عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث العلمي في العالم العربي بين الأهمية والواقع ومستلزمات النهوض
نشر في الجمهورية يوم 02 - 12 - 2013

نستطيع أن نقول أن رحلة البشرية من البدائية إلى التمدن هي رحلة الانتقال التدريجي من الخرافة إلى العلم، رحلة الانتقال من العفوية والخضوع المطلق إلى قدر الطبيعة والقوى الماورائية إلى التخطيط الممنهج القائم على معطيات العلم والسيطرة على الطبيعة و مخاطرها الفيزيائية والكيماوية وحسن استغلالها لخدمة الإنسان من خلال الكشف عن قوانينها المسيرة وعلاقاتها المتشابكة، بل وتمتد السيطرة إلى المادة الحية التي يمثل الكائن الحي والإنسان بشكل خاص أرقى نتاجها، حيث التحكم في عوامل صحته ومرضه وتفاعلاته الداخلية والخارجية وعموم استمراره وبقائه !!!.
نافذة للبشرية
البحث العلمي هو نافذة البشرية الوحيدة إلى التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والفكري، بل أن كل الثورات العلمية والصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية ما هي إلا ثمرة من ثمار التراكم المعرفي والعلمي القائم على أسس تطوير منهجية البحث العلمي، وما عدا ذلك فإن حياتنا لا تعدو إلا أن تكون طقوسا من التنجيم والخرافة والسحر والشعوذة والاجتهاد العبثي، يعاد فيها إنتاج التخلف وتوليده على نطاق واسع في كل مفاصل الحياة العامة والخاصة، حيث يتم فيه تعطيل قيمة العقل الإنساني، الذي لا سلطة تعلو عليه، في البحث عن الحلول العلمية لمختلف مشكلات الحياة، وعندها يتوقف الزمن، حيث لا نشعر بقيمة التقدم وجدواه وتبقى حياتنا تكراراً مبتذلاً لأسلافنا، وفي أحسن الصور يكون وجودنا محاكاة مشوهة لما ينجزه الآخرون دون القدرة على استنبات العلم والتقدم التقني والاجتماعي في البيئة الوطنية !!!.
إن البحث العلمي كآلية هو العملية الفكرية المنظمة التي يقوم فيها الباحث إن كان فردا أو مؤسسة بحثية أو جامعية من أجل تقصي الحقائق بشأن مسألة أو مشكلة معينة تسمى ( موضوع البحث )، باتباع طريقة علمية منظمة تسمى ( منهج البحث ) بغية الوصول إلى حلول ملائمة للعلاج أو إلى نتائج صالحة للتعميم على المشاكل المماثلة تسمى ( نتائج البحث ). فالبحث العلمي هو الطريقة الوحيدة للمعرفة حول العالم بكل تنوعاته وغناه، ولفهم الحقائق الواقعية بعبارات القوانين والمبادئ العامة. والبحث العلمي كمنهج يطال كل مفاصل الحياة دون استثناء، الروحية منها والمادية، ولا توجد فرصة للخيار بين البحث العلمي أو عدمه، فالمراوحة في الخيار هي نوع من الباطل، وعدم الأخذ بالمنهج العلمي يعني اختيار التخلف كطريقة للبقاء والعيش، وهو ما يرفضه علنا وحياء حتى أكثر دعاة ورموز الأمم تخلفا، إما الحياة أو الموت !!!.
