تخيم حالة من التوتر الحاد على مناطق مديرية حرف سفيان التي شهدت خلال الأيام الماضية مواجهات عنيفة بين قبائل موالية للدولة وأنصار الحوثي وسقط خلالها ما يقارب 70 قتيلاً وأكثر من 150 جريحاً من الطرفين . وعلى ما يبدو فإن الأوضاع من خلال مؤشراتها على الواقع تتجه نحو جعل الحرب قبلية(بكيلية) مسنودة من الدولة ، خاصة أن مساعي التهدئة اقتصرت على الوصول لهدنة قصيرة جداً لم تصمد أكثر من يومين، فبعد المواجهات العنيفة في حرف سفيان ، قام عدد من المشائخ بجهود وساطة لفض الاشتباكات بين جماعة الحوثي وقبائل الشيخ صغير بن عزيز النائب في البرلمان عن المؤتمر الشعبي العام والتي سعت إلى منع الاحتكاكات بين الطرفين والإشراف على اتفاق توصلت إليه اللجنة الوطنية يقضي باستلام موقع هام مطل على منزل بن عزيز سبق أن استولى عليه مسلحو جماعة الحوثي الأربعاء الماضي بعد معركة دامية لتحل بدلهم قوة عسكرية من المعسكر المرابط هناك . وبحسب المعلومات فإن حرص الرئيس على دخول الشيخ حسين الأحمر عبر مجلس التضامن الذي يرأسه طرفاً في الوساطة أدى إلى فشل مساعيها كون الأحمر غير مرغوب فيه من قبل طرفي النزاع(الحوثيين وقبائل بن عزيز). قبائل بكيل التي وجهت لها نداءات لمناصرة الشيخ بن عزيز تجنبت الوقوع في الفخ الرسمي في جعل الحرب مع الحوثيين قضيتها ، فهي تعرف الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الأخيرون في حرف سفيان . وكانت معارك عنيفة دارت بمنطقة العمشية في مواقع المدائن والزعلة والمسحاط واللبدة والسمسرة شمال سفيان واستخدمت فيها مختلف انواع الأسلحة، بين الحوثيين وقبائل بن عزيز. وقد دخلت القوات الحكومية المرابطة في موقع الزعلة على الاقل الاشتباكات مع الحوثيين بحسب المصادر القبلية التي أكدت أن التوتر مستمر في المنطقة رغم النفي الرسمي . ويقول الحوثيون إن"المواجهات هي مع الجيش وليس مع القبائل" وتتم "مع مواقع عسكرية معروفة". وقال الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام إن جماعته تواجه الجيش وليس قبائل موالية للحكومة كما أشيع في وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن المواقع التي تدور فيها المواجهات -مثل الزعلة ومرشد والكبري واللبدة- تتمركز فيها دبابات وصواريخ، مما يؤكد أنها "ليست مواقع قبلية". وتأتي هذه المواجهات بعد اتفاق أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس علي عبدالله صالح مطلع الشهر الجاري على استئناف العمل باتفاقية الدوحة بين الحكومة وجماعة الحوثي، وسط مخاوف من أن تكون هذه الجولة الجديدة من الاشتباكات مقدمة لحرب سابعة بين الطرفين. وتعكس هذه المواجهات ارتفاعا كبيرا للتوتر ليس فقط في سفيان وإنما حتى في مناطق صعدة وتهديدا لجهود إرساء الاستقرار بعد أكثر من خمسة أشهر على دخول اتفاق وقف إطلاق النار الهش حيز التنفيذ بين الحكومة والحوثيين. وازدادت خلال الأسابيع الماضية المخاوف من "حرب سابعة" في صعدة مع استمرار المواجهات المتنقلة والدامية بين المتمردين الحوثيين والقبائل الموالية للحكومة. ودفعت هذه التطورات بنواب كتلة صعدة يساندهم 66 عضوا في المجلس يشكلون ما يسمى بكتلة مجلس التضامن- إلى الانسحاب من جلسة مجلس النواب الاربعاء الماضي، مهددين بتعليق عضويتهم احتجاجا على حصار الحوثيين للشيخ القبلي بن عزيز في حرف سفيان، إذ قالوا إن الحوثيين بدأوا منذ وقف الحرب السادسة تصفية أبناء القبائل