كتب/ مهندس/ عبدالله الصايدي تعاني اليمن من تعثر واضح وملحوظ لمشاريعها التنموية عموما ولأسباب فنية وإدارية احيانا وبفعل فاعل احيانا اخرى وقد بحثت في عدد من المراجع فلم اجد مشاريع متعثرة سوى في اليمن بكمية كبيرة وفي السعودية بعدد بسيط جدا.اما بقية البلدان العربية فلم اجد فيها مشاريع متعثرة تذكر.وتعتمد اليمن في تمويل عدد من مشاريعها على الهبات والقروض بإلاضافة لما يرصد في الخزينة العامة.وتعثر المشاريع الممولة من الخارج قد يؤدي الى انقطاع الهبات وزيادة تكلفة اعباء القروض.لأن تعثر أي مشروع يعني ببساطة زيادة كبيرة في تكلفة انجازه.وهناك اسباب فنية وادارية لهذا التعثر.يمكن ايرادها فيما يلي:- السبب الاول والهام: يبدأ من التصاميم والتي ترد فيه أخطاء كبيرة تجعل من استمرار التنفيذ عملية صعبة مما يؤدي الى توقف المشروع حتى تتم تعديلات التصاميم.ومن المؤسف انه يتم أحيانا في بعض الجهات تكليف سماسرة بعمل التصاميم وعدم تكليف المهندسين مما يؤدي الى وجود أخطاء تمنع تنفيذ المشروع بالإضافة إلى الأخطاء التي يرتكبها المهندسون انفسهم.والسبب هو عدم وجود الادارة الصارمة للرقابة على التصاميم او بسبب الاهمال.كماان توقف المشروع يؤدي الى خسارة المقاول الذي يتلافى خسارته بطلب عمل كميات وهمية تعويضا عن خسارته او التلاعب بالمواصفات لنفس السبب. السبب الثاني:السمسرة على التصاميم. والتي لها سوق نشط هذه الايام حيث يلعب السماسرة دوراً كبيراً في تعثر المشاريع الحكومية ولديهم مكاتب هندسية غير مرخصة ويحوزون على نسبة غير قليلة من التصاميم للمشاريع الحكومية.بالاضافة الى قيامهم بالتوسط بين بعض ضعاف النفوس في الادارات الحكومية وبين المقاولين.حيث يداوم المقاولون في مكاتب السماسرة مساء اكثر من ذهابهم الى الجهات المختصة نهارا.والسماسرة ليسوا موظفين لدى الدولة غالبا واغلبهم ليسوا مهندسين.السبب الثالث:الاشراف على المشاريع حيث يتم اسناد مهمة الاشراف-لبعض المشاريع- عمدا إلى غير الاكفاء بغرض الاستفادة المالية والنهاية الحتمية تعثر المشروع -بسبب ظهور العيوب بشكل مبكر- خاصة اذا وجدت تصاميم ناقصة وسيئة. او يتم اسناد مهمة الاشراف الى عدد محدود من المهندسين الموثوقين مما يعني تحميلهم فوق طاقتهم وبالتالي الاشراف السيئ على المشاريع الحكومية وترك بقية المهندسين بدون اعمال لأنهم ليسوا محل ثقة.عدم وجود مخصصات مالية كافية للمشروع مما يؤدي الى تعثره بسبب عدم صرف مستحقات المقاولين حيث يلاحظ ان اجمالي المبالغ لمجمل المشاريع حسب العقود اكثر بكثير من المبالغ المخصصة مما يعني صرف مستحقات بعض المقاولين وحرمان الآخرين. ويعني أيضا أن بعض الجهات الحكومية قد خططت مسبقا لصرف مستحقات المشاريع خلال سنوات طويلة واعتبارمشاريعها متعثرة قبل أن تبدأ. أصبح العديد من المقاولين يمتلكون امكانيات مالية كافية.ولكن لايوجد لديهم كادر فني بالرغم من ان العقود الموقعة معهم تنص على توفير هذا الكادر.ولايوجد تشدد من الجهات الحكومية في هذا الجانب من اجل مصلحة المقاولين ومصلحة العمل.لايوجد حرص على تطبيق العقوبات على المصممين والمشرفين والمقاولين الذين يتسببون في تعثر المشاريع مما جعل هذه الاعمال المخالفة تتكرر من مشروع إلى آخر.بالإضافة إلى سهولة الصرف من الخزينة العامة لأعمال مكررة.مما يعد أمراً معيباً بحق ادارات المشاريع وبحق الادارات المالية في مختلف الجهات. يلاحظ في عدد من الادارات تطبيق العقود والتشدد في تطبيق المواصفات فتندهش وتتعجب.الا انك تصدم عندما تعلم ان السبب هو ان المقاول لم يدفع المقدار المطلوب من الرشوة ولإجباره على دفع المزيد.هناك سبب جوهري في تعثر المشاريع الحكومية وهو وجود اسعار مختلفة لنفس العمل في الاعمال الانشائية حيث يوجد اربعة اسعار مختلفة لبند الحفر مثلا في بعض المشاريع.مما يؤدي الى دفع المقاولين للتفاهم مع المشرفين لاحتساب السعر الاعلى.