الحل لكافة المشاكل
ومن هنا نستطيع القول بما لا خلاف عليه بين من يلتمسوا تشخيص الحاضر ويبنوا المستقبل أن البحث العلمي هو الطريقة لمعرفة وحصر مشاكل المجتمع، وتحديد درجاتها من الأهمية، وأولويات وطرق التعامل معها، وهو السبيل الوحيد لحل تلك المشاكل بما ينسجم مع إمكانيات المجتمع وقدراته وطموحاته؛ وهو الطريق للحفاظ على القدرة التنافسية للمجتمع في عالم متحرك ومتطور بسرعة فائقة؛ وهو الطريق لتشخيص وتلبية حاجات المجتمع المستمرة والمتزايدة في كافة مجالات الحياة، عن طريق تطوير طرق الإنتاج والأداء وأدواته وخاماته ووسائله في مختلف مجالات الحياة ، في الزراعة والصناعة والخدمات وحسن استخدام الثروات الطبيعية وغيرها، بما يؤدي إلى تحقيق الكفاية أو يقترب منها ويضع السياسات الحكيمة للمواءمة بين تلك الحاجات وبين الإنتاج والاستيراد، ويحقق معدلات مرتفعة من التشغيل للفئات الاجتماعية المختلفة حسب المؤهلات والكفاءات المهنية والعلمية المتاحة، مما يؤدي بدوره إلى نوع من الانسجام والتواؤم الاجتماعي !!!.
والبحث العلمي ضرورة ملحة لنظام الحكم ومؤسساته ووزاراته وكل أجهزة المجتمع ومؤسساته ومنظماته، حيث لا يمكن التخطيط واستقراء المستقبل بدون بحث علمي، ولا يمكن أيضا بدونه القيام بعمليات التنفيذ والمتابعة والتطوير وحل المشكلات الطارئة؛ والبحث العلمي أيضا شرط أساسي على المستوى الفردي، حيث يحتاج الفرد من اجل حياة موفقة أن يفكر في كل خطواته وتحركاته من إقدام وإحجام، وان يجمع لها البيانات اللازمة ويحسب الخسارة والربح المترتب على ذلك وتأثيره المستقبلي؛ كما أن البحث العلمي بمعناه الواسع يمتد ليشمل جمع المعلومات وتوظيفها في جميع أنشطة الحياة العلمية والعملية، ويمتد ليشمل الأفراد والجماعات والمجتمع، فإذا ما ارتبطت بخطوات محكمة منظمة ومتسلسلة لجمع المعلومات وتحليلها والتأكد من صحتها بغرض الإجابة على سؤال معين أو تفسير علاقة ما أو حل مشكلة ما، كان ذلك يعرف بالبحث العلمي، إنه سلوك المجتمعات المتمدنة والمتحضرة ووسيلتها لحل مشاكلها والتغلب على أزماتها. عدا ذلك يصبح كل شيء عشوائيا، مما يزيد من فرص الفشل والإحباط والتخبط في إيجاد حلول للازمات. إن غياب البحث العلمي في بلادنا هو مصدر أساسي في التخلف والفوضى التي تضرب كل مرافق الحياة، مما يسبب في ضياع الوقت وإهدار المال وشيوع الفساد بمختلف مظاهره، ويشكل فرصا مواتية لشيوع الخرافة بكل ألوانها، السياسة والدينية وانتشار الجهل والغباء في تفسير ما يجري على ارض الواقع وفقا للمنطق المعكوس في وضع العربة أمام الحصان !.
صراع من أجل المعرفة
وفي ضوء تلك الاعتبارات لا نستغرب من الصراع الذي يجري اليوم في العالم من اجل حيازة المعرفة العلمية لتحسين ظروف العيش والارتقاء بها ومن اجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنهوض، بل أن الكثير من دول العالم وفي مقدمتها أمريكا تسعى بطموحاتها المشروعة وغير المشروعة عبر الاستحواذ على المعرفة لقيادة العالم، لأن ذلك يشكل المدخل لامتلاك كل شيء، من تكنولوجيا و سلاح متطور إلى إنتاج نوعي في مختلف المجالات الحياتية، وهذا الجهد بطبيعته جهداً منظماً لا يمكن أن يجري في الفراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملا يستحق المعاناة والجهد المتواصل. بل أن الكثير من الدول المتطورة تعلن عن طموحاتها في تصدر عالم المعلومة الرصينة، ولا نستغرب من المؤسسة الوطنية للعلوم في أمريكا أن تحدد لنفسها الأهداف الثلاثة الآتية:
النهوض بالاكتشافات والنشر المتكامل وتوظيف المعلومات الجديدة في خدمة المجتمع.
