وسط حالة من الريبة وحالة عدم الثقة بالآخر بدأت مطلع الأسبوع الحالي أولى لقاءات لجنة التهيئة للحوار الوطني المكونة من200 شخصية مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه والتي تعثر انعقادها الأربعاء الماضي بحسب ما كان دعا إليه رئيس الجمهورية وهو ما جعل السلطة تعبر عن أسفها لعدم استجابة المشترك للدعوة الرئاسية. وفي هذا اللقاء تم تشكيل هيئة رئاسة للجنة المشتركة، حيث قُدم عبدربه منصورهادي رئيسا من جهة المؤتمر ، وعبدالكريم الإرياني نائباً ، فيما قدم من جهة اللقاء المشترك وشركائه محمد سالم باسندوة رئيساً - رغم تأكيده في وقت سابق عدم مشاركته في أي جلسات حوار بين الطرفين- وعبدالوهاب الآنسي نائباً وهو الذي سيكون رئيساً بإسم المشترك في لجنة الحوار على الواقع. كما تم خلال الاجتماع تشكيل لجنة مصغرة من اللجنة المشتركة، مكونة من 30 عضوا بالمناصفة بين المؤتمر والمشترك ،حيث ضمت قائمة المؤتمر وحلفائه كلا من (عبدربه منصور هادي ، عبدالكريم الإرياني ، عبدالعزيزعبدالغني ، يحيى الراعي ، صادق أمين أبو رأس ، أحمد عبيد بن دغر ، سلطان البركاني، قاسم سلام، حمير الأحمر، ياسر العواضي، محمد بن ناجي الشائف ، رشاد الرصاص، عبدالله أحمد غانم ، أكرم عطية ، عارف الزوكا). وضمت قائمة المشترك كلا من ( حسن زيد، حميد الأحمر، رشاد سالم علي، سلطان العتواني، صخر الوجيه ، عبدالله عوبل ، عبدالوهاب الآنسي ، عبدالوهاب محمود ، علي عبدربه القاضي، عيدروس النقيب ، محمد حسن دماج، محمد عبدالملك المتوكل، ناصر العولقى ، ياسين سعيد نعمان). وكان من اللافت تغييب طرفي الحوار للمرأة في اللجنة المصغرة ، فضلاً عن استبعاد الحوثيين من قائمة المشترك وهو ما يعد إشارة واضحة إلى اقتصار الحوار على الأزمة السياسية بين المشترك والحاكم والمتمثلة في الانتخابات فقط ، دون الالتفات بشكل حقيقي إلى أزمات البلد العامة وفي مقدمتها حرب صعدة والقضية الجنوبية . وكان جدل دار في الجلسة الأولى حول مكان اجتماع لجان الحوار، حيث اقترح أمين عام المؤتمر ورئيس لجنته الحوارية عبدربه منصور هادي على أن تكون في مجلس الشورى بينما أمين عام التنظيم الناصري طالب بأن تكون في مجلس النواب لتستقر فيما بعد على مجلس الشورى بعد أن قال رئيس لجنة المؤتمر الحوارية إن هذا الاختلاف هو أول لغم في طريق الحوار. كلمات الطرفين الملقاة في جلسة الافتتاح لم تخل من تبادل الاتهامات في تأخير تنفيذ اتفاق فبراير، حيث قال رئيس لجنة المؤتمر عبدربه منصور هادي إن البعض قرأ نصوص اتفاق فبراير بالطريقة التي كانت تفيده وتحقق له هدفاً آنياً ضيقاً وبقي النص نفسه عصياً على كل محاولة من شأنها الالتفاف عليه وفشلت محاولات التتويه، والإحالة إلى أشكال غير شرعية والاستقواء بالخارج".مشيراً إلى أن الخلاف لم يكن يجري على القضايا الأساسية والحيوية التي تهم البلد.."