كتب/عمرو محمد النود إن تطور ونماء دولة معينة يمكن ملامسته والتعرف عليه من خلال انعاكسه على الوعي الوطني والاجتماعي والسياسي لدى مواطني تلك الدولة حيث تعبر أفكارهم ومفاهيمهم ومبادئهم على نوعية التطور والنماء الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي لمجتمعهم ودولتهم. حيث لم تعد الهوية الوطنية والمطالبة بتنميتها والحفاظ عليها في ظل تحديات العولمة الاجتماعية والثقافية مجرد شعارات تتبناها الأنظمة السياسية الحاكمة لفرض سلطتها وقمع معارضيها السياسيين كما يزعم بعض المثقفين والمفكرين العرب واليمنيين بشكل خاص بل إنها حاجة ضرورية لواقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي الغير ناضج فكريا واجتماعيا لاحتضان ثقافة الديمقراطية وممارساتها وأساليبها ووسائلها.وفيما يتعلق بمسألة انهيار الدولة (اليمن) أمر غير وراد البتة فكل ما تروج له الأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الأعلام الأجنبية والمحلية من إشاعات سياسية بتقاريرها الغير واقعية أو العلمية لا تتناول إشكالية الواقع اليمني كما هو بل كما تصوره النخبة السياسية والثقافية المعارضة للنظام الغير عقلانية بطرحها للمشكلة أو محايدة ، وفي ظل الظروف الحالية مازالت مؤسسات الدولة تلعب دورا ولها تأثير ملموس نوعا ما بالحياة اليومية، إلا أنها تعاني من إشكاليات وأزمات سياسية واجتماعية إدارية وتنموية وقانونية لم توفق بالتعامل معها ومعالجتها حيث ساهمت الأحزاب السياسية المعارضة ببلورتها وتأجيجها وبالتالي انعكست مظاهرها بقوة على الشعب وأحدثت صدعا في البناء الاجتماعي والسياسي للمجتمع اليمني.وهكذا تشكل لدى المجتمع خطاب سياسي وفكري (متخلف) يستند على لغة الكراهية والتعصب والعنف والمناطقية والقبيلة والمذهبية والتحزبية العوجاء شاركت كل الجهات والجماعات السياسية والاجتماعية (الأحزاب السياسية والقبيلة وشيوخ الدين) بتغذية هذا الخطاب كرد فعل سلبي ومتسرع لكافة المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المحلية والعالمية آخذا بعين الاعتبار جمود الوعي السياسي الحزبي لدى الطرفين السياسيين بالسلطة والمعارضة إضافة إلى سيادة سياسة(الإرضاء السياسي) وإهمال المصلحة العليا للوطن. لذا فإن الهوية الوطنية كمفهوم وممارسة فكرية يجهله الكثير من اليمنيين إذا ما استثنينا المثقفين والمتعلمين رغم أن هذه الفئة مازالت بحاجة ماسة لدورات تعليمية وفكرية لتأهيلها لعملية فهم واستيعاب المفهوم نتيجة لنوعية الخطاب السياسي والفكري الذي نشأت عليه من قبل(الأحزاب السياسية-القبيلة-شيوخ الدين).عندما نتساءل فيما بيننا كمواطنين يمنيين عن سبب الصورة النمطية السلبية لليمن لدى (الآخر) المواطن العربي العادي أو المثقف السياسي، يجب توجيه اللوم للمعارضة اليمنية والنظام السياسي الحاكم وللشعب لأنهم ساهموا ببناء هذه الصورة النمطية ،فمثلا الخطاب السياسي الإعلامي لدى بعض صحف المعارضة اليمنية خلال السنوات الأخيرة رسم صورة سلبية للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن لم تخلوا أبداً من لغة الكراهية ونكران دور الدولة التنموي وتزييف الواقع وإظهاره بشكل مأساوي مخيف تعمدت المعارضة من خلال خطابها الحزبي إضعاف وتحقير النظام السياسي لكنها كانت بوهم فهي أساسا دون وعي بالمسئولية نقلت صورة سلبية للمواطن اليمني والعربي والآخر بشكل عام جعلته ينظر لليمن (كمجتمع أولا وكنظام سياسي حاكم ثانيا) على أنها البيئة الأغنى بالفقر والبطالة والفساد والجريمة والظلم والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والحروب والجماعات الانفصالية وبأنها دولة فاشلة وفاسدة ...