تحقيق التمايز في العلوم والرياضيات والهندسة وتدريس التكنولوجيا في جميع المستويات التعليمية.
تمكين الولايات المتحدة من التمسك بقيادة العالم في جميع مجالات العلوم والرياضيات والهندسة.
بعض المعطيات الإحصائية من منظور عالمي مقارن:
إن الارتقاء والنهوض بالبحث العلمي يتطلب الإنفاق والمخصصات المالية اللازمة كشرط ضروري لتوفير مستلزمات البحث العلمي وبنيته التحتية وحوافز العمل فيه، ولعل المقارنة الآتية في الإنفاق بين الدول العربية والعالم الآخر يبين لنا حجم الكارثة المحدقة بالبحث العلمي في بلادنا وآفاق تطوره في المستقبل. فالكيان الإسرائيلي الذي ندعي مقارعته يبلغ ما يخصص على البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي ما يعادل ( 30،6 % ) من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، علما أن المؤسسات التجارية والصناعية تنفق ضعفي ما تنفقه الحكومة على التعليم العالي، أما مخصصات الدول العربية مجتمعة للبحث العلمي ما قيمته ( 1،7 ) مليار دولار وهو ما قيمته ( 0،3 % ) من الناتج القومي الإجمالي وذلك عام 2004، أما ما خصصته إسرائيل فقد بلغ ( 9،8 ) مليار شيكل، وهو ما يعادل قيمة ( 4،7 % ) من الناتج القومي الإجمالي، أما ما تنفقه الدول العربية على البحث العلمي بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية فهو ما يعادل ( 1:170 )، ويبلغ إنفاق أمريكا على البحث ما مقداره 2،6 % من الناتج الإجمالي، وهناك دول متقدمة لا تقل شأنا في إنفاقها على البحث العلمي، ففي السويد مثلا يبلغ الإنفاق 4 % وفي اليابان 3،18 % وفي الصين 1،97 % وفي جنوب أفريقيا 0،69 %، هذه المقارنات تعكس بعضا من أوجه الهوة والإهمال وتدني مكانة البحث العلمي لدينا، بل أن أبعاد تلك المشكلة تأخذ طابعا أكثر خطورة من حيث العناية والاهتمام وإعطاء الألوية للبحث العلمي إذا عرفنا أن ما هو مخصص للبحث العلمي في معظم دول الخليج العربي مثلا يندرج تحت فصل الاعتماد المخصص للمعدات والأجهزة المخصصة أساسا للتدريسيين في عملهم التدريسي، والعراق هو الآخر ليست له ميزانية خاصة للبحث العلمي، أي بمعنى آخر ليست هناك ثمة فصل أو بند يصنف التخصيص لأغراض البحث العلمي، مما يعكس عدم إدراك حقيقة المشكلة العلمية في بلداننا العربية !!!.
ميزانيات لا تفي بالغرض
كما أن اغلب الأموال المخصصة للبحث العلمي وبما يصل إلى نسبة 80 % يذهب إلى المرتبات والحوافز مما يبقى مقدار ضئيل لا يستحق الذكر في أهميته لأغراض البحث العلمي فعلا، وفي الجانب الآخر فإن 90 % من إجمالي الإنفاق في البلاد العربية يأتي من مصادر حكومية، بينما في الولايات المتحدة و أوربا لا تتجاوز تلك النسبة من 20 30 %، وتتولى الشركات الصناعية بقية التمويل، بينما تلك الشركات في الدول العربية لا تتجاوز مساهمتها 3 %، ويعكس ذلك بالتأكيد عدم الإحساس والتقدير بالحاجة للبحوث العلمية من قبل قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة وخاصة من قبل القطاع الخاص، إلى جانب عدم قدرة الأبحاث وكفاءتها في خدمة هذه القطاعات، مما يحمل الدولة أعباء ذلك وخاصة في الدول غير النفطية وهو ليست بالضرورة كذلك !!!.