الذين وقفوا مع الدولة أثناء حروبها الست مع الحوثيين. وجاء قرار كتلة صعدة وعدد آخر من نواب محافظات يمنية أخرى رغم قرار المجلس باستدعاء وزيري الدفاع والداخلية ورئيس اللجنة المكلفة الإشراف على تنفيذ النقاط الست بالحضور إلى المجلس لمناقشة الموضوع مع كتلة صعدة ورؤساء الكتل البرلمانية وهيئة رئاسة مجلس النواب. ووصف الشيخ عثمان مجلي -وهو كبير مشايخ صعدة في مجلس النواب- قرار المجلس ب "الهزيل والضعيف كعادته"، مؤكدا أنهم لن يحضروا مع الوزراء الذين قرر المجلس استدعاءهم، مشيراً إلى أن هؤلاء يجتمع بهم المجلس كل مرة "لكننا نريد نتائج على الأرض"، فيما قال النائب فائز العوجري إن القرار "مخيب للآمال"، وسخر من طلب البرلمان الالتقاء بوزير الدفاع، متسائلا "ماذا أنتظر من وزير دفاع يطلب مني في صعدة أن أحميه أنا؟. نريد الدولة كمؤسسات والدولة كجيش والدولة كمسئولة عن مواطنيها". وطالب النواب في رسالة قرأها النائب عبده بشر المجلس ب"عدم الخوض في مناقشة أي موضوع في البرلمان حتى تحل قضية النائب صغير عزيز وينفذ الحوثيون بنود السلام". لكن رئيس كتلة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم سلطان البركاني انتقد ظاهرة اعتصام النواب داخل المجلس، معتبراً أن "النواب بهذه الاعتصامات حولوا المجلس إلى أشبه بمنظمة أو نقابة، وبالتالي فإنه بهذا يكون المجلس تخلى عن سلطته". وأضاف ان "الأصل أن يكون النواب عند مستوى المسؤولية لا أن يتخلى النواب عن مسؤولياتهم من خلال تعليق عضوياتهم". وذهبت اتهامات للقول إن السعودية عمدت عبر أياديها في أوساط مشائخ القبائل إلى إفشال تفعيل الوساطة القطرية . لكن السعودية سارعت لنفي ذلك بشكل غير مباشر عبر افتتاحية صحيفة الوطن السعودية التي عنونتها بتساؤل عن المستفيد من عودة التوتر إلى صعدة وحرف سفيان ، مشيرة إلى أن الأحداث الأخيرة "تثير قلقا حقيقيا وخوفا من عودة انتشار الصراع المسلح في هذا البلد الذي لم يكد يخرج من دوامة الحرب "السادسة" بعد. وقد زاد من هذا الاحتمال توسع الاشتباكات لتشمل الجيش اليمني، حيث ترددت أنباء عن سقوط ضحايا من الجيش اليمني أيضا في اشتباكات مع بعض عناصر الحوثيين". وقالت "إذا كانت الحروب "الستة" الماضية قد فشلت في تحقيق أي نصر نهائي لأي طرف من الأطراف وأدت إلى وقوع دمار كبير وضحايا بالآلاف من الجانبين، فماذا يأمل من يعمل على عودة الصراع مرة أخرى أن يحقق من "حرب سابعة" قد تكون أكثر شراسة ودمارا من الحروب الماضية؟ واتهمت الصحيفة أطرافاً خارجية -لم تسمها- بالتدخل في شئون اليمن ودعم الحوثيين ضد سلطة الدولة. معتبرة ذلك مرفوضاً تماماً.. "لقد كان تدخل أطراف خارجية واضحا خلال الفترة الماضية في دعم الحوثيين ضد سلطة الدولة في اليمن، وبالطبع فإن هذا التدخل لم يكن أبدا من أجل عيون الحوثيين وتحقيق مطالبهم، لكن الأسلوب الذي يستخدم للمطالبة بها مرفوض تماما. هذه الأطراف الإقليمية تسعى للخروج من الطوق الذي بدأ يضايقها ويؤثر على اقتصادها، وقد ترى في توتير الأوضاع في اليمن ورقة ضغط تحاول من خلالها دفع قوى إقليمية ودولية لتخفيف ضغوطها عليها". وجددت الصحيفة السعودية اتهامها لقوى لم تسمها بالسعي لإعادة إشعال فتيل الصراع في اليمن، معتبرة هذا التدخل لا يصب في مصلحة الشعب اليمني بمن في ذلك الحوثيون أنفسهم. مؤكدة أن الحوار هو الأساس الصحيح لحل الخلافات وتقديم مصلحة اليمن على بقية المصالح