كتب/ د. محمد قيس من الواضح ان الكلام الانشائي المنمق وغير الواقعي الذي خرج من رعاة الجهاز الدعائي المحيط بالنظام الحاكم لم يؤت اكله ولم يستطع اقناع الناس بصحة المعلومات التي ينشرها صباحا ومساء وليلا ونهارا المتعلقة بسلامة كل القرارات والسياسات التي يتم اتخاذها من قبل حكماء العصر الذهبي الحالي لليمن ، وانهم صالحون وخيرون حتى النخاع ولا يبتغون من أعمالهم سوى ابتغاء مرضاة المولى عز وجل. فالمتابع لما نشرته الصحف الرسمية بمواكبة اجتماع لندن الاخير وحاليا الرياض يكتشف بكل بساطة ان السلطة فشلت في انجاز ما تضمنه البرنامج الانتخابي للرئيس من وعود كثيرة ، وان هناك من كذب على الشعب حين صرح بانه تم انجاز نسبة تفوق 80% من ذلك البرنامج الانتخابي الطموح الذي حمل عنوان " يمن جديد ومستقبل افضل" وتم ذلك في فترة وجيزة جدا لاتتجاوز العام والنصف بعد انتهاء الانتخابات وإعلان نتائجها ، مما اوقعنا في حيرة شديدة واستغراب وتساؤلات حول هذه المعجزة العظيمة، اذ كيف استطاعت الحكومة تحقيق تلك النسبة المبهرة وفي تلك الفترة القصيرة ، وهذا ترك انطباعا كبيرا لدى المواطن البسيط بأن الرئيس واركان نظامه سيدخلون موسوعة غينيس للارقام القياسية. فاذا كانوا قد استطاعوا تحقيق ذلك الانجاز فمعنى ذلك ان النظام سيحقق اضعاف اضعاف ما تضمنه البرنامج الانتخابي الرئاسي، خاصة ان الفترة الزمنية هي سبع سنوات. وعزز من هذا الاعتقاد ما شاهدناه من اصرار الرئيس ومرافقيه على الخروج الى شوارع سنغافورة وهونج كونج ودبي ليشاهدوا بأعينهم النهضة الكبيرة التي تعيشها تلك البلدان الصغيرة واعتقدنا ان الخبرة ناوون تمثُّل تجارب تلك الجزر - التي تكاد ترى بالعين المجردة في خريطة العالم. يضاف اليه ان تلك التصريحات الاعلامية الرسمية قد خلقت لدينا شعورا ان ذلك البرنامج يعتبر اقل من طموح القيادة السياسية فهي تستطيع تحقيق اكثر من ذلك بكثير وبما يجعل الابناء والجيران والاصحاب يشعرون بمستقبل افضل وامان معيشي وسياسي. ومثال آخر على التصريحات المبالغ فيها او " اللغز المحير " فهو المتعلق بتوليد الكهرباء بالطاقة النووية والذي صاحب الحملة الانتخابية ثم قيام فخامة الرئيس بزيارة مفاعلات نووية فرنسية فتفاءلنا خيرا ، رغم علمنا اننا نبعد عن هذه التكنولوجيا آلاف الاميال ، لكن قلنا لعل حكيم اليمن واثق من نفسه لدرجة قصوى وقد يكون حصل على وعود من دول اخرى ، قريبة او بعيدة عنا ، باهداء اليمن مفاعلاً نووىاً كعمل من اعمال الخير ، لعلمها انها لن تجد يمنياً واحداً يستطيع ان يتعامل مع مثل (هيك) تكنولوجيا. وبعد انتظار ليس بالقصير نكتشف ان المسألة مجرد تصريح اعلامي متسرع ربما لكسب المعركة الانتخابية وربما ان الدولة/الدول التي وعدت لم تف بوعدها مما اثر سلبا على العلاقات بين صنعاء وتلك ... وليس هذا فحسب ، بل ازداد وضع الكهرياء المنتجة بالطرق التقليدية سوءا وتدهورا ، اي اننا لم نحصل على بلح الشام ولا حافظنا على الموجود. وفي ضوء ذلك يتضح ان تلك العنتريات مجرد فقاعات سرعان ما تلاشت، لانها لم تكن تستند الى حقائق واقعية في الميدان وبشهادة الصحف الرسمية حيث اتضح ان اليمن يقترب من حالة الانهيار وان الازمات مستفحلة وقد تقود البلد الى اعلان الافلاس التام - ليس المالي فقط بل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني ، ويصبح الحال مشابهاً لوضع الصومال الذي بذلت صنعاء جهودا حثيثة لتحقيق المصالحة بين احزابه المتصارعة على السلطة !!!! طبعا الاعلام الرسمي لم يقل الكلمات