تقرير اليونسكو
ويؤكد تقرير اليونسكو ( المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ) للعام 2010 أنه على الرغم من الثروة التي تتمتع بها الدول العربية، فإن هذه البلدان تفتقر إلى قاعدة متينة في مجال العلوم والتكنولوجيا، كما أن كفاءة نظمها وأداءها الخاصة بالتعليم العالي لا يزال ضعيفا فيما يتعلق بشكل خاص في توليد المعرفة، علما أن التراجع المؤقت الذي شهدته أسعار النفط عام 2008 كان بمثابة إنذار للدول العربية، تاركاً انطباعه القوي عما سيكون عليه المستقبل من دون عائدات نفطية، وشجع التقرير هذه الدول على الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا. ويضيف التقرير انه على الرغم من وجود الجامعات المرموقة في المنطقة العربية فإن الدول العربية تعد ما لا يزيد على 136 لكل مليون نسمة، علما أن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحثا. علما أن اليونسكو في دراسة سابقة عام 2006 أكدت أن في إسرائيل يبلغ عدد الباحثين لكل مليون من السكان هو 1395 وفي الاتحاد الأوربي بلغت 2439 وفي أمريكا بلغت 4374 باحثا. كما أن حجم مساهمات العالم العربي في البحث العالمي هو الآخر ضعيفا جدا، حيث قدرت نسبة المنشورات العلمية العربية إلى المنشورات العلمية العالمية على الرغم من جهود العلماء والباحثين العرب ما مقداره 1،1 % ( حسب تقرير المعرفة العربي لعام 2009 ). كما أن المساهمة العالمية في البحوث المنشورة في المجلات العلمية في البلدان العربية تتراوح بين ( 0،008 إلى 0،3 % ) مقارنة مع إسرائيل 1،1 % وألمانيا 7،9 % واليابان 8،2 % والولايات المتحدة الأمريكية 30،8 %.
العقول المهاجرة
وتستنزف الهجرة والتهجير ألقسري مساهمة العلماء العرب في الناتج القومي لبلدانهم حيث يعيش الكثير منهم في نصف الكرة الأرضية الغربي، وتشير الأرقام إلى أن مصر قدمت 60 % من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما تشير تقارير جامعة الدول العربية ومؤسسة العمل العربية والأمم المتحدة ( عبر تقارير التنمية البشرية العربية) أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، حيث تضم أمريكا و أوربا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقارير مؤسسة العمل العربية. وأظهر تقرير حديث للجامعة العربية أن الدول العربية تنفق دولارا واحدا على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة 700 دولار لكل مواطن، والدول الأوربية 600 دولار. ويؤكد تقرير أمريكي أن الأطباء القادمين من الدول النامية خلال النصف الأول من السبعينيات إلى الولايات المتحدة يمثلون 50 % والمهندسين 36 %، وأن ثلاث من دول الشمال هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تستأثر بنسبة 75 % من جملة التدفق في الكفاءات المهاجرة. وأوضح التقرير أنه خلال عام 2006 لم ينتج في الدول العربية إلا 0،1 % من العدد الإجمالي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وفي المكتبين الأوربي والياباني لبراءات الاختراع ( حسب تقرير اليونسكو 2010 ) !!!!.
