كتب/أ.د.سيف سلام الحكيمي يزداد إدراك العالم يومأ بعد يوم لأهمية الإستثمار في العنصر البشري كواحد من أهم مقومات نجاح المشروعات الخدمية والإنتاجية،فبرزت العديد من الأبحاث العلمية الرصينة في أوروبا وأمريكا خلال الثلاثين سنة الأخيرة التي توصلت في كثير من إستنتاجاتها إلى أن الإهتمام بالعنصر البشري كان العامل الأكثر تأثيرآ في رفع مستوى الإنتاجية وتطوير المنتجات والخدمات التي تقدم للجمهور وبالتالي تحقيق الأرباح والاستقرار والنمو لمنظمات الأعمال ولاقتصاديات تلك البلدان. وكان نتيجة لذلك الإدراك المبكر لأهمية تأهيل الإنسان أن توجهت كثير من الجهود الخاصة والحكومية في الدول المتقدمة إلى إعطاء عناية خاصة للجامعات كمؤسسات للتنمية القومية بما تقدمه من تأهيل وتنوير في مختلف مجالات الحياة وكذلك بما تحتويه من مراكز للبحث العلمي والاستشارات ساهمت بشكل مباشر في تطوير المجتمعات التي وجدت فيها والعالم على حد سواء. وتجسد ذلك الاهتمام والإيمان الخالص بدور الجامعات كمؤسسات تعنى بتنمية وتطوير الفكر الإنساني الخلاق من خلال منح الدعم المادي اللامحدود لتطوير أنشطة تلك المؤسسات التي تعنى بتطوير قدرات وإمكانات الإنسان ليقدم أفضل خدمة ومنتج. وقد شكلت إسهامات القطاع الخاص في تلك الدول الجزء الأكبر من حيث المبالغ المالية التي ترصد سنوياَ كدعم للجامعات ومؤسسات البحث العلمي وكذلك الدعم المباشر للدارسين وخصوصاَ المتميزين منهم وذلك من خلال تقديم المنح الدراسية والقروض الميسرة التي يتم سدادها على سنوات طويلة تصل إلى العشرين عاماَ بعد تخرج الدارسين، ليس ذلك فحسب وإنما سارع الكثير من الأغنياء في وقف أجزاء كبيرة من ثرواتهم للجامعات ومراكز البحث العلمي. ولم يقتصر إهتمام القطاع الخاص بالجامعات ومؤسسات البحث العلمي من خلال تقديم الدعم المادي فحسب وإنما توسع ذلك الإهتمام ليشمل مشاركة القطاع الخاص في رسم سياسات التعليم العالي والبحث العلمي وذلك من خلال مشاركة القطاع الخاص في عضوية مجالس الجامعات والكليات والأقسام العلمية مما عزز من دور الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في خدمة المجتمع،كما ساهم ذلك في تطوير الإدارة الجامعية في تلك البلدان. وقد رافق ذلك الإهتمام بالعنصر البشري أن تطورت الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في مختلف الجوانب الإدارية والتعليمية والبحثية،فأصبحت تطبق أحدث نظم المعلومات الإدارية والمحاسبية حتى ليخيل للمتعامل مع تلك الجامعات أنه في منظمة أعمال ناجحة يقوم على إدارتها أناس متميزين علمياَ وإدارياَ تم استقطابهم من مختلف أنحاء العالم بغض النظر عن جنسياتهم للمساهمة في بناء وتطوير تلك الجامعات. وماقيل عن تطور الإدارة الجامعية في تلك البلدان ينسحب على جهود الجامعات ومراكز البحث العلمي والقطاع الخاص والحكومي في الإهتمام بالبحث العلمي والباحثين الذين يحظون بمكانة خاصة ومتميزة في مجتمعاتهم،وكذلك الإهتمام بالعملية التعليمية التي هي السبب الرئيسي من وراء إنشاء الجامعات (خدمة الطالب وتأهيله علمياَ). ومايهمنا من كل ماسبق هو أن نشير إلى أن واقع التعليم العالي في بلادنا مازال في أمس الحاجة لبذل المزيد من الجهود التطويرية للنهوض بالجامعات الحكومية والأهلية وإنشاء مراكز الأبحاث الإنسانية والتطبيقية الرصينة وكذلك الحاجة لدعم القطاع الخاص وإستثماراته في هذا المجال،ناهيك عن ضرورة إشراك القطاع الخاص في رسم سياسات التعليم العالي والبحث العلمي،وكذلك إشراكه في إدارة الجامعات ومراكز البحث العلمي، وذلك من خلال إنشاء وتفعيل دور مجالس الأمناء بالجامعات، التي نص عليها قانون التعليم العالي رقم 13 لسنة 2010م ، وبشكل يمكن الجامعات من أداء دورها الريادي في تنمية المجتمع المحلي و الإقليمي والدولي . ولايفوتنا هنا أن نشير إلى أن بلادنا تخطو وبشكل متسارع نحو الإنظمام لمنظمة التجارة العالمية،ولمجلس التعاون الخليجي،وقبل هذا وذاك ما زالت اليمن تحاول ومنذ عدة أشهر العمل على كسب ثقة ودعم المانحين (أصدقاء اليمن) ابتداء بمؤتمر لندن وقطر والرياض وما سيلي ذلك من مؤتمرات ولقاءات كل ذلك لضمان دعم المانحين لمشاريع الخطة الخمسية الرابعة (2011-2015م)،وكل ذلك سيتطلب الإسراع في رسم السياسات والأهداف ووضع الخطط والإجراءات السليمة لضمان رفع مستوى الأداء الإقتصادي لمختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية والتخفيف من الفقر والبطالة وتجفيف منابع الفساد. وقد نتوفق في الإنضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية ومجلس التعاون الخليجي وكذلك في الحصول على تأييد ودعم المانحين ولكن، إذا لم نول جامعاتنا الاهتمام المطلوب فإننا حتماَ سنجد أنفسنا عاجزين عن التعامل مع المستقبل ومتطلباته التي لن تكون سهلة المنال كما قد يتصور البعض. فنحن نعلم بأن الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ولمجلس التعاون الخليجي يحتم علينا تأهيل الإقتصاد اليمني ليعمل بمستوى يمكننا من الإستفادة من الإنضمام لتلك المنظمات،وكذلك الحال بالنسبة للمانحين سيكون لديهم الكثير من الملاحظات حول مستوى الأداء الإقتصادي للقطاعات التي سيتم تمويل مشاريع فيها. نأمل من القيادة السياسية ممثلة بالأخ/ رئيس الجمهورية والحكومة أن تولي التعليم العالي ومؤسساته التعليمية والبحثية من جامعات ومراكز أبحاث أهمية خاصة لارتباط نجاح التنمية في المستقبل بنجاح مخرجات الجامعات ومراكز البحث العلمي والمعاهد التدريبية والتقنية،وهوا ما يستوجب تضافر كل الجهود الحكومية والخاصة لإصلاح الإختلالات التي تعاني منها مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي مع عدم إغفال الحاجة الماسة إلى جهود القائمين المخلصة على إدارة الجامعات ومراكز البحث العلمي ،وبدون ذلك سيكون من الصعوبة بمكان تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة . *أستاذ الاقتصاد الدولي المشارك- جامعة الحديدة