاهرات للتنديد بالعملية/ وبحسب الخبر الرسمي فإن "قوات الأمن مسنودة بطائرات من القوات الجوية قامت بعمليات استباقية مزدوجة وناجحة ضد ما وصفتها السلطة بأوكار لعناصر تنظيم القاعدة في كل من أبين وأرحب وأمانة العاصمة أسفرت عن مقتل 34 وإلقاء القبض على 17 عنصرا من عناصر القاعدة كانت تخطط لتنفيذ عمليات انتحارية وإرهابية ضد عدد من المنشآت والمصالح اليمنية والأجنبية" ونقل موقع وزارة الدفاع عن مصدر أمني قوله إن قوات الأمن المدعومة بالطيران هاجمت عددا من الأهداف لتنظيم القاعدة في منطقة أرحب بمحافظة صنعاء حيث كان يوجد عدد من المنشآت والمصالح بماي ذلك المدارس، وقد أدى ذلك إلى مقتل 4 انتحاريين والقبض على أربعة آخرين بينهم جريح" مشيرا إلى أن قوات الأمن قامت بمداهمة عدد من أوكار القاعدة في أمانة العاصمة والقبض على 13 عنصرا من أعضاء التنظيم. وخلافا للرواية الرسمية فإن عدد قتلى عملية المحفد تجاوز الخمسين شخصا بينهم نساء وأطفال وذكرت المعلومات أن من بين القتلى 6 من أبرز المطلوبين على ذمة القاعدة في مقدمتهم زعيم القاعدة في أبين محمد صالح الكازمي، والقياديان محمد العميوري ومنير العميوري إضافة إلى السعودي إبراهيم النجدي. أما عملية أرحب في محافظة صنعاء فقد أسفرت عن قتل سبعة من أعضاء القاعدة وجرح آخرين واستسلام القيادي في التنظيم عارف مجلي وهو نجل القيادي السابق في القاعدة يحيى مجلي الذي لقي مصرعه بمنطقة الروضة في العام 2003م على أيدي قوات الأمن. وفي إطار ردود الأفعال التي أثارتها العمليتان وبالأخص عملية المحفد دعا علي سالم البيض جامعة الدول العربية والأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى التحرك الفوري من أجل تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة التي وصفها ب"المجزرة" مشيرا إلى أن "قصف الطيران استهدف تجمعات سكنية وخلف عددا كبيرا من الشهداء والقتلى". وقال البيض في بيان "إن اللجوء إلى استخدام سلاح الطيران لضرب المدنيين العزل مؤشر خطير يؤكد ضلوع نظام صنعاء في الإجرام، ويدل على إفلاسه السياسي وعدم قدرته على الوقوف في وجه الحراك السلمي الجنوبي" ونفى البيض أي وجود للقاعدة في الجنوب قائلا "إن تذرع نظام صنعاء بوجود لتنظيم القاعدة في الجنوب ادعاء عار عن الصحة ويعرف القاصي والداني أن نظام صنعاء هو الذي احتضن هذا التنظيم الذي لا وجود له في الجنوب". وحذر مما أسماها "العواقب الخطيرة للوضع في الجنوب" معتبرا قصف المدنيين بالطيران محاولة لتفجير الموقف عسكريا وفتح جبهة جديدة في هذه المنطقة. رد السلطة على تنديدات البيض جاء سريعا وأكثر حدة حيث طالبت الدول التي يتواجد فيها بتسليمه إليها باعتباره خائنا لبلده وكونه داعما للتنظيم وقالت اللجنة الامنية العليا "أليس بغريب أن يبادر كل من المدعو الخائن علي سالم البيض أحد رموز الانفصال وصنوه في الخيانة والتآمر محمد علي أحمد وغيرهما من العناصر الانفصالية المتآمرة والعميلة إلى الكشف عن أقنعتهم والمبادرة إلى إعلان تأييدهم لتنظيم القاعدة الإرهابي