تقرير الجامعة العربية
ولعل حقيقة وخطورة هجرة العقول العربية وانعكاساتها على الأوضاع العلمية وعلى البحث العلمي بشكل خاص هو ما ورد من معطيات إحصائية أصدرتها الجامعة العربية في عام 2009 في تقريرها بعنوان ( هجرة الكفاءات.. نزيف أم فرص )، وفيه من الحقائق المؤلمة التي تعكس حجم الإهدار للعقول العربية، حيث يؤكد التقرير ما يأتي:
ارتفعت نسبة المهاجرين من حاملي الدرجات العلمية إلى 50 % من مجموع المهاجرين في الفترة من 19950 2000، وارتفع عددهم خلال الفترة نفسها من 9،4 مليون إلى 19،7 مليون.
في نفس الفترة زاد معدل المهاجرين بين ثلاثة إلى تسعة أضعاف في دول مثل اليمن وجيبوتي والسودان وموريتانيا.
تستقبل فرنسا 40 % من العقول العربية المهاجرة، والولايات المتحدة 23 % وكندا 10 %.
نسبة الأطباء العرب في دول الاتحاد الأوربي بلغت 18،2 %.
كما أن 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى البلد الأم.
تساهم البلدان العربية بنسبة 31 % من مجموع هجرة الكفاءات من الدول النامية.
أما الخسارة المالية الواقعة على الدول العربية الناتجة من هجرة الكفاءات فتبلغ بحدود 200 مليار دولار.
أسباب تخلف البحث العلمي
إن أسباب تخلف البحث العلمي وتدهوره هو جزء من تخلف الحياة العامة الذي يعكسها تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والذي ينعكس بدوره على تخلف المنظومة التربوية والتعليمية والتي يرتبط بها العلم والبحث العلمي والقناعة به كمنهج للحياة وحل المشكلات. وتتضح ابرز أسباب ملامح ضعف البحث العلمي وكفاءته فيما يأتي:
حالة الفقر العامة في اغلب المجتمعات العربية، فالفقر بطبيعته التي تجبر الإنسان على التفكير بلقمة العيش فقط، فهي تحصره في ضيق الأفق والتقليل من مساحات الإبداع والحد من استثمار القدرات العقلية.
هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر، ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته، فيعتبر ما عنده صالح لكل الأزمان والأمكنة، وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة، ابتداءً من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا إلى قمة النظم السياسية، التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه، وتحول الكيان الاجتماعي إلى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية، تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا، حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
ويرتبط بالعوامل المذكورة أعلاه غياب ثقافة أهمية البحث العلمي والاكتشافات العلمية والرغبة في الإبداع والاختراع في الوعي والتفاعل الاجتماعيين، وبالتالي يغيب التفكير والتشجيع والدعم عن المسار البحثي والعلمي وعن العلماء والباحثين والمكتشفين في المجتمع، وترتبط جذور ذلك أصلا في غياب القيمة البحثية في مناهج التعليم بمراحله المختلفة والقائمة أصلا على الحفظ والتلقين والاستذكار التقليدي، وهذا النظام التعليمي التلقيني لا يحتاج إلى كفاءات عالية ولا إلى مستلزمات تقييم متطور لقياس مهارات الطلاب في الفهم والتفكير وحل المشكلات، إلى جانب كونه نظاما يدفع إلى الكسل والاتكالية والخمول العقلي، ولا يستثير في الطالب فكرا أو تساؤلا بل يقتل فيه ملكه التفكير، وتنتفي في هكذا نظم تعليمية القدرة على صناعة الباحثين في الخطط التعليمية عبر التراكم المعرفي في مراحل التعليم المختلفة.
ضعف البنية التحتية للأبحاث النظرية والتطبيقية من مختبرات وأجهزة ومكتبات علمية، فالمختبرات وأجهزتها وصيانتها ونقص المواد الأساسية لها بمختلف التخصصات ونقص الكادر الفني ذات الصلة بذلك هو سمة بارزة لأغلب ما تعانيه الجامعات العربية وتشكو منه، إلى جانب ضعف قاعدة المعلومات الحديثة، سواء من مطبوعات ودوريات علمية عالمية أو غياب المكتبات الرقمية أو الإلكترونية وقواعد البيانات البحثية وغيرها من أدوات التعليم الإلكتروني للتواصل مع العالم البحثي.
