عاد تنظيم القاعدة في اليمن لإستراتيجيته السابقة في استهداف الأجانب والمصالح الغربية والتي كان استبدلها خلال الفترة الماضية بضرب المتعاونين داخلياً مع الخارج ضدهم من ضباط وجنود الأمن. أواخر الأسبوع الفائت أحبطت قوات الأمن هجوماً كان يستهدف موظفين في السفارة الأمريكية يعملون لصالح السي آي إيه ، لدى توقف الحافلة التي كان يستقلها الموظفون الأمريكيون في حدة أمام مطعم غالبا ما يرتاده غربيون. وقالت الشرطة إنها منعت رجلاً من تفجير سيارة تابعة للسفارة الأمريكية في صنعاء وإنها تحقق فيما إذا كان المشتبه به -وهو أردني- له صلات بتنظيم القاعدة دون أن يصاب أحدهم بأذى،لكن السفارة الأمريكية التي أكدت الحادثة قالت انه "من المرجح" أن يكون الهجوم محاولة لاستهداف المصالح الأمريكية في اليمن.. وبحسب تصريح نسب لمسئول أمني فقد أكد بأن أفراد الأمن المسئولين عن حماية موظفي السفارة ألقوا القبض على المهاجم عندما حاول زرع متفجرات بالقرب من سيارة السفارة بعد توقفها أمام مطعم للبيتزا في صنعاء. وقال المسئول الأمني إن المهاجم -وهو شاب أردني -يعيش في اليمن بإقامة منتهية منذ ثلاثة أشهر كان يحمل في سيارته أسلحة ووثائق هوية مزورة ،موضحاً أن الشرطة مازالت تحاول معرفة إن كانت له صلات بالقاعدة. وسبق لتنظيم القاعدة أن شن هجمات مماثلة على موظفي السفارات الغربية في البلاد. ففي شهر اكتو بر المنصرم أطلق مسلحون صاروخا على سيارة تابعة للسفارة البريطانية في صنعاء كان يستقلها أربعة من موظفي السفارة بمن فيهم نائب رئيس البعثة الدبلوماسية البريطانية. كما سبق لمسلحي تنظيم القاعدة أن شنوا عدة هجمات استهدفت السفارة الأمريكية في صنعاء رد الفعل الأمريكي على الحادثة جاء سريعاً ، حيث حثت السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء الأمريكيين المقيمين في اليمن على "توخي الحيطة والحذر" وتجنب المناطق التي شهدت هجمات مماثلة في السابق. كما أن الحادثة أعادت تسليط الأضواء الخارجية وخاصة الأمريكية على اليمن فقد أعلن عن زيارة مرتقبة لوفد من الكونجرس الأمريكي إلى اليمن للاطلاع على القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتي تساهم أمريكا في إعادة مراجعتها. وعادت وسائل الإعلام الأجنبية بعد هذه الحادثة للتحدث عن كون اليمن مركزاً للقاعدة والمشاكل والتحديات التي يواجهها وأنه يكافح لمحاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كما يسعى للقضاء على تمرد انفصالي في الجنوب وتثبيت هدنة هشة مع المتمردين الحوثيين في الشمال. وعلى ما يبدو فإن القاعدة بدأت العمل بجناحيها العسكريين اللذين أُعلن عن تشكيلهما قبل أشهر -أحدهما لتنفيذ عمليات في الداخل ضد ضباط وأفراد الأمن والآخر لاستهداف الأجانب وتنفيذ عمليات في الخارج- فضلاً عن أن التنظيم في ذات الوقت كشف عن قائمة تضم ما يقارب الخمسين ضابطاً قال إنهم هدف له. وبالتزامن مع حادثة استهداف موظفي السفارة الأمريكية – قيل إنهم عملاء لمكتب الC.I.A - نفذ ما يعتقد أنهم من أتباع القاعدة في أبينولحج عدداً من الهجمات ضد النقاط العسكرية والمعسكرات ما أسفر عن مقتل عدد من الجنود. ففي محافظة لحج ارتفع ضحايا الاشتباكات التي اندلعت الخميس الماضي بمديرية الحبيلين بين مسلحين -يعتقد أنهم من أتباع القاعدة –تقول السلطة إنهم قاعديون يتبعون الحراك- وأفراد القطاع العسكري إلى خمسة جنود ، بعد العثور على جثة جندي اليوم التالي للمواجهات. وكانت توجيهات عسكرية للأهالي