عبدالعزيز الويز يبدو أن حظوظ المعارضة اليمنية الممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك في الضغط على السلطة لتنفيذ مطالبها المكتسبة بموجب اتفاق 23 فبراير 2009م , وكبح جماح مغامرة حزبها الشعبي العام في الذهاب إلى الانتخابات النيابية المقبلة بدون منافس حقيقي مستمرة في التضاؤل وفقدان الكروت المدخرة لوقت الشدة مع اقتراب الموعد المحدد لهذه الانتخابات المرتقبة بظمأ منذ ثمان حجج بما فيها حظها في خيار ما أسمته موخراً ب "الهبة الشعبية" وعرف من قبل لديها بخيار الانتقال إلى الشارع الذي ما فتئت معارضة المشترك تلوح به في أكثر من خطاب ومناسبة، كورقة ضاغطة اعتقدت أنه بإمكانها استخدامها في الوقت المناسب لتطويع السلطة ولي عنق كبريائها ومابرحت تهدد بها فرائصها في كل مرة تشتد خلافاتها معها بشأن قضايا الإصلاحات الملحة في البلد، فضلا عن اعتقادها أنها الأقرب إلى الناس من الحاكم دون اعتبار لمتغيرات متوالية ظهر معها أن الناس باتوا اقرب إلى مشاريع جديدة منه إلى مشاريع لجنة الحوار الوطني والإضراب عن الطعام وبيانات الشجب والادانه واعتصامات ساحة الحرية يأتي العنف المسلح وإطلاق الكيانات إحدى سماتها البارزة و وهن المعارضة سببها الأكبر. على الأقل هذا ما أظهره موخراً استطلاع رأي جاءت نتائجه تقلل بصورة غير مباشرة من حظ المشترك في إمكانية الاستفادة من الشارع لتحقيق مكاسب سياسية وطنية، حيث كشف الاستطلاع عن هوة فسيحة بين المشترك والشارع وربما أزمة ثقة لم يشفع وقوعهما معاً كضحايا لسياسة الحاكم لفترة طويلة في توحدهما ضده ولو من زاوية الوجع , وهو ما قد يضاعف من مأزق المشترك حالياً في مواجهة ما يسميه " تعنت وغرور الحاكم " بأدوات ناجعة منها " الهبة الشعبية " والتي بدت في قراءة استطلاع المركز اليمني لقياس الرأي العام (YPC ) المعلن الأربعاء الماضي في صنعاء غير مركون إليها على الأرجح في الوقت الراهن فيما لو حسم المشترك خيار اللجوء إليها. الاستطلاع الذي جاء ضمن أنشطة مشروع "مرصد البرلمان اليمني " الذي ينفذه المركز بالتعاون مع الأداة الأوربية للديمقراطية وحقوق الإنسان (EIDHR ) التابعة للاتحاد الأوربي وهو يعري ضعفاً أخر للمعارضة في وقت حرج يُتطلع فيه إلى جولاتها وصولاتها عزّز من جانب أخر عزم الحاكم في الاتجاه إلى الانتخابات وحيداً والاستمرار في شن خطاب فاقد للوعي ومواجهة غير متكافئة على المعارضة التي تتهمه ب" التنصل عن التزاماته ومسؤوليته ورفضه ما فيه إخماد الأزمات الملتهبة وإنقاذ البلد ", وفي تحقيق ًإعلام حزب الحاكم السبق الصحفي في نشر خبر نتائج الاستطلاع واحتفائه بها على طريقته المحببة ما يدعم القول. إذ اظهر الاستطلاع الذي تركز حول الحقوق والإصلاحات الانتخابية في ابرز نتائجه نسباً بدت مريحة بشان الوعي الشعبي بالمنظومة الانتخابية والتقييم لها من خلال الوقوف على التجارب الانتخابية السابقة المختلفة (نيابية ورئاسية ومحلية) , الأمر الذي ُفهم منه وكأنه دعوة مبطنة إلى تيئيس المشترك من اللجوء إلى الجماهير للضغط على الحاكم للتقيد والالتزام باتفاق فبراير آو للفصل في الأزمة السياسية المستعرة بين السلطة والمعارضة, وجعل من مطالب الأخيرة بضرورة إصلاح