في أول مشهد سياسي يغيب فيه الرئيس علي عبدالله صالح منذ 33 عاما مضت أدت حكومة الوفاق الوطني اليمين الدستورية أمام نائب الرئيس عبدربه منصور هادي مطلع الأسبوع الجاري، لكن صالح الذي قبل بذلك تحت ضغط المجتمع الدولي والاحتجاج الشعبي لا يزال يبحث عن أي مناسبة للظهور حتى ولو عبر إزجاء التهاني للرؤساء والملوك بأعياد ميلادهم . ويمثل إعلان الحكومة رغم تأخره تقدما حقيقيا باتجاه تنفيذ آلية المبادرة يضاف إلى التقدم المتمثل في إعلان اللجنة العسكرية والأمنية بقيادة نائب الرئيس يأتي هذا في ظل الرفض الشبابي في الساحات المختلفة لتشكيلها . وينتظر من الحكومة أن تعمل في ظروف عصيبة مدة 90 يوما ثم عامين تكون اليمن بموجبها خرجت من عنق الزجاجة جراء المعاناة الناجمة عن مضاعفات ثورة التغيير واستعصاء النظام 10 أشهر على نقل السلطة بشكل سلس. إن مرحلة العمل الحالية تتطلب أن ينسى هذا الفريق الوزاري انتماءاته وأن يعمل بروح الفريق الواحد من أجل اليمن، خصوصا وأن رئيس الحكومة محمد باسندوة شخصية غير صدامية تتمتع بذهنية مرتبة إلى حد كبير، كما أن توازن الثقل السيادي في قائمتي المؤتمر والمشترك تفرض على كليهما التكامل والتعاون. وفي هذا الإطار عمل المجتمع الدولي على أن يكون حاضرا في متابع تنفيذ المبادرة الخليجية وإظهار دعمه للحكومة الجديدة. وبدون سلطة فعلية فان أفضل سيناريو ممكن هو وصول الحكومة المؤقتة إلى الانتخابات بدون اندلاع أعمال عنف كبيرة. لقد رصدت عدد من الملاحظات على حكومة الوفاق الوطني الأولى، هو اختفاء المحاصصة المناطقية غير انه حل بديلا عن ذلك التقاسم الحزبي. الملاحظة الثانية ابتعاد مؤهلات وخبرات المختارين للحقائب عن تخصصاتها مثل صالح سميع المتخصص في القانون بتسميته لوزارة الكهرباء وعلي العمراني المتخصص في الصناعية لوزارة الإعلام وصخر الوجيه للمالية وعبدالسلام رزاز للمياه والبيئة وأحمد عبيد بن دغر للاتصالات . بالنسبة للمعارضة التي استمرت في التعامل مع وزارة حقوق الإنسان كوزارة للمرأة فقد كان اختيار سميع والعمراني واحداً من أدلة الاختيار بالترضيات.. فلا علاقة للأول بالكهرباء ولا للثاني بالإعلام ... وهو ذات الأمر الذي دفع المؤتمر لتسمية قاسم سلام لوزارة السياحة وهو مادعاه إلى رفضها معيدا المؤتمر إلى البحث عن بديل في ظل تطلعات العديد من أعضائه للوزارة ومجاهد القهالي لوزارة المغتربين. ويقول المحلل السياسي عبد الغني الارياني "الكثير من الأشخاص الذين تم تعيينهم كفاءتهم ضئيلة."واضاف "ما شهدناه هو خليط من التسوية والترضية انتج مجلس وزراء غير فاعل." وتابع "أقصى ما يمكن ان تتمناه من هذه الحكومة هو تحقيق الظروف الملائمة لإجراء انتخابات رئاسية سلمية خلال شهرين ونصف الشهر. لا اعتقد ان بمقدورهم تحقيق شيء ملموس اكثر من هذا." حصة الإصلاح الحقيقية تمثلت في وزارات التربية والتعليم والعدل والتخطيط والتعاون الدولي وهي وزارات ينظر لها الإصلاح بأهمية بالغة رغم انها ستكون مرتبطة