بإخلاء المنطقة بعد فرض المسلحين حصارا على القطاع العسكري ومنعهم من إسعاف المصابين ولدت الذعر في أوساطهم وبدء بعضهم بالنزوح إلى مناطق مجاورة ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد تمكن وساطة من التواصل مع العناصر المسلحة لفك الحصار ونقل المصابين إلى خارج المحافظة للعلاج. وقالت اللجنة الأمنية العليا إن من ضمن القتلى الرائد على غانم العماري والجندي جلال صالح سعيد السمحي والجندي العزي محمد احمد الجرادي والجندي سمير حسين الرمادي. وتشهد مديرية الحبيلين توترا مشوباً بحذر ، بعد أنباء حول قدوم تعزيزات عسكرية تضم عشرات العربات لنقل الجنود والمصفحات من محافظة تعز إلى مثلث العند في محافظة لحج. وتأتي هذه التحركات بعد اشتباكات الخميس الماضي التي قتل فيها الناشط في الحراك والمطلوب لدى الأمن عباس طنباج وخمسة عسكريين. وقالت مصادر محلية إن عشرات المسلحين توافدوا من مدينة الضالع وجبال يافع (لحج) القريبتين إلي مدينة الحبيلين للمشاركة والتصدي لقوات الجيش.وأشارت ذات المصادر إلى أن مسئولين محليين ووجهاء عشائر منطقة الحبيلين يتفاوضون مع القيادات العسكرية لمنع اقتحام الجيش المدينة لملاحقة المسلحين. لكن مصدرا امنيا أكد لوكالة فرانس برس تصميم السلطات الأمنية والعسكرية على وضع حد للفلتان الأمني في مديريات ردفان الأربع وبينها الحبيلين، ما يثير المخاوف من مواجهة مسلحة مقبلة. وفي محافظة أبين استهدف مسلحون مدرعة عسكرية في مدينة لودر ما أسفر عن مقتل جنديين ، وإصابة آخرين.ونقلت جثث الجنود إلى مستشفى بلودر ، كما تم إسعاف المصابين إلى ذات المستشفى . وأعقب هذا الهجوم وقوع اشتباكات وصفت بالعنيفة استخدم فيها الطرفان (المسلحين والأمن) قذائف ال آر بي جي. هذا التحرك المثير للعناصر المسلحة التي يعتقد بانتمائها للقاعدة جاء بعد إطلاق السلطات المحلية -بتوجيهات عليا - لعدد من عناصر القاعدة الذين كانوا سلموا أنفسهم لها قبل أكثر من أسبوعين وهو ما أثار استغراب المراقبين. وكانت محافظة أبين شهدت هدوءاً خلال بطولة خليجي عشرين ، وسلمت عدد من العناصر أنفسها للسلطات المحلية فيما ظل آخرون يتحركون في المنطقة دون اعتراض من أجهزة الأمن. وفي سياق منفصل ظهر القيادي في القاعدة فهد القصع المصنف كإرهابي عالمي في لقاء مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية بعد شائعات مقتله في غارة جوية على الشريط الحدودي لباكستان.واستغرب القصع "شائعات" مقتله، ووجوده في منطقة وزيرستان شمال باكستان. قائلاً "بالعكس وجودي في اليمن أفضل في ظل الأوضاع المتأزمة مع الحكومة اليمنية". وأكد القصع استهداف مزرعته ومقتل 5 أشخاص فيها.كما أكد أنه تلقى عروضا من الحكومة تدعوه إلى تسليم نفسه مقابل ضمانات ووعود منها عدم تسليمه لأمريكا. وكانت وسائل إعلام غربية نشرت في أكتوبر الماضي خبرا عن مقتل فهد القصع المعروف أيضا ب"أبو حذيفة اليمني"، في هجوم صاروخي أميركي في باكستان. وصنفت الحكومة الأمريكية فهد القصع احد زعماء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كإرهابي عالمي، بما يعنى تجميد كل ممتلكاته الخاضعة للسيادة الأمريكية وحظر الأشخاص الأمريكيين الانخراط في معاملات لصالحه. وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون و في بيان صادر لها ، قالت إن تصنيف القصع كإرهابي عالمي تم بموجب القرار التنفيذي رقم13224 ، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات "ستساعد في وقف تدفق تمويل