استطلاع/ رشيد الحداد أثارت ثورة الفتيات ضد سن الزواج ثائرة التشدد الديني، فمنذ عدة أسابيع والحملات المضادة لضرورة الحد من الانتهاكات التي تطال الآلاف من القاصرات في المجتمع اللاتي يصبحن ربات بيوت بقوة الإجبار والعنف والإذلال وسحق الآدمية الإنسانية وبراءة الطفولة التي قدمت على مدى 16 عاما كقرابين لوحوش مفترسة في مجتمع يسوده الجهل والأمية والفقر وغياب العدالة الاجتماعية ويسيطر عليه التشدد، مستخدما الورقة الدينية التي أسقطت أكثر من حق وأرست مداميك أكثر من باطل فيما يتعلق بالقضايا الفقهية غير القطعية، فكل الأدلة التي قامت عليها ثائرة التيار المتشدد الذي حرم وجرم تحديد سن الزواج ب18 عاما بصورة وصفها الفقهاء والدعاة المعتدلين بغير المبررة لإجهاض قانون يحدد سنا آمنا للزواج.. إلى التفاصيل: حالة استنفار قصوى في صفوف التيار السلفي المتشدد في اليمن منذ بداية الشهر الجاري في مواجهة اعتبرها أحد قادة التيار بالحتمية ضد أنصار تحديد سن الزواج الذين يقفون خلف مشروع قانون تعديل المادة 15 من القانون رقم 20 لسنة 1992م بشأن الأحوال الشخصية التي تحمل دلالات انتصار التشدد الديني في ثاني تعديلات دستورية شهدتها اليمن عام 1994م بعد صراع مرير خاضه التيار منذ تسعينيات القرن الماضي وتحديدا 1991م باء بالفشل في ظل وجود قوى ليبرالية مضادة في البرلمان. صفقة تعديل المادة 15 من نفس القانون جاءت في سياق صفقة كبرى استطاع من خلالها الإصلاح المشاركة في الحكم حتى 1998م وجاء تعديل المادة دون مبرر شرعي حينها، حيث كان القانون في نفس المادة قبل صفقة التيار الديني المتشدد في تجمع الإصلاح مع المؤتمر الحاكم يشترط حدوداً موضوعية لزواج الفتيات في سن 15 عاما وهو التحديد الذي أقره قانون الأحوال الشخصية في شمال الوطن قبل الوحدة وظل لعقود دون تغيير نظرا لافتقار التيار المتشدد لآلية التأثير على صنع القرار، وفي نفس الاتجاه الإيجابي حدد المشرع في جنوب الوطن قبل الوحدة زواج الفتيات ب16 عاما وحين استخدمت الورقة الدينية لترجيح كفة الشرعية إبان أحداث 94م المؤسفة والتي أوجدت للتيار الديني المتشدد عوامل تأثير تمكن من خلالها تمرير رغباته وفق رؤيته الخاصة، حيث أسقط حدود الزواج السابق في القانون وجعلها مفتوحة ليعرض عشرات آلاف الفتيات للافتراس وغالبية تلك الضحايا ينتمين لأسر فقيرة تسود فيها الأمية والجهل بتبعات زواج القاصرات. ثورة الخطباء وبيان العلماء لم يكتف أحد خطباء الجوامع في العاصمة الجمعة الماضية بالتحذير والنذير وكيل الاتهامات وتجريد المنظمات الحقوقية التي تقف في صف تحديد سن زواج الفتيات كضرورة إنسانية وأخلاقية بل جرد كل من يؤيد تحديد سن الزواج من عمله الوطني معتبرا كل من يدعو إلى الحد من الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يجبرن على الزواج في وقت مبكر أنه يعمل لصالح الغرب وينفذ أجندة خارجية تستهدف الدين والمعتقد والهوية وكان مؤتمر عاجل عقده ما يقارب ال150 بين عالما وشيخا وداعية وفقيهاً يوم الجمعة الماضية في جامع الخير أصدر بيانا يحمل اسم بيان علماء اليمن تجاه تحديد سن الزواج واعتبر الموقعون عليه والذين يتجاوزون ال130 عالما وفقيهاً ما تدعو إليه بعض المنظمات الأجنبية جد خطير وتهدف من خلال تلك المطالبة سلب الأمة دينها وأخلاقها وهويتها، مشيرين إلى أن اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) من أخطر الاتفاقيات الغربية المتعلقة بالمرأة التي يحاول الغرب من خلال تنفيذها رسم نمط الحياة في مختلف المجالات، كما جاء في مقررات مؤتمر بكين عام 1995م ووثيقة الطفل الصادرة من الأممالمتحدة عام 2002م التي تدعو للحرية الجنسية للصغار (الزنا، والشذوذ الجنسي) وتشير الوثيقة في البند رقم 40 إلى منع الممارسات التقليدية ومنها تحديد سن الزواج ب18 عاما بالإضافة إلى ما صدر عن لجنة مركز المرأة في الأممالمتحدة في جلستها رقم 51 مارس 2007م من قرارات "منع الزواج قبل سن 18 