كشفت اللجنة البرلمانية الخاصة بمراجعة الحسابات الختامية للموازنة العامة للدولة بموجب مراجعتها لتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، جملة من الاختلالات والتجاوزات المالية التي ارتكبتها الأجهزة والمصالح الحكومية الإيرادية وفي مقدمتها مصلحتا الضرائب والجمارك ، حيث لاحظت اللجنة البرلمانية أن هناك نقصاً كبيراً في ما تم تحصيله من موارد المنح والقروض الخارجية وبمبلغ (142,4) مليار ريال وبنسبة نقص بلغت (75،5%) عن تقديرات الموازنة العامة البالغة (188،6) . ووصف تقرير اللجنة البرلمانية الصادر في ال12 من ابريل الجاري هذا التجاوز بالظاهرة السنوية التي أثرت سلباً على جهود التنمية في بلادنا ، مشيراً إلى أن اللجنة ناقشتها بصورة مستفيضة وتأكد لها أن بعض مبالغ المنح والقروض الخارجية قد أدرجتها الحكومة كموارد في موازنة 2008م وهي عبارة عن مجرد وعود غير مؤكدة وذلك فيما يخص المنح ، كما أن البعض الآخر من الموارد التي أدرجت في الموازنة العامة 2008م في جانب القروض وخصصت من قبل وزارتي التخطيط والمالية لمشاريع البرنامج الاستثماري لم تكن قد استكملت بشأن بعضها الإجراءات الدستورية والقانونية .. كما تبين للجنة أن موازنات عدد من الوزارات قد أدرجت فيها موارد كبيرة كتمويل خارجي لمشاريع البرنامج الاستثماري التي تشرف عليها دون أن يكون لدى تلك الوزارات علم بمصادر تلك التمويلات ، ودون أن تكون تلك الموارد متاحة أصلاً خلال العام 2008م. وأكد تقرير اللجنة استمرار الاختلال في هيكل الموارد العامة من خلال الاعتماد على إيرادات النفط بصورة أساسية وبنسبة 74% من إجمالي الموارد العامة المحصلة للعام 2008م مقابل نسبة 16% إيرادات ضريبية ونسبة 1,7% قروض خارجية ونسبة 9.3% إيرادات ذاتية وهو ما يعني أن ما استهدفته الحكومة في خططها وبرامجها فيما يخص تنمية الموارد الذاتية غير النفطية لم يتحقق منه الشيء الكثير نظراً لعدم اتخاذ إجراءات ملموسة في تصحيح الاختلالات وجوانب القصور المتعلقة بالمصالح الايرادية المختلفة وتحسين مستوى أدائها في تحصيل الموارد العامة . وأظهر التقرير ضعفاً وقصوراً بالغاً في متابعة وتحصيل متأخرات حصة الحكومة من فائض نشاط بعض المؤسسات المالية وغير المالية المستحقة للحكومة والبالغ رصيدها في نهاية العام المالي مبلغ 53.7 مليار ريال . ولاحظت اللجنة أن تقدير موارد الموازنة العامة للدولة قد تمت في جوانب منها بصورة عشوائية ودون اتباع أسس ومعايير موضوعية .. حيث أظهر التنفيذ الفعلي للموازنة جملة من الاختلالات والتي ترجع أسبابها إلى مراحل إعداد الموازنة ، ومن مظاهر ذلك ما يلي : -تحقيق بعض انواع أبواب الموازنة العامة للدولة في جانب الموارد العامة نقصاً بمبلغ 232 مليار ريال . -وضع تقديرات لعدد من أنواع الموارد العامة خلال عام 2008م بأقل من الحصيلة الفعلية لها في عام 2007م بفارق قدره 40 مليار ريال . وفيما يتعلق بالملاحظات المتعلقة بالضرائب رصدت اللجنة في تقريرها الآتي : -استمرار تحمل الأفراد لمعظم العبء الضريبي حيث تركزت الضرائب المباشرة البالغ حصيلتها الفعلية لعام 2008م (191.039.222.339) ريالاً بما نسبته 67.1% من إجمالي الحصيلة الفعلية للضرائب المباشرة في حين بلغت الضريبة المحصلة على أرباح مؤسسات وشركات القطاعين العام والمختلط وشركات الأموال والأفراد (61.768.880.381) ريالاً بما نسبته 32.3% من إجمالي حصيلة الضرائب المباشرة . -عدم كفاية الإجراءات التي تتخذها مصلحة الضرائب لمتابعة وتحصيل الأرصدة الضريبية المستحقة طرف العديد من المكلفين والبالغ رصيدها في نهاية العام 2008م (30.218.085.387) ريالاً و(619.919) دولاراً امريكياً. -استمرار محاسبة المكلفين بضرائب الأرباح والدخل على أساس أنهم لايمسكون دفاتر وحسابات منتظمة وهو مالايتفق مع واقع الحال إذا ما تم مراعاة أرقام أعمالهم وحجم أنشطتهم في السوق ، حيث بلغت نسبة من تم محاسبتهم خلال عام 2008م وفقاً لحسابات منتظمة فقط 0.7% من إجمالي عدد المكلفين الذين تم محاسبتهم لنفس العام ، بينما من تم محاسبتهم محاسبة تقديرية وبمبالغ مقطوعة خلال ذات العام بلغ ما نسبته 99.3% . -تراكم القضايا الضريبية المنظورة أمام الجهات القضائية المختصة، حيث تقدر قيمة الضرائب المستحقة عليها بالمليار، وعدم تحقيق مصلحة الضرائب لما هو مستهدف في خطتها السنوية للعام المالي 2008م -استمرار تصاعد حالات التراكم الضريبي سنة إثر أخرى دون وجود ما يشير إلى قيام المصلحة باتخاذ الاجراءات الكفيلة لمعالجة وإنهاء تلك الحالات ..حيث بلغ عدد ملفات التراكم الضريبي كما في 31/12/2008م (186.681) ملفاً بنسبة زيادة قدرها 8% عن عام 2007م.. -محدودية قدرات ومهارات بعض العاملين في المستويات الإدارية المختلفة للقيام بكفاءة بأعمال المراجعة والتحليل المالي لحسابات وأنشطة المكلفين خصوصاً الشركات الكبيرة ومتوسطة الحجم . وعن مراجعة الحسابات المتعلقة بالجمارك أوضح التقرير أن نسبة مساهمة الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية في الإجمالي العام للدولة للعام المالي 2008م تمثل 2.4% فقط الأمر الذي يشير إلى وجود اختلالات في اجراءات فرض وتحصيل تلك الموارد والتي قال التقرير إن من أهمها :- -عدم إلتزام المختصين في بعض الدوائر الجمركية ببعض أحكام مواد قانون الجمارك والقرارات والتعليمات النافذة ترتب عليها العديد من التجاوزات وجوانب القصور التي رافقت الاجراءات الجمركية بمراحلها المختلفة وهو ما يؤثر سلباً على حصيلة الخزينة العامة من الإيرادات الجمركية والضريبية . -استمرار تدني الأسعار التقديرية لمعظم السلع المستوردة عبر المنافذ الجمركية في ظل عدم كفاية الامكانيات المتوفرة لدى المصلحة في هذا الجانب ، علاوة على تدني الأسعار الواردة في تعميمات المصلحة بشأن بعض السلع . -قيام بعض المنافذ الجمركية بإعفاء بعض البيانات الجمركية من الرسوم المستحقة بنسبة بلغت (50% ) ، (100%) على التوالي دون إرفاق المسوغات القانونية لذلك الإجراء ضمن البيانات الجمركية ذات العلاقة . -قيام بعض المنافذ الجمركية بتخفيض الغرامات المستحقة على بعض المخالفات بنسب تتجاوز في بعض الحالات 50% من قيمة تلك الغرامات . - استمرار قيام المنافذ الجمركية بالإفراج عن بعض السلع المستوردة بموجب ضمانات مالية في ظل عدم كفاية وفاعلية الرقابة والمتابعة على تلك الضمانات ، حيث بلغ عدد الضمانات المالية المرحلة إلى عام 2009م في سبع دوائر جمركية (1240) ضمانة بقيمة إجمالية (5.209.671.596) ريالاً. -ضعف القدرات المهنية والعلمية لموظفي الجمارك وغياب التنسق وتبادل المعلومات بين المنافذ الجمركية المختلفة -اتساع ظاهرة التهريب الجمركي للسلع المستوردة . من جهة أخرى كشف تقرير برلماني منفصل عن أن الحكومة لم تتّخذ الإجراءات اللازمة لمكافحة تهريب المشتقات النفطية، سواءً التهريب الداخلي أو الخارجي، وأن 30- 40% من الدعم الموجّه للمشتقات النفطية يمكن أن ينخفض إذا ما تم مكافحة الفساد المتعلّق بتهريب المشتقات النفطية. وقال تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة المكلّفة بدراسة تطورات سعر صرف العملة الوطنية إن الكميات المستهلكة محلياً من المشتقات النفطية غير واقعية ، حيث تؤكّد جميع المؤشّرات وجود فساد كبير وتهريب للخارج، كما أن الكميات المستهلكة محلياً تزداد كلما تحرّكت الأسعار العالمية وتنخفض بانخفاضها، وذلك مؤشّر على أن وتيرة تهريب المشتقات النفطية تزداد مع ارتفاع الأسعار العالمية بفعل زيادة هامش الدعم الذي تدفعه الدولة. وأظهر التقرير ارتفاع فاتورة دعم المشتقات النفطية المستوردة من الخارج والتي تتراوح بين 48-49 مليار ريال شهرياً، وفي الجانب المقابل فقد بلغت موارد النقد الأجنبي الموجّهة لاستيراد المشتقات النفطية من الخارج عبر شركة مصافي عدن خلال الفترة المنصرمة من عام 2010 حوالي 467 مليون دولار، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة وكذا على ميزان المدفوعات. ولفت التقرير البرلماني إلى ما أشار إليه مجلس النواب في تقاريره حول الحسابات الختامية للأعوام السابقة والتي أكّد فيها وجود فساد كبير وتهريب للمشتقات النفطية للخارج. وقالت اللجنة البرلمانية في تقريرها إنها لاحظت أن ما جاء من قبل الحكومة بشأن مكافحة التهريب لا يعكس جدية الحكومة بالتعامل مع ظاهرة التهريب الجمركي للسلع والبضائع وكذا فيما يخص مكافحة تهريب المشتقات النفطية، كما أن معالجات الحكومة قد ركّزت بدرجة كبيرة على الإصلاحات السعرية التي يتحمّل عبئها المواطن، حيث أبدت اللجنة عدم موافقتها الحكومة في هذا التوجّه. وطالبت الحكومة بأن تكافح الفساد المستشري في كافة الأجهزة والمؤسسات وبالذات في الجهات والقطاعات التي تستحوذ على نسب أكبر من الإنفاق العام، وكذا فيما يخص الفساد المتعلّق بالمشتقات النفطية. وأوصى التقرير بترشيد استهلاك المشتقات النفطية وإعادة النظر في مخصّصات كافة الجهات الرسمية المدنية والعسكرية واتّخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة عمليات التهريب الداخلي والخارجي لهذه المشتقات، وتطوير وتأهيل مصفاة عدن بما يمكّنها من التوسّع في الإنتاج وتشجيع القطاع الخاص لتوجيه استثماراته نحو إنشاء مصافي لتكرير النفط بهدف سد احتياجات البلاد من المشتقات النفطية