واستنكار العملية الأمنية الموجهة ضد عناصر هذا التنظيم" مشيرة إلى أنه "تبين بالدليل القاطع أن عناصر تنظيم القاعدة ظلت تجد في هذه العناصر الانفصالية المتآمرة ضالتها المنشودة والحاضنة لها التي توفر لها الدعم والملاجئ الآمنة للتدريب والاختبار والتخطيط لتنفيذ عملياتها الإرهابية". وأكدت السلطة أن البيض وأنصار الانفصال "لا يقلون خطرا عن عناصر القاعدة، حيث يقومون بالتحالف معها والدفاع عنها وتمويلها لارتكاب أعمال إرهابية ضد أمن اليمن واستقراره ومحاولة النيل من وحدته". مطلع الأسبوع الحالي شهدت بعض مناطق المحافظات الجنوبية مسيرات غاضبة تنديدا بما أسموها "مجزرة المعجلة في محافظة أبين". وتركزت المسيرات والتظاهرات في ردفان والضالع ويافع، ورفع المشاركون فيها رايات سوداء تعبيرا عن إدانتهم لحادثة القصف. وقال بيان صادر عن فعالية تضامنية نظمت بمنطقة ردفان في محافظة لحج أن ما حدث هو عبارة عن "مجزرة بشعة يقشعر لها البدن وتدمي لها القلوب، راح ضحيتها أكثر من 60 شهيدا. واتهم البيان السلطة بشن حرب إبادة ضد الجنوبيين، مؤكدا على أن "تنظيم القاعدة في قصر الرئاسة تستخدمه السلطة لتصفية الحسابات مع الخصوم وابتزاز المجتمع الدولي". وفيما نفى البيان إعلان السلطة أنها استهدفت عناصر للقاعدة، اتهم "الأمن السياسي بإيواء عناصر القاعدة وانتمائهم إليه" مطالبا الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية التدخل السريع "لحماية الشعب من القتل الذي تمارسه السلطات". بالمقابل شنت السلطة هجوما ضد ما قالت إنهم بادروا بإصدار بيانات الاستنكار والتنديد بما "واجهته الأجهزة الأمنية من ضربة موجعة للقتلة والمجرمين من عناصر القاعدة"بحسب افتتاحية صحيفة الثورة ليوم السبت الفائت التي اتهمت المنددين والمستنكرين للعملية بالقاعديين والمتحالفين مع التنظيم، حيث قالت "لقد سارعوا جميعا إلى إطلاق التصريحات الكاذبة والمنددة بما حدث ضد حلفائهم وأدواتهم من العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة في المعجلة بمديرية المحفد" واعتبرت افتتاحية الثورة ذلك أمراً طبيعياً "لأن هدف هؤلاء هو زعزعة أمن اليمن واستقراره". وتساءلت الصحيفة قائلة: إذا كان لدى هؤلاء المتباكين والذارفين لدموع التماسيح ذرة من شفقة أو إنسانية على الذين قتلوا من الإرهابيين فأين هي هذه المشاعر من أولئك الضحايا الأبرياء الذين سقطوا أو كانوا سيسقطون خلال العمليات الإرهابية التي نفذتها أو خططت لتنفيذها تلك العناصر الإرهابية، ومنها العملية التي استهدفت مسئولي الامن في حضرموت". استنكار الضربة العسكرية على المحفد لم يقتصر فقط على قوى الحراك الجنوبي فقد امتدت إلى مسئولين في السلطة والأحزاب حيث علق نائب رئيس مجلس النواب علي محمد الشدادي عضويته في البرلمان إلى أجل غير مسمى احتجاجا على "اقتراف الحكومة لأرواح النساء والأطفال وعدم حضور نائب رئيس مجلس الوزراء لشئون الدفاع والأمن لتقديم توضيحاته حول العملية". وغادر الشدادي مجلس النواب وسط انعقاد جلسة الاثنين الفائت بعد