كتب/نبيل الصوفي لم يكن هذا موضوعي لهذا الأسبوع.. كنت قد قررت البدء في سلسلة مقالات عن اهتمامات أخرى غير السياسة.. لكن مصادرة صحيفة حديث المدينة –الثلاثاء- كان خبرا اضافيا ساقته وزارة الاعلام في منتصف الاسبوع بعد ان اختتمت الماضي بمصادرة أول جهازي بث خارجي أدخلت بهما قناتي العربية والجزيرة اليمن الى القرن الواحد والعشرين رغما عن وزير الاعلام الأستاذ الفاضل حسن اللوزي، الذي كان رافضا السماح للقناتين ولليمن التشارك للخروج من ماقبل 1978م. اليكم جملة اعتراضية مطولة -ذكرت 78 هنا لأن رئيس الجمهورية هو من قال لمعالي الوزير يوما ما: "عادك في سنة ماطلعت"، وكان في سياق انتقاد لتوجهات الوزير الملتزم بابقاء اليمن في ذلك العام وماقبله، وللأسف يبدو أن معالي الوزير هو الذي نجح في اقناع فخامة الرئيس وليس العكس، وهاهما معا يسحبان جهازين دخلا بإذن شخصي من الأخير بعد أن عجز الهلا والملا في اقناع معالي الوزير ان من المعيب أن تظل اليمن في قائمة دول مغلقة السماوات في عصر تشهد فيه سوريا والسعودية انفتاحا غير مسبوق. كمواطن وصحفي شعرت بالخزي وانا أرى طاقم مكتب معالي الوزير على شاشة الجزيرة اثناء مصادرة احد أرقى انتاجات العقل البشري السلمي.. ليته ترك للمؤسسات العسكرية والامنية القيام بالمهمة على الاقل كنا سنقول هو صراع الاجهزة المدنية والعسكرية. اقصد صراع الانتاجات الانسانية مش اجهزة اليمن. وبالطبع لم يقم هو بالخطوة لوحده، ولذا لايمكننا أن نخاطب جهاز الامن القومي تنبيها أن ماقام به معالي الوزير إساءة للمصلحة القومية العليا لليمن التي نشأ هذا الجهاز الحديث بدعوى حمايتها. لكن ليس لدي شك ان معاليه يتولى كبر ماحدث.. لقد قلت يوم ان علمت بإذن الرئيس بادخال الجهازين ان الأستاذ حسن لن يصبر طويلا.. وياخلق الله هو يفعل ذلك بكل شعور بالمسئولية علينا وعلى بلادنا.. لقد اقسم ان لايرى قانون الاعلام الجديد النور.. لان اليمن مش حمل حرية من هذا النوع. ليس شخصا منغلقا وهو من قلائل بدؤوا الاهتمام بالانتاجات الحديثة في الحياة الشخصية.. لكن في الاعلام هو لايريد دوشة دماغ ف"الاوطان مش لعبة".. واظن لو بيده لمنع دخول الموبايلات وكاميرات التصوير والفاكسات ايضا الا باذن خطي وشخصي. يمكن هنا اضافة جملة أخرى، فلقد استخرج معاليه قرارا من مجلس الوزراء بالغاء تسمية "عدن" من الفضاء التلفزيوني.. طلب معاليه برره بأن اليمن صار واحدا والتسميات المناطقية مضرة بالوحدة.. تخيلوا اسم "عدن" الذي عرفه الفضاء الاعلامي قبل ان تكون هناك دول في المنطقة صارت اليوم قبلة التعدد والتحذيث صار مجرد "خوف مناطقي".. وللاسف اقر الامر بالاغلبية.. وحتى حين حاول البعض تدارك الأمر واستخراج توجيه رئاسي يعيد عدن للفضاء يصر معاليه على رأيه، ويالله صلح اصلحك الله يجمع عدن ليمانية ليبقى الاسم "عدن يمانية".. في اخر