ولا نستغرب من كل هذا ولتلك الأسباب حصرعدم تبوّء الجامعات العربية لمكانتها العلمية بين الجامعات العالمية رغم الجهود المبذولة من قبل مختلف الجامعات العربية، فالطموح لتبوء مكانة لائقة في وسط الجامعات العالمية شيء ويبقى طموحا مجردا، وفهم أسباب التخلف العلمي والقدرة على تجاوزه شيء آخر !!!!.
مستلزمات النهوض في البحث العلمي:
إن الحديث عن إصلاح أوضاع البحث العلمي والنهوض به يبقى حديثا لأغراض المتعة المعرفية والعقلية، ما لم يكون متزامنا وقائما على خلفية التحديث السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي والفكري للمنظومة الرسمية السائدة، فلا يعقل أي باحث من أن إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية وإصلاح الجامعات وما يرتبط بها من وظائف، كالتدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع المحلي، أو إصلاح المراكز البحثية المنتشرة خارج الجامعات، أن يتم هذا كله في وسط إدارة عامة بيروقراطية متخلفة فاسدة شديدة المركزية، وفي ظل نظام سياسي لا يؤمن بالحريات الديمقراطية وحرية البحث والتنقيب عن الحقيقة، أو في ظل مجتمع تسوده الأمية والفقر والجهل والتطرف، وبالتالي فأن النضال والجهود لإصلاح أوضاع العلم والبحث العلمي هي جهود مكثفة ومتزامنة مع جهود أخرى على أكثر من صعيد، وأن أفضل المقترحات في الإصلاح، وخاصة تلك التي تستجيب وتنسجم مع معايير الجودة العالمية في الإصلاح لا ترى النور وتبقى حبرا على ورق أو أمنيات مستحيلة التحقيق في أذهان مصمميها ما لم تجر في إطار عملية إصلاح شامل للمنظومة الاجتماعية، ولعل ابرز المقترحات للنهوض بعملية البحث العلمي هي:
ضرورة العمل على ربط الأبحاث العلمية بمشاكل المجتمع وقطاعاته المختلفة، الصناعية والزراعية والخدمية، الخاصة منها والحكومية، من خلال المسوح الشاملة لهذه المشكلات وضرورات الحاجة الملحة لحلها بما يخدم برامج التطوير والتنمية الشاملة، ويلعب التنسيق هنا بين مراكز الأبحاث في الجامعة وخارجها دورا مهما في هذا المجال للتركيز على الأبحاث النوعية ومنع تكرار البحوث ذات المشكلات المتشابهة، مما يجب الإهدار في الإنفاق والجهد ومضيعة الوقت.
العمل الجدي على توعية قيادات القطاع الخاص بأهمية البحث العلمي وضرورته لحلول المشكلات المختلفة، مما يسهم برفع الكفاءة الإنتاجية لهذه القطاعات، ويؤدي أيضا بدوره إلى زيادة مساهمة هذا القطاع في تمويل عمليات البحث العلمي، وليست فقط الاعتماد على الحكومة كمصدر وحيد للتمويل، أسوة بما يحصل في بلاد العالم المتقدم.
استحداث ميزانية خاصة للبحث العلمي سواء في إطار وزارات أو إدارات التعليم العالي والبحث العلمي أم خارجه، وتقرير نسب معقولة من الإنفاق المالي قياسا إلى الناتج الإجمالي، والى الموازنة العامة المخصصة لقضايا التربية والتعليم العالي، وهو ما هومعمول به في البلاد المتطورة.
التطوير المستمر لبرامج تفرغ أعضاء هيئة التدريس وتخصيص ساعات معينة لإنتاج البحوث العلمية كجزء من النصاب التدريسي للأستاذ.
