رئيس مجلس القيادة يصل مارب برفقة نائبيه العليمي ومجلي    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    لحظة وصول الرئيس رشاد العليمي إلى محافظة مارب.. شاهد الفيديو    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة التسامح في اليمن.. تقرير عام 2008م(5)
نشر في الوسط يوم 21 - 10 - 2009

الحلقة الخامسة * أعده أ.قادري احمد حيدر - د.محمد المخلافي هذا العمل يأتي في سياق دراسة حالة التسامح في عدد من البلاد الغربية التي عانت وتعاني من الصراعات السياسية والحروب وضمن تقرير اقليمي خاص بهذه البلدان ، ويعد اول عمل على الصعيد العربي يناقش التسامح من منظور الديمقراطية وحقوق الانسان. أساس التسامح السياسي: سبق أن بينا أن أساس التسامح السياسي: الاعتراف بالآخر، والإقرار بالتعدد والتنوع والحق في الاختلاف، والتعددية تعبر عن نفسها من خلال الدستور والقوانين النافذة وممارسة الحق في حرية التنظيم، حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والمعتقد،، وتكريس حكم الأغلبية والديمقراطية بعيدا عن العنف والتزوير لإرادة الناخبين. والتشريع اليمني المكون من الصكوك الدولية التي يلتزم بها اليمن والقانون الداخلي، يكفل التعددية السياسية وحرية الفكر والرأي والتعبير، غير أن التشريع اليمني- كما سبق وان بين- يعاني من أزمة بنيوية، تركز السلطة بيد الحاكم, الفرد, الرئيس, وعدم الفصل بين المال العام والمال الخاص بالحاكم وعدم الفصل بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة وإمكانياتها، مما يجعل التعددية السياسية والحزبية غير قادرة على التعبير عن نفسها بحرية ودون أن تتعرض للملاحقة والاضطهاد، ومن ذلك استخدام الوظيفة العامة لإكراه المنتمين لأحزاب المعارضة، لمغادرة أحزابهم والانتقال إلى حزب الحكومة ومن بينهم قيادات عليا في الأحزاب. إذ أن التوظيف في الجهاز الإداري للدولة، والترقي في الوظائف الحكومية لا يستند على معايير الكفاءة ولا يتم وفقا لمبادئ تكافؤ الفرص وإنما يتم وفقاً لمعايير الولاء السياسي، مما يضطر الكثير من منتسبي الأحزاب إلى مغادرة أحزابهم والانتماء إلى الحزب الحاكم (1) . ولأن الحكم في اليمن يقوم على احتكار السلطة والثروة، فقد تمكنت السلطة من تشويه التعددية الحزبية وإيجاد أحزاب لمعارضة المعارضة ومحاربة التعددية، الأمر الذي قاد ويقود إلى تعميم انتشار ظاهرة ثنائية السلطة والثروة، وحين تتحول الثروة الاجتماعية الوطنية (ملكية الشعب)، إلى رديف للحكم والحاكم، أو حزب الحاكم، فإنها تتحول أوتوماتيكيا إلى ملكية خاصة، ولا يعد بالإمكان بعدها التفريق بين الملكية العامة، (ملكية الشعب) والملكية الخاصة، وفي هذا يكمن واحد من أسباب إعاقة التحول الديمقراطي وأزمة بناء الدولة المدنية، والى ذلك تحديداً, يمكننا تفسير معنى غياب دولة المؤسسات والنظام المؤسسي، وفي ذلك يتمثل واحد من أسباب وعوامل الصراع العقيم، والحروب الدائمة، ولا يمكننا أن نتفهم ظاهرة الفساد السياسي، بعيداً عن هذا الجذر أو هذه المقدمة، ومن هنا اختصار الدولة في السلطة، واختصار السلطة في الحاكم، وبعدها في حزب الحاكم، ظله السياسي لممارسة السلطة