زيارة استقبلني معاليه في مكتبه اكتفيت بان نظرت الى وجهه وهو يقول لي: "انتظر لوما يصدر القانون".. قال لي ذلك بكل وقار واستقبلني بكل احترام شخصي لكني عطفت ورقتي وخرجت سريعا.. ف"هذا هو الاستاذ حسن". وربما لهذا هو الوحيد من جيله الذي عاد لسلطة تدعي انها غادرت 78 لكنها سرعان ماتتخلى عن هذا الادعاء. كنت طلبت منه اذنا بالسماح لموقعي "نيوزيمن" بخدمة الرسائل القصيرة اسوة بآخرين ملتزما بادق شروط الموضوعية.. حين نظرت لوجهه خرجت سريعا فهو جاد في مخاوفه من الشعب الذي انا منه على الوطن الذي هو من المسئولين عليه. كان هذا قبل أشهر من اقتلاع رياح عاتية لارشيف موقعي.. ولعامين وسطوة وزارته تتزايد.. مع اننا كاعلاميين مش ناقصين، فهناك وفرة من الخصوم من كل الالوان والاطياف السياسية والاجتماعية ضد مهنتنا.. ونحن حتى لم نستطع بعد حماية هذه المهنة من قصورنا واخطائنا.. يمكن تماما توجيه اقسى النقد لقناة الجزيرة او لحديث المدينة.. لكن الاجراءات العقابية من هذا النوع، لاتشي إلا الى تخلف عميق هو مدعاة لقلق مضاعف من مستقبل يمر من بين ايدي الكتم والمصادرة. كسر المرآة لايخفف من قبح الصورة الواقفة أمامها.. تزيينها ايضا لايمكن أن يجمل الصورة. أستاذ حسن، نعم لديك كثير من الحق في المخاوف والقلق.. ولسنا مختلفين عن تقييم الظرف المعقد الذي تمر به اليمن.. لكن ماتفعله ليس سوى الضد لماتتوخى تحقيقه.. صادرت جهازي بث بدعوى حماية اليمن, فكيف صارت صورة اليمن امام عالم شاهد طاقم مكتبك شاهدا على تخلف الوزارة والحكومة والبلد التي ننتمي لها جميعا.. لايمكن للجزيرة أن تكون قناة صنعاء.. ولايمكن لحديث المدينة ولا لاخبار عدن ان تكون 14 اكتوبر او الثورة.. لايمكن ان يكون الاعلاميون جميعا نصر طه مصطفى او علي ناجي الرعوي او عبده بورجي.. هذا ليس تقليلا لهم فهم أساتذتنا وزملاؤنا.. لكنهم في وظائف غير التي نحن فيها.. وهذا مايسمى تعددا.. وهنا اختبار قدرتك على تجاوز ماقبل 17 يوليو او حتى 7 يوليو.. ومالم تقد داخل الحكومة والسلطة اصلاحات تراعي ذلك ستجدنا كل يوم أقرب للسياسة وأبعد من المهنة ولن نكسب في النهاية شيئاً لا نحن ولا هم ولا انت ولا علي عبدالله صالح.. مقالي هذا ليس اتفاقا مع صراخ المعارضة السياسية.. فهي مثلك استاذ حسن, لاتؤمن إلا برأيها.. الثورة والثوري, اكتوبر والصحوة, كلها ذوات هدف سياسي لاتختلف كثيرا عن بعض (اعتذر لاكتوبر فهي افضل حالا من الصحوة من حيث التنوع ولكنه بقدر لايمكن الاشادة به).. المعارضة لاتقدم دليلا على انها فعلا تدرك ماتنتقده من ادارة السلطة للاعلام.. لذا فادارتها للاعلام هم مثلك استاذ حسن.. وليس هذا الذي نرجو.. كما ان حديث المدينة والعربية والنداء ليست مانشكو منه, فهي وسائل تبذل كل الجهد للاتزان وفقا لوظيفتها وليست وفقا لمايخدم الاجندة السياسية للحاكم او معارضيه.