بالصراع السياسي على عكس وزراء: الاشتراكي، الدكتور محمد أحمد المخلافي وزيرا للشئون القانونية، والتجمع الوحدوي الدكتور عبدالله عوبل وزيرا للثقافة، والحق حسن شرف الدين كوزير دولة سيعملون متخففين من إرباك الصراع السياسي المباشر الذي ينتجه العمل في مجالات الخدمة العامة في التعليم والعدل والأمن والصحة. واحتفظ المؤتمر بثمانية وزراء من تشكيلته السابقة رغم كل التكهنات التي ذهبت إلى أن المؤتمر قد يفاجئ بأسماء جديدة لكن ذلك لم يتم، ولعل لهذا العجز مبرراته بسبب موجة الاستقالات التي شهدها المؤتمر وهو ما اعتبر إعادة هؤلاء بمثابة مكافأة لهم رغم أن وزيراً كالقربي صار له أكثر من عشر سنوات في الخارجية . وفيما لم يحظ الحراك الجنوبي بتمثيل في صياغة اتفاق تسليم السلطة بموجب المبادرة الخليجية لكن اعترافاً به كقوة موجودة في الساحة. ورفض شباب الثورة حكومة الوحدة الوطنية قبل تشكيلها بوقت طويل.حيث رفعوا سقف مطالبهم الخاصة بالتغيير السياسي إلى ما هو أعلى من رحيل صالح اذ دعوا إلى إسقاط جميع النخب السياسية في البلاد. وتبرز تحديات كبرى أمام حكومة الوفاق الوطني ، ترتبط بضرورة تفعيل بنود المبادرة الخليجية وآليتها وإدخال الطمأنينة على المواطنين من خلال اتخاذ قرارات تكفل تحقيق التغيير المنشود. وقد بدأ نائب الرئيس في ترؤس أولى اجتماعات حكومة الوفاق واللجنة العسكرية التي من مهامها تحقيق الأمن والاستقرار وإزالة المظاهر المسلحة وإنهاء انقسام الجيش. وخلال الاجتماع، حدد هادي المهام التي ستقوم بها اللجنة خلال شهر ديسمبر الجاري بناء على ما جاء في البندين (16) و (17) من الآلية التنفيذية لمبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج. وطبقاً لما أوردته وكالة الأنباء الحكومية (سبأ) فقد حدد هادي مهام اللجنة خلال الشهر الجاري والمتمثلة في «العمل على وقف إطلاق النار والالتزام الصارم من جميع الأطراف بعدم الاختراق مهما كانت الأسباب حتى يتسنى للجنة السير في تنفيذ برنامجها في الأزمنة المحددة، والعمل على منع التنقلات غير المشروعة والمسلحة من مدينة إلى أخرى أو داخل إطار المدينة نفسها ومنع الاستحداثات التي تؤدي دوما إلى توتر وخصوصا في المدن الرئيسية». وأضاف إلى ذلك «العمل على منع استخدام المنشآت الحكومية والفنادق والمباني كأماكن للتحصين من قبل المسلحين بعد انسحابهم من الشوارع، والعمل على منع الاعتداء على المنشآت الحكومية والمشاريع الحيوية والاقتصادية للدولة مثل خطوط أنابيب النفط والغاز، ومحطات وأبراج وخطوط الكهرباء، والطرق الرئيسية، والتقطع لقاطرات النفط والغاز، واقتحام ونهب المنشات الحكومية، ويتحمل المسئولية القانونية كل من حاول الاعتداء عليها، بالإضافة إلى متابعة وقف إطلاق النار في محافظة تعز ومديرية أرحب ونهم في محافظة صنعاء و إزالة أسباب التوتر فيها وفتح الطرقات العامة أمام الدولة و المواطنين لإيصال الخدمات». كما ستقوم اللجنة بتنفيذ الخطة الزمنية لإزالة وإخلاء المظاهر