الاخيرة علنا ولكن يستشف من خلال الكلام الحزين الجديد الذي تبثه وتنشره تلك الوسائل هذه الايام ما هو ابلغ من ذلك بمسافات شاسعة. وفي الحقيقة ان تناولات بعض الصحف الحكومية هذه الايام قد تحسن الى حد كبير عن السابق وتكاد تقترب من الواقعية والمصداقية في تناولاتها للقضايا الوطنية وهموم الناس الحياتية. لقد اختفت من الجرائد والتلفزيون التصريحات العنترية وحلت محلها مقالات وتحليلات ومقابلات تدعو الى المصارحة والمكاشفة "الغلاسنوست والبيروسترويكا" وان اقتصادنا يتدهور الى الاسوأ يوما بعد الآخر ، والتحديات تكاد تخنق البلد من جميع الاتجاهات ... وان هناك سلبيات كثيرة لم يكن الاعلام يعترف بها لانه لم يكن يلبس نظارات سوداء ، اما الآن فقد انعكس الحال واصبح خطاب الصحف الرسمية يكاد يقترب من خطاب الصحف الحزبية المعارضة والمستقلة ( وما فيش حد احسن من حد ) والمساواة في لبس النظارات عدالة. كل ذلك يشير الى ان الجماعة كسروا طوق الحصار المفروض عليهم من القيادات العليا والمتعلق بمنعهم من لبس نظارات ، خصوصا الشمسية منها ، وعندما قاموا وبخفية بشراء نظارات سوداء ولبسها فإنهم اكتشفوا ان اوضاع الوطن متردية فعلا ، ولهذا يكفي كتاب المعارضة والمستقلين فخرا انهم استطاعوا اقناع زملائهم كتاب الصحف الرسمية وغيرهم بأهمية اقتناء نظارات سوداء لكي يكتشفوا الحقيقة .. عملا بالمثل القائل " القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود ". يذكر هنا اننا كنا في السابق لانثق (نتشكك) كثيرا فيما تنشره صحف المعارضة عن تخبط السياسة الرسمية وتقلباتها وآثارها السلبية على الوطن والمواطن .. لانها باختصار آراء "معارضة" ، أما الآن فإن المرء يزداد حزنا وخوفا على حاضره ومستقبله في هذا الحيز الجغرافي النائي من العالم وذلك لأن الجميع يدقون اجراس الانذار بكافة الطرق. لقد غطت صحف كثيرة ووسائل اعلام مختلفة ، محلية واجنبية ، كثيراً مما قيل قبل اجتماع لندن واثناء انعقاده وبعده واتضح ان الحكومة في مظهر الشاكي والباكي ولامت حظها التعيس والمطبات الارضية والهوائية التي وقفت حجر عثرة في طريق نجاحها ، والتزمت بان تقوم بدهن البحر "بوية" بس .. لازم يعطيها المجتمع الدولي فرصة اضافية لاعلان التوبة وتصفير العداد ومن ثم ستأتي بانجازات لم يأت بها الاوائل ، وحدث نفس الشيئ في اجتماع الرياض الحالى. اذن وفي ظل هذا المشهد الدرامي الحزين للوطن .. ما العمل ؟ وكيف نستطيع تجاوز هذا المنعطف الخطير من تاريخنا المعاصر ؟ هل يكون التغيير السياسي حلا واقعيا يساعدنا على الخروج من عنق الزجاجة ؟ ام ان المشكلة اقتصادية بالدرجة الاولى وستعالج حالما تحصل الدولة على ( شيك مفتوح ) مساعدات خارجية بدون شروط ، يستطيع المسؤلين ان يصرفوها حيثما يريدون ، واذا لم يتحقق ذلك فقد اعذر من انذر " ويكون الخراب علي وعلى اعدائي" ؟ ام اننا بحاجة الى حكومة ظل " وصاية " اجنبية مستقلة تكون مسئولة عن مراقبة الاداء السلطوي والتخفيف من حدة الصراع بين السلطة والمعارضة ، من بعيد ودون تدخل مباشر من الدول الكبرى ، رغم ما ينتج عن هذا من تهديد لسلطات الحاكم المطلقة وانتهاك لما تبقى من السيادة وطنية ؟. ختاما ، تجدر الاشارة إلى ان هذا المقال هو مساهمة في النصح ولفت الانتباه الى بعض الممارسات السلبية التي اثرت سلبا في تطورنا واستقرارنا وليس للتشهير بأي كان ، فاذا فهم القارئ الكريم ماكتب هنا خطأ فيمكنه التوضيح وتصحيح ما يلزم حيث اننا جميعا مجتهدون ولكل مجتهد نصيب من الاجر إن شاء الله.