النظام الانتخابي وغيرها من الإصلاحات أشبه بمطالب غير ذات حاجة آو جدوى طالما و حرية الناخب في المشاركة والاقتراع كاملة وفقاً لنتائج الاستطلاع, والرضا عن أداء اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء في إدارة العملية الانتخابية كبير, والوعي بأهمية الانتخابات كوسيلة للتغير وضوابطها القانونية عالٍ , وحق المهمشين (الاخدام) في الترشح لرئاسة الجمهورية مكفول , والرقابة الدولية على الانتخابات مهمة وليست تدخلاً بالشأن المحلي. فبحسب نتائج الاستطلاع فان 92.2% من المبحوثين البالغ عددهم 1014 موزعين على 12 محافظة أكدوا إدلاءهم لأصواتهم بحرية كاملة في الانتخابات السابقة دون أي ضغط من أي احد ,وفي نفس السياق فان نسبة 90.5% من المبحوثين أفادت أيضا بأنه لم يسبق أن مُنعت من المشاركة في الانتخابات وهو ما يتنافى مع حديث المعارضة الدائم الموجه إلى اتهام حزب الأغلبية بتزوير الانتخابات إما بالاقتراع بدلاً عن الناخبين آو أكراههم على التصويت له بأساليب الترهيب والترغيب آو بتحضير الأموات والغائبين وأسماء غير حقيقية وصغار سن في التأشير على رمزه الانتخابي(الخيل) وغيرها من اتهامات القدح في نزاهة العملية الانتخابية. وفي سؤال عن أداء اللجنة العليا للانتخابات فان 59.7% ممن يعرفون اللجنة كجهة مشرفة على الانتخابات ويشكلون 29.2% من المبحوثين أجابوا بأنهم راضون عن أدائها وللأمانة فان النساء كنّ متقدمات على الرجال في نسبة الرضا, في حين أفصح الاستطلاع عن نسبة أكثر من النصف من اليمنيين (54.9%) ترى أن الانتخابات وسيلة فاعلة في عملية التغيير إلى الأفضل مقابل 43.3 % ترى عكس ذلك وتبرر رأيها بكون الانتخابات التي تجرى مزورة. ولفت الاستطلاع -الذي هدف إلى قياس مستوى معرفة المواطنين بالحقوق والإصلاحات الانتخابية وقياس تقيمهم لهما- إلى وعي متقدم لدى الجمهور اليمني بالنظم القانونية المنظمة لإجراء الانتخابات والاستحقاقات المتعلقة بها على عكس ما تشير إليه العديد من الدراسات والتقارير الموثوق بها التي تخلص إلى وصم معظمه بالأمية ونعته بالجهل فقد أظهرت نتائج الاستطلاع ما نسبته 59 % من المبحوثين يعرفون السن القانوني لممارسة الحق في التصويت التي حددها القانون ب 18 سنة فما فوق , ويتبع ذلك بوعي اليمنيين أيضا بحق المهمشين (الاخدام) في الترشح في الانتخابات حتى لمنصب رئيس الجمهورية حسب 51.5% من المبحوثين وربما في فوز الرجل الأسود من أصل كيني باراك اوباما بمنصب الرئيس الأمريكي 44 في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة والمنعقدة في سبتمبر 2008م دور في إذكاء هذا الوعي الحضري, في حين بلغت نسبة حق المهمشين في التصويت 87.6% وهي نسبة أعلى من حق الترشح يشعر المهمشون ربما بمرارتها وعبروا عنها بالخروج لأول مرة إلى تنظيم اعتصام في ساحة الحرية أواخر يوليو من العام الماضي رافعين شعار" نريد وطناً لا موطناً انتخابياً",كما لم يغفل الاستطلاع عن تأكيد اليمنيين أهمية الرقابة الدولية على الانتخابات بنسبة 67.2% من المبحوثين كضمان لنزاهة الانتخابات دون اعتبار ذلك تدخلاً في الشؤون المحلية , حتى منصب نائب رئيس الجمهورية أصبح هو الأخر محل اهتمام الشارع اليمني الذي