لقد كانت الخلافات سطحية، وثانوية، وغير ذات بال في حالات كثيرة..." أما كلمة المشترك التي ألقاها عيدروس النقيب فقد عرضت بالسياسات الخاطئة للسلطة الحاكمة في إدارة البلد وأكدت أن سياسات العنف وحمل السلاح بين أبناء الوطن الواحد لا تصنع حلولا ، وإنما تدمر الأوطان وتضاعف الآلام ، وتعمق الأحقاد وتمزق المجتمعات وتبدد الطاقات". وقالت: إن جذر الأزمات يرتبط بالنظام السياسي ، مؤكدة استحالة " تجاوز هذه الأزمات بدون الإصلاح السياسي الشامل الذي يفضي إلى تغيير إيجابي كفيل بتحقيق إقامة نظام مؤسسي ديمقراطي لا مركزي يرتكز على الفصل بين السلطات وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التداول السلمي للسلطة ويضمن الشراكة الوطنية". وفيما أسفت على عدم مشاركة رئيس الجمهورية في الجلسة الافتتاحية باعتباره رئيسا للمؤتمر الشعبي العام ، وهو ما يعني عدم ثقة المشترك بممثلي المؤتمر في تنفيذ ما سيتم التوصل إليه . فقد دعت البلدان الشقيقة والصديقة إلى دعم المسيرة الحوارية ومتابعتها بالرأي والنصيحة والموقف حتى تصل إلى غاياتها في الإعداد والتنفيذ ، متمنية أن لا يقتصر "موقف الأشقاء والأصدقاء على دعم الجانب الأمني فحسب فإن ذلك وحده لا يجدي نفعاً مادام المناخ الذي يولد الإرهاب والتطرف قائماً والتجربة الدولية في أفغانستان والعراق وغيرهما شاهدة على فشل الحلول الأمنية ". وكانت نقطة حضور الرئيس من عدمه في الجلسة الافتتاحية للحوار قد أثارت ردود أفعال متباينة وعن كونه راعياً للحوار أو طرفاً فيه ، قال القيادي في اللقاء المشترك على الصراري إن التوقيع على محضر تنفيذ اتفاق فبراير لم يكن برعاية الرئيس كما أشاعت وسائل إعلام السلطة، وإنما بكونه طرفاً فيه "مؤكداً أن السلطة تمارس المراوغة والالتفاف والتعطيل ولذلك خرجت وسائل إعلامها بحملة مخططة ومنظمة بغرض تخريب الحوار وإثارة الشكوك حوله بما يؤدي إلى انقضاض الأطراف المدعوة للمشاركة في الحوار". الصراري الذي استبعد اسمه من لجنة الحوار المصغرة للمشترك أشار في كلمته أمام الاجتماع الموسع الذي انعقد في مقر الاشتراكي بمحافظة تعز إلى أن الأولوية في اللحظة الراهنة تتمثل في استعادة عناصرالثقة بين الأطراف المكونة للجنة التحضيرية للحوار الوطني التي كان يرأسها باسندوة وتوضيح الحقائق للأطراف الأخرى المعنية بالحوار قبل اتخاذ أي خطوة باتجاه السير قدماً نحو تنفيذ الاتفاق، مشدداً بالقول: لا حوار إلا بإشراك أطراف الحراك السلمي في الجنوب والحوثيين في صعدة. الرد المؤتمري على حديث الصراري جاء سريعاً، حيث حذّر رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام (طارق الشامي من بعض الأصوات داخل المشترك التي ستحاول إفساد مسيرة الحوار الوطني كونها لا تستطيع أن تمارس نشاطها إلا في ظل التأزيم ، متمنياً على القيادي في اللقاء المشترك على الصراري (أن يقل خيرا أو ليصمت) ، مؤكدا بأن المؤتمر الشعبي العام قد قرر عدم الانجرار نحو المناكفة السياسية التي يحاول البعض إثارتها لتعكير أجواء الحوار بإثارة قضايا جانبية الهدف منها التأزيم. وفيما يلزم اتفاق فبراير الأحزاب على مناقشة التعديلات الدستورية والانتخابات وقضايا الإصلاح السياسي دون النظر في القضايا الأخرى المشتعلة في البلد قد وضعت بعض أحزاب المشترك إزاء بعض القضايا التي باتت مهملة من قبلهم كالقضية