أن تأكد له أن نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي لم يأت إلى المجلس طبقا للاستدعاء الذي أقره المجلس في جلسة اليوم السابق. وفي الجلسة ذاتها هدد النائب من محافظة أبين سالم منصور حيدرة بتعليق عضويته أيضا إذا لم يتم تشكيل لجنة من المجلس للتحقيق فيما جرى من قصف لمنطقة المحفد وراح ضحيته نساء وأطفال. وكان النائب الإصلاحي علي عشال على خلفية الحادثة حضر إحدى الجلسات التي تقاطعها كتل المشترك وطالب بتشكيل لجنة عاجلة لتقصي الحقائق حول عدد القتلى المدنيين وحول ما إذا كان هناك قتلى من القاعدة كما تقول المصادر الأمنية. وكانت السلطة أشادت بالعملية التي تم تنفيذها في أبين وقالت إنها "شكلت ضربة قاسية وموجعة للتنظيم وتعتبر من أنجح وأقوى العمليات الأمنية ضد خلايا القاعدة" كما كانت السلطة نفت أن تكون أمريكا شاركتها في تنفيذ العمليات غير أن الصحف الأمريكية أكدت على لسان مسئولين أمريكيين المشاركة الأمريكية. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الولاياتالمتحدة قدمت عتادا عسكريا ومعلومات مخابراتية ودعما للقوات اليمنية في هجومها على مخابئ القاعدة، ونقلت عن مسئولين أمريكيين تأكيدهم بأن هذه المساعدة التي أقرها الرئيس أوباما كانت بناء على طلب من الحكومة اليمنية. وقالت شبكة (إن بي سي) نيوز الأمريكية: إن سفن القوات البحرية الأمريكية أطلقت الصواريخ على معسكرات تدريب القاعدة في اليمن بالتنسيق مع الحكومة اليمنية. وأكد مسئول أمريكي أن الرئيس باراك أوباما وجه أوامره شخصيا بتنفيذ تلك الضربات الصاروخية في اليمن. وفي سياق متصل ذكر وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن اللواء محمد عبدالله القوسي أن العملية تمت بالتنسيق مع السعودية ودول أخرى مجاورة لم يسمها. ونقلت صحيفة عكاظ السعودية عن القوسي قوله إن العملية الأمنية الاستباقية كانت نتاج جهود وتعاون أمني ومعلوماتي بين المملكة العربية السعودية واليمن ومع دول مجاورة" لافتا إلى أن اليمن "لن يتردد في تسليم أي من القتلى والمعتقلين السعوديين إلى المملكة في حال وجودهم" واعتبر أن ذلك يأتي في إطار التعاون الأمني الوثيق بين البلدين. وكان موقع وزارة الدفاع الإخباري "سبتمبر نت" قال إن من بين عناصر القاعدة القتلى الذين دفنوا في مقبرة صيرة في مديرية مودية عدداً من العناصر الأجنبية من مجهولي الهوية أحدهم يدعى إبراهيم النجدي (سعودي الجنسية) تم العثور في جيبه على رسالة موجهة إليه وكذلك وجدت بطاقة شخصية باسم محمد الذرعان وأضاف أنه تم قبر خمسة من القتلى من عناصر التنظيم الأجانب المجهولي الهوية في مقبرة زارة في مديرية لودر. وقال اللواء القوسي "إن السفارة السعودية في صنعاء كانت أحد الاهداف التي كان التنظيم الإرهابي يخطط لاستهدافها". الموقف الخارجي جاء مساندا ومؤيدا للسلطة، حيث سارع الرئيس المصري حسني مبارك للاتصال برئيس الجمهورية علي عبدالله صالح عقب العملية مباشرة يهنئه على ما اعتبره نجاحا لحقه في ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وبغض