عمد الحوثيون إلى إعادة انتشارهم في المناطق التي كانوا انسحبوا منها في صعدة بعد حادثتي التفجيرين اللذين استهدفا موكبين تابعين لهما في صعدة والجوف قبل أسبوعين ،كما قاموا باستحداث النقاط على الطرقات استعداداً لمواجهات مع تنظيم القاعدة كعدو مفترض يقاتل نيابة عن الحكومة والأمريكيين -حسب زعمهم-. وبحسب المعلومات فقد استحدث الحوثيون أكثر من 15 نقطة تفتيش في مديريات الجوف العالي (المتون والزاهر والمطمة)، وشرعت في تفتيش السيارات "المشبوهة" وطلب الهويات من المارين، منذ وقوع الهجوم على موكب تابع لهم قبل أسبوعين أسفر عن مقتل 18 شخصاً وجرح آخرين أثناء ما كان متوجهاً إلى مديرية المتون للاحتفال بيوم الغدير الذي اعتاد الحوثيون على إحيائه سنوياً. وهو نفس الإجراء الذي اتبعه الحوثيون على الطرقات في مناطق صعدة بعد الهجوم الآخر الذي تعرض له موكب قبلي متحالف معهم. ويبدو أن الحوثيين يحاولون من خلال انتشارهم التحسب للعدو المجهول وإعادة الهيبة إليهم بعد أن كسرت في الهجومين الانتحاريين، وفرض سيطرتهم على تلك المناطق التي تغيب عنها الدولة، فضلاً عن مطاردة أعدائهم الجدد. وبالرغم من عدم اعتراف جماعة الحوثي بعدو اسمه تنظيم القاعدة، معتبرين ذلك مقدمة لحرب جديدة ضدهم تحضر لها السلطة وعملاء أمريكا وإسرائيل ، فقد أصدر الحوثي بياناً طالب فيه أنصاره في الجوف بمحاربة عناصر القاعدة. وكان الحوثي اتهم المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بتدبير الهجومين الانتحاريين، وهو الأمر الذي وصفته سفارة واشنطنبصنعاء ب"السخيف". وتبنى تنظيم القاعدة الهجوم الانتحاري ضد الحوثيين. وقال في بيان نشره أحد مواقعه الإلكترونية إن "المجاهدين في جزيرة العرب قرروا البدء بهذه العملية الاستشهادية دفاعاً عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته (رضي الله عنهم) ودفاعاً عن إخواننا من أهل السنة". وأعلنت القاعدة في البيان ذاته عن تشكيلها وحدات خاصة للدفاع عن من أسمتهم ب"أهل السنة". وأشارت إلى أن هذه الوحدات تأتي ضمن سلسلة "استئصال النبتة الخبيثة التي زرعها الشيعة الإيرانيون الروافض، في صعدة وما جاورها بزعامة الحوثيين ". المسئول السياسي لجماعة الحوثيين صالح هبرة اتهم المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي بالسعي وراء تفجيري محافظتي الجوف وصعدة .وأشار في مقال له نشر على الانترنت إلى أن تلك العمليات مبرر لتحرك عسكري تنوي تلك الجهتhن القيام به في المحافظات الشمالية بالتنسيق مع السلطة وأطراف أخرى إقليمية ودولية تحت غطاء ملاحقة الإرهاب. وانتقد التحرك غير المسبوق للدعوة للوسطية من على منابر السلطة اليمنية بالمفهوم الذي يرضي الأمريكيين لا بالمفهوم الشرعي الذي يكرس مشروعية الجهاد ويحرم الولاء للأمريكيين والإسرائيليين والحكم على من تولاهم بأنه منهم كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعمل". وقال إن السلطة بدأت تروض الشعب على تقبل تلك الوضعية من خلال إعلانها نشر طائرات بدون طيار في اليمن وإرسال فرق أمريكية لمراقبة المطارات وإنشاء قاعدة جوية أمريكية غرب العاصمة.. مؤكدا أن حسابات أمريكا خاطئة ورهاناتها ستخسر أمام وعي من سماهم بأبناء المسيرة .