في حديث أدلى به لصحيفة "الوسط" قال الدكتور سيف العسلي إن مؤتمر لندن هو محاولة للقفز فوق مشكلة اليمن والهروب إلى الأمام من كل الاطراف، فعلى المستوى الدولي يعد هذا أول تحد لأوباما بعد اتهامه بأنه ضعيف أمام القاعدة وأراد أن يكون اليمن معركته الحقيقية وشاء القدر أن يكون كذلك لأن التحدي جاء من اليمن وحول ما تريده الحكومة اليمنية من هذا المؤتمر قال: بالنسبة للحكومة اليمنية فهي تبحث عن موارد جديدة لليمن لسد العجز في مواردها الحالية أما البريطانيون فهم وسطاء لا أقل ولا أكثر ولذلك فإن هذا المؤتمر قد غيب الفاعلين الأساسيين وهم دول مجلس التعاون الخليجي لأن أي خطة لإصلاح اليمن لن يتحمل الجزء الأكبر من تكاليفها سوى دول مجلس التعاون نظرا لقربها من اليمن ولتوفر السيولة لديها، مضيفا "ولذا فإنني لا أتوقع أن يترتب على هذا المؤتمر أي نتائج إيجابية وسيكون ضرره على اليمن أكثر من نفعه". موضحا أن الضرر يتمثل في أن الوقت القصير للإعداد لهذا لمؤتمر من الطرفين سيجعلهما يركزان على قضايا تزيد الشكوك بينهما ولا تحسن الثقة وستأتي الحكومة اليمنية منتشية إلى المؤتمر بانتصاراتها الكبيرة التي تدعي أنها حققتها ضد القاعدة وبالتالي لن تأخذ المخاوف لدى الطرف الآخر بعين الاعتبار وستتصرف وكأنما هي تملي إرادتها على الآخرين بينما الجانب الدولي سيأتي ولديه شكاوى كثيرة بهدف تذكير الحكومة اليمنية بها لعلها تركز عليها او في أقل الأحوال سماع خطط الحكومة لمواجهة هذه الشكاوى ولأن الوقت قصير سيصر الجانبان على موقفهما مما يجعل الفجوة بينهما أكبر مما كانت قبل المؤتمر. العسلي في سياق حديثه أكد أن اليمن ليست قادرة على إقناع شكوك الخارج بمبرراتها حيث قال: "ليست قادرة وإنما متوهمة والدليل على ذلك أنها لم تتعامل مع الشكوك المحلية لدى المعارضة أو الشارع بالجدية المطلوبة وظلت ترسل رسائل متناقضة حول المؤتمر لتبرر موقفها فيما بعد فإن نجح المؤتمر فهو لصالحها وإن فشل فسيكون استجابة للشارع وأعتقد أن هذا التعامل ليس صحيحا لأن الحكومة تفقد ثقة الشارع وثقة المانحين في نفس الوقت. وأوضح أن إنقاذ اليمن بيد الرئيس كونه يملك الشرعية والشعبية -حد وصفه- منوها إلى ضرورة أن يعتمد الرئيس في عملية الإنقاذ هذه على مبدأ الكفاءات لا الولاءات: "أود أن أؤكد أن إنقاذ اليمن لا زال في يد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ذلك أنه يملك الشرعية والشعبية وبالتالي فإن عليه أمام الله والناس والتاريخ أن يتخذ قرارا شجاعا بأن يثور على المحسوبية والشللية وأن يرتقي فوقها ويمثل ذلك في تشكيل حكومة تعتمد أولا وقبل كل شيء على الكفاءات وليس على الولاءات وأن تكلف بإعداد برنامج واقعي فعلي قابل للتنفيذ وأن تعطى الفرصة المناسبة لإنجاز ذلك ويجب أن يكون واضحا لها بأن بناءها معتمد عليه. وخلافا للمتوقع من مؤتمر لندن والمتمثل في حصول اليمن على دعم معنوي واقتصادي قال إن كل الإشارات تدل على أن ليس مطروحا في هذا اللقاء أية تعهدات اقتصادية