باسمه، وتتحول الثروة الاجتماعية الوطنية إلى رديف أو غطاء للحكم والحاكم. وعلى الرغم من الاعتراف بالتعددية الحزبية، إلاً أن ما يمارس عمليا ليس بعيداً عن نظام الحزب الواحد، وجرى خلال عام 2008، الإعداد للانتخابات النيابية وتشكيل الإدارة الانتخابية بدون مشاركة أحزاب المعارضة مما يعني العودة بصورة سافرة إلى نظام الحزب الواحد الذي ما زال قائم، وحسب إحصائيات المرصد اليمني لحقوق الإنسان اعتقلت الأجهزة الأمنية في شهر نوفمبر 2008 عدد (141) ناشطاً سياسيا من أحزاب اللقاء المشترك في محافظات: تعز وعدن والعاصمة صنعاء، إثر تنظيمهم تجمعات سلمية ومسيرات واعتصامات، احتجاجا على الإعداد لانتخابات غير تعددية ولا تتوافر فيها شروط الانتخابات الحرة والنزيهة وإقصاء الأحزاب من الإدارة الانتخابية. الدولة، وبحسب إحصائيات المرصد عرضت عدد(110) تجمعات سلمية للقمع خلال عام2008م, يدخل في ذلك إطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع ومطاردة واعتقال قادة ومنظمي التجمعات السلمية، وترتب على ذلك (7) حالات قتل و(124) إصابة و(994) حالة اعتقال وبسبب ممارسة حق التجمع السلمي والتعبير أحيل (95) شخصا للمحاكمة، معظمهم أحيلوا إلى محكمة استثنائية, محكمة أمن دولة, بالإضافة إلى أنه ليس ثمة فصل بين الحزب الحاكم وإمكانيات الدولة وأجهزتها. وعادت القيادات العسكرية والقبلية منذ حرب 1994، إلى واجهة العمل السياسي واحتكار القرار على صعيد الدولة والمجتمع. يوجد في اليمن 21حزبا سياسيا، منها 6 أحزاب معارضة تمثل تكتل أحزاب اللقاء المشترك إلى جانب حزبين معارضين لا يندرجان في هذا التحالف، وبقية الأحزاب تمثل كتلة للعمل الدعائي للحزب الحاكم وحكومته في مواجهة العمل السياسي لأحزاب المعارضة، وتفرض التشريعات وصاية الإدارة الحكومية على منظمات المجتمع المدني غير السياسية, النقابات والمنظمات غير الحكومية، وفقدت معظم النقابات استقلاليتها وتستخدم لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لأحكام سيطرة الحكومة على الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية أو إيجاد أحزاب ونقابات وجمعيات ومؤسسات بديلة تابعة للحزب الحاكم أو الحكومة2. وهذا النهج يكرس ثقافة اللاّتسامح، والعداء للآخر، وعدم القبول به، ويصبح معه شعار التعددية المقيدة والشكلية مصدراً لإنتاج الثقافة الواحدية الشمولية، وأساساً لتعميم وانتشار ثقافة اللاّتسامح على كافة المؤسسات. وفي ذلك تفسير لعزوف الناس عن الاقتراب من السياسة، والخوف من الاشتغال بها، فهي دائرة جهنمية قاتلة، دائرة محرمة، بعد أن الحق المجال السياسي بالتحريم، والتخويف السياسي، وانقلاب على نظام الحكم، أضفت معه السلطة على نظام حكمها صفة القداسة، والشرعية المطلقة، وأصبح الولاء للسلطة هو قمة الولاء للوطن، والانتماء إليه. أصبحت السلطة - المقصود الحاكم - هي الدولة، والثروات، وهي المالك الوحيد، ورب العمل الوحيد، هي واهبة العطايا، والمنح، والنعم، والأنظمة التسلطية الفردية القائمة على هذه الخلفية هي المصدر الأول والكبير لإنتاج ثقافة اللاّتسامح، كثقافة للعنف والإقصاء، والتهميش للآخر، وعدم الاعتراف به