وأخذت حالة التوتر بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة بالتصاعد، خاصة بعد إعلان الأخير قتلهم الزعيم الروحي للحوثيين في هجوم صعدة الانتحاري وليس كما أعلنت جماعته بأن وفاته ناجمة عن إصابته بالربو. وكان الحوثيون أعلنوا وفاة زعيمهم الروحي بعد يوم من العملية الانتحارية التي استهدفت موكبا لجماعتهم. وذكر بيان نشر على موقع (مركز الفجر للإعلام) المحسوب على تنظيم القاعدة أن الحوثي قُتل نتيجة عملية نفذها أحد عناصر التنظيم المكنى ب(أبي عائشة الصنعاني الهاشمي) في الموكب الشيعي، الذي كان متجهاً للاحتفال ب(يوم الغدير). وأشار البيان إلى أن جماعة الحوثيين حاولت إخفاء وفاته عبر العملية التي نفذها الصنعاني وقالت إن وفاة الحوثي كانت وفاة طبيعية. " وتابع البيان "إن جماعة الحوثي تريد أن تخدع الناس بأن جنازته التي تلت عمليتنا المباركة بيوم واحد كانت إثر وفاة طبيعية، وقاموا بالتكتيم الشديد على مقتله ونشروا إشاعات مخالفة للحقيقة، وعلى الرغم من ذلك فقد استطعنا الحصول على معلومات من داخلهم تفيد بمقتل بدر الدين الحوثي". وفي أول تعليق للحوثيين ، نفى يحيى الحوثي نجل بدر الدين الحوثي، ذلك بشدة وقال "إن البيانات التي قيل عنها أنها تابعة للقاعدة وأنها اغتالت الوالد فهي بيانات كاذبة والوالد رحمه الله توفي وفاة طبيعية ، ولو أنه كان استشهد من قبل أي معتد لكنا أعلنا ذلك، لأن الشهادة شرف وكرامة وليست مذمة وملامة" وفي تصريحات لقناة بي بي سي بشأن مصلحة القاعدة من تبني اغتيال والده، قال يحيى الحوثي "إن القاعدة في اليمن هي جزء من النظام وهي مخابراته والنظام لديه أصلاً قائمة بخمسين مطلوباً، ولأن الوالد توفي وقد عجز النظام وأنصاره عن قتله على مدى أكثر من ثلاثين عاماً فكأنه يريد أن يغطي على فشله بأن يصل إلى الوالد بهذا البيان الكاذب". وأكد على عدم وجود قاعدة في اليمن، متهماً النظام بتبني القاعدة في البلاد، وبالتغرير على الولاياتالمتحدة والدول الغربية بأن هناك قاعدة. و كانت معلومات تحدثت عن أن استهداف القاعدة للموكب تم بعد أن رصدت القاعدة ترتيبات لحضور بدر الدين الحوثي الاحتفال بعيد الغدير بالجوف ، والذي كانت تعد له جماعة الحوثي كمفأجاة لأنصارهم هناك. غير أن ضيف الله الشامي -المسئول في المكتب الإعلامي للحوثي- قال إن احتفال الجوف لم يكن معداً له حضور قيادات من صعدة. تصاعد حدة التوتر الطائفي هذا أثار قلق الأممالمتحدة التي أبدت مخاوفها من نشوب حرب طائفية في اليمن. وذكرت الأممالمتحدة، عبر موقعها الإلكتروني شبكة الأنباء الإنسانية "ايرين" إن مخاوفها من اندلاع حرب طائفية يستند إلى تقارير ميدانية تحدثت عن "تصاعد حدة التوتر الطائفي في محافظات اليمن الشمالية (صعدة والجوف وعمران) بعد تفجير تنظيم القاعدة لسيارتين ملغومتين استهدف بهما أتباع الحوثي". ونقل التقرير عن زعيم قبلي من محافظة الجوف قوله إن القتلى في كلا الحادثين من أنصار أو مقاتلي الحوثي الذين يلتزمون بهدنة هشة مع الحكومة منذ شهر فبراير الماضي ، مشيرة إلى قيام أنصار الحوثي بنصب نقاط تفتيش على الطرق التي تربط المحافظات الثلاث واعتقالهم أشخاصاً يشتبه في صلتهم ب"تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". وبحسب التقرير، فإن المراقبين المحليين يحذرون من أن منطقة شمال اليمن، التي كانت مسرحاً للقتال بين الحكومة والمسلحين الحوثيين منذ عام 2004 قد تتحول إلى مسرح لمعارك طائفية . من جهة أخرى شكك تقرير نشرته وكالة رويترز بجدية الحكومة في محاربة تنظيم القاعدة ، مستدلاً على ذلك بالتحرك السهل لبعض قيادات القاعدة وفي مقدمتهم أنور العولقي الذي ظهر مؤخراً في تسجيل فيديو يتضح من خلاله أن ثقته المفرطة في نفسه هي أكثر