ظهر مع نشوة الديمقراطية غابطا للرئيس في حقه اختيار نائبه وتواقاً لاختيار النائب بنفسه عبر الانتخابات المباشرة بنسبة 57.3% كآلية وصفت بالأفضل فيما ابقي %21.3 من المبحوثين حق اختيار النائب للرئيس وكانت النساء في هذا أكثر, وهو ما يحمل تهديداً قادماً لمنصب الكرسي الثاني المحتكر في الجنوب من بعد إعلان دولة الوحدة كنوع من المراضاة الجغرافية وتعميق الشعور بغبن الشراكة المفتقد وقلقة لمنصب اللواء النائب عبدربه منصور هادي الشكلي الذي قد لا يعود إلى هذا الموقع فيما لو تم اخذ نتائج الاستطلاع بعين الاعتبار الرسمي على طريقة الحكم واسع الصلاحيات وتوسيع نطاق الديمقراطية الشعبية. وفيما يخص الأنظمة الانتخابية المفضلة لدى المبحوثين ممن جرى تعريفهم بنظامي الدائرة الفردية والقائمة النسبية أجاب 45.1% أنهم يفضلون نظام القائمة النسبية وهي نسبة اقل من النصف فيما فضّل 39.8% نظام الدائرة الفردية و 5.6% الدمج بين النظامين. العاطفة الدينية لدى المجتمع اليمني المسلم غالبيته والموصوف بالمحافظ لم تحجبها الديمقراطية الانتخابية بل كانت حاضرة في نتائج الاستطلاع وهي تصادر حق اليهود اليمنيين في التصويت في الانتخابات بنسبة أكثر من النصف حسب 51.1% من المبحوثين وتنزع الحق عن اليهودي اليمني في الترشح بنسبة 87.8% في الانتخابات الرئاسية و 83 % في الانتخابات النيابية و%79 في الانتخابات المحلية في حين يكفل القانون اليمني لأبناء الديانة اليهودية الحقين (التصويت والترشح) في الانتخابات أيا كان نوعها دون أي مانع بسبب الديانة. وربما للاحتلال الاسرانيلي لفلسطين وجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني والمسلمين عموماً وقضية الصراع العربي الإسرائيلي اثر في تكوين هذه العاطفة كنوع من العداء لليهود عموماً ومحاولة معاقبتهم ببطاقة الهوية الدينية وفي توالي هجرات أبناء الطائفة اليهودية من اليمن صوب إسرائيل وأمريكا في السنوات الأخيرة ما يفسر ذلك بشكل اكبر من مصادرة حقهم في الترشيح والترشح في الانتخابات. ويزيد الاستطلاع أهمية إعلانه في وقت تشهد فيه أزمة الوفاق والاتفاق تعقيداً بين مؤتمر السلطة ومشترك المعارضة و تطورات متسارعة منذ الأسبوع الفائت ظهر فيها حزب الحاكم برباطة جأش متضخمة غير متهيب هذه المرة من اقتراف مواقف وخطوات طالما تلقى فيها تحذيرات من جهات عدة وتوقفت عن إتيانها حسابات الرئيس في أحلك ظروف الخلاف السياسي كما حدث السبت قبل الفائت بإقدام حزب الأغلبية النيابية الكاسحة على مباغتة الجميع في لحظة زهو تملكته بعد الخروج من تنظيم اليمن بطولة خليجي 20 الرياضية وإقراره تعديلات قانون الانتخابات تحت قبة البرلمان وسط معارضة شديدة من قبل كتل المشترك والمستقلين ومخالفات قانونية ودستورية وكذا التصويت بعدها في نفس الأسبوع على اختيار 9 من القضاة لعضوية اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء ومصادقة الرئيس على التصويتين دون أية ردة فعل قوية من المعارضة لإيقاف ذلك ليأتي الاستطلاع بنتائجه التي لا تقوى على التشكيك بها على الأرجح بسهولة ويزيد من إحراج معارضة المشترك باختياره توقيت صعب وموضوع هو حديث الساعة و أحد قضايا الأزمة (الانتخابات) وإعلانه