الأخرى. واندلعت المواجهات في حرف سفيان عقب اتهام بن عزيز الحوثيين بنصب كمين لزيدان المقنعي شيخ قبيلة بن عزيز أسفر عن مقتل الأخير وابنه وأربعة من مرافقيه، في حين نفى الحوثيون صلتهم بالحادث الذي وقع قرب الحدود السعودية. وقال المتحدث الحوثي محمد عبد السلام إن الشيخ المقنعي قتل في مواجهات وليس في كمين مسلح، مشيرا إلى أن جماعته خسرت في هذه المواجهات ثلاثة من أفرادها. وبرر عبد السلام في بيان استخدام السلاح بقوله إنه رغم تحسن الأوضاع لا يزال الحوثيون يواجهون من وصفهم "بتجار حروب مسلحين"، داعيا الحكومة إلى وقف جميع الاعتداءات وعدم تأجيج الخلافات والصراعات القبلية. وجدد المتحدث باسم الحوثيين "ترحيبهم بأي وساطة محلية أو رسمية، على أن يكون الوسيط حياديا، والمهم ألا يعاد نصب الكمائن لنا في مديرية سفيان". وتحدث عن تواصل مع وسطاء، اتُفق بموجبه على وقف إطلاق النار من عصر الخميس "لكن الجيش لم يلتزم بذلك، بل إن قوات معسكري (المسحاط ودخشف) زحفت علينا من الشمال والجنوب، بالدبابات والجنود". يذكر أن وساطة سابقة قادها علي ناصر بن قرشة الأسبوع الماضي تمكنت من التوصل لوقف إطلاق النار في المنطقة ، وانسحاب مسلحي الحوثي من مناطق( المسحاط والزعلاء والعمشية) ، وكذا انسحاب قبائل بن عزيز من المواقع المستحدثة ، ومغادرة البرلماني صغير بن عزيز المنطقة ، غير أن المواجهات تجددت بعد رفض الأخير المغادرة. وكانت اللجنة الأمنية اليمنية العليا اتهمت الحوثيين بذات حادث مقتل الشيخ زيدان. وقالت إن عناصر الحوثي نصبوا كمينا للشيخ زيدان المقنعي أسفر عن مقتله ونجله وأربعة من مرافقيه. وأشارت اللجنة في بيان لها إلى أن "هذا العمل تزامن مع خروق أخرى واعتداءات على المواطنين ترتكبها العناصر الحوثية في عدد من مناطق صعدة وحرف سفيان بمحافظة عمران، الأمر الذي يعكس تعمدها الاستمرار في خلق التوتر وتقويض جهود إحلال الأمن والسلام". إلا ان الحوثيين نفوا هذه الاتهامات، معتبرين ان سقوط القتلى لم يكن بسبب كمين بل بسبب مواجهات مع القبائل. وطالب مصدر في حركة الحوثي السلطة بأن تقف موقف المسؤولية ولا تقدم أي دعم مادي أو معنوي لأية جهة، مؤكدا أن دعم أي نزاع قبلي بما فيه الثأر لن يخدم أحدا بل يزيد من المعاناة ويقلص دور السلطة المحلية. من جانبه أكد وزير الخارجية الدكتور ابو بكر القربي ان الحكومة والرئيس حتى الآن أظهروا الحرص الكبير على ألا تتجدد الحرب في صعدة " وان وقف إطلاق النار يجب أن يستمر، وتصب جهود الحكومة نحو إعادة الإعمار. وقال ان حديث الحوثيين عن وجود استعداد حكومي لحرب سابعة هو محاولات استجداء العطف، والحوثيون دائما أسلوبهم هو استجداء العطف، بطرق مختلفة. وأضاف في حوار صحفي "جهود الحوثيين تصب نحو فرض المزيد من النفوذ في المناطق، والتعدي على مؤسسات الدولة والجيش، وجهود الحكومة تصب في اتجاه الاعمار وإعادة النازحين، والتحدي الحقيقي أمامنا اليوم هو كيف نقنع الحوثيين بأنه ليس من مصلحتهم الاستمرار في هذا الطريق، ولا من مصلحتهم الحديث عن حرب سابعة، لأن نواياهم إذا كانت صادقة فيجب أن يتحدثوا عن المعالجات لأي مظالم حقيقية. لقد وضعت هذه الأحداث اتفاق الوساطة القطرية على المحك فضلاً عن جدية السلطة والحوثيين في النزوع نحو احلال السلام في المناطق التي ظلت مسرحاً للمواجهات طيلة ست سنوات ، كما أنها في نفس الوقت ضاعفت مخاوف الأهالي من فشل تنفيذ اتفاق الدوحة وتجدد الحرب.