ما يلفت الانتباه. وتقول حكومة الرئيس علي عبد الله صالح إن اليمن يبذل أقصى ما في وسعه لإلقاء القبض على هذا الرجل الذي تصنفه واشنطن "ارهابيا دوليا" لكن ما أبداه العولقي من غرور في التسجيل المنشور على الانترنت قبل أيام من أحدث محاولة لمتشددي القاعدة في اليمن لمهاجمة الولاياتالمتحدة يدفع الكثير للتساؤل عن مدى التزام صنعاء بشن حرب على التشدد. وذكر التقرير أن أحد أسباب إحجام حكومة صالح عن كبح جماح شخصيات قاعدية خطيرة هو أن التحرك بناء على أوامر من واشنطن تكون له آثار سلبية على الرأي العام في الداخل. وتحدث التقرير عن كذب السلطات اليمنية على مواطنيها وقولها لهم إنها هي التي شنت العمليات ضد متشددي القاعدة المشتبه بهم هذا العام في المعجلة وشبوة ومارب غير أن برقيات دبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس الأسبوع الماضي تشير إلى أن هذه كانت كذبة للتغطية على الغارات الجوية الأمريكية. وقال حسن ابو طالب المتخصص في الشؤون اليمنية بمؤسسة بحثية مصرية حكومية إن الناس يتهمون الحكومة اليمنية دوما بالتخلي عن سيادتها واستقلالها وهو ما قد يعطي الناس مبررا للانضمام إلى القاعدة. وفي الشهر الماضي بدأ الداعية المصري عمرو خالد سلسلة من المحاضرات بدعوة من حكومة حزب المؤتمر الشعبي العام في محاولة جاءت متأخرة لمكافحة مشاعر التطرف التي يقول منتقدون إن الحكومة أسهمت في تشجيعها. وبحسب التقرير فإن نظام صالح الذي يدعمه الجيش يميل إلى تفضيل المحسوبية القبلية على القمع الصريح حتى يستمر في الحكم وله صلات بمجموعات من الجهاديين اليمنيين الذين يقدر عددهم بنحو 20 الفا والذين قاتلوا السوفيت في أفغانستان بين عامي 1979 و1989 وانه يستخدم هذه المجموعات كجنود في الصراعين في شمال اليمن وجنوبه. وعلى الرغم من أنه يجري الآن التعامل بجدية مع تنظيم القاعدة في اليمن الذي نشط على مدى العامين الأخيرين فان تمرد الحوثيين الشيعة في الشمال وتهديد الانفصاليين في الجنوب احتلا دائما موقعين أكثر تقدما على قائمة الأولويات الأمنية لصنعاء وتحاول الحكومة -بحسب التقرير- تصوير الصراعين لحلفائها الأمريكيين على أنهما مرتبطان بالقاعدة. وفي برقيات من دبلوماسيين أمريكيين نشرها موقع ويكيليكس الأسبوع المنصرم يشكو حكام دول خليجية من أن صالح يعتمد على دفع أموال لأشخاص لحل مشاكل اليمن وأنه لا يعير اهتماما كافيا لتنظيم القاعدة. ووجه التقرير اتهاماً غير مباشر للرئيس علي عبدالله صالح بمساندة المتشددين على البروز وقال إنه لجأ إليهم للحصول على دعمهم للمرة الأولى بعد أن اتحد شمال اليمن تحت قيادته مع جنوبه الذي كان يقوده الاشتراكيون في عام 1990 وتمت الاستعانة بالاسلاميين على اختلاف ميولهم لقتال العلمانيين في الجنوب في حرب صيف 1994 . وتابع"كان حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل حليف صالح في الحكومة لبعض الوقت، كما استقبل اليمنيون الذين شكلوا مجموعة كبيرة من المقاتلين المسلمين في أفغانستان في الثمانينات بالترحاب لدى عودتهم باعتبارهم مصدر دعم للنظام وهو ما جعل وضع السلفيين يصبح قويا في المجتمع اليمني". وقال كريستوفر بوكك المحلل بمعهد كارنيجي للسلام الدولي إن "استيراد السلفية السعودية المتشددة كان له أثر" مشيراً إلى أن السعودية مولت المعاهد الدينية وساندت رجال دين بعينهم. كما طردت نحو مليون يمني خلال أزمة حرب الخليج. وقال بوكك "حين عاد هؤلاء اليمنيون عادوا بتفسيرات سعودية للإسلام".