أثارت العمليات الاخيرة التي شنتها السلطة ضد القاعدة تساؤلات عديدة عن مدى قدرة النظام على الصمود أمام أكثر من جبهة حرب مفتوحة وعن مدى جديتها في مواصلة ضرب تنظيم القاعدة الذي أتيح له إعادة توحيد كياناته في شبه الجزيرة العربية واختيار اليمن مقرا رئيسيا له تحت إمارة ناصر الوحيشي. كما أن الغارات الجوية التي قالت السلطة إنها استهدفت معسكرات عدة تابعة للقاعدة في كل من محافظات أبينوشبوةوصنعاء أثارت أيضا الكثير من علامات الاستفهام عن طبيعة الدور الذي يلعبه التنظيم في اليمن وخارطة توزعه ومدى قدرته على مواجهة جدية السلطة في تقليم أظافره. المصادر الرسمية تشير إلى أن تمدد تنظيم القاعدة في البلاد فرض على الاجهزة الأمنية رفع درجة اليقظة في صفوفها إلى أعلى مستوى بهدف تحجيم نشاط التنظيم وشل حركته في المناطق التي يتواجد فيها خصوصا في المناطق التي توفر له أرضية خصبة للتوالد والتكاثر. وفيما تتوالى ردود الأفعال المدنية لغارات السلطة جراء استهدافها أيضا لمواطنين وخاصة عملية المحفد في أبين فإن السلطة تشيد بتلك العمليات وتعتبرها ناجحة بكل المقاييس وتحذر القبائل من إيواء عناصر القاعدة. لقد تعرضت السلطة لهجمات خلال العام 2009م وهو ما جعلها تخوض حرب كر وفر مع عناصر القاعدة التي استمرت بتنفيذ سلسلة من هجمات استهدفت سياحا أجانب ومصالح محلية وأجنبية عدة في أكثر من منطقة وفيما كانت صنعاء تشهد حرباً مفتوحة ضد خلايا القاعدة فقد توسعت هذه الحرب إلى أماكن تمركز القاعدة في محافظات الجوفوشبوةومأرب وحضرموت فضلا عن محافظة أبين التي تعد من أهم معاقل تصدير الجماعات الجهادية. هذه المحافظات -بحسب المصادر- الأمنية تعد مسرحا لنشاط القاعدة في البلاد بعد سلسلة من الهجمات التي تم تنفيذها من قبل خلايا جديدة للقاعدة ظهرت تحت مظلة تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، وبررت عملياتها التي استهدفت المصالح الحكومية الأجنبية بالانتقام لعناصرها الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن. ووضعت هذه التطورات في تكتيك الهجمات التي يتبناها القاعدة الحكومة في موقف حرج للغاية مع حلفائها في الحرب على الإرهاب وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية التي رأت في ذلك تأكيدا لمخاوفها من أن اليمن لا يزال يمثل بيئة ومركزا لنشاط القاعدة. وبحسب البيانات الرسمية لا يبدو أن هدف الحكومة مقتصر على ملاحقة خلايا وعناصر متورطة في عمليات إرهابية وحسب، إذ تكشف عن ثبات لدى السلطة في مواصلة الحرب على القاعدة وتفكيك الخلايا المتجددة وتقطيع أوصالها عن طريق ملاحقة مصادر التمويل الداخلية والخارجية غير أن مراقبين يعتبرون أن تزايد نشاط القاعدة في اليمن ينفي ما تذهب إليه الحكومة من ادعاء إحكامها السيطرة على تحركات عناصر التنظيم ويظهر حجم الخلل والضعف الأمني الذي تعانيه الأجهزة الأمنية. وفيما لا تزال تتواصل ردود الأفعال إزاء غارة أبين الأسبوع قبل الماضي والتي راح ضحيتها العشرات أكدت الحكومة أن تنظيم القاعدة كان يخطط لإقامة إمارات إسلامية في محافظات عدة وأن الضربة التي وجهت له في أبين كانت خطوة استباقية لمنع التنظيم من التموضع في هذه المنطقة. وفي جلسة عاصفة للبرلمان عقدت للاستماع إلى تقرير عن أحداث أبين أوضح نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن الدكتور رشاد العليمي أن الدولة كانت واقعة تحت خيارين لا ثالث لهما في مواجهة عناصر القاعدة، إما المواجهة أو الاستسلام للتقارير الدولية التي صورت اليمن ملاذا مفضلا لعناصر التنظيم وشبهته بالوضع في أفغانستان، ما أثر سياسيا واقتصاديا على البلاد" ما يعني ان الهجوم جاء فقط ليثبت للعالم الخارجي جديته في مكافحة الإرهاب. وأشار العليمي إلى أن "القاعدة" في اليمن يتلقى دعما وتمويلا ماليا لتنفيذ عملياته وزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن ودول الإقليم ويخطط من أبين لإنشاء إمارات إسلامية في المحافظات حيث أقام معسكرات تدريب في أكثر من محافظة، مؤكدا أن العمليات الاستباقية التي نفذت