الخ. وحينما يدور الحديث عن اليمن لدى مسامع أي مواطن عربي تتبادر لديه مباشرة تلك الصورة النمطية السابقة وهذا ينطبق على المواطن اليمني بل انه يضيف إلى ذلك الكثير والواقع في الحقيقة ليس بهذه البشاعة ورغم الشفافية النسبية للدولة إلا أنها اعترفت بما تواجه من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية وتلك الإشكاليات السابقة ضمن هذه التحديات لكن ما اقصده بالضبط بالصورة النمطية السلبية عن اليمن هي إظهار اليمن للآخر (العرب،العالم) بثوب رجل (عجوز) معاق ذهنياً وجسدياً لا يمتلك شيئاً من المال، يمد يده دائما طلباً (للصدقات) عاجزاً كلياً عن تسيير أموره الذاتية مصاب بجميع أنواع الأمراض العضوية والاجتماعية والنفسية لا يمكن علاجه منها إلا من خلال عمليات جراحية يتم فيها زراعة أعضاء غريبة عنه(سياسات التدخل الأجنبي) يفقد معها للأبد إرادته الذاتية أو عن طريق عمليات دماغية يتم فيها تنشيط العقل السلبي وتلقيح خلاياه الميتة بإنزيم الحياة (الجماعات الانفصالية) بعد تعفنها وتخلص الجسد منها لأنها كانت تتفاعل وتعمل عكس تيار الدورة الدموية وذلك ما أصابه(جسد الدولة) بالإعاقة الذهنية منذ التسعينات من القرن الماضي) هذه الصورة السلبية نرفضها و لا نؤمن بها فليس من العيب الاعتراف بالخطأ و البوح بالداء والمرض بل العيب يكمن بتحقير وعزل شخص ما لكونه يعاني من مرض ما أو لأنه اقترف خطأ ما. هنالك بعض التساؤلات هل نحن بأزماتنا ومشكلاتنا نختلف عن العالم أو هل نحن فريدون بواقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي؟ولماذا يستهزئ الآخرون بنا وكأننا بأزماتنا ومشكلاتنا غرباء لا يمكن شفاؤنا ، أترانا نحن السبب وراء ما يحصل لنا لذا نحن المسئولون عن هذه الصورة النمطية الخاصة بنا لدى الآخر؟ قبل الإجابة عن التساؤلات العديدة لنتأمل قليلا الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدولة عربية شقيقة ولتكن مثلاً دولة مصر لعلها لا تختلف كثيرا عنا بواقعها فنسبة ومعدلات الفقر والبطالة والتضخم السكاني يتجاوز معدلاتنا البسيطة مقارنة بها،ربما اقتصادنا اليمني ضعيف جدا بجوار الاقتصاد المصري العملاق نسبيا لكن انعكاساته على الدخل الفردي لأغلبية المواطنين المصريين لا يلبي احتياجاتهم الأساسية ، وإذا ما انتقلنا للجانب السياسي وجدنا أن اليمن رغم حداثة نظامها الديمقراطي إلا أنها تفوقت وقطعت شوطا كبيرا بدعمها لحرية التعبير والممارسة الديمقراطية مقارنة بالواقع السياسي المصري والمثال الأكبر لنا التعددية السياسية التي لا حدود لها ويكفينا القول إن دعاة الانفصال في أرضنا اليمنية لو كانوا في دولة عربية ما لسارعت إلى إعدامهم جميعا ونسفهم من الوجود، إذا فان النظام السياسي المصري ليس منزهاً عن الخطأ بل يعاني من أمراض وإشكاليات اجتماعية وسياسية واقتصادية الخ ومع ذلك يعترف بها نسبيا ويعالجها إلا أن الوعي الوطني للمصريين يعكس صورة ايجابية عن واقع الهوية الوطنية المصرية حيث لم نسمع يوما من يشتم أو يلعن أو يتنكر لمبادئ ودستور وقانون ووحدة أراضي مصر بل يفتخرون بهويتهم المصرية بغض النظر عن الأزمات والمشكلات لان هناك إجماعاً شعبياً على حب الوطن وانتقاداتهم توجه للحكومة بطريقة عقلانية واختلافاتهم سياسية وأيديولوجية نسبيا مقارنة بواقعنا .أظن أن رسالتي وصلت إليكم وربما ظهرت لديكم الإجابة عن التساؤلات السابقة الخاصة بمجتمعنا اليمني التي ذكرتها سابقا فنحن يتم الاستهزاء بنا لأننا أساسا لم نتمسك بهويتنا الوطنية ولم نعرها أي اهتمام فمؤسسات الدولة والتنشئة الاجتماعية قصرت وتناست دورها الرئيسي بتنمية الهوية الوطنية فاختلط الحابل بالنبال واخفق الجميع في الفصل والتفريق بين الهوية الوطنية والهويات الأخرى (الحزبية،المناطقية،القبيلة،المذهبية) فتحولت اختلافاتنا الإيديولوجية والسياسية إلى اختلافات شخصية ذاتية انتقلت من المسرح الديمقراطي إلى( حلبة المصارعة الحرة) التي لا قواعد لها تحكمنا ولا هوية وطنية تجمعنا.. بالمختصر المفيد