جديدة كون اليمن لم تستطع استخدام الدعم المقدم لها في 2006م والبالغ خمسة مليارات دولار مضيفا "ومن العبث طلب مساعدات جديدة أو تقديمها وربما سيتم التركيز على ما هي الأسباب التي لم تجعل اليمن تستفيد من هذه المساعدات وسيكون التركيز على الأداء الحكومي الذي لم يستفد من هذه القروض وأعتقد أنه مهما طرحت هذه الحكومة من مبررات فإنها لن تلقى أي صدى من المانحين. وحول تصوره لما سيتم في لقاء لندن أشار العسلي إلى ما يشبه المحاسبة للحكومة اليمنية من قبل المجتمع الدولي جراء تقصيرها في كل جوانب الأداء التنموي والمنتج للإرهاب حيث قال: "أعتقد أن الحكومة ستطرح همومها الاقتصادية وستحاول أن تربط هذه الهموم بالقاعدة وستحاول أن تقنع المانحين بأن هذه المساعدات هي الأجدى والأنفع لمحاربة الإرهاب وستدلل على ذلك بأن اليمن قد قامت بما هو واجب عليها في محاربته ضمن مواردها المحدودة وستوحي للمانحين أن زيادة الموارد للحكومة سيدعم أهدافها في قدرتها على مكافحة الإرهاب في اليمن وسيرد المانحون أن سبب زيادة نشاط الإرهاب في اليمن يرجع إلى تقصير الحكومة بواجباتها في تقديم الخدمات لليمن وتحسين علاقتها بهم. وبالتالي فإنه يمكن تقديم الدعم للحكومة ولكن بعد أن تظهر الحكومة جديتها وفعاليتها في هذه القضايا لذا فمن المفترض إما أن تقنع الحكومة المؤتمر بوجهة نظرها هذه أو أن تتفهم وجهة نظرهم وتلتزم بتحسين أدائها وفي كل الأحوال فإن أي دعم لليمن سيكون مشروطا بتحسين أداء الحكومة وكان من المفترض أن تستشرف الحكومة هذه القضايا وتختصر الوقت وتخاطب المانحين بما يفهمون ولكن ولسوء الحظ فإنه ليس لدى الحكومة هذا التوجه. وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي الدولي أشار إلى وجود مؤشرات خطيرة تؤكد انهيارا اقتصاديا لليمن كانخفاض سعر النفط وكميته والزيادة المستمرة في الإنفاق العام موضحا أنه: "في ظل الأوضاع في اليمن التي ليس لها أسواق داخلية كافية للتمويل ولا تستطيع الاقتراض من الخارج فإن النتيجة المنطقية أن يتم تمويل العجز من طباعة النقود وهذا ما حصل فعلا وكل النظريات الاقتصادية تؤكد أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة وزيادة معدل التضخم في الوقت الحاضر فإن مؤشر انخفاض قيمة الريال أمام الدولار قد ظهر.. محذرا من أنه "إن لم يتم تلافي ذلك وبسرعة فإن ذلك سيضع الاقتصاد اليمني في أول خطوة على سلم التضخم الجامح وإذا ما حدث ذلك -ولا سمح الله- فإن كلفة معالجة ذلك ستكون أكبر مما كانت عليه في عام 95م". ولتلافي الانهيار المتوقع للاقتصاد أكد الدكتور العسلي أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال تطبيق التجار لضريبة المبيعات كون التجار لا يدفعون ضرائبهم المستحقة، خصوصا وأن هناك قانوناً منذ 2001م لم ينفذ.. داعيا إلى ضرورة إعادة النظر في المشاريع التي ترهق الميزانية العامة وفي جزء كبير منها فساد لأنها -حسب وصفه- تتم خارج المناقصات وإذا تمت فإنها شكلية وإذا وجدت مواصفات فإنها لا