التشديد والصرامة في نظام الترقيات العلمية للكادر التدريسي، من مدرس مساعد إلى مدرس ثم أستاذ مساعد إلى أستاذ واعتماد الإنتاج العلمي ودورهم البحثي وقدراتهم التدريسية الفعلية من ضمن المؤشرات الرئيسية لذلك، بعيدا عن العلاقات الشخصية والمحاباة والشللية، مما يسهم في إنتاج كادر يحترم نفسه ومهنته.
إقامة شبكات وطنية للمعلومات تربط بين الجامعات ومعاهد البحوث وبعض المؤسسات المعنية الأخرى وأهمها التجارية والصناعية والإفادة من تجارب الجامعات الرصينة في العالم في مجال إنشاء الشبكات الفعلية والافتراضية للبحث والتطوير وشبكات بين الباحثين واستحداث برامج للدراسات العليا موجهة نحو الأبحاث التطبيقية الهادفة إلى خدمة أغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعلوماتية.
ضرورة تطوير النشر الإلكتروني ونشره على نطاق واسع وتشجيعه لمزاياه المختلفة من سهولة ورخص وتوفره في كل مكان، وشيوعه على نطاق جغرافي واسع يتجاوز محدودية النشر الورقي، ثم ضرورة إنشاء موقع الكتروني لكل مركز بحثي، أو قسم من أقسام الكليات في الجامعات المختلفة، وتطويره وتحديثه بآخر المعلومات المتاحة.
تشجيع إنشاء جمعيات علمية وطنية وفق المقاييس العالمية لترويج البحث العلمي والتعاون مع الجمعيات العلمية والأجنبية، ويرتبط بذلك ويعززه حث الأستاذ على الانتماء لعضوية الجمعيات العلمية ومراكز البحوث الأجنبية ونشر البحوث لدى دورياتها العلمية وتحفيز الأساتذة على المنافسة في البحث العلمي ونشر البحوث المميزة.
الحاجة الملحة لتطوير البنية التحتية للبحث العلمي، وخاصة البحوث التطبيقية لتوفير أجهزتها الضرورية وطاقمها الفني اللازم للصيانة والدعم لإجراء الأبحاث، فالجهاز العتيق البالي يأتي بنتائج مشكوك فيها، وعدم توفر المواد الأساسية للأبحاث هو الآخر يعرقل إنجاز المهمة البحثية.
خضوع الأستاذ للتدريب المستمر عن طريق دورات تدريب القيادات والتعاون بين الجامعات وتحتسب شهادة الكفاءة لأغراض الترقية العلمية وتطوير أساليب البحث العلمي. ويساعد التدريب على الرقابة العلمية على الأستاذ وخاصة إدخاله المعرفة الجديدة في أبحاثه ويعينه على التقويم الذاتي لإنجازاته.
العمل الجدي والمسئول لتخطيط البعثات العلمية إلى الخارج، وتحويلها من امتياز شخصي إلى الدارس للنقاهة والاستجمام بسبب من انتمائه المذهبي والسياسي والقبلي، إلى رحلة علمية حقا للبحث والاستكشاف، وهنا يجب اختيار المشكلات التي يحتاج المجتمع فعلا حلولا لها، وليست البعثة لأغراض دراسة التاريخ الإسلامي والعربي في جامعات الدول الأوربية والعالمية( فشر البلية ما يضحك)، أنه مضيعة للوقت والجهد والمال، ولكي يعود الدارس بمزيد من المدخرات في العملة الصعبة !!!!.
تلك هي إشارات بسيطة لواقع البحث العلمي وسبل تطويره ، وتبقى الحلول الجذرية ومدايات الأخذ بها والقناعة بتحويلها إلى خطوات إجرائية رهينة بمدى انهيار المنظومة السياسية التقليدية القائمة على الخرافة والقمع والاجتهاد المؤذي، فأما العلم أو الجهالة إلى حين !!!!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.