شاركنا جميعا بالإساءة المباشرة والغير مباشرة لسمعة الوطن وكبريائه بين الأمم. إن المبالغة وتزييف الواقع والإبداع الكاذب بتلفيق الإشاعات والاتهامات وتقبيح وتشويه صورة اليمن لدى الآخر جرد المواطن اليمني نسبيا من اعتزازه وإيمانه بهويته الوطنية لذا تشكلت لديه اتجاهات عنيفة وانهزامية ومأساوية تجاه وطنه ودولته وافقده الأمل بمستقبل أفضل جعله يرى العيب أو جوهر الإشكالية والأزمة التي يعاني منها تكمن بكونه يمنياً ينتمي لدولة اسمها اليمن ليس إلا، فإذا ما كنا في دولة أجنبية وسئلنا عن هويتنا الوطنية شعرنا بخجل شديد وحاولنا التهرب عن الإجابة هذا إذا لم ننكر أساساً إننا يمنيون،هذه الإشكالية جعلت المواطن اليمني يظن أن الوطن مصاب بلعنة أزلية لا يمكن الهروب أو الشفاء منها رغم أن جوهر الإشكالية بالأساس ينصب على ثلاثة لاعبين رئيسيين، الدولة والمعارضة والمنظمات المدنية مضاف إليها القطاع الخاص،وهذا يؤكد لنا أننا لم نفهم العلمية الديمقراطية وان انتقاداتنا ليست عقلانية بل نرمي التهم واللعنات عشوائيا على الوطن لا على من يقود ويمثل هذا الوطن سواء النظام الحاكم أو المعارضة.فهل ننتظر من الآخر أن يعيد تشكيل صورة ايجابية عن واقعنا ونحن رسمنا له لوحة سوداء فكيف بإمكانه تزيينها وتلوينها وإيضاح ملامحها الرائعة ، بصراحة وطنيتنا وحبنا للوطن كبير جداً لكننا لا نمارس ذلك على ارض الواقع كثيرا . ألا تعتقدون بأننا نادرا ما نصادف بحياتنا مواطناً يمنياً لم يشتم أو يلعن ويتهم الوطن (اليمن) بأنه سبب مشكلاته وفقره وجنونه وللتوضيح أكثر لو أن شخصا ما سواء ينتمي للحزب الحاكم أو للمعارضة حصلت لديه مشكلة أسرية مثلاً تشاجر لتوه مع احد أبنائه سنجده لن يستثني الوطن من اللعنات والتهم والعبارات القاسية التي سيقذف بها ابنه ، لكن ما ذنب الوطن !هذا يثبت لنا بأننا نعاني من إشكالية التهرب من المسئولية وإلقاء اللوم على الآخر، لذلك نحن بحاجة ماسة لتغيير طريقة تفكير (العقل اليمني) بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بالهوية الوطنية ،هنا يبرز لنا دور الدولة والأحزاب السياسية بمن فيها المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى ذات الصلة بتنمية الوعي الوطني لنعكس للعالم صورة ايجابية عن واقعنا . كلنا ننادي بالحوار الوطني المسئول وقليلون هم من يغردون خارج السرب الوطني لأنهم أساسا لا وطن لهم يحتضن شذوذهم ورغباتهم الشيطانية والانفصالية، فشعار حوارنا الوطني يتمثل بإيماننا الكبير بمبدأ أساسي هو (كلنا للوطن لا على الوطن) أليس الوطن هو من يعطينا كل شيء دون أن نبادله الوفاء والعطاء؟، وفي الأخير اشدد على أهمية الحوار الوطني فرئيس الجمهورية لم يفقد الأمل بتاتا بان لغة الحوار هي الحل الأساسي لنا للالتحاق بالعالم الجديد عالم المعرفة والتنمية والديمقراطية،ومادام ينادي بالحوار ويكرر ذلك بخطاباته ويضيف بأنه يؤيد ويدعم الانتقادات العقلانية الايجابية الوطنية لسياساته وإستراتجيات حكومته فلماذا لم تسمح مؤسسات الأعلام الرسمية (التلفزيون ،الصحف الرسمية،الإذاعة..الخ) بمساحة حرية نسبية للوجه الآخر من الشعب اليمني (الهوية الوطنية)سواء للمعارضة أو للمستقلين داخل مؤسساتها وبرامجها كما كانت تسمح للمرشحين لرئاسة الجمهورية بالانتخابات الرئاسية الأخيرة،فالأفضل لنا كشعب عربي ودولة نامية أن نتبع النموذج الوطني الديمقراطي الإعلامي بحيث يكون تحت إشراف الحكومة لا تحت سلطة الحزب الحاكم وبحسب المزاج السياسي للحكومة لكي تكون العملية الديمقراطية حقيقية ونزيهة ووطنية تسمح للآخرين بإبداء آراهم والتنافس والتحاور معهم تحت سقف وطني واحد، فتعدد الأسقف للأسف يتبعه تعدد الولاءات والاتجاهات المتناقضة تماما والإشكاليات والتحديات والهويات والمصالح خاصة بالنسبة لدولة عربية من العالم الثالث. *باحث اجتماعي