أرقاما ونسباً من شانها إحراق الورقة الشعبية التي يعزم المشترك إلى اللجوء إليها للتصدي لقرارات الحاكم المباغتة بإطلاقه بياناً دعا فيه أنصاره وشركاءه إلى ما وصفها ب" هبة غضب شعبية متواصلة شاملة لا تهدا إلا باستعادة الخيارات الوطنية والديمقراطية المشروعة والحق في التعبير وتحقيق الشراكة الوطنية في السلطة والثروة والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية ... " حد تعبير البيان الصادر عنه مؤخراً . من جانبه رئيس المركز اليمني لقياس الرأي العام الجهة المنفذة للاستطلاع حافظ البكاري في رده على استفساراتنا بخصوص النتائج المعلنة إن كانت تستهدف خيارات المشترك وتقنيطه من ال "هبة الشعبية" وصف نتائج الاستطلاع بالطبيعية وبررها بغياب المشترك عن الشارع وربما عن قواعده وأنصاره واشتغاله على قضايا غير التوعية والتربية الوطنية والتنظيمية التي حد قوله تمثل سبباً من أسباب القوة , وأكد البكاري أن توقيت إعلان نتائج الاستطلاع بريء وجرى اختياره في وقت سابق على أساس توقع حدوث توافق سياسي بين السلطة والمعارضة بشان المنظومة الانتخابية على ان يتم في هذه المناخات التوافقية إعلان نتائج الاستطلاع للاستفادة منها , مبديا استغرابه من ما اسماه "كلفتة المؤتمر" ومباغتته الجميع بالتصويت على تعديلات قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا من القضاة. ورغم أن الاستطلاع لم يشر إلى المستوى التعليمي لعينة المبحوثين باعتبار ذلك مهماً إلا أن أخذه الوضع الوظيفي وجهة العمل وهو يشخص خصائص العينة كان لافتاً، كون الوظيفة وفقاً للواقع تحولت بفعل الظروف المعتمة المحيطة بالبلد إلى قيد وأداة تهديد لإكراه الموظف على اعتناق قناعات في الغالب تصطدم مع قناعاته, ومع هذا جاءت النتائج بنسبة 55.9% بلغ فيها العاطلون عن العمل , فيما بلغت نسبة العاملين بوظائف حكومية 34.9 % من نسبة العاملين البالغة 44.1% . ويأتي كون المشروع المنفذ ضمنه الاستطلاع ممولاً من الاتحاد الأوربي ليشكل هو الأخر تحدياً إضافيا أمام المعارضة فيما لوغدت نتائج الاستطلاع هي نفسها قناعات الأوربيين وتوجه منهم في هذا الظرف بدعم السلطة واعتراف سابق لأوانه بنتائج الانتخابات النيابية القادمة التي قد يخوضها المؤتمر منفردا , ومحاولة لإسقاط الرهان على الخارج في الضغط على النظام الحاكم للقيام بالإصلاحات الضرورية للاستقرار وحماية المصالح, وبالتالي تتضاعف عناءات المشترك أكثر فأكثر وهو الذي ظل يتخذ من مقترحات الاتحاد الأوربي مرجعية له في تحاوره مع حزب الحاكم منذ 2008م. وبعيداً عن ذلك وفي ضوء نتائج الاستطلاع الذي نفذ في الفترة من 24-6 يوليو 2010م وهي الفترة التي شهدت توقيع المؤتمر الحاكم والمشترك المعارض على المحضر التنفيذي لاتفاق فبراير بما عرف باتفاق 17 يوليو يبقى الإشارة إلى حاجة المشترك في الوقت الراهن إلى جهود جبارة ليس الانتقال إلى التوعية الشعبية إلا إحدى هذه الجهود فيما خروج قياداته العليا لقيادة حركة الشارع ومواجهة خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي والمدرعات ومغادرة أرائك غرفها المغلقة إلى عنابر السجون هو الجهد الأهم والمرتقب والذي ربما يأتي معه فلق التغيير المنشود.