في أبين ومنطقة أرحب وأمانة العاصمة وشبوة استهدفت عناصر كانت تحضر لاستهداف سفارة بريطانيا ومصالح حكومية أخرى لم يحددها، حيث كان ثمانية انتحاريين في أرحب في مراحل الإعداد الأخيرة للتنفيذ بالأحزمة الناسفة. وحول العملية في المحفد محافظة أبين قال العليمي إنها استهدفت معسكرا للتنظيم بعد أن تأكدت صحة المعلومات لدى الجهات المختصة، وأضاف "إن الضربة النوعية استهدفت طابورا صباحيا لمعسكر التنظيم قتل على إثرها 24 عنصرا بينهم أحد المطلوبين ويدعى محمد صالح باكازم" الذي قال بأنه أطلق من مبنى الامن السياسي بضمانة مشايخ آل باكازم، لكنه عاد للنشاط مع القاعدة مجددا. وأكد العليمي أن من بين القتلى سعوديين أحدهما يلقب ب"الذرعي" والثاني ب"النجدي" إضافة إلى عدد من المصريين وباكستانيين وخمسة أجانب قال إنهم مجهولو الهوية ولكن يعتقد أنهم سعوديون. الخميس الماضي أعلنت اللجنة الأمنية العليا أن نحو 30 من عناصر القاعدة قتلوا في غارة جوية استهدفت اجتماعا للقاعدة في شبوة. وقالت في بيان إن القوات الجوية قامت بعملية وصفتها بالنوعية وتوجيه ضربة استباقية لأحد الاوكار الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة رفض بمديرية الصعيد في محافظة شبوة ما أسفر عن مصرع أكثر من 30 عنصرا من تنظيم القاعدة منهم عناصر قيادية هامة حيث كانوا يعقدون اجتماعا بحضور ناصر الوحيشي والسعودي الجنسية سعيد الشهري وأنور العولقي ومحمد صالح عمير مؤكدا أن الاجتماع كان يخطط لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية واستهداف المصالح اليمنية والأجنبية ومنشآت اقتصادية هامة والتخطيط لاستهداف قيادات عسكرية وأمنية وذلك كردة فعل انتقامية على العملية التي قامت بها الأجهزة الأمنية الأخيرة في أبينوصنعاء". الدعم الأمريكي كان حاضرا في هذه الضربة مثل سابقاتها حيث قال مسئولون أمريكيون إن القوات اليمنية حصلت على دعم من الولاياتالمتحدة لتنفيذ غارة شبوة. وذكر مسئول أمريكي أن واشنطن أمنت معلومات استخباراتية وغيرها من أنواع الدعم لليمن لتنفيذ الغارة إضافة إلى غارة مماثلة سابقة نفذت في أبين. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن التورط الأمريكي في الغارتين يعكس رغبة متنامية لدى إدارة الرئيس باراك أوباما في استخدام القوة العسكرية في مواجهة الإرهابيين خارج الحربين التقليديتين اللتين تخوضهما أمريكا في العراقوأفغانستان. ونقلت الصحيفة عن مسئول أمريكي قوله إن الحكومة الأمريكية تعتقد أن رجل الدين المتشدد أنور العولقي المرتبط بإطلاق النار في قاعدة فورد هود بتكساس ربما قتل في الغارة، غير أن بياناً نسب إلى مقربين من العولقي نفى إصابته أو مقتله في الغارة، كما نفى تواجد العولقي في مكان القصف أو أي علاقة له بالقاعدة. أما اللجنة الأمنية العليا فقد أكدت عزم الدولة على استمرار ملاحقة عناصر القاعدة وعدم التهاون معها وإفشال مخططاتها الإجرامية والمستهدفة النيل من أمن الوطن والمواطنين، كما حددت في بلاغها تحذيرها للجميع من "التستر أو تقديم أي إيواء أو مساعدة للعناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة" وقالت "حيث سيخضع كل من يقوم بذلك للمساءلة القانونية" ونبهت المواطنين إلى "عدم التواجد بالقرب من عناصر القاعدة والأوكار التي يتواجدون فيها وذلك حفاظا على سلامتهم وعدم إلحاق أي ضرر بهم أثناء استهداف عناصر القاعدة وملاحقتها". هذا التحذير دفع بقبائل في مأرب التي لم يشملها الضرب الجوي حتى الآن إلى توجيه طلب لعناصر القاعدة فيها بالابتعاد عن الأماكن والتجمعات السكانية. وذكرت مصادر محلية في مأرب أن عددا من مشائخ عبيدة طلبوا من عناصر القاعدة المقيمين في وادي عبيدة، مغادرة الوادي فورا والابتعاد عن الأماكن والتجمعات السكنية لأفراد قبلية عبيدة، مشيرة إلى أن مشائخ القبائل حذروا أبناء محافظة مأرب من تقديم أي إيواء أو ملجأ لعناصر التنظيم من خارج القبيلة الذين جرى إيواؤهم في بعض المزارع وسط وادي عبيدة خوفا من مهاجمة قوات الجيش لهذه المناطق على غرار ما حدث في شبوةوأبين مؤخرا.