وبحقه في الحياة والوجود. من هنا تستمر أزمة الشراكة في اليمن واحتكار السلطة والثروة, وفقدان الأمل بإمكانية التغيير بالوسائل الديمقراطية، وهو ما يفسر العودة إلى العنف المسلح أو الدعوة إلى إيجاد حلول جهوية بعيداً عن الدولة الموحدة, والأحزاب التي صارت الرابط الطوعي الوحيد بين اليمنيين في الشمال والجنوب. الوحدة وثقافة التسامح السياسي: إن مفهوم التسامح يكاد يكون مفردة جديدة على العقل السياسي العربي - بدرجات متفاوتة - مفردة لم يجر تداولها بصورة واسعة، ناهيك عن التعاطي الواقعي معها، وما يزال هامش حركة مفهوم التسامح محدوداً، وحدود تداوله وتناقله بسيطاً، مفاهمياً, وسياسياً، وفي إطار نخبة سياسة ثقافية محدودة ومع ذلك فإن الإطار ألتعددي الذي تم القبول به مع الوحدة , كان الأساس لتعميم فكرة التعايش , والتفاهم , والتقارب والألفة بين الجميع , والخطوة الأولى نحو القبول بالأخر , والاعتراف بحقه في الوجود وحقه في الاختلاف . ويمكننا القول في اليمن إن بداية تبلور وظهور مفهوم التسامح على المستوى الفكري والسياسي إنما بدأ مع إعلان قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، ومن خلال ربط الوحدة بالديمقراطية أو إعلان التعددية في دستور دولة الوحدة باعتبارها جوهر النظام السياسي. إن لحظة إعلان ربط الوحدة اليمنية بالديمقراطية، والتعددية، والسماح بقيام الأحزاب السياسية، وحرية نشاطها، هي البوابة الكبيرة التي تميز فيها النظام الرسمي اليمني بحالة القبول بالآخر والاعتراف بالتعدد والتنوع في السنوات الأولى لقيام الوحدة اليمنية، وهي بداية إعلان الخطاب الديمقراطي عن نفسه وعن حضوره ولو على المستوى النظري والدستوري والقانوني، أصبحت معه الديمقراطية، والتعددية حقاً مكتسباً بنص دستوري وقانوني، ولا إمكانية للتراجع عنه كنص من قبل الجميع، ومع أن حرب 1994، خلفت شرخا عميقا في مضمون علاقة الوحدة بالديمقراطية، والتعددية،إلاً أنها لم تستطع عمليا إلغائها. لقد وضعت الوحدة السلمية في 22 مايو 1990، اللبنة الأولى في صرح الديمقراطية والتعددية وثقافة الحوار والتسامح، والعمل السلمي الديمقراطي، وما تزال ثقافة التعدد والتسامح والقبول بالآخر، تبحث عن نفسها ولنفسها مكاناً في الخطاب، وفي الممارسة الواقعية،وهي قطعا تشق طريقها بصعوبة، ووسط مخاطر جمة، ولكن باقتدار في محاولة لاعادة موضعه فعل الامكانية في موازاة أو مقابلة فعل القوة الصرف الذي تنتجه السلطة. لقد مثل إعلان قيام الوحدة اليمنية أرقى أشكال التسامح الوطني، وجاء تعبيراً عن حالة سياسية تسامحيه، وليعكس حالة رغبة شعبية وجماهيرية، تلقفتها القوى الحية الحديثة في البلاد وعملت على رفعها إلى مستوى المشروع السياسي، والقضية الوطنية الكبرى، وحاولت خلال ذلك أن تؤسس فضاءً وطنياً لثقافة التسامح، والتعدد، والمواطنة, وفي محاولة لجعل الوحدة خطاً فاصلاً بين ثقافة العنف (الماضوية) وثقافة التسامح (المستقبلية)، لولا محاولة القوى التقليدية إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف، ولا مجال أمام جميع أطياف العمل السياسي والاجتماعي والديمقراطي سوى العمل الحثيث لاستعادة روح الوحدة المدنية