النظر عن التأييد والمباركة للسلطة على عملياتها ضد القاعدة فإنها فتحت جبهة حرب جديدة إلى جانب الجبهتين المشتعلتين في صعدة وبعض محافظات الجنوب فإقدام السلطة على توجيه ضربات مركزة على مواقع القاعدة يؤكد أن المواجهة معها بدأت تأخذ منحى جدياً هذه المرة فضلا عن اتساع مساحتها بالعودة إلى الاقتراب من العاصمة صنعاء. استشعار السلطة لهذا الأمر يبدو واضحا من خلال تشديد إجراءاتها الأمنية تحسبا لأي انتقام من القاعدة الذي سارعت عناصره عقب الغارة الجوية على قرية المعجلة إلى مهاجمة معسكر الامن المركزي والمجمع الحكومي بمديرية المحفد والكتيبة التابعة للجيش المرابطة في مديرية لودر، حيث تم تبادل إطلاق النار بين أفراد المعسكر والمهاجمين أصيب فيه أحد الجنود، فيما تم خطف جنديين آخرين. هذا الأمر جعل الأجهزة الامنية في عموم المحافظات ترفع من جاهزيتها حول المرافق العامة والمنشآت الحيوية الهامة والمصالح الأجنبية، فيما يبدو أنها إجراءات احترازية تحسبا لعمليات انتقامية. وتضمنت الإجراءات الأمنية بحسب وزارة الداخلية تكثيف الحملات الخاصة بمنع حمل السلاح في المدن ورفع وتائر تنفيذ خطة ملاحقة المطلوبين أمنيا وزيادة اليقظة الأمنية في مناطق الحزام الأمني المحيطة بالمحافظات والمدن اليمنية وزيادة أعداد النقاط الأمنية والحراسات والدوريات المختلفة. كما عقد مجلس الدفاع الوطني اجتماعا برئاسة رئيس الجمهورية ناقش فيه العمليات المنفذة ضد القاعدة مجددا تأكيد اليمن على تواصل جهوده الدؤوبة من أجل مكافحة الإرهاب والحيلولة دون تنفيذ عناصر القاعدة مخططاتهم المستهدفة زعزعة الأمن والاستقرار. وتحاول السلطة من خلال هذه العملية استعادة الثقة الخارجية وتحديدا الأمريكية بجديتها في مكافحة الإرهاب، خاصة أن العملية نفذت بالاشتراك مع قوات أمريكية وهو ما يذكرنا بالعملية التي استهدفت أبا علي الحارثي في مأرب بواسطة طائرة أمريكية. وعلى ما يبدو فإن الاستجابة الأمريكية المعنوية جاءت سريعة من خلال اتصال الرئيس الأمريكي بالرئيس علي عبدالله صالح والذي أعرب فيه بحسب الخبر الرسمي عن شكره وتقديره لجهود اليمن في مجال مكافحة الإرهاب وتهنئته بما وصفه "بالعمليات النوعية والناجحة" المنفذة والتي قال إنها تؤكد تصميم اليمن وعزمه على مواجهة خطر الإرهاب، مشيدا بمستوى التعاون بين البلدين في هذا المجال. وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن أوباما أكد حرص الولاياتالمتحدة على تقديم العون والدعم لليمن في المجال الأمني واللوجستي والمجالات التنموية والاقتصادية، والديمقراطية وأنه وعد بتقديم المزيد من هذا الدعم، إضافة إلى حث الدول المانحة الاخرى على تقديم الكثير من المساعدات لليمن لمجابهة التحديات التي تواجهه. كما أن المخاوف الامريكية من إعادة المعتقلين الأمريكيين إلى اليمن بدأت تتلاشى، فبعد أن كانت تتفاوض مع دول أخرى لتسليمهم إليها لإعادة تأهيلهم، عدلت عن ذلك لتسلم اليمن مطلع الأسبوع الحالي 6 من مواطنيها المعتقلين في جوانتانامو.