الجنوبية وقضية صعدة في حرج شديد وهو ما جعلهم يعبرون عن مواقفهم إزاءها عبر بيانات منفردة . ففي حين رحبت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي بتوقيع المحضر بين قيادتي اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام الهادف للتهيئة للحوار الوطني المرتقب، إلا أنها أكدت بان " الحوار الذي تحتاجه اليمن هو ذلك الذي من شأنه أن يساهم في خلق وفاق وطني ومصالحة وطنية حقيقية تقضي على آثار الحروب، وتستعيد الشراكة الوطنية وتساعد على الخروج من الانسداد السياسي الذي تعاني منه البلد" وأضافت قائلة "إن الاتفاق على تشكيل لجنة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني لا يمكن أن يفهم منه الموافقة على السياسات غير الرشيدة التي تدار بها اليمن التي دمرت البلاد وأنهكت مقدراتها وأوصلتها إلى حافة الهاوية الاقتصادية والاجتماعية". وحول الأوضاع في الجنوب عبرت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني عن رفضها المطلق لاستمرار محاصرة المدن والتضييق على الأهالي في مناطق لحج والضالع وغيرها من المحافظات الجنوبية.واستنكرت في بيانٍ لها " الإصرار على مواصلة عسكرة الحياة المدنية ومعالجة قضايا الاختلاف السياسي بالوسائل العسكرية والأمنية ، مشيرة إلى أن تضييع فرصة الحوار في هذا الظرف العصيب سيعني ترك البلد نهبا للمشكلات المختلفة التي تتهدد مستقبل أجياله" .ويقف الجنوبيون في الاتجاه المناهض لاتفاق السلطة والمعارضة بما فيهم قيادات في أحزاب المشترك أبرزهم محسن باصرة الذي انسحب من عضوية قائمة المشترك في لجنة التهيئة للحوار الوطني ، التي أدرجت اسمه ضمن قائمة المائة دون التشاور معه حسب قوله. ومن جهته أعلن القيادي في الحراك الجنوبي ناصر الخبجي أن مطالب الحراك هي فك الارتباط مع الشمال وتحرير الجنوب واستقلاله، معتبرا أن جنوباليمن يعيش حالة لاحتلال وانه لا توجد هناك صلة قائمة بين الشمال والجنوب. وذكر الخبجي في تصريحات لوسائل الإعلام : إن الحلول لإنهاء هذه المشكلة هي حلول دولية أما ما يدور من حوار بين السلطات اليمنية وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة فهذا يخص الشمال فقط لتهدئة الأزمات في الشمال ودفن القضية الجنوبية وإيصال رسالة إعلامية إلى الخارج بغرض الإيحاء بأن هناك استقرارا في البلاد لجذب القروض الخارجية. وأضاف: إن قضية الجنوب هي قضية أخرى ليس لها علاقة بما يدور من حوار في الشمال وان الانتخابات البرلمانية القادمة هي انتخابات مرفوضة وباطلة في الجنوب لان الشمال الآن يحتل الجنوب وبالتالي لا يمكن التحدث عن انتخابات في ظل هذا الظرف. وفي ظل هذه المواقف المضادة فإن الحوار بين الحاكم والمشترك يواجه تحديات كثيرة قد تعيق من تقدمه ، فضلاً عن التباينات بين الطرفين حول ما يجب أن يكون عليه الحوار وما سينتج عنه، خاصة أن السلطة وحزبها الحاكم لا يقصدان من ورائه سوى التمكن من إجراء الانتخابات في موعدها في حين يظهر المشترك لأنصاره ومؤيديه أن حواره مع السلطة سيكون حول كافة القضايا وفي مقدمتها قضايا الإصلاح السياسي وصعدة والجنوب.