المسلحة بشتى أنواعها في أمانة العاصمة واستكمال تنفيذ الخطة الزمنية المعتمدة لمحافظة تعز في الموعد المحدد، ويكلف أعضاء من اللجنة في المهام الميدانية لتنفيذ برنامج وأهداف اللجنة في عواصم المحافظات التي تشهد توترات مسلحة وفقا لما تراه اللجنة. وفي محافظة تعز التي زارها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وزارها امس عدد من سفراء الدول المعنية بالمبادرة الخليجية تمكنت اللجنة العسكرية ، من رفع المظاهر المسلحة وإعادة الوحدات العسكرية إلى ثكناتها. وقد ولدت اللجنة عبر عملية قيصرية أخرجت قرارها إلى حيز الوجود تهديد رئيس الحكومة المكلف محمد باسندوة بإيقاف تشكيل الحكومة. لكن لا زالت اللجنة تواجه تعقيدات في تنفيذ كامل مهمتها إذ لا زالت بعض الوحدات العسكرية تتمركز في مواقع مستحدثة وبحلول موعد الانتخابات من المفترض ان تنتهي اللجنة عسكرية من نزع فتيل الصراعات التي احتدمت الأشهر الماضية في عدد من المحافظات في مقدمتها صنعاءوتعز. من جانبه عقد رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة مطلع الأسبوع الجاري أول اجتماع له بحكومة الوفاق الوطني والذي أكد على الروح الجماعية التي ينبغي أن تسود في أداء الحكومة والمعول على دورها إنقاذ الوطن وتحقيق آمال وتطلعات المواطنين المعقودة على الجميع، معرباً في أن يلتزم الجميع بالمسؤولية والنزاهة واحترام حقوق الإنسان. وقال باسندوة «نحن هنا لسنا فريقين وإنما إخوة مسئوليتنا الرئيسية هي إخراج الوطن من حالة الانهيار الاقتصادي والأمني وتحسين حالة الناس المعيشية والإنسانية».وأعرب عن تفاؤله بتحقيق الكثير من الأعمال الايجابية لصالح الوطن والمواطنين لاسيما في ظل توفر الإرادة والوعود المقدمة من قبل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي والأصدقاء على المستوى الدولي .. مطالبا الجميع بان يكونوا عند مستوى الآمال المعقودة عليهم خاصة خلال الظروف الراهنة. كما طالب بتعاون الجميع مع اللجنة العسكرية لإنهاء المظاهر المسلحة وإعادة الأمن والاستقرار إلى كافة مدن ومناطق الوطن.. وقال «ينبغي أن نشمر السواعد لبناء الوطن المهدد بأمنه واستقراره ووحدته وسلامه الاجتماعي، وعلينا أن نطوي صفحة الماضي ونحمل التفاؤل معنا لصنع الغد الأفضل». كما ناقش مجلس الوزراء الأولويات الماثلة أمام الحكومة الجديدة وما يتعلق بإعداد البرنامج العام للحكومة المقرر تقديمه إلى مجلس النواب خلال الأسبوع القادم. على الصعيد الميداني تواصلت المظاهرات والمسيرات في أمانة العاصمة والمحافظات لكنها حملت شعارات مغايرة لما كانت عليه في الأسابيع السابقة واكتفت بالمطالبة بالإفراج عن الشباب المعتقلين لدى أجهزة الأمن ، في حين احتشد مئات الآلاف من المطالبين بالتغيير الكلي للنظام ورفض التسوية السياسية في عدة مدن فيما أطلق عليها اسم جمعة «الاصطفاف الثوري»، فيما خلا ميدان السبعين بصنعاء من أنصار النظام بعد إعلان الحزب الحاكم إيقاف مسيرات الجمعة.