والسلمية والديمقراطية، قبل أن تصل البلاد إلى حافة الهاوية، بعد أن استعادت القوى التقليدية احتكار السلطة والثروة, خاصة بعد حرب 1994. وصار معها التعصب وثقافة العنف منتجاً يومياً يتحرك باتجاهات مختلفة (شمال، جنوب) وبين تعميم ديمغرافي مذهبي (زيدي، شافعي) وبين (أقلية تحكم أغلبية)، ولا خيار أمام الجميع سوى العودة إلى الوحدة السلمية الديمقراطية التعددية، التي تجسد روح ثقافة الحوار والتسامح، والتعددية، على طريق إعادة إنتاج تداول سلمي فعال للسلطة وليس أمامنا جميعا اليوم سوى تسوية سياسية وطنية تاريخية جديدة, تعيد للوحدة القها الوطني ورونقها السياسي التعددي, الذي يقوم ويتأسس على فكرة المواطنة, والدولة المؤسسية المدنية الحديثة. اللقاء المشترك.. كشكل من أشكال التسامح السياسي: اللقاء المشترك هو شكل تنظيمي سياسي، عملي، يعبر عن مضمونه وفي معنى قيامه وتشكيله عن صورة رائعة من صور التسامح السياسي في البلاد، وللشهيد جار الله عمر الدور البارز والرائد في الإسهام في التهيئة والإعداد لإشهار هذا اللقاء السياسي التنظيمي لقوى وتنظيمات سياسية خاضت فيما بينها حالة من الحروب، المسلحة الطويلة (الشمال الجنوب) قبل الوحدة، وصراع (الاشتراكي) و(الإصلاح)، بعد قيام الوحدة لإقصاء بعضهم البعض، واستخدام الدين في هذا الصراع، وخطاب العنف والتفكير، لإقصاء الاشتراكي وإخراجه من السلطة. وبعد أقل من عامين بعد الحرب، أي عام 1996، بدأت خطوات جنينية أولى نحو الحوار، بخطوات متدرجة عديدة، حتى ظهر هذا الإطار السياسي التنظيمي (التنسيقي أو التحالفي) عام 1999، فيما بين مجموعة من الأحزاب، والتنظيمات تجمع (الاشتراكي الإسلامي القومي)، وهي تنظيمات تنطوي في إطار اللقاء المشترك في صورته القائمة. وهو تعبير عن التعددية الحزبية والسياسية، والفكرية، وتجسيد عملي لفكرة القبول بالآخر، وبالتعدد والتنوع، والحق في الاختلاف، هو لقاء أو تجمع إطاري سياسي كفاحي يشمل جميع أنواع الطيف المعارض(باستثناء حزبين معارضين) في البلد على قواسم سياسية، وديمقراطية ووطنية، ويمثل خطوة نحو ثقافة التسامح، والاعتراف بالآخر، بصرف النظر عن خلافات إيديولوجية، أو عقيدية، أو مذهبية، ويضم اللقاء المشترك في إطاره الأحزاب والتنظيمات التالية: حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، الحزب الاشتراكي اليمني(يساري قومي)، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري(قومي)، حزب البعث العربي الاشتراكي(قومي)، حزب اتحاد القوى الشعبية (إسلامي)، حزب الحق (إسلامي)، وهي أحزاب وقوى وتجمعات خاضت في الماضي فيما بينها حروبا أيدلوجيا وعسكرية، وبصورة مباشرة نشبت هذه الحروب ولزمن غير قصير بين الحزب الاشتراكي اليمني وجماعة الإخوان المسلمين ثم التجمع اليمني للإصلاح وكان آخرها حرب 1994. ولا يكف خطاب الحكم وإعلامه عن الاشتغال على قضية التاريخ الصراعي فيما بين أحزاب اللقاء المشترك، ومحاولته الدائمة، لشق هذا الإطار السياسي بكافة السبل والوسائل، لإعادة إنتاج تاريخ الصراع السياسي والإيديولوجي فيما بين