عاما واعتبر البيان تحديد سن الزواج محاربة للعفة وإطلاق العنان للفاحشة والرذيلة في المجتمع المسلم. وأشار البيان إلى منع تحديد الزواج أو تحديده بسن معين والذي يطالب به الذين يريدون تحديد سن الزواج معتبرا ذلك منكراً عظيماً ولا يجوز شرعا وأقر المؤتمر تبني حملة ال5 آلاف توقيع لمنع تحديد سن زواج الصغيرات. حق أصيل بين التحريم والتجريم قبل تحريم وتجريم التيار المتشدد تحديد سن زواج الصغيرات خارج نطاق البرلمان تحولت لجنة تقنين أحكام الشريعة في مجلس النواب إلى دار إفتاء بعد استجابتها لضغوط بعض المتشددين بالعدول عن التصويت على تحديد سن الزواج ب18 عاما، وتمديد فترة دراستها للمادة 15 من القانون 10 أيام انتهت ولم تطرح اللجنة المادة للتصويت إلى اليوم رغم تصعيد التيار المناهض سعت المدرسة الديمقراطية إلى تبني حملة المليون توقيع في اتجاه التأييد إلا أن الحالة الصراعية بين قوى مناهضة وأخرى مؤيدة أثبتت تماسك المتشددين مقابل ضعف تأثير منظمات المجتمع المدني التي سبق أن خسرت قضية مساواة دية المرأة بدية الرجل. مفاسد تستدعي درءها جوهر القضية أن مؤيدي تحديد سن الزواج ومناهضيه يفتقرون إلى دليل الصريح والصحيح فمن يقف في صف التأييد يعتبرون القضية خلافية ويستحسنون القياس وفق القاعدة الفقهية درء المفاسد أولى من جلب المنافع. ويستندون إلى دراسات صحية واجتماعية أثبتت جميعها صحة فرضية طغيان مفاسد زواج الصغيرات من كافة الجوانب على جلب المنافع، فارتفاع نسبة الطلاق والتفكك الأسري وتعرض القاصرات للعنف اللفظي الخادش للحياء والجسدي بوحشية ويحول حياتهن إلى جحيم مما يدفع ببعض الضحايا إلى الانتحار "كشرب المبيدات الزراعية" ويدفع أخريات إلى اللجوء إلى شيوخ قبائل طلبا للاستجارة من جحيم العنف المفروض من الزوج أو أسرتها ويتحولن إلى خادمات مدى الحياة كثمن لحرية مسلوبة ولطفولة سلبها الجهل وقسوة الآباء وطمعهم والنعرات القبلية. الباحث الاجتماعي/ فؤاد محمد سلمان يرى في زواج الصغيرات ظلما كبيرا وانتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل وسببا رئيسيا لتفشي الأمية في أوساط الفتيات وطريقاً مفتوحاً لحياة زوجية تنقصها السعادة ويخيم عليها الصراع والعنف أما المفاسد الصحية -حسب الدراسات- فتشير إلى أن 74% من إجمالي وفيات الأمهات هن من النساء المتزوجات قبل سن النضوج الجسمي والعقلي والنفسي، كما أن نسبة 80% من الاطفال ناقصي الوزن أمهاتهم قاصرات وحسب إحصائيات عام 2008م فإن أعلى معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة أمهاتهم قاصرات ونظرا للمفاسد التي يجب درؤها فإن علماء الطب والاجتماع وعلم النفس أجمعوا على أضرار زواج الصغيرات فيما اتفق علماء ومشائخ وفقهاء اليمن على أن لا يتفقوا وتشير شدة الرفض الممزوج بالتعصب الديني إلى اتساع الهوة بين العلماء الممانعين لتحديد سن زواج الصغيرات وبعدهم عن المجتمع وقضاياه حتى وصل الأمر بالنائب/ الحزمي إلى القول سنقف لهم بالمرصاد واتهام الدعاة المؤيدين بالجفاف الروحي ومخالفة الإجماع. التتار قادمون صباح السبت الماضي تحول مجلس النواب إلى دار إفتاء لتوزيع بيان العلماء الرافضين لتحديد سن الزواج بعد يوم واحد من إقراره في جامع الخير حسب تأكيد مصادر مطلعة وتم نشر البيان المضاد لحق أصيل من حقوق الإنسان في الأماكن العامة وفي الجوامع والمساجد بعد أن عمم التيار الديني المتشدد على أنصاره ضرورة تبني حملة من خلال خطبة الجمعة وكذلك تخصيص دروس العلم في بعض الجوامع لتوعية المجتمع من خطورة المد الغربي الممثل بتحديد سن الزواج وحتى مساء السبت ظلت حملة التوعية التي خيلت للمواطن البسيط أن مشكلة تحديد الزواج إحدى أكبر التحديات التي تواجه اليمن أرضا وإنسانا ودينا وهوية ولم يبق بعد التهليل والتكبير إلا أن يقول خطباء الجوامع المحسوبون على التيار السلفي المتشدد -وهو تيار هجين يجمع كافة المتشددين من الوهابية والإصلاح من بقايا الإخوان المسلمين- (التتار قادمون). معارضة القاضي الداعية الإسلامي/ شوقي القاضي عضو مجلس النواب اعتبر حشد الناس ضد القانون عملية سياسية وليس شرطا مشيرا إلى أن حجة الذين حشدوا الناس ضعيفة ولا تقوى على النقاش العلمي مع المختصين من علماء الطب والاجتماع وعلم النفس، لذلك نقلوا معركة الرفض إلى خارج مجلس النواب مستغلين عاطفة الرفض لدى الناس وأضاف القاضي أن الأمر وصل ببعض الرافضين إلى مخاطبة الناس بالقول هل تريدون الزنا أو الزواج المبكر؟ هل تريدون الله أو الغرب دون أ، يناقشوا الحجة بالحجة والدليل بالدليل بل استخدموا تهييج العوام ولو جلسوا مع مختصين أو لجان من الصحة والجامعات والأوقاف تجمع بين الشرع والواقع لأعادوا النظر ولكنهم لا يجيدون سوى الاتهامات، وأشار إلى أن الطرف الذي تعرض لاتهامات من أولئك المتهمين يعلم أنها معركة خاسرة. وحول طلب 20 عضوا من الإصلاح والمؤتمر إعادة المداولة حول قانون تحديد سن الزواج أكد القاضي أن القانون أعطاهم هذا الحق معتبرا المشكلة في التحريض وفي الاتهامات، مشيرا إلى أن الجميع تهمه الشريعة الإسلامية والقيم ولكن البعض انحدر في هاوية الاتهامات، وأضاف: الطرف المعارض لتحديد سن الزواج يستخدم ورقة الإرهاب الديني وهي حجة الضعيف وأبدى أمله بمجلس النواب أن يناقش الموضوع نقاشا علميا واختتم تصريحه للوسط بالقول: أنا أول من بدأت هذا الموضوع ولم أشترط سنا محدداً لأنه خاضع للظروف الاجتماعية والصحية وهناك دول اختارت 16 سنة وأخرى 15 سنة لدرء مفاسد الزواج المبكر. الاتجاه الحكومي في ضبط ظاهرة زواج الصغيرات بدأ جزئيا منذ ما يقارب العامين، بصدور سجلات عن وزارة العدل وأوراق عقود تشترط توقيع وبصمة الزوجين وهو ما حظي باستجابة واسعة النطاق داخل المجتمع. مشهور/ المتشددون يقفون ضد الحقوق لماذا القوى المتشددة تحاول أن تسقط كل حق من حقوق المرأة؟ لماذا كل هذا التهويل والتضخيم لقضية تحديد سن الزواج؟! بهذه التساؤلات المشروعة بدأ حديثنا مع الأستاذة/ حورية مشهور نائب رئيس اللجنة الوطنية للمرأة وتابعت بالقول: نحن لسنا ضد الشريعة الإسلامية ولسنا مع الأجندة الغربية لدينا الحجج الشرعية في طلب تحديد سن الزواج ونستند إلى دراسات قمنا بها وإلى قانون حقوق الطفل ومعظم القوانين تعتبر سن الرشد والأهلية بلوغ ال18 عاما، وكل الدراسات أثبتت أن هناك أضرارا كبيرة تترتب على زواج القاصرات كونهن غير مؤهلات للزواج قبل سن النضج ولا بد من احترام رغبات وضرورات المجتمع فوضع زواج الصغيرات وضع شاذ ومسيء لحقوق الإنسان في اليمن.. وحول السيداو أفادت السيدة مشهور أن الاتفاقية الدولية شأنها شأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تطالب بحق المرأة في التعليم والصحة وغيرها من الحقوق وجميع الدول الإسلامية والعربية موقعة على الاتفاقية ومنها اليمن عام 1984م ولو كان هناك تصادم مع الشريعة الإسلامية فلن توافق عليها الدول الإسلامية واعتبرت ما يستند عليه التيار الديني المتشدد انتقاء، مشيرة إلى أن هناك من القوى القبلية والليبراليين في مجلس النواب منفتحين ويدركون أهمية تحديد سن الزواج، وطالبت مشهور المتشددين بأن لا يطبقوا السيداو بل نريدهم أن يطبقوا الشريعة الإسلامية السمحاء.. وحول دور اللجنة الوطنية للمرأة والمنظمات ذات العلاقة إزاء التصعيد الأخير أكدت مشهور عدم وجود أي نوايا للدخول مع القوى المتشددة بتحد مضيفة "والمطالبة بالحد الأدنى من الزواج ليست بدعة وإنما ضرورة وليست تجرؤاً على الشريعة الإسلامية فالقضية ليست قطعية وإنما تخضع للقياس".. واختتم بالقول أن الكرة في ملعب النواب مشيرة إلى أن مشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب قدم بعض الاستثناءات في حالة اقتضاء الضرورة كزواج صغير وصغيرة يعيشون في بيت واحد.. الجدير ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخديجة وعمرها 40 عاما ولو دعي العلماء إلى العمل بهذه السنة المباركة لقضى المجتمع على ظاهرة العنوسة.