القصع ومنع سفره" واصفة إياه بأنه "خطير. وأوضح البيان أن هذا القرار "يستهدف الإرهابيين ومن يوفرون الدعم لهم أو الأعمال الإرهابية" ، كما وضعت وزارة الخارجية القصع على القائمة الموحدة في لجنة العقوبات لقرار الأممالمتحدة رقم 1267 المتعلقة بالأفراد المرتبطين بتنظيم القاعدة وحركة طالبان. ولفتت وزارة الخارجية إلى انه قبل قيام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان القصع مرتبطا بعناصر القاعدة في اليمن ومتورطا في تفجير المدمرة الأمريكية (يو.اس.اس كول) في ميناء عدن الذي أسفر عن مقتل 17 أمريكيا. وختمت وزارة الخارجية بيانها باعتبار أن هذه الإجراءات التي اتخذت "تظهر العزم الدولي على إزالة قدرة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على تنفيذ هجمات عنيفة وتعطيل وتفكيك وهزيمة هذه الشبكات". والقصع -وهو من محافظة شبوة من قبائل "آل عبدالله بن دحة" إحدى قبائل العوالق- تعده الاستخبارات الأمريكية الرجل الثالث عالميا في قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الاتحادي "إف بي آي"، على خلفية تفجير مدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في خليج عدن عام 2000 ، و أدرج في نوفمبر من العام الماضي على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لأكثر الإرهابيين المطلوبين. من جهة أخرى أكد كبير مستشاري الرئيس الأميركي باراك اوباما لشؤون مكافحة الإرهاب أن أي توتر بين واشنطنواليمن هو "توتر صحي"، وذلك عقب معلومات كشف عنها موقع ويكيليكس ،على عكس ما ذكره المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الارياني بأنه لا تأثير لما تضمنته الوثائق المنشورة وتأكيده على أن العلاقات في أحسن حالها. وقال جون برينان إن إدارة اوباما ستفعل كل ما بوسعها لمساعدة اليمن على التخلص من "سرطان القاعدة الرهيب". وأضاف "كما هو الحال في جميع العلاقات الثنائية، فان العلاقة بين واشطن وصنعاء يمكن أن تتميز بالتوتر واختلاف الرأي وأحيانا بمشاعر الإحباط من جانب كل طرف"، بحسب مقتطفات من كلمته أمام معهد كارنيغي انداومنت للسلام العالمي. وقال برينان إن واشنطن دفعت اليمن مرات عدة لتعزيز التنمية الاقتصادية والسياسية، فيما اشتكى اليمن من أن كل ما يهم الولاياتالمتحدة هو قتال القاعدة. وأضاف "أنا اعتبر هذا توترا صحيا. وقد أجريت مع الرئيس علي عبد الله صالح حوارات اسميها نشطة، حيث اننا ناقشنا وتحاورنا بشأن العديد من القضايا المهمة". وقال في الكلمة "ولكن هذه علامة على الصداقة الحقيقية: عدم إخبار الآخر ما يريد أن يسمعه، ولكن إخبار الآخر بما يجب أن يسمعه". وكشف موقع ويكيليكس الشهر الماضي عن برقيات تشير إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح لم يقل الحقيقة لشعبه حين تظاهر بان الضربات الأميركية العسكرية ضد القاعدة شنتها قوات يمنية. كما كشفت برقية أخرى انه خلال اجتماع حول القاعدة مع برينان، كان صالح "يشعر بالملل ونفاد الصبر". وقال برينان "لقد أوضحت للرئيس صالح اننا نأسف بشدة للكشف العلني عن المراسلات الدبلوماسية المفترضة والذي جاء نتيجة عمل جنائي مشين". وأضاف "لقد قلت للرئيس اليمني انه من المؤسف للغاية أن تتم هذه التسريبات، وآمل بان لا تتسبب بأية مشاكل له وللحكومة اليمنية". وتابع "لقد أبلغت (اليمن) بالتزام الرئيس (باراك) اوباما الشخصي بان الولاياتالمتحدة ستفعل كل ما بوسعها لمساعدة اليمن على التخلص من سرطان القاعدة الرهيب في بلادهم".