الحزبين خاصة، لإعادة إنتاج خطاب العداوة، والتعصب، والكراهية، وعدم التسامح السياسي. يمثل اللقاء المشترك في اليمن حالة تسامح سياسي - على طريق خلق حالة تسامح وطني شامل - وهي حالة تسامح ما تزال فريدة في البلاد العربية وبفضله تحول التجمع اليمني للإصلاح- أو هو في طريقه الى التحول الكامل من حزب ديني- إلى حزب سياسي, تخلى عن نفي الآخر المختلف فكرياً، وعن التكفير والإقصاء، وقبوله بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتخلى الحزب الاشتراكي اليمني عن رفض وجود أحزاب تستخدم الإيديولوجية الدينية, واتسعت في داخلة مساحة القبول بالآخر, وفي ذلك إشارة عميقة إلى إن الطرفين انتقلا من موقع الايدلوجية الصرف في تحديد العلاقة بالآخر, إلى فضاء ثقافي رحب , اخذ معه المجال السياسي , والسياسة لينفتح على أفق استراتيجي مفتوح , يتسع للجميع ,كما هو في صورة اللقاء المشترك القائم اليوم . ويرى بعض الباحثين والمحللين أن دعم رئيس الدولة لتشكيل هيئة الفضيلة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ليست أكثر من محاولة أخيرة لشق اللقاء المشترك عبر شق حزب التجمع اليمني للإصلاح، أو إحداث ارتباكات في أوساطه الحزبية السياسية، كمحاولة لإنهاء هذه الخطوة العملية الجميلة للتسامح السياسي والعمل المشترك من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته, خطوة أولى وهامة على طريق التأسيس لثقافة التسامح. نموذج لحالة عدم التسامح: حرب 94م يكاد يكون هناك اليوم إجماع سياسي إن حرب 1994، شكلت حالة انتكاسة سياسة ووطنية لما مثلته وحدة 22 مايو 1990، من تطور سلمي، وديمقراطي، تعددي، نحو مرحلة جديدة كان يفترض الحفاظ عليها وحمايتها سلمياً باعتبارها نقطة تحول نوعية في التاريخ السياسي اليمني المعاصر، وهي لحظة إعلان التحول من الشمولية، ونظام الحزب الواحد إلى بوابة الديمقراطية والتعددية، والقبول بالآخر وإحلال السلام محل الحرب، كما كان يعلنها خطاب التشطير بين الطرفين قبل الوحدة. الحرب اليمنية في 1994 عبرت عن فشل التسامح في اقتحام المجال السياسي والعودة إلى إنتاج ثقافة الحرب. هي حرب لم تكن تقليدية، نظامية، بل حرب اشتركت فيها القوات المسلحة والأمن، والقوى العقائدية، والجماعات الإرهابية الدينية العائدة من أفغانستان وباكستان، وجرى تجييشها في الحرب، وتم تمويلها من دول مجاورة، حرب لم يكن سببها، كما يدعى، حماية الوحدة والحفاظ عليها، وإنما عدم القبول بالآخر والاعتراف بحقه كشريك في السلطة والثروة، حرب كان هدفها المباشر الاستئثار بالسلطة، والانفراد بالحكم، حرب فرضت نفسها بعد ذلك باعتبارها حرباً بين الشمال والجنوب، ليس بمقدماتها السياسية، بل وبنتائجها الاقتصادية والاجتماعية وما أدت إليه, ومع حرب 1994، ضاقت مساحة التسامح، وثقافة الحوار، وانتعشت قيم التعصب القبلي، والمناطقي وشاع مصطلح (دحباشي) للتعبير عن الشمال القبلي المتخلف الذي لا يحترم سلطة القانون، وهو مصطلح يحمل دلالة تحقيرية إزدرائية لبعض أبناء الشمال من قبل بعض أبناء الجنوب كردة فعل على شعور التفوق بفعل القوة والغلبة في الحرب من قبل القائمين على السلطة. بعد الحرب تعززت قيم القبلية والثأر، وحمل السلاح، انتعشت مظاهر التعصب الديني والسياسي والاجتماعي، انقسم