مما يعني صرف مبالغ بطرق غير مشروعة ولاتستطيع اجهزة الرقابة رصد هذا النوع من المخالفات التي تسبب تعثر المشاريع. ويحدث العكس في بنود اخرى مثل الحديد والخرسانة حيث يكون السعر موحدا بغض النظر عن المتانة والجودة مما يؤدي الى التلاعب بالمواصفات بالاضافة الى استخدام الخرسانة والحديد بدون اختبارات.للاسباب المذكورة اعلاه فإن صرف المستخلصات للمقاولين يحتاج الى فترة طويلة من المراجعة والمماطلة تتراوح بين 6 اشهر وسنة مما يؤدي الى تعثر المشاريع.حيث لايوجد وضوح في صيغة العقود وفي تسمية البنود وتسعيرها وتصنيفها.لاتوجد لوائح تحدد حقوق وواجبات المصممين والمشرفين وصفاتهم.حيث مازال بعض السماسرة -غير مهندسين- يصممون ويشرفون على مشاريع الدولة في ظاهرة غريبة لاتحدث إلا في اليمن.لاتوجد مبالغ مخصصة للتعويض عن الاراضي والعقارات والمزارع التي تقام عليها المشاريع مما يؤدي الى اعتراض الملاك ودفعهم الى توقيف الاعمال وبالتالي تتعثر المشاريع وزيادة تكلفتها. أظن ان من اهم الاسباب لتعثر المشاريع هو وجود تداخل بين المصممين والمشرفين والجهات الممولة للمشاريع والافضل هو الفصل بين الجهات الممولة وبين المشرفين بحيث تقوم جهة مستقلة ماليا واداريا عن الجهة الممولة- بوضع المواصفات والتصاميم والاشراف بحيث لاتتمكن جهة واحدة بالسيطرة على التمويل والتصاميم والاشراف وبالتالي يتم منع حدوث عمليات فساد بمليارات الريالات كما هو حاصل حاليا. إن الوضع الحالي يغري الفاسدين بمد ايديهم الى الاموال العامة ولايستطيع جهاز الرقابة كشفهم ومحاسبتهم. بالرغم من وضوح فسادهم.وتفيد بعض الدراسات انه اذا كانت تكلفة أي مشروع وسطيا هو واحد دولار - في البلاد العربية -فإن مايتم دفعه للفاسدين حوالي خمسة دولار- خمسة اضعاف قيمة المشروع- وهذا ينطبق على المشاريع المتعثرة.وانه اذا استطاعت أي دولة عربية ان تخفض مستوى الفساد الى ادنى مستوى فإن متوسط الدخل القومي السنوي سوف يزيد اربعة اضعاف مما يؤكد الدور المؤكد للفساد في دوام التخلف وزيادة الفقر والبطالة وفشل المشاريع التنموية .وبمقارنة اليمن مع سلطنة عمان الشقيقة مثلا فإن مساحتها تعادل 60% من مساحة اليمن وعدد سكانها يقارب سدس سكان اليمن الا ان ميزانيتها تزيد عن الميزانية السنوية لليمن بأكثر من الضعف ونسبة ممارسة الفساد فيها اقل بكثير مما هو موجود لدينا ولاتوجد لديهم مشاريع متعثرة يمكن ذكرها. مما يعني اننا احوج من اشقائنا العمانيين للحفاظ على امكانياتنا ومشاريعنا من غول الفساد.نظرا لزياد مساحتنا وسكاننا وقلة مواردنا. ويبدو ان هناك توجهاً حكومياً لحل مشاكل المشاريع المتعثرة- وعددها بالمئات- الا ان هذه المشاريع سوف تتعثر من جديد اذا بقيت اسباب التعثر دون حل.وقبل اعادة التصاميم وانزالها في مناقصات جديدة ارى اتخاد عدد من التدابير منها انزال قائمة سوداء بالمقاولين والمسئولين والمهندسين الذين تسببوا في تعثر المشاريع الحكومية وكسبوا المليارات.ومن اجل منعهم من عرقلة تنفيذ هذه المشاريع والكسب مرة اخرى من ورائها.والدراسة المسبقة لاسعار البنود وجعلها متوازنة لأن الاسعار الحالية فيها ارباح كبيرة في الاعمال الترابية وخسائر في الاعمال الانشائية غالبا.مما يدفع المقاولين لتنفيذ الاعمال الترابية فقط وترك بقية الاعمال مما يؤدي الى تعثر -وتكرار تعثر - المشاريع بعد ذلك.وعدم تسليم المشاريع الى مقاولين واستشاريين غير مصنفين مثلما يحدث حاليا.بما في ذلك المشاريع المنفذة من قبل المجالس المحلية.حيث تحول عدد من اعضاء المجالس المحلية الى مقاولين غير مؤهلين. ويتم التغاضي عن تعثر وانهيار المشاريع التي ينفذونها بشكل فاضح.والسبب هوأسلوب تقاسم الكعكة بين الجميع. كما انه من الضروري اصدار قرار ملزم بمنع دفع قيمة التصاميم من الخزينة العامة سوى مرة واحدة حتى لو تعثر المشروع.ويجب اكمال المشروع بالتصاميم السابقة المدفوع ثمنها من الخزينة العامة مسبقا.والعمل على ايقاف تجار التصاميم عند حدهم.