تنطبق بعد الإنجاز، وضرب مثالاً بالطرقات التي قال إنها تأخذ حيزاً كبيراً من الموازنة العامة حيث يكون غالبية المقاولين فيها ليسوا محترفين وليست لهم أدنى الإمكانيات للقيام بمشاريع استثمارية كهذه وفي الغالب فإنهم يقومون بعمل مقاولات من الباطن لأناس آخرين وهؤلاء المقاولون لا يستطيعون مراقبة مقاولي الباطن كونهم غير مؤهلين ناصحاً من يشك في هذا الأمر بأن يتمعن في الشوارع والطرقات التي نفذت والتي لم تصمد إلا قليلا وأضاف "نفس الأمر ينطبق على المشاريع العامة الأخرى والقيام بهما سيوفر كثيراً من النفقات العامة الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص العجز في الموازنة العامة وسيعمل على زيادة التنافسية في الاقتصاد اليمني مما سيعمل على زيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية وهو ما سيؤدي إلى زيادة فرص العمل الجديدة وزيادة الدخل للناس. وعن إهماله للفساد كسبب مباشر للانهيار أشار العسلي إلى أن الفساد في اليمن معروف وهو كالشمس ولا يحتاج إلى إظهار وتعرف به الحكومة والرئيس والمعارضة وأنه لا يحتاج إلى مكاشفة داعيا إلى ضرورة الانتقال من موقع الشكوى منه إلى موقع معالجته. مؤكدا في سياق حديثه على أن ذلك "يحتاج إلى قرار سياسي وإلى قدرة على العمل مستدركاً "ولكنه غير كاف وإنما يحتاج إلى مؤسسات وقدرات ولو راجعت الرسائل التي وجهها الرئيس إلى الحكومة ستجد الكثير من هذا والرئيس حفظه الله ما فتئ يرسل رسائل ويعقد الاجتماعات ولكن نحن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا". وأكد العسلي أن الخلل يكمن في عدم المحاسبة "الخلل عدم إدراك أن الإنجاز يحتاج إلى تضحية وصبر فالمثل يقول إنه لا يمكن "أن يمشي الكبش وأنت تأكل من لحمه" وهذا يعني أن على الرئيس أن يحاسب الحكومة وفقا لما وجهها به فإن كانت هذه الحكومة عاجزة فلماذا الصبر عليها وإن كانت تحتاج إلى إمكانيات فيجب تمكينها منها منوها إلى أن البلاد تعيش حالة من الفوضى جراء غياب المساءلة التي يترتب عليها كل من الثواب والعقاب كون ذلك مفتاح الحل حسب قوله "نحن نعيش فوضى بكل ما تعنيه الكلمة بمعنى أن كل مسئول في الدولة هو حر أن يعمل أو لا يعمل بمعنى أنه لا تتم مكافأة المحسن أو معاقبة المسيء إذا لا بد من المساءلة ولا بد من الثواب والعقاب فإن ذلك هو مفتاح الحل وبدونه سنظل في هذه الحلقة المفرغة من الاتهام والاتهام المضاد". وفي نهاية حديثه ل"الوسط" أكد الدكتور العسلي أنه إذا لم تقم الحكومة بإصلاح ضريبي واسع وبإعادة النظر بالمشاريع الاستثمارية وفقا للمعايير الاقتصادية والسياسية وإذا لم تستغل مواهب أبنائها (مثلي) الذين أنفقت عليهم الآلاف وهم قابعون في منازلهم لا يفيدون أنفسهم ولا يفيدون الآخرين فإني أعتقد أن انهيار الاقتصاد على وشك الحدوث وأقرب مما يتصوره الآخرون وسيهبط الريال أمام الدولار إلى مستويات قياسية ولا أريد الحديث هنا حتى لا أخوف الناس وستشتعل نار الأسعار وستزيد المشاكل السياسية والاجتماعية عمقا.