اليمن الموحد من جديد إلى جغرافيا, وديمغرافيا, بصورة حدية وقاتلة، شمالاُ جنوباً، وصارت مفردة الانفصالي جنوبية الهوية، والوحدوي شمالية الهوية، وهو فرز اعتباطي عبثي، خلفته حالة القوة الفائضة عن قدرة الوطن على احتمالها، خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية، التي كانت الحرب عندهم، بالقوى الدينية، والقبلية, وبالعمل العسكري، وقبل أن تقف أصوات الصواريخ، والقذائف، وحمى الرصاص، والنار، كان اقتصاد دولة الجنوب السابقة في عداد الهالكين بفعل القيد والتدمير واستيلاء النافذين العسكريين والمدنيين على ما تبقى من اقتصاد دولة الجنوب باسم العطايا والهبات، وباسم الخصخصة. وترتب على ذلك إخراج عشرات الآلاف من أبناء الجنوب من ميدان العمل ووضعهم في صفوف البطالة وهو ما اصطلح على تسميته في خطاب أبناء الجنوب (خليك في البيت) - وتقول بعض الإحصائيات الصحافية إن أعدادهم تصل إلى أكثر من مائتي ألف - صار معه قطاع واسع من العسكريين والأمنيين، والمدنيين، خارج نطاق العمل المباشر، أو مقاعدين قسرياً، أو في حالة متابعة لرواتبهم، ومستحقاتهم، وحدث معها ما يمكن تسميته بالاستبعاد السياسي الوظيفي. الاستبعاد السياسي الوظيفي، أو قضية المقاعدين بعد الحرب مباشرة تشكلت فئة ممن يمكن تسميتهم بالمقاعدين أو المسرحين قسريا، أو من يقعون خارج نطاق خدمة الوظيفة الفعلية، لأسباب سياسة وجميعهم أو غالبيتهم العظمى من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، التي وقعت الحرب عليهم وضدهم، وليست هناك أرقام رسمية دقيقة حول عددهم الحقيقي، ولكن التقديرات المختلفة لعدد المبعدين أو المقاعدين تصل إلى عشرات الآلاف، وبعضهم يقدرهم بأكثر من مائة ألف شخص مدني وعسكري، ولدى المرصد اليمني لحقوق الإنسان بيانات تتعلق بحوالي (23000) معظمهم ينتمون إلى المؤسسة العسكرية والأمنية وأعداد المبعدين من وظائفهم في السلك العسكري - ضابطاً - أو صف ضابط، أو أفراداً - (15000) شخص من إجمالي العدد المتوفرة بياناتهم، وعدد المنتسبين لوزارة الداخلية المتوفرة بياناتهم (3000) والذين يشغلون وظائف مدنية بلغ عدد المتوفر بياناتهم (4000) شخص3. * أصدر رئيس الجمهورية قرار رقم (53) لسنة 2007، بشأن العودة إلى الخدمة في القوات المسلحة المعلن عنه في الصحف والمتضمن إعادة (160) متقاعداً إلى الخدمة فقط، كما قامت اللجان بتسوية أوضاع أعداد أخرى، إلا أن تلك التسويات لم تتجاوز نسبة 6% بحسب جمعية المتقاعدين، وجميع عمليات التقاعد أو المقاعدة هي في الواقع عملية استبعاد سياسي من الوظيفة العامة، حرموا معها من شغل وظائفهم العسكرية والأمنية والمدنية ومن حقوقهم ومستحقاتهم، بل إن بعضهم ظل بدون راتب لفترات مختلفة، وهي أكبر وأوسع عملية إقصاء واستبعاد وتهميش كوادر، وعاملين، في دولة الجنوب السابقة، وهناك مجاميع كبيرة أحيلت إلى التقاعد دون تسوية أوضاعهم المالية، ودون تسوية درجاتهم الوظيفية، أو رتبهم العسكرية، وقبل بلوغهم أحد الأجلين، تمثل هذه الحالة أسوأ أنواع الإقصاء، والاستبعاد السياسي الوظيفي، والعديد ممن بقى في السلك الوظيفي العسكري أو المدني، ظل دون عمل، ولا يمارس أي دور تنفيذي يتناسب مع درجته ووظيفته، ومحروماً من العلاوات والمستحقات، وتحت أمر من هو أدنى، وأقل منه درجة، أو رتبة، ناهيك عن معيار، الكفاءة، المؤهل، والخبرة. * وحول المقاعدين أو المحالين إلى التقاعد، ترى إحدى قيادات المتقاعدين (أن ما تم حله من مشاكل المتقاعدين لا يتجاوز 7%)، و(إن من تظلموا لدى اللجان الرسمية لا تتجاوز نسبتهم 18%، وأن القطاع الأكبر لم تلامس قضيتهم)4 . * حالة الإقصاء هذه أدت إلى إحلال وظيفي، إذ يقدر (أن ثلاثة أرباع مدراء العموم في عدن من خارج المحافظة، وفي أبين المحافظة كل مدراء المؤسسات الأمنية والمالية، والايرادية، من خارج المحافظة...)5، وفي ذلك شكل من أشكال الاستبعاد السياسي لأبناء الجنوب من المواقع الوظيفية العليا في محافظاتهم ومناطقهم. استخدام العنف ضد التجمعات السلمية والمشاركين فيها تعرضت العديد من التجمعات السلمية في الجنوب للقمع والاعتقال، والتعذيب، والقتل، وبلغت أجمالي التجمعات السلمية (623) تعرضت (85) منها للقمع، وبلغ عدد المعتقلين بسبب ممارسة حق التجمع السلمي خلال عام 2008م (860 معتقلاً)حتى شهر أكتوبر، وبلغ نصيب محافظة عدن من المعتقلين (230) معتقلاً، هم محافظة الضالع، وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى. * قدم عدد (43) للمحاكمات، جميعهم جنوبيون ما عدا واحداً من أبناء تعز الشمالية. * بلغ عدد القتلى على خلفية التجمعات السلمية 2008م، 7 قتلى موزعين على محافظتي الضالع ولحج. وبلغ عدد الجرحى على خلفية التجمعات السلمية 2008م خمسة وسبعون جريحاً في أواخر عام 2008 م ازدادت عمليات الاعتصامات والمسيرات، وذلك احتجاجا على الإعداد للانتخابات وإداراتها من قبل الحزب الحاكم منفرداً، ووصل عدد التجمعات السلمية التي تعرضت للقمع إلى (110) تجمع وعدد القتلى (7)وعدد الجرحى (124) وتعرض للاختفاء القسري عدد (21) وبلغ عدد المعتقلين (994) وخضع عدد (95) للمحاكمات خلال عام 2008.6 الهوامش: المصدر: المرصد اليمني لحقوق الإنسان - 1 راجع. التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2006، المرصد اليمني لحقوق الإنسان، صنعاء أبريل 2007 ص35ومابعدها. - 2 راجع. التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2007. المرصد اليمني لحقوق الإنسان، صنعاء، إبريل 2008 ص 142 ومابعدها، أيضا،. محمد أحمد علي المخلافي: تقريرالحركة العالمية من أجل الديمقراطية 2007 حالة اليمن التقريرالإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا رؤى قادة المجتمع المدني تشرين الاول 2007 ص 60 ومابعدها، ومحمد أحمد المخلافي عبد الباقي شمسان: واقع منظمات المجتمع المدني وأثره على الشراكة في اليمن، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان تعز 2006. 3 إنظر تقريراً عن الحق في التجمع السلمي. المرصد اليمني لحقوق الإنسان. صنعاء، نوفمبر 2008 ص 7 - 4 صحيفة (الأيام) الصادرة بتاريخ 22/5/2008 العدد رقم (5409) - 5 صحيفة (التجمع) الوحدوي الصادرة بتاريخ 21/ 4/2008م العدد رقم (624). - 6 المصدر: